اتصال هاتفي يحمل لجيهان نبأ وفاة أبيها في شيكاغو. هي لحظة الوقوف على حقائق غابت زمناً طويلاً، تتزامن مع اندلاع الثورة في العاصمة التونسية. وفيما المدينة تنتفض لترسم مستقبلها، ينتفض غضب جيهان المكتوم حيال أبيها حبيب الذي حمله الحلم إلى شيكاغو مع شقيقه نور الدين المختفي منذ ثلاثين سنة إثر جريمة غامضة، أو ربّما قصّة حبّ مزدوجة. غضب يحملها للبحث عن حقيقة الحلم الذي يدفع الأب للتخلي عن ابنته طفلةً. أحداث تتكاثر عبر جغرافيا مفتوحة، تسرد من خلالها الرواية تفاصيل حياة متشعبة تلعب فيها المرأة دوراً رئيسياً، في سعي دؤوب لملامسة الحقيقة بغية التحرّر من قيودها، والانطلاق الحرّ نحو المدى المفتوح.
رواية صغيرة قراءتها سلسة للكاتبة والمترجمة إيناس العباسي أحداثها بين الماضي من بعد استقلال تونس والحاضر مع بداية الثورة التونسية حياة 3 أجيال ما بين منزل بورقيبة المدينة التونسية وشيكاغو المدينة الأمريكية حكايات الحب والتخلي والفقد, النجاح والخيبات, الهجرة وأحلام الثراء وتأتي النهاية مع أول خطوات الخلاص والتحرر من أثقال الماضي
حين ينتابني الفضول لقراءة كتاب ما، يسبقني حدسي وأفكاري المسبقة إلى صفحاته، أتخيل أسلوب الكتابة وعمق الأفكار ومدى النشوة المرتقبة أو التبرّم المحتمل. وفي أغلب الأحيان تصدّق القراءةُ الأحكامَ وتؤكّد ما ذهبتُ إليه من تصوّرات. لكن في أحيان قليلة أخرى، أفاجأ وألقى مالم أتوقّع. قراءتي الأولى لإيناس العبّاسي هي إحدى هذه الأحيان القليلة، ولحسن الحظّ أنّ المفاجأة كانت إيجابية تماما.
ذكّرني نصّ "منزل بورقيبة" بآخر كنت قد قرأتُه منذ أقل من سنة تقريبا وهو "القندس" لمحمد حسن علوان، فكلاهما يتأسس على الاسترجاع لإعادة بناء شبكة علاقات أسرية معقّدة فوق جبل من الذكريات، وكلاهما يبحث عن الحاضر بين حكايات الماضي. ولئن كان "القندس" في بنائه أكثر انغماسا وتأمّلا، فإنّ "منزل بورقيبة" يبدو أكثر تعقيدا من خلال المراوحة بين ذاكرتين متباينتين، ليحكي قصة واحدة. جيهان وصوفية أو صوفيا كما كتبت إيناس العباسي، امرأتان تمثّلان بعض وجهين من المدينة التي يبدو أن الجميع يهجرها. تهجرها جيهان لأنّ حياتها الدراسية ناجحة، ولأنّها طبيبة، وتهجرها صوفية لأنّ حياتها فاشلة، وعليها أن تتشبّث بأي شيء يأخذها بعيدا، لذلك يمكن أن نلمس بعض الاختلاف في الرؤى بين المرأتين، وإن لم تقدر كاتبتُهما أن تباعد بينهما تماما، ولا أن تبتعد هي نفسها عنهما، فلا استطاعت أن تقنعنا بشكل قاطع أنّ جيهان طبيبة فعلا، ولا استطاعت أن تدرأ عن صوفية شبهة المزاج الثقافيّ الشاعريّ الذي لا أدري أين وجدته في سياق كالسياق الذي عاشت فيه طفولتها. وعلى كلّ حال، فأسلوب الكتابة المتميّزة وعمل الحياكة البارزُ في النصِّ يؤثّر بهكذا شكلٍ على الخطاب أيّا كان مصدرُه، ولا أخفي إعجابي بأسلوب الحياكة هذا، خصوصا وأنّه مرتبط بالنصّ ارتباطا عضويّا. إنّ النسيج الذي يرسم قصّة حبيب وعائلته ليس سوى قصّةَ مدينة بتفاصيلها، كما رأيتها عيون إيناس العباسي. هذه منزل بورقيبة المدينة، بشوارعها، ومخابئها، وأحيائها وأساطيرها، وانعكاسها بعيدا في شيكاغو التي شبّه للناس فشبّهوها بها. وحتّى في الحديث عن المدينة الأمريكيّة التي لم تنجح الكاتبة في تصويرها كما فعلت مع مدينتها، جنح أسلوب الكتابة إلى تقديمها من خلال أناسها، ومن خلال مقطع جميل تحدّثت فيه صوفية عن مهنتها كتاجرة "العتيق" أو "الأنتيكة". لا أعرف لمَ ذكّرني المقطعُ بجزء شهير من رواية وايلد "صورة دوريان غراي" الذي تخمّر فيه خيالُه فأوصله إلى تونس. ولكنّني وجدتُ ذات الهروب الجانح والخيالات اللامحدودة. هي عناصر في الكتابة لا يسهل أن تجدها في نصّ تونسيّ.
وبعيدا عن الأسلوب، فإنّ طبيعة الرواية نفسها، صعبة ومنهكة في بنائها، فنحن لا نتحدث عن متوالية من الأحداث التي تسبّب إحداهما الأخرى، ولا نشعر كثيرا بوجود ما يشبه البنية الثلاثية التقليدية. بل هو بناء من تراكمات الذاكرة، يجب أن تتراصّ الواحدة منها حذو الأخرى من دون أن يحدث بينها تناقض أو تضارب. وهو عمل دقيق ومتعب لمن يريد شيئا جدّيّا خاليا من العيوب الفاضحة. لذلك سرّني ما لقيت من التعامل الجادّ مع هذا الجانب، ورغم بعض اللحظات التي أحسستُ فيها شبه تضارب بين المرويِّ وزمن الرواية (أشعر بتضارب مثلا بين عمر الحبيب وفكرة ان يكون قد درس مثلا في الخمسينات) أو رأيتُ فيها تناقضا دراميا (تقول إن مريم تكبر حبيب بثلاث سنين، وأن حبيب منذ بدأ الدراسة كانت مريم تستقبله وتهوّن عليه من تذمر أبيه. بل إنّها قررت العمل في مصنع لتضمن دراسته ودراسة أخوتهما. أعتقد أنها كانت في سن صغيرة جدا لا تسمح لها بذلك. ومع فكرة كونها متعلمة، فالأرجح أنها كانت تعود معه من المدرسة لا تستقبله في المنزل)، فإنني أعتقد أن الكاتب نجحت في بناء عالم ذكريات قويّ ومتناسق يصعب عليّ تصديق زيفه. لابدّ من أنّ هناك الكثير من الواقعيّ بين السطور... الأستاذ باديس مثلا، يبدو مسقطا من شلاّل هذيان لم يعرف كيف يتوقّف، فإذا به يخرج للنّص متصنّعا براءة الذكريات القديمة، والحال أنه رجل يراود طفلة صغيرة بشكل مقزّز. هذا دون التطرّق إلى تلك العادات والحكايات الصغيرة هنا وهناك، كعبارة "مثل أمها" التي لا يمكن لعالم الخيال وحده أن يبتدعها. لقد استطاعت إيناس العباسي أن تراوغنا وتسحبنا بهدوء بهذه الحكايات الجميلة والممتعة بعيدا عمّا يبدو وكأنّه عقدة القصة الرئيسية، فلم نشعر إلا والفتاة تعلن في النهاية تخليها عن المنزل وقد تحرّرت من ذاكرتها. ولئن كانت سياسة الكاتبة ناجعة هنا، إلا أنّها تركت أثرا ممضّا بأنّ التحرّر ليس حقيقيّا، وأنّ تداعي الذكريات بهذا الشكل لا يكفي تماما، وأنّ المواجهات الدرامية في هكذا سياق لم يكن منها بدّ.. مواجهة بين جيهان وصوفية، أو مواجهة بين صوفية ومريم، أو أي شيء لم يصنّف أرشيفا بعدُ، يصلح للتفاعل الفوريّ للبطلة.. لكنّ شيئا لم يحصل من كلّ هذا... على قدر ما كان النصُّ جوادًا، كان في لحظات أخرى مقتضبا، فلم يتمادَ كثيرا في الاحتفاء بالمدينة التي عنون باسمها، كما لم يذهب ولو شبرا في المقارنة الحقيقية بين المدينة، وسميّتها الأمريكيّة التي اختيرت في السرد لهذا السبب دون غيره. فعدا بعض الأسماء المتواترة التي القيت هنا وهناك، لم يشكل النص معالم شيكاجو مثلما فعل مع منزل بورقيبة، ولم يحاول أن يدرس طبيعة الاستعارة أو يعلن حتى نمطيّتها أو زيفها... بدت شيكاجو شيئا يشبه فرنسا تقريبا ولكن أكثر بعدا. أخيرا، لابدّ أن أتطرّق إلى طبعة الكتاب، خصوصا وأنّني انتظرتُ من دار الساقي شيئا أنيقا متقنا، قبل أن أفاجأ بكثرة الأخطاء (أزن عوض أظن صفحة 43، إلأى عوض إلى صفحة 64، صقلت نفس عوض نفسها صفحة 92، الخ). كما أنّ الكتاب على تونسيّته الواضحة، لم ينجح أن يقنع الدار بأن تكون أكثر موضوعية في اختياراتها، فتضع أعداد الصفحات بأرقام عربية مثلا، أو تفسّر على الهوامش بكلمات فصيحة يمكن أن يفهمها الجميع (صاج، زعران). وعموما فالهوامش كانت أقل مساحات الكتاب توفيقا، ففيه يتمّ شرح كلمة "قنطرة" على أنّها الرديف المحليّ لكلمة "جسر" كأنّ القنطرة ليست فصيحة، وفيه أيضا يذكر الرديف الفرنسيّ للمذبح على أنه "le battoir" هكذا بهذا الرسم المجانب للصواب...
وعلى كلّ حال، فإنّ حالة من الفخر تغمرني، كأحد أولاد هذه المدينة، أن أقرأ إسمها كعنوان لنصّ بهذا المستوى، وبهذه الجماليّة. والغالب على ظنّي أنني لم أقرأ عملا تونسيّا بهذا التفرّد منذ أكثر من ثلاث سنين، ما يجعلني أشعر بتفاؤل غير مسبوق بخصوص جيل الكتّاب التونسيّين الجدد. منزل بورقيبة، عمل يستحق القراءة.
ملحوظة : لقد ظللت طيلة القراءة أتساءل عن "الكاد" الذي به حدث كلّ شيء تقريبا. بالكاد فعلت كذا، وبالكاد شعرت بكذا. ماذا لو تخلّصت من "الكاد" قليلا يا إيناس؟
لا تكتفي إيناس العبّاسي في روايتها «منزل بورقيبة» الصادرة حديثاً عن «دار الساقي»، بالإطاحة بالنظريّة القائلة إنّ التنقّل بين الأنواع الأدبيّة هو صنعة الساعين وراء الجوائز والشهرة حصراً، بل تؤكّد أن لا شيء يحول دون توفر كلّ هذه «الملكات» في كاتب واحد، ودون وضعها ـ تالياً ـ في عملٍ واحد ناجح وجذاب، بغضّ النظر عن تصنيفه.
لا يعني هذا أنّ «منزل بورقيبة» ليست روايةً كاملة الأوصاف، بمعالم وهويّة واضحتين، ولكن يمكن القول إنّ صاحبة أسرار الريح أحسن كتاب شعري في تونس في العام 2004، تطلّ بين الصفحات أحياناً بصفتها هذه، مستعينةً بصور بيانيّة جميلة لا يأتي بها سوى روّاد وادي عبقر ممن يتبعهم الغاوون وهو ما طبع أيضاً مجموعتها القصصيّة «هشاشة» الصّادرة عن «دار الفارابي» في العام 2013 .
تقول الكاتبة في كتابها: «بدا الحادث وقتها مثل صخرة ألقيت بعنف في بركة ماء خامدة»، و«كان خطاب الرئيس القشّة الأخيرة في فزاعة القشّ التي طيّرها الغضب»، و«خرجت من أفواه الشباب الكلمات متردّدة ومبحوحة ثم اندفعت بثقة نحو السّماء مثل ألعاب ناريّة في ليلة صيف»، و«كانت الأزقّة في ذلك الجزء من المدينة تلتف مثل أفعى تريد أكل ذيلها»، و«تعلمت طيلة السنوات الماضية تجنّب مثل تلك الجمل الشبيهة بفخاخ تنصب وسط الحديث»، فضلاً عن الكثير من الصور البديعة التي لا مجال لتعدادها.
كما يمكن اعتبار الكتاب مجموعة من القصص القصيرة المشوّقة والمسبوكة في قالب روائي متين من دون أن ينتقص ذلك من لمعة القصص أو من متانة البناء الروائي.
وقد يقودك العنوان إذا كنت جاهلاً في الجغرافيا التونسيّة إلى اعتبار الكتاب رواية عن مرحلة حكم الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، قبل اكتشافك أنّ «منزل بورقيبة» أو «شيكاغو الصغيرة» مدينة تقع في شمال تونس، وتدور فيها بعض أحداث الرواية، وهي مسقط رأس الكاتبة الشابة التي برعت في الشعر كما في القصّة والرواية وأدب الطفل والترجمة.
تأخذ العبّاسي بيدنا من الاجتماع المنعقد للورثة في مكتب محامي حبيب الياس المتوفى مؤخراً في شيكاغو «الكبيرة»، لتعود بنا في رحلة عكسيّة عبر الزمن نجول من خلالها على حكايات عدد من الشخصيّات المرتبطة بالرجل الذي لاحق أحلامه بين مدينتين، وعاد من «بلاد المجانين» جثّة في تابوت، فتنتقل بسلاسة غير عابئة بقيود التاريخ والجغرافيا، مستخدمةً ببراعة واتقان تقنيّة تعدّد الأصوات لتنجح في انتزاع تعاطف القارئ مع كلّ تلك الشخصيات المتناقضة والمتصارعة في آن.
هكذا نتعرّف إلى «جيهان»، الابنة التي اجتازت طفلةً مسافات كبيرة كي تلعب مع أولاد أصغر منها ألعاباً لا تحبّها أمام منزل والدها المتزوّج من امرأة أخرى، طمعاً في اقتناص نظرة عابرة إليه لحظة خروجه إلى الشرفة، و«صوفيا» الزوجة الثانية التي نسيها الناس حين نامت تحت سقف مثقوب وتذكروها فقط حين أصبحت حطبة جهنم وصاحبةً للروميّ العجوز «روي»، ثمّ زوجةً لصديقه حبيب. و«مريم» الأخت الكبرى الحكيمة وصاحبة القلب الطيب التي خرجت وحدها من البئر الذي وقعت فيه بطلةً خارقةً وبوصلةً سيعتمد عليها «حبيب» طيلة حياته، و«نور الدين» الأخ الأصغر المختفي قبل 30 سنة بعد جريمة غامضة أو قصّة حب مزدوجة ربطته وشقيقه حبيب بكارول في شيكاغو. أمّا «لطيفة» الأم التي ماتت وهي تردّد «في قلبي نار لاتنطفئ» والحزن على ولدها الأصغر والشكّ بالأكبر يملآن قلبها.
الرواية تمرّ مروراً لطيفاً في الاستهلال، وفي الختام على ما جرى في تونس بعد «الربيع العربيّ» الذي أطلقه محمد أبوعزيزي بإحراقه نفسه لتنتقل النار بعدها إلى جميع أنحاء البلاد، بالمعنيَين المجازيّ والحقيقيّ، مع انتشار ظاهرة القتل حرقاً في قصص متفرّقة ترويها لنا الكاتبة، وتبقى أكثرها دلالةً ودهشةً قصّة ذلك الشاب الذي أحرق والديه لأنهما لا يستيقظان لصلاة الصبح، مبرّراً ذلك بأنّه يحبّهما، ولا يريد لهما الإحتراق بنار جهنم.
وإذا كانت الكاتبة تترك مصير «نور الدين» معلّقاً بلا إجابة واضحة، تماماً كالسؤال عمّا سيحمله لنا المستقبل من حرائق ونيران، فإنّها تجيب عن أسئلة أخرى بعبارتها القاطعة الواردة على لسان جيهان في الختام: «أخيراً تحرّرت وفهمت أنني بذرة قذفت في تراب هذا العالم وعليّ أن أواصل شقّ طريقي وحدي نحو السّماء».
ليس سهلا على الكاتب أن يربط مسار انتفاضة شعبية ما ، بانتفاضة لشخصية من شخوص روايته .
هذا ما فعلته الكاتبة التونسية ، إيناس العباسي في روايتها " منزل بورقيبة " التي تظهر بعنوانها كرواية سياسية أو ربما تاريخية تخص الزعيم التونسي الراحل ، قبل أن يعرف القارئ أن بورقيبة ليست سوى مدينة يراها التونسيون كشيكاغو أمريكا ، بسبب ما فيها من جريمة و سرقة وغير ذلك من تجاوزات القانون . السياسة والثورة الشعبية في هذه الرواية ليست إلا ومضة تمر عليها الكاتبة للحظات قبل أن تنطلق لموضوعها الأهم ، وهو ثورة الشك والبحث عن الحقيقة التي تصيب الإنسان الذي يقع تحت تأثير حكاية لم يكن طرفا فيها إلا أن ارتباطه متجذر بحكم العلاقة الإجتماعية التي تربطه بأفرادها. العمل يجمع بين التاريخ والجغرافيا المكانية التي ساهمت بإثراءه فضلا عن الحياة الاجتماعية في فترة ما بعد الاستقلال ، والفقر الذي رافق أبناء تونس فضلا عن الحلم الكبير الذي لاحقهم. الرواية لا تجيب عن أهم تفصيل فيها وهو اختفاء أحد أبطالها لكنها تترك للقارئ مهمة تخيل ذاك المصير المجهول الذي وصل إليه . كذلك فإن النهاية المنطلقة للحرية بعيدا عن ضغوط الصراعات والوصايا، كان رسالة مميزة من الكاتبة ، بأن الرحيل هو أسهل ما في الأمر حينما نواجه المتاعب النفسية والاجتماعية.
منذ وقعت عيناي علي صورة الغلاف وعنوان الرواية وأنا تسكنني رغبه لقراءة الرواية . أنا من الأشخاص الذين يحكمون علي الكتاب من غلافه و لم يخذلني الغلاف و عثرت بين صفحاته علي عالم جميل أمضيت بداخله ساعات جميله. قد يتبادر الذهن للناس إنها رواية سياسية بسبب العنوان في حين إن بو رقيبه هي مدينة في تونس لقبت بشيكاغو الصغيره نتيجه للبطالة و السرقات التي تعاني منها . رواية ممتعه كتبت بسلاسة و عذوبه . تتحدث عن جيهان التي توفي والدها الذي غاب عنها منذ طلاقه عن أمها و محاولتها أن تلملم أطراف الحكايا من قصاصات ورق و رسائل و أحاديث عمتها. تحاول البطله التي تعيش في مزيج من مشاعر الغضب و الفقد أن تعثر علي إجابات علي الأسئله التي تسكنها . تبحث وراء عن هجرة أبيها متناوله بروايتها الهجرة إلي أمريكا و حلم الثراء الذي كان هاجس الكثيرين من أبناء وطنها . مهارة الكاتبه في رسم المشاهد و التفاصيل تخلق حياة علي الورق . تتقافز عينيك فوق السطور بحثا عن الاجابات التي تسكن البطله منذ كانت طفله و تعيش معها رحلة بحثها . شخصيات الرواية مكتوبه بدقه حتي تشعر إنهم شخصيات حقيقيه تتحرك علي الورق.
إيناس العباسي اسم معروف بالنسبة لي كمترجمة ، تصادف معرفتي بروايتها هذه اسعدني وطالعتها فورا رغم اسبقية وجود شجرة البرتقال في مكتبتي :) أنهيتها في جلسة ' سرد الحكاية سلس متنقل مابين الامكنة والازمنة بحبكة درامية أساسها حدث الموت ، مسلطة الضوء على الغربة وتأثيرها على من هاجر ، ومن بقي ! … علني أقول ربما وجدت العنوان مخادعا لأنني توقعت لحد ما رواية متعلقة بالرئيس بورقيبة طالما ايناس من تونس …
"كأن الموت لم يكن نهاية بل بداية أخرى نستعمل فيها نحن الأحياء مادة الذكريات لإعادة تشكيل الحياة التي عشناها مع موتانا" "هل أسماؤنا مهمة حقا، كان من الممكن أن نحمل ارقاما بدل من أسمائنا وهذا اكثر عملية حسب اعتقادي" "أخيرا تحررت وفهمت أنني بذرة قذفت في تراب هذا العالم وعلي ان اواصل شق طريقي وحدي نحو السماء" '
تجربة أولى مع الكاتبة التونسية إيناس العباسي والتي تحمل قلماً لا أنكر جماليته إلا أن موضوع القصة مكرر ولَم يضف لي أي متعة أو فائدة تُذكر .. حبيب إلياس الذي يهاجر إلى أمريكا ثم يموت هناك لتبدأ الشخصيات المحيطة به بالحديث عن نفسها وعلاقتها به .. تتناول القصة قضايا اجتماعية عديدة : أهمية وجود الأب في حياة أولاده، الفقر تداعياته والنتائج التي يؤول إليها ذووه، المسؤوليات التي تقع دائماً على عاتق أحد أفراد الأسرة دون غيره .. وأمور أخرى
منزل بورقيبة او شيكاغو تونس و شيكاغو أمريكا. قصة جميلة متشعبة. احببت أسلوب إيناس العباشي كثيرا و تمنيت لو كنت قرأت الكتاب في نسخة ورقية بدل نسخة kindle
شعرت وكأن الرواية دفتر مذكرات بثلاثة فصول: جيهان وصوفيا ومريم. كان للأولى النصيب الأكبر من الدفتر. لا أعرف من تونس إلا ملامحها الظاهرية، تاريخ وآثار حضارات قديمة، أراها في صور مختارة على شبكة الإنترنت. أما الملامح الداخلية، المدن والناس، كغيرها، تدهشني فيها تفاصيل الحياة كلما قرأت تفاصيل عنها من ذاكرة كتّابها الشباب أو مخضرميها.
إيناس العباسي هي كاتبة و مترجمة تونسية ، ترجمت قصائدها و قصصها إلي عدد من اللغات الأجنبية . كما حازت علي عديد الجوائز أهمها جائزة الكريديف في تونس لسنة 2007 . تلعب الشخصيات النسائية في رواية منزل بورقيبة دورا هاما في نسج خيوط و تحريك الأحداث .إذ تسرد الرواية حكاية مجموعة من النساء من ثقافات و أوساط إجتماعية مختلفة قمت بتأثير و تغيير حياة الشخصيات الرجالية بالقصة . إذ أن حضور جيهان من شيكاغو لحضور جنازة أبيها ببنزرت دفعها إلي البحث عن اكتشاف الدور الذي لعبته امها وزوجة ابيها و عماتها في حياة عمها و ابيها.
"بين صبيحة و ضحاها تحول حبيب الى جسد يشحن، مثل بضاعة انتهت صلاحيتها ووجبت اعادتها الى نقطة تكونها الاولى. بين صبيحة و ضحاها تحول زوجي و حبيبي الى ضمير غائب نتحدث عنه بصيغة الماضي وكأنه لم يكن جالسًا معي بالأمس نتحدث ، كأنه لم يمازحني او يبتسم لي ، كأنه لم يعانقني او يرقص معي."
الشقيقان والصراع حول أنثى امرأة واحدة أحدهما خيّر والأخر شرير، كما لو أنّهما هابيل وقابيل في صراع الأخوين.. وأرض الصراع أمريكا التي يراها البعض الجنّة الأرضية فكثير من التوانسة وغيرهم من العرب والأفارقة يحلمون بالسفرِ إلى ولاياتها للعيش... هربًا مِن جحيم بلادهم.. رواية جميلة.. من الجميل دراسة الأماكن فيها (ما بين إيطاليا وتونس مدينة بورقبية وامريكا اماكن مغلقة مفتوحة محزنة) ودراسة نفسيّات شخصيّاتها...