كاتب ومترجم مغربي. صدرت له أعمال روائية، من بينها: "ليل الشمس" (1992)، و"زغاريد الموت" (1996)، و"زهرة الموريلا الصفراء" (2002)؛ و"كتيبة الخراب" (2007)، و"المغاربة" (2016). كذلك له ترجمات سردية من الفرنسية من بينها "الموريسكي" لـ حسن أوريد، و"نظافة القاتل" لـ آميلي نوثومب.
في الصيف الماضي، ألح علي الصديق العزيز khalid Galil أن أقرأ رواية المغاربة، لكنني تلكأت لتوجسي من قراءة نص ﻻ أستطيع أن أنهيه كعادتي مع الكتاب المغاربة. فمنذ آخر رواية مغربية استمتعت بها (الموريسكي لحسن أوريد) لم أنه رواية لمغربي دون أن أشعر بحجم المفارقة الغريبة بين التنوع اثقافي وافر ونصوص مهترئة (مع استثناءات نادرة). وحينما انتقلت للعمل في بني مﻻل، فتحت الصفحة الأولى من رواية عبد الكريم جويطي وأنا في الطريق من فاس إلى مراكش مرورا ببني مﻻل، و حين جلست في مقهى شعبي قرب المحطة لم أشعر إلا حينما حل الظﻻم والصفحات الأخيرة من هذه التحفة تنسرب من بين أصابعي.. لقد كتب الجويطي الرواية المغربية الأولى، وأغلق بابا من اﻷدب كان دوما مفتوحا: من سيكتب عن المغاربة بهذا الجمال بعد "المغاربة"؟ وستكون لي عودة مع هذه الرواية حين أعدل تدوينة كنت كتبتها حينها لتنشر في جريدة وطنية دون أن يكتب لها ذلك. لم أكن أعلم أن جويطي ابن مدينة بني مﻻل، فليس من عادتي أن أسأل عن المؤلف، منذ أن قتله روﻻن بارت.. لكنني علمت متأخرا جدا أنه ابن المدينة، وحينها لم تكن لدي الشجاعة الكافية للتعرف عليه - فقد كنت أشعر، وﻻ أزال، أنني أمام الروائي المغربي الأول - إﻻ عبر مجموعة قرائية على الفيسبوك حين استضفته ليحدث نخبة من القراء المغاربة عن تجربتيه القرائية والكتابية. وحين التقيت الرجل في ما بعد، كنت كمن يلتقي الطيب صالح أو عبد الرحمن منيف، مرتبكا أول الأمر.. لكن تعامل الرجل ولطافته أشعرني كأني أعرفه منذ عمر. وفي اللقاء الأول أهداني نسختين من كتابه ديوان أبي العباس الجراوي ونسخة من تاريخ بﻻد تادﻻ الذي سأحدثك عنه. - يقع الكتاب في ثﻻثة أجزاء أنيقة، يختص الجزء الأول منها في تاريخ تادﻻ قبل الحكم الوطاسي، ويتناول الجزء الثاني منها بلاد تادﻻ حتى وصول اﻻستعمار، فيما يجمع الجزء الأخير مجموعة الوثائق المشتغل عليها في جزأي الكتاب الأولين. حين قرأت المغاربة شعرت بالهاجس التاريخي لدى الروائي، وإن كان معبرا عنه بشكل ضمني موارب.. لكنني وأنا أقرأ تاريخ بلاد تادﻻ استمتعت باللغة الأدبية التي كتب بها النص، إذ لن تقرأ في هذا الكتاب لغة المؤرخين الواصفة والجافة غالبا، بل ستستمتع بالمجازات العابرة للجمل، والتشبيهات البديعة والكثير من الفقرات التي تليق اقتباسات ونصوصا في الأدب مثلما هي في التاريخ. يؤرخ جويطي لبلاد تادﻻ كاتبا تاريخ المغرب كله، فبينما يحدثك عن أسلمة هذه الرقعة، تجده يؤرخ لدخول الإسلام إلى المغرب ككل، متناوﻻ إسلام دولة برغواطة في شالة وتامسنا، وآراء المؤرخين في دور "الفاتحين" الأوائل ودولة الأدارسة أسلمة شمال أفريقيا.. - يؤرخ سي عبد الكريم للمنطقة متتبعا البنيات العميقة للأحداث التاريخية في ضوء خمسة عناصر أساسية: المجال، القبيلة، المخزن، الاقتصاد والدين. - يضج الكتاب بالاقتباسات ذات النفس الأدبي العالي والتي سأنشر بعضها حين أكمل "رقمنتها". - يصلح هذا الكتاب لأن يتحول إلى نص وثائقي بمجهود ضئيل، حتى إنني سألت الكاتب هل كان في نيته، حين كتابته، أن يحوله إلى شريط وثائقي، واستغربت ألم يكن يقصد ذلك.. لكنني وعدته بالاشتغال على هذا النص الجيد ليكون جاهزا لمن يريد أن يقدمه إلى الشاشة.