حين تناديني "يا أنت ، لن أجيبك " فأنا لست شخصا واحدا ، كما يدّعي ظنّك، أنا مجموعة أشخاص متناقضة داخل هذا الجسد الهزيل (.) بين أشخاص ذاتي الذين لا أقدر على إحصائهم ثمّة شخص يلخهم جميعا، بكلّ عقدهم و متناقضاتهم، و يخاق منهم قصصا و روايات يجنّدهم لخدمة خياله، يتعامل معهم كما يتعامل مخرج سينمائي محترفين مع ممثلين هواة، يأخذ نور عقولهم الباطنية، و يتصرّف فيهم كما يتصرّف الساحر في جنيّاته. و لشدّة انضباطخم في أداء أدوارهم داخل هذه القصص و الروايات يخيّل لمن يقرؤها أنّها محطات خارج منطقة الذات . و أنت ؟ هل ستجيبني الآن حين أناديك ، يا أنت ؟
إقتباس:"القصة تخص أهل الكهف.أهل الكهف،لا أحد يجهل نبأهم،ولا أحد يعرف عددهم.في قصتهم زواج بين المعرفة والجهل،كستارة المتعبد في الفجر،منسوجة من خيط أبيض وخيط أسود.كثيرون هم الذين نسجوا قصصهم من خيط أبيض،لكنهم ما كانوا ينسجون سوى عرائهم.يا لعرائهم أمام ضوء المعرفة الحارق!أما أنا،وكأي نساج أعمى،اخترت ذلك الخيط الأسود لأنسج به قصتي هذه" هذه تعتبر ثاني مصافحة لي مع القلم المميز ل"سفيان رجب"بعد روايته'القرد الليبرالي'وكالعادة كانت قراءة جد ممتعة. "الساعة الأخيرة" مجموعة قصصية،تتكون من 14 أقصوصة شيقة،من بينهما أقصوصتان الأولى والأخيرة بمثابة مقدمة وخاتمة. كانت أقصوصات متنوعة ،ناقدة،كتبت بسخرية لاذعة. أقصوصات إجتماعية،سياسبة،إيديولوجية،فلسفية وثورية برأيي نسج فيها الروائي بشكل فني منفرد قصصا أطلق فيها العنان لخياله وإبداعه بشكل يشد القارئ ويجذبه نحو عالمها. تطرح عدة قضايا حساسة،خاصة في مشهد ما بعد الثورة وإنعكاسها على المجتمع التونسي. شخوص تائهة،ضائعة،يائسة،منهم من يعاني حالة نفسية. فكانت هناك شرائح مختلفة من المجتمع من النازح والناذل والأستاذ والشاب العشريني والصحفية وصياد السمك جمعهم الوضع البائس والمقرف للواقع الراهن الذي طغى عليه القمع والتوق إلى الحرية والعيش الكريم،الخصاصة والبطالة،النزوح،الهجرة السرية،النفاق السياسي وخاصة توغول دعاة الدين ومحاولة سيطرتهم ونشر فكرهم في مجتمع منهك ،في حالة النهوض بنفسه ورسم مستقبله في كنف وطنه الذي طالما حلم به بعد سنوات من الإستبداد. وظف سفيان بن رجب عدة رموز ودلالات رغم أنها موجعة كانت مرآة عاكسة لما عاشه ويعيشه الشعب التونسي. ما يعجبني في أسلوبه هو هذه التعرية الصادمة للواقع بطريقة جريئة ومستفزة،أيضا زاده المعرفي واللغوي مما يجعلني أتوق لقراءة أعماله الأخيرة. فضلت بعض الأقصوصات ك"الجريمة الكوميدية","الدرجة2في قطار الجنوب","حارس مفبرة الكومنولث"،"الببغاء"،"الكوكسينال"و"حصان الزعيم"
الأسلوب جميل و شيّق في العديد من القصص. الكاتب وفق في تطويع المجاز و الرمز للتعبير عن مواضيع حارقة و حساسة تمس الجانب السياسي و الاجتماعي في تونس بعد الثورة. الكثير و الكثير من النقد اللاذع للمغالطات التي وقع ضحيتها الشعب التونسي منذ الاستقلال. البعد السياسي و الايديولوجي حاضر بقوة في المجموعة. أعجبني الأسلوب و الطرح الجريء أكثر من المواضيع و القصص التي استقاها الكاتب من الواقع الراهن الا أنّ تكرار بعض المواقف و بعض الاراء في الكثير من القصص جعل من الكتاب أكثر من مجرّد عمل أدبي،، و انما ثورة ايديولوجيّة فكرية ساخرة و هو أمر جيّد الى حد ما لولا أنّه ضيّق من جهة أخرى من امكانيّة تفاعله و توافقه مع المختلف عنه، الذي لا تتماهى وجهة نظره مع الكاتب.. ربما كانت لتكون أفضل و أكثر ملامسة للقرّاء لو كانت المواضيع أكثر تنوعا ....عموما، مجموعة قصصيّة تستحق قراءة أعمق، قصص شيّقة و متجذّرة في سياقها الزمني و المكاني..
الساعة الاخيرة لسفيان رجب مجموعة قصصية متكونة من 14 أقصوصة صادرة عن دار ميارة لسنة 2018, عدد صفحتها 120. طرح فيها الكاتب مواضيع مختلفة منها فلسفية، سياسية، اجتماعية وغيرها تلامس الواقع التونسي بأسلوب ساخر.
أكثر أقصوصات أعجبتني:" في قطار الجنوب"، "النوم بين شهرزاد وشهريار".
مجموعة قصصية شيقة انصح بها ؛ يمكن قرأتها في جلسة واحدة.
للمجموعات القصصية طابع خاص. فالقصة لا تنتهي حقا سواء ا كانت ذات نهاية مفتوحة أو لا. إذ إنها تحتوي على عدة إسقاطات و رموز؛ التي تعد شذرات يمدنا بها الكاتب من حياة الشخصيات الطويلة ليغذي فضولنا حولها. أثر القصة القصيرة كالمثل الشعبي الذي نتداوله و في لحظة من الزمن نتمنى لو نعرف الحيثيات التي أنتجته،الدوافع و النظرة الثاقبة لأولئك الأشخاص. الساعة الأخيرة هي مجموعة قصصية ٱجتماعية، سياسية، فيها إسقاطات للثورة بأسلوب ٱستثنائي . و تطرح حاجياتنا ،شهواتنا و أهم ما نملك. من القصص ذات الحبكة المميزة،أذكر "نساج القصص" (التي هي بمثابة مقدمة لكامل المجموعة)فهي لافتة للإنتباه بطابعها الفنتازي ،الأسطوري و الفلسفي. كذلك أحببت"حصان الزعيم" إذ لمستني بنقدها اللاذع للذكورية ,المغلف بالطرافة. و أخيرا "صياد الجثث" الواقعية و المؤثرة. و بغض النظر عن العمل النبيل و هو إكرام الميت بدفنه مهما كان عرقه أو دينه،فهناك تخيل للحياة البائسة للمهاجرين الغير الشرعيين و بحثهم عن الحرية لا عن المال في الدول الأوروبية.
الساعة الأخيرة مجموعة أقصوصات رمزية تلامس واقع حساس لتونس بعد الثورة من كل الجوانب اجتماعية كانت أو سياسية بأسلوب جدا جريء و ساخر وصل من خلالهما سفيان رجب الى تعرية بعض الحقائق والأفكار.