من الكتب التي تربت على قلب القارئ وتجعله يمد كف التوافق إلى نفسه؛ ليتصالح معها. صدق الكاتب حين قدم لكتابه بقوله: قد تجد ما يؤنس روحك تارة، ويجعلك تعيد النظر في حياتك تارة أخرى، فقد تبتسم في موضع، وتخنقك العبرة في آخر، والعبرة في ذلك أنني وقفت على جوانب النفس الانسانية بكل توجهاتها وأشكالها، وحاولت أن أبحث عن بذرة الانسان فينا، لننميها بالتقوى والصلاح، وننفض عن ذواتنا الضياع والتخبط، ونتمسك بعروة الخير، لنكون أناسا مؤثرين وقادرين اكثر من كوننا متأثرين خانعين.
من عنوان الكتاب تتكون صورة مسبقة إيجابية عن محتوى الكتاب، لكن بمجرد البدء بتصفح الكتاب وقراءته يبدأ القارئ بملاحظة الجوانب التي أخفق بها الكاتب. أولا، الكاتب يتناول الأفكار بشكل سطحي، فلا يشعر القارئ بعمق الفكرة أو الرأي الذي يحاول الكاتب إيصاله، فالكتاب عبارة عن تراص كلمات ليس أكثر من ذلك. ثانيا، الكاتب لم يتمكن من الاستعانة بعنصر الإقناع والحجج الكافية؛ لإثبات فكرة معينة أو تغيير رأي معين لدى القارئ. ثالثا، الكاتب لم يتمكن من إبقاء القارئ منجذب لما بين السطور أو للمحتوى بشكل عام. في الختام، محتوى الكتاب مكرر، فلم أشعر كقارئة بما يضاف إليّ كشيء جديد. الكاتب كان بإمكانه استعمال أفكار الكتاب بطريقة أذكى تليق أكثر بمستوى قارئ لهذا الكتاب متجنبًا النقاط التي تم الإخفاق بها.
كتاب تهذيبي بالفعل، نجح الكاتب في جذب انتباه القارئ لكلماته ! لا أنكر أنني في البداية تململت ! لوهلة ظننت أن بين يدي كتاب مُطالعة لصف من الصفوف الدراسية الأولى ! لكن كلما تقدمت في القراءة كلما شعرت بقيمة الكلمة فيه ! الانتقال من باب الى اخر كان بمثابة انتقال من عمر الى عمر و من مرحلة الى اخرى تليها .. لم اعتد قراءة كتب التنمية و لم استسغ يومًا أحدها ! لكن الكاتب هنا لم يحذو حذو كُتابّ التنمية و ابتذالهم ! كان عقلانياً واقعياً سهلاً هينًا لينًا في القول، بالرغم من وجود قليلًا من التشدد و الجمود في بعض الطرح ! لكن الكتاب بمجمله جيد ويستحق القراءة.
محتوى الكتاب رائع لكن الأسلوب لم يعجبني بتاتًا.. فقد ذكرني بسرد كتب الدراسة فهو يبعث على الملل للقارئ، فكما قال المؤلف في بداية كتابة هذا الكتاب ليس للمتعة وإنما للتذكير.. فالمعلومات المذكورة فيه معروفة مسبقا ولكن الإنسان بطبيعته مجبول على النسيان، فجاء الكتاب لتذكير من أراد أن يتذكر..
ناقش الكاتب محمد العلي مواضيع مهمة للغاية، وذات أثر عميق في مجتمعنا اليوم، وقد أعجبني في إختيار ترتيب الأبواب، فكأنك تسير معه خلال رحلة وهو معك فيقتبس من كتاب الله وسنة نبيه وكما يقتبس القصص والعبر من كٌتابنا وشيوخنا. آخذ عليه سطحية الأسلوب رغم روعة اختيار الأفكار، نهاية علينا تهذيب أنفسنا ورؤية الله واستشعار عظمته في حراكتنا وسكوننا.
وأقتبس من الكتاب قول مالك بن دينار: إن الله جعل الدنيا دار مفر والآخرة دار مقر فخذوا لمقركم وأخرجوا الدنيا من قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم، ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم، ففي الدنيا حييتم ولغيرها خلقتم؛ إنما مثل الدنيا كالسم أكله من لا يعرفه واجتنبه من عرفه ومثل الدنيا مثل الحية مسها لين وفي جوفها السم القاتل يحذرها ذوو العقول ويهوي إليها الصبيان بأيديهم.