الكتاب أشبه بسيرة ثقافية عبر نصوص تكاد تكون في كثير من الأحيان ضرباً من الاعتراف. وهي سيرة ثقافية حيث يصوّر نجيب المانع مصادر قراءاته وعلاقته بالموسيقى تصويراً واقعياً، ومن خلالها نتعرف على مصادر المعرفة للأديب الراحل ، التي تنوعت بين الحديث عن موزارت وبتهوفن والاهتمام بأدب مارسيل بروست وشكسبير
وُلد نجيب المانع في بلدة الزبير في محافظة البصرة، كان أكثر أهالي بلدة الزبير من أصول نجدية، وكذلك كان نجيب المانع، غادرَ نجيب بلدةَ الزبير إلى البصرة ثم بغداد، ولم يسكن الزبيرَ بعدئذٍ غيرَ أنه وصفها فقال «الزبير بلدة صحراوية، لكن قلوب أهلها منعمة بلطافة الشعور، وكانت الجريمة فيها معدومة تقريباً»، لم تكن الزبير بلدة ريفية ولكن نجيباً المانع حين انتقل إلى بغداد، صار ميله الفكري إلى سكان بغداد من ذوي الأصل القروي ووصفهم بقوله «لم أجد بين مترفي المدينة كثيراً ممن يعرفون عن الحياة وأسرارها، ومن اللغة وتراكيبها، ومن الفنون وتواريخها شيئاً مما وجدته عند الذين يرون امتحانهم اليومي في عين المدينة الشزراء، أولئك الريفيين الذين لفظهم الريف ورفستهم المدينة»، تعلّم نجيب في مدرسة النجاة الأهلية الابتدائية ذات التوجه الديني، فكان في ذلك تقوية مبكرة لملَكته اللغوية والأدبية، وصف نجيب مدرسته فقال «وكنت أصاحب الصبيان الذين درسوا الإبتدائية في مدرسة النجاة الأهلية في الزبير، وهي ابتدائية بالاسم فقط، أما المواد التي تدرس فيها فهي تتجاوز أعمار الصبية بسنين كثيرة...كانوا يدرسون أدق قضايا النحو العربي، ويتبحرون في الشعر وأوزانه وتفعيلاته، ويمارسون المحاسبة التجارية ويتعلمون التاريخ الذي كان مستواه يقرب من المستوى الجامعي، وكانوا يدرسون الفقه والشريعة وتفسير القرآن الكريم». ثم توجّه إلى البصرة التي تعلم فيها في ثانوية العشار وكان معه هناك بدر شاكر السياب، ثم درس في كلية الحقوق بجامعة بغداد سنة 1947، تعلّم نجيب مبادئ الفرنسية من مقيم تونسي في بغداد اسمه علي الحمامي ثم أتمّ نجيب تعلّم الفرنسية بجهوده الفردية، وكان يشتري في صغره في الزبير بقايا كتب أجنبية أدبية تراثية وأسطوانات موسيقية أجنبية كان يبيعها ضباط وجنود قاعدة الشعيبة التابعة للجيش البريطاني المحتل حينئذٍ، فاكتسب نجيب المانع اللغةَ الإنكليزيةَ الفصيحةَ من قراءته لكبار كتاب الأدب الإنكليزي.
بدأ شغفه بالموسيقى منذ أن كان في الزبير، وصفت أخته سميرة المانع ذلك الشغف فقالت «يريد من أهله، أن يستمعوا معه إلى الموسيقى الكلاسيكية، أنْ يشاركوه حبه وهواياته الجديدة. اسمعهم قطعتي «شهرزاد» و«الدانوب الأزرق»، بداية، في باحة بيت الزبير بالمساء، ثم تدرجت الأنغام حتى وصلت إلى سمفونيات بيتهوفن وغيره منسابة أو مرعدة في جو بيت الزبير الصافن الحائر. استمر، كعادته، يُلمّ بالموضوع الإلمام الكافي بصبر دؤوب، حتى تكدست الأسطوانات والتسجيلات عنده ففاقت أعدادها الآلاف، أصبح البيت كتباً واسطوانات أينما سار المرء، كمستودع أو مكتبة عامة في سنوات عمره الأخيرة»، توفي نجيب في لندن في خريف سنة 1991، ويُعتقد أن وفاته من جرّاء الحالة النفسية بسبب غلَبة الدّين، تُوفي جالساً على كرسيه وهو يقرأ كتاباً وينتظر وصول فاكس يبشره بفرصة عمل.
هناك كتاب وفي أسطر قليلة قادرين على أن يشبعوا نهمك وجوعك تجاه حالة ما وثقافة ما ، وبذلك الموروث الهائل الذي عانوه بإستطاعتهم أن يقدموه لك مقطوفاً سائغاً ليناً بعيداً عن أطر البهرجة المتحذلق ، و(نجيب المانع) أحد هؤلاء العباقرة عندما يدهشك المثقف ويدخلك بدهاليز الثقافات ليراكم نتاجك بإيجابية فحتماً لا تملك الا وترفع له القبعة ...كتاب رائع
أن تكتب مقالات في الموسيقى وعن الموسيقى بهذه الطريقة الساحرة والجميلة والثرية أمر لا يقدر بثمن، لم أكن قبل اليوم قد سمعت بنجيب المانع، لكنني كنت عطش للقراءة حول الموسيقى فاقتنيته. والجميل أنني لم أكن مخطئاً على الإطلاق، إذ أن تقرأ عن المقطوعات التي كنت تسمعها مسبقاً، أو تتعرف على سحر الأوبيرا والسمفونيات بهذه الكثافة والموضوعية شيء يستحق الثناء
هذا الكتاب هو رحلة موسيقية قصيرة وأن تجلب بعض الملل في بعض صفحاتها من ناحية السرد لكن الفائدة المُمتعة تكمن في كل ورقة اذ لابد لك من البحث عن هذا العازف وتلك المقطوعة ربما كُنت على سمعٍ بها لكنه يجعلك تراها بعمق اكثر وكأنك للمرة الاولى تتعرف عليها بأذن روحك.
كتاب متميز و رائع نجيب المانع فى اولى تجاربى معه يعتبر : ناقد لاذع ، عاشق للفن و الاوبرا تحديدا ، قاس على كل ما هو جديد ٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠ يمكن تمييز الجزء الخاص بالموسيقى عن الجزء الخاص بالادب لم يكن هناك دمج واضح بين الاثنين كما كنت أتوقع ، فى الموسيقى يتحدث عن الأوبرا بنصيب الأسد يشدوا فخرا بها و انه من الناس الذين يقدرون هذا الفن و فى الادب يتحدث أكثر عن أفكار و ليس عن اعمال كما الموسيقى ، يتحث عن علاقة العرب بتراثهم و لماذا لم يستطيعوا ان يدمجوا حاضرهم مع ماضيهم و مستقبلهم ، ينقد العرب و يتهمهم أحيانا بالتقسير و يرجع كل ذلك الى ضمير الأنا فى حياة العرب بالنهاية استمعت و استمتعت بوجهة نظر مختلفة و محترمة و مقنعة فى بعض الأمور و تعرفت على الأوبرا بمؤلفيها و مغنيها و مقطوعاتها
يعاتب المانع المؤلف الموسيقي يوهان برامز: وأنت يا أستاذ برامز: أربع سمفونيات فقط هل هذا كل ما تجود به علينا نحن فقراء العالم؟". انها اشبه بقصة، حيث يبدع المانع في شرح علاقته بالموسيقى والأدب، انه متعصب الموسيقى الكلاسيكية، ونرى شغفه ولهفته للتحدث عنهما. اكثر ما جذبني بالكتاب هو الجزء الموسيقي فيه.
يبذل نجيب طاقته القصوى ليُعبِّر عن انفعالاته وحالته الشعورية بما يسعفه به قاموسه من الكلمات، لكن هذه الكلمات لا تصل إلى أقصى ما يريد، لأن ما في النفس أعمق من أن تصل إليه الكلمة.
مقالات في غاية الروعة للكاتب والصحفي المشهور نجيب المانع تتناول في المقالات الأولى الموسيقى الكلاسيكية والاوبرا وفي المقالات الأخرى يتحدث الكاتب عن الأدب والثقافة خاصة الفرنسية مما في الكتاب يحثنا على الكاتب ان نحترم الموسيقي والادب الذي لا يوافق هوانا او ذوقنا