What do you think?
Rate this book


491 pages, Hardcover
Published December 5, 2018
ما الذي يتعبك؟ ليس الأرق. بل الاحتفال الليلي لزواحفي وحيواناتي. لم أكن أعتقد أنّ الليل كبير وموحش بهذه الطريقة. النافذة تعتم. ولا أحد. أعني لا حشرة. لا صوت. أعني الصمت الذي يرتّب مناخاً لما هو أكثر من الضجر. أكثر من قياس المسافة بين الجدران. بين غرفة النوم وردهة الجلوس والمطبخ. لكنّ النافذة هنا لا تفضي إلى أيّ مكان. إلى مصباح رصاصيّ. وإلى ليل فاحم. على الحائط «الأفكار الواضحة» لماغريت (غيمة مستوحشة على صورة صخرة عابثة على صورة غيمة، وفضاء نيلي). كنت تحسب أنّ كلّ شيء يتبدّل إلَّا النوافذ. هي في كلّ مكان. مصفاة الضوء الغازيّ. الثقب الذي تتلصّص منه على الصقيع الذي أصبح، في الأثناء، عالماً! بل العالم نفسه. الليل لزواحف وحيوانات الروح، وللوحة ماغريت. حفنة سكائر، حفنة كؤوس والرأس يصحو ـ أعني الأفكار ـ السكاكين التي تحزّ من الصدغ. أعني، وأنت تعرف، أعني البكاء الصعب الذي، كالمنبّهات، يجعلك، من الحائط إلى الحائط، تنسى النافذة وتدهشك الزواحف التي تدبّ في أوصالك. والمعدن الذي يطرق فيك. الماء، كثير من الماء. القهوة. كثير من القهوة. والإحساس أنّك الأجوف من داخل. أنابيب معقّدة تنقل الأصداء البعيدة لطرق موجع. أنابيب وأنفاق لحيوانات الدّم. للوساوس التي، في الليل، ترسب في السائل المغبّش لعينيك الحمراوين. تعرف؟ المضحك أنّك بين الحائط والحائط تصنع مدًى لروحك. تعرف ذلك من الرائحة، من الانكسار. من الرغبة في أن تتجنّب النافذة كلّ هذا الوقت. ليس الخارج، بعد النافذة بقليل. القعر الثاني للزجاج. وبين صفحة الزجاج وقعره الثاني، انعكاسات الأضواء القليلة. سماكة العتم الذي يدخل، يتسرّب إلى الداخل. تضيء لكي ترى نفسك لكي لا يذيبك الظلام بطحينه ومائه. تطفئ. هل تخاف رؤية هذا الجسد السائل؟ هل تخاف؟ تعرف أنّك لو أدخلت إبرة في الحائط تقتل النائم في الجوار. أنّك لو أثرت نفساً، ولو متهدّجاً، أحالك البواب إلى تأنيب مجلس المدينة. والنفايات. في آخر الليل تفكّر في النفايات. وما كان ينبغي أن تنجزه في الصباح. الساعة هنا. لكن التوقيت صعب. تظنّ أنّك تفعل كلّ هذا إذا كتبت المواعيد على المفكّرة. مثلاً: آكل في الواحدة ظهراً. أذهب إلى السيّدة التي تحبّ الغرباء وتبتسم لهم وأشتري خبزاً غريباً. وأكتب: أذهب في الساعة العاشرة إلى طرف المدينة الذي يشبه نهاية العالم. وفي الساعة العاشرة لا أفعل. وحين يأتي الليل أكتب: ما هذا الوقت؟ لا يتّسع لإصبعي الصغيرة. وأكتب: هراء. ولكي لا تفوتني المواعيد الأخرى أشتري مفكّرة جديدة. أضعها على الطاولة. ولكي لا أبتعد كثيراً. أقرأ أيّام الأسبوع. تخيّل: من بين الأسماء أقرأ: الأحد. السبت. الجمعة. الخميس. الأربعاء. الثلاثاء. الاثنين. ثمّ مرة ثانية أقرأ: الأحد ـ والمساحة التي تليه بيضاء. الأحد: صفحة كاملة. تخيّل. صفحة كاملة لكي أكتب: تبّاً لهم. يوم الأحد ثراء روحي مؤكّد. تستيقظ. وفيما الكائنات في عطلة تكتب مصنّفاً في الضجر: تبّاً لهم. ثمّ النشوة التي تتبع ذلك. بين الحائط والحائط متّسع لخطوات، مليئة بالانشغال. مثلاً: أين تقضي هذا الصباح البهيّ؟ وفترة ما بعد الظهر؟ والمساء. آه، المساء. خاصّة المساء. وبصورة استثنائيّة تقرّر أنّك متعب وتكتب في الخانات للفترات المتتالية: لا رغبة لي في أيّ شيء. وتعرف أنّه شيء عظيم. الأشياء كلّها هنا. فقط لو الوقت يتّسع.