يتحدث مصطفي صادق الرافعي قائلا: لما أردت أن أكتب هذا الفضل وهممت به, عرضت لي مسألة نظرت فيها جوابها, ثم قدرت أن يكون أبلغ فلاسفة البيان في أوربا لعهدنا هذا رجلا يحسن العربية المبينة, وقد بلغ فيها مبلغ أئمتها علما وذوقا ودرس تاريخ النبي (صلي الله عليه وسلم) ودرس الروح لأعمال الروح وتفقه في شريعته فقه الحكمة لأسرار الحكمة وأستوعب أحاديثه واعتبرها بفن النقد البياني الذي يبحث في خصائص الكلام عن خصائص النفس
مصطفى صادق الرافعي 1298 هـ - 1356 هـ ولد في بيت جده لأمه في قرية "بهتيم" بمحافظة القليوبية عاش حياته في طنطا وبذلك يكون الرافعي قد عاش سبعة وخمسين عاماً كانت كلها ألواناً متعددة من الكفاح المتواصل في الحياة والأدب والوطنية.
اسمه كما هو معروف لنا مصطفى صادق الرافعي وأصله من مدينة طرابلس في لبنان ومازالت اسرة الرافعي موجودة في طرابلس حتى الآن أما الفرع الذي جاء إلى مصر من أسرة الرافعي فأن الذي اسسه هو الشيخ محمد الطاهر الرافعي الذي وفد إلى مصر سنة 1827م ليكون قاضياً للمذهب الحنفي أي مذهب أبي حنيفة النعمان وقد جاء الشيخ بأمر من السلطان العثماني ليتولى قضاء المذهب الحنفي وكانت مصر حتى ذلك الحين ولاية عثمانية. ويقال أن نسب أسرة الرافعي يمتد إلى عمر بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وقد جاء بعد الشيخ محمد طاهر الرافعي عدد كبير من اخوته وأبناء عمه وبلغ عدد أفراد أسرة الرافعى في مصر حين وفاة مصطفى صادق الرافعي سنة 1937 ما يزيد على ستمائة. وكان العمل الرئيسي لرجال أسرة الرافعى هو القضاء الشرعي حتى وصل الأمر إلى الحد الذي اجتمع فيه من آل الرافعي أربعون قاضياً في مختلف المحاكم الشرعية المصرية في وقت واحد وأوشكت وظائف القضاء والفتوى أن تكون مقصورة على آل الرافعي.
وكان والد الرافعي هو الشيخ عبد الرازق الرافعي الذي تولى منصب القضاء الشرعي في كثير من اقاليم مصر وكان آخر عمل له هو رئاسة محكمة طنطا الشرعية. أما والدة الرافعى فكانت سورية الأصل كأبيه وكان أبوها الشيخ الطوخي تاجراً تسير قوافله بالتجارة بين مصر والشام وأصله من حلب وكانت اقامته في بهتيم من قرى محافظة القليوبية.
دخل الرافعي المدرسة الابتدائية ونال شهادتها ثم أصيب بمرض يقال انه التيفود أقعده عدة شهور في سريره وخرج من هذا المرض مصاباً في أذنيه وظل المرض يزيد عليه عاماً بعد عام حتى وصل إلى الثلاثين من عمره وقد فقد سمعه بصورة نهائية. لم يحصل الرافعي في تعليمه النظامى على أكثر من الشهادة الابتدائية. توفي في يوم الاثنين العاشر من مايو لعام 1937 استيقظ فيلسوف القرآن لصلاة الفجر، ثم جلس يتلو القرآن، فشعر بحرقة في معدته، تناول لها دواء، ثم عاد إلى مصلاه، ومضت ساعة، ثم نهض وسار، فلما كان بالبهو سقط على الأرض، ولما هب له أهل الدار، وجدوه قد فاضت روحه الطيبة إلى بارئها، وحمل جثمانه ودفن بعد صلاة الظهر إلى جوار أبويه في مقبرة العائلة في طنطا.
وانقطع الوحي :/ شهرين ، قضيتهما مع وحي قلم الرافعي ، ونهلت من مداده ،، تجربة كانت مثرية ، وكتاب أعتبره جيد كمدخل للتعرف على الرافعي .. إن أردت أن تبدأ بكتاب للرافعي فعليك بوحي القلم ، فهو خير ما يمثله أدبيا وفكريا ..
كانت روح الرافعي التي عرفتها في رسائل الاحزان، السحاب الاحمر، أوراق الورد، حديث القمر و المساكين متواجدة بصورة واضحة في الجزء الثاني أكثر من باقي الأجزاء. كنت دائم التوافق مع افكار الرافعي و طرحه نسبة 100٪ ، غير ان هذا لم يحدث مع بعض ما جاء بالجزء الأول و بالذات فيما يختص المرأة خروحها للحياة العامة. اغلب الجزء الثالث فيه تكريس للدفاع عن اللغة العربية و عن ما يضمن استمرارها؛ الأدب و الشعر و من يحمل رايتهما بحق.
لا أنكر جمال أسلوب الرافعي، وأدبه الرفيع ..فلم يفْتِّني أسلوب في الأدب العربي كأسلوبه.. لكن الملل زارني في هذا الجزء واستكثرت صفحاته عليّ، فلم أستطع إكماله ولم أسطع التفريط فيه.
من جلالةِ القلم أنه لم يكتب الله كتاباً إلا به، ولذلك أقسم به ، و من جلالته أنه يختار أنبياءه ممن أودع فيهم سبحانه سره ، كما أختار الله رسله كذلك القلم اختار و اجتبى من بين خلق الله من اصطفاهم من الكُّتاب حاملي أمانته، ليهب لهم عن طواعية سحر بيانه و قوة مداده ، فلا يُختار كاتبٌ إلا و يضع الله فيه قوة الحجة ، تمام الفكرة ، سحر البيان و فصل المقال و كأنه امتدادٌ للخالق غير أنه يترجم صُورَ ما خلقَ و أبدعَ البارئ، فيكون كلامه و بيانه مولود جديد تام الخلقة حسن الصورة غاية الكامل ، إلا انه سوادٌ على أبيض كأنه قد ينطق يحس و يشعر فيكسوه طابعه الإلهي.
أجاد الكاتب مصطفى صادق الرافعي و أبدع في "فن المقال " حيث يعتبر من أفضل الكتاب الذين ابدعوا في هذا الضرب خاصة في كتابه هذا "وحي القلم " بل تربع الرافعي على عرش المقال و تقلد برأيي لقب سلطان "مملكة المقال" حيث يعتبر كتاب وحي القلم من أفضل و أجمل ما كتبه الرافعي، يتكون من ثلاثة أجزاء هي عبارة عن مجموعة من مقالاته الأدبية ، النقدية بل حتى خواطر و قصص من نسج خيال الرافعي الخصب فهي مستوحاة من الحياة الاجتماعية المعاصرة لفترة عايشها الرافعي و دفعته للكتابة عنها و الإدلاء بدلوه في عديد المواضيع و الأحداث التي أثارت قريحة الرافعي للكتابة و الدفاع أكثر عن الدين ، اللغة ، القيم و المبادئ الاسلامية و حتى عن الشعر العربي الأصيل كما تضمنت و تناولت المقالات عديد القصص المنقولة بعناية عين الرافعي من التاريخ الإسلامي ، نشرت هذه المقالات المجموعة لاحقا في كتاب وحي القلم في العديد من الصحف والمجلات المصرية المشهورة في مطلع القرن الماضي مثل: الرسالة، وجريدة المؤيد والبلاغ والمقتطف والسياسة وغيرها.
اذا أردنا أن نستخلص أهم المجالات والمواضيع التي تطرق إليها الرافعي في ثلاث مجلدات من وحي القلم سيكون ذلك ضربا من الخيال، فلا يمكننا تصنيفها أو حتى تبويبها كونها عصية على الاختصار والحصر في عناوين فرعية لكن تقريبا جاءت على النحو التالي:
✒ الدين و اللغة: الأسرة الرافعية أسرة علم و دين، تأخذ أبناءها بالتربية الدينية القويمة، وتغرقهم في الثقافة العربية الإسلامية الأصيلة، وبذلك بدأ الرافعي تحصيله العلمي على يد والده الشيخ القاضي، وتثقف من مجالس الأشياخ والعلماء الذين كانوا يختلفون إلى أبيه في مجلسه. إيمان الرافعي وعصبيته المرغوبة، الحقّة لدينه الإسلام و لعقيدته أمر لا شك فيه كيف لا وهو ابن قاضٍ شرعي كان أول معلم ومرشد له، حيث درس على يديه تعاليم الدين الحنيف وحفظ القرآن، ووعى كثيرا من أخبار السلف، فكان البيت و الأب أول مدرسة فتح الرافعي عليها عينيه، ثم سار في دربه للدفاع بقلمه عن الدين في ظل ظروف وبيئة شهدتها مصر آنذاك، فخاض معاركه المشهورة ضد مفكري وأدباء عصره الذين حاولوا المساس بالعقيدة الإسلامية واللغة العربية وآدابها، فنجد في كتابه هذا الرد ( و إن كان عبر مقالة صغيرة ) على الدكتور طه حسين – رحمه الله – مُبيناً خطأه على ضوء المنهج العلمي والتاريخي، ورده على دعوة المساواة في الميراث قادها الكتاب سلامة موسى. ✍حيث يقول دفاعاً عن الدين (...كل أمة ضعُف الدين فيها اختلَّت هندستها الاجتماعية وماج بعضها في بعض؛ فإن من دقيق الحكمة في هذا الدين أنه لم يجعل الغاية الأخيرة من الحياة غاية في هذه الأرض؛ وذلك لتنتظم الغايات الأرضية في الناس فلا يأكل بعضهم بعضًا فيغتني الغني وهو آمن، ويفتقر الفقير وهو قانع ...وهذه الأمة الدينية التي يكون واجبها أن تَشرُف وتسود وتعتز، ويكون واجب هذا الواجب فيها ألَّا تسقط ولا تخضع ولا تذِلَّ ...وبتلك الأصول العظيمة التي ينشئها الدين الصحيح القوي في النفس، يتهيأ النجاح السياسي للشعب المحافظ عليه المنتصر له؛ إذ يكون من الخلال الطبيعية في زعمائه ورجاله الثبات على النزعة السياسية، والصلابة في الحق، والإيمان بمجد العمل، وتغليب ذلك على الأحوال المادية التي تعترض ذا الرأي؛ لتفتنه عن رأيه ومذهبه؛ من مال، أو جاه، أو منصب..) ✍و دفاعاً عن اللغة : (أما اللغة فهي صورة وجود الأمة بأفكارها ومعانيها وحقائق نفوسها، وجودًا متميزًا قائمًا بخصائصه؛ فهي قومية الفكر، تتحد بها الأمة في صور التفكير وأساليب أخذ المعنى من المادة؛ والدقة في تركيب اللغة دليل على دقة الملكات في أهلها، وعمقها هو عمق الروح ودليل الحسِّ على ميل الأمة إلى التفكير والبحث في الأسباب والعلل، وكثرة مُشتقَّاتها برهان على نزعة الحرية وطموحها؛ فإن روح الاستعباد ضيق لا يتسع، ودأبه١ لزوم الكلمة والكلمات القليلة). وانظر كيف تفطن الرافعي لأهداف الاستعمار الخسيسة للنيل من شعب بأكمله، وذلك من خلال ضرب لغته العربية إذ يقول: (وما ذَلَّت لغة شعب إلا ذَلَّ، ولا انحطَّت إلا كان أمره في ذهاب وإدبار؛ ومِن هذا يفرض الأجنبي المستعمر لغته فرضًا على الأمة المستعمَرة، ويركبهم بها، ويشعرهم عظمته فيها، ويستلحقهم من ناحيتها؛ فيحكم عليهم أحكامًا ثلاثة في عمل واحد: أما الأول فحبس لغتهم في لغته سجنًا مؤبدًا، وأما الثاني فالحكم على ماضيهم بالقتل محوًا ونسيانًا، وأما الثالث فتقييد مستقبلهم في الأغلال التي يصنعها؛ فأمرهم من بعدها لأمره تَبَعٌ..) ✒السياسة و القومية العربية: الرافعي أيضا ابن مصر وقد عاش في أوج العصر الملكي بمصر، حين بدأت بالظهور قضايا الحرية والعدالة والمساواة، رافضا تقسيم المجتمع لفئات تستعبد كل منها الأخرى، ليقول إن ببلاده شخصيات فوق المعاني عندما تكذب ترتفع قاماتها فوق الفضائل كلها، و أن الشعب أميٌ جاهل لا يستطيع الإدراك و لا يحسن التمييز فكانت الألقاب كالقوانين الشخصية وكل من يحمل لقباً من الحكومة يقول للناس أن الحكومة وضعت الأمر على شفتي، و شغله حال أمته العربية و المصرية، فكتب عن محنة فلسطين وقال أنها محنة الإسلام ككل، و نادى بالأمة و بكى على حالتها النفسية (إن الأمة لن تكون في موضعها إلا إذا وضعت الكلمةَ في موضعها، وإن أول ما يدل على صحة الأخلاق في أمةٍ كلمةُ الصدق فيها، والأمة التي لا يحكمها الصدق لا تكون معها كل مظاهر الحكم إلا كذبًا وهزلًا ومبالغة) و تحسر على وضع مصر التي كبلتها يد الإنجليز والامتيازات التي جسدت طبيعة الخضوع في الشعب وهي معرة ومضرة وظلم وقسوة ولكنها على ذلك طبيعية في طبيعة هذا الشعب اللين المأخذ.
✒في الصحافة، النقد والأدب: يعلم الرافعي من يدعون أنفسم أدباء وقد كثروا في زمانه ومنهم من امتهن مهنة الصحافة والنقد وهو لا يفقه فيهما شيئا، يعلمهم الرافعي كيف يكون النقد وكيف تكون الكتابة في الصحافة إذ يقول (وللصحافة العربية شأن عجيب، فهي كلَّما تمَّتْ نقصت، وكلما نقصت تمَّت؛ إذ كان مدار الأمر فيها على اعتبار أكثر مَن يقرءونها أنصاف قُرَّاء أو أنصاف أُمِّيِّين؛ وهي بهذا كالطريقة لتعليم القراءة الاجتماعية أو السياسية أو الأدبية؛ فتمامها بمراعاة قواعد النقص في القارئ..) ويعيب عليهم الرافعي بعدهم عن اللغة وعن تعلمها والأخذ بها وبآدابها فيقول: (..أصبحوا لا يتثبَّتون ولا يُحقِّقون، وطال عليهم أن ينظروا في العربية، وثقُل عليهم أن يستبطِنوا كتبَها؛ ولو قد تربَّوْا في تلك الأسفار، وبذلك الأسلوب العربي لتمَّت الملاءمة بين اللغة في قوتها وجزالتها وبين ما عسى أن يُنكِره منها ذوقهم في ضعفه وعاميته وكانوا أحقَّ بها وأهلها ... وذلك بعينه هو السر في أن مَن لا يقرون تلك الكتب أول نشأتهم، لا تراهم يكتبون إلا بأسلوب منحطٍّ، ولا يجيئون إلا بكلام سقيم غثٍّ، ولا يرون في الأدب العربي إلا آراءً مُلْتَوية).
✒اسقاطات بارعة: إذا قلنا أن وحي القلم هو صورة أو بورتريه للرافعي فنحن لم نزد على ترجمة ما ينتاب القارئ خلال قراءته لمقالات الرافعي، ذلك أنك تكتشف دون عناء وعن طيب خاطر يظهرها لك أسلوب الرافعي لتتعرف على الرافعي، الكاتب الفذ الصارم الذي لا يخشى قول الحق والدفاع عن دينه ولغته، الناقد المتمكن، العارف باللغة وأسرارها، لكنك أيضأ ستتعرف على الرافعي الطفل، الشاب، الرجل، الشيخ وأيضا العاشق الحالم والمرح والفكاهي، هي مقالات وشت لنا بالكثير عن الوجه الآخر للرافعي في خواطر جمعت الماضي بالحاضر خطت بقلمه النافذ البصيرة، فنرى كيف أنطق قطين وخروفين في قصص قصيرة ذات معنى ومغزى أكبر وأعمق، قصص تحمل إسقاطات مذهلة وعجيبة ربما يتقافز إلى الذهن كتاب ابن المقفع(كليلة ودمنة) ونرى كيف عالج قضايا اجتماعية كنا نجهل حدوثها في زمنه فنقلها لنا بكثير من الحذر ببراعة كاتب وخبرة قاضٍ، و كيف جرت الحكمة على أفواه مجانين نحسبهم أعقل مجانين الرافعي، بل وصاحب نكتة. ✍(قلت: هكذا «النوابغ» فإن رجلًا أديبًا كانت كنيته «أبا العباس» فلما «نبغ» صيرها «أبا العَيْر» (العير هو الخمار ) وفتق له نبوغه أن يجعلها تاريخًا يعرف منها عمره. قالوا فكان يزيد فيها كل سنة حرفًا حتى مات وهي هكذا:أبو العَيْر طَآدْ طِيل طَلِيري بَك بَك بَك..)
✒فلسفة الحب : بلغة عذبة تتسرب إلى مسامات الروح و تنتقي أجمل و أعبق عبارات الحب ،كريشة فنان هاربة استعارها الرافعي ليلونّ كتابه بأبهى حلة و يقلد مقالاته بتاج الحب ، و لكن بلغة عفية طاهرة نقية نقاء الحب العذري البعيد عن الماديات و المتسامي عن خبث النوايا ،فالحب عند الرافعي فلسفي فكري بعيد عن المادية و التجسيد، و المرأة كما يصفها هي جمال رباني يقوده للإيمان بالخالق كيف أبدع و صور ، يُظهر الرافعي في كتابه وحي القلم (مقال بعنوان القلب المسكين) يُظهر فيه الرجلَ البادئ الطالب للحب وفي نفس الوقت المتمنع، بينما تظهر المرأة المحبوبة مستلذةً بمشاعر الحب المؤلمة و لكنها لا تبوح، في جدلية ألقى بها الرافعي أمام قراءه تُظهر إشكالية الحب و تعذيب النفس في محاربة شيطان الهوى إذ يقول(..بيننا حب بغير طريقة الحب، فإن طبيعتي الروحانية الكاملة تهوى فيها طبيعتها البشرية الناقصة، فأنا أُمازِجها بروحي فأتألَّم لها، وأتجنَّبها بجسمي فأتألَّم بها ).
الدنيا إمرأة، هذا الاختزال الصريح المعترف بأحقية المرأة في الحب و في أنها تُحب ، اختزال يعيد الرجل لآدميته لكينونته...لجنته، و لا يكون إلا عن طريق التتويج بالحب ( إن الدنيا الآن امرأة! وكان من السرور كأنما نقله الحب إلى رتبة آدم، ونقل صاحبته إلى رتبة حوَّاء، ونقل المسرح إلى رتبة الجنة).
أي قدسية يمنحها الحب ؟! و أي مرتبة يضعنا فيها؟! هل نعود كالبلور شفافين لا مرئيين فتنفد من خلالنا الأشعة النورانية فلا نعود نرى إلا بها و لا نبصر إلا من خلالها و لا نتكلم إلا وحياً ؟!! هل نعود روحانيين، ربانيين ؟! ذاك من تستشفه من خلال قول الرافعي : (أتدري ما نظرة الحب؟ إن في هذا القلب الإنساني شرارة كهربائية متى انقدحت زادت في العين ألحاظًا كشَّافة، وزادت في الحواس أضواء مُدركة؛ فينفذ العاشق بنظره وحواسه جميعًا في حقائق الأشياء، فتكون له على الناس زيادة في الرؤية وزيادة في الإدراك يعمل بها عملًا فيما يراه وما يدركه؛ وبهذه الزيادة الجديدة على النفس تكون للدنيا حالة جديدة في هذه النفس؛ ويأتي السرور جديدًا ويأتي الحزن جديدًا أيضًا؛ فألْفُ قُبْلة يتناولها ألفُ عاشق من ألف حبيب، هي ألف نوع من اللذة ولو كانت كلها في صورة واحدة؛ ولو بكى ألف عاشق من هجر ألف معشوق لكان في كل دمع نوع من الحزن ليس في الآخر!)
✍ يتكئ الرافعي في ثقافته ولغته على التراث العربي الإسلامي، حيث مثلت مكتبة الأب الأستاذ الثالث للرافعي حيث انكبّ عليها انكباب النهم على الطعام والعطِش للماء العذب و المسافر للراحة والأمان ،فكانت أستاذا و معلما و فيها إجتمع الرافعي باستاتذته كالجاحظ و الأصفهاني ، لهذا عاش الرافعي بين الكتب كأنها دنيا أخرى و أناس آخرون و جو و أصحاب و سُمار من عالم آخر و إن كان قد مضى بالنسبة إلينا فإنه حي ينبض بالنسبة له ، لهذا خالطهم و تعلم على يدهم فأصبح يتكلم بلغتهم الرصينة الراقية التي لم تخالطها العامية و لم تشوبها شائبة و يفكر بمنطقهم و يرى رأيهم لهذا كان لا يُرى إلا و في يده كتاب!! فأحاط خبرا بما لدى الآخرين ومنحت مؤلفاتهم عقله معرفة ، دراية وأخلاقا وأيضا قوة وطاقة يعود بها إلى تراثه أوفر ما يكون نشاطا، وأحد ما يكون بصيرة ، فكانت هذه المؤثرات التي صقلت أسلوبه ولغته، فأول ذلك كتاب الله عز وجل و حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وثانيها ما حفظه من تراث العرب، و بيان فصحائهم، فقد حفظ نهج البلاغة و فصولا من المخصص، وكثرة قراءته في كتب الجاحظ وابن المقفع و أبي الفرج، لهذا تجد قبسا من شعاع و دليلا من نور في تعابير الرافعي يفضي إلى ملكته اللغوية و مخزونه العلمي الوفير، كما تتلمس من خلال وحي القلم أسلوبا خاصا بالرافعي غير أنك تجد آثار الجاحظ و همس كلماته.
ها قد طُويت آخر صفحة من صفحات الإعجاز اللغوي و البياني الخالص في هذا الكتاب و لكنَّ صفحة الإعجاز لم تُطو بعد بل هي قائمة إلى أن يرث الله الأرض منها عليها و ها أنا أقف أمام هذا الطود العظيم و الجبل الرَّاسخ على ربوة بعيدة أنظر إلى أبعد نقطة فيه و أقول " سبحانك اللهم حُفظ القرآن ما حُفظت لغته و كان الرَّافعي ممَّن اخترتهم ليذودوا عن حمى العربيَّة و يرفعوا لواءها و يكشفوا اللؤلؤ المكنون الذي ينم عن هذا الإعجاز الرَّباني في لغة هذه الأمَّة التي اصطفاها الله لحمل رسالته في عصر مُحقت فيه كلُّ معالم الهوية و على رأسها اللغة من أبناء جنسها بمعاول متسترة في كثير من الأحايين " أما إنِّي _ و الله يعلم _ ليُخيَّل إليَّ أنَّني حبلت به فهو على مرِّ ما تعهدته عيني بقراءته و قلبي بالنَّظر إليه و روحي بالتشرب منه و انا أعاني ألم الحمل ، حمل تلك المعاني الزَّاكية الزَّكية التي كنت أراها حملا من المسؤوليَّة إذ أنَّني أرى = مذ ارتشفت عيناي من أدب أبي فهر و الرافعي اللغة أمانة علينا نحن أي هذا الجيل = أرى أنَّ هذه اللغة هي التي يجب أن تتسرَّى معانيها بين أبنائنا و أولادنا حتَّى تستعيد الأمَّة مجدها التَّليد و اليوم و أنا أحمل هذا الكتاب ليعود أدراجه إلى رف المكتبة بعد أن سكنت كلماته هذا الجنان أزدرد دمعة تقصير اتجاهه فرغم أن الأسباب التي اجتمعت لأقرأه كانت متخيَّرة بصعوبة خلال سداسي دراسي حوى من الضغوطات الكثير ، كنت كثيرا ما أضحي بأوقات الدراسة = بدون التكلم عن المراجعة = لأنهل من هذه الورقات النورانية غير آسفة على ما فرطت من علم الحاسوب هذا لأنَّ سمو الروح و غذاءها إنما هو عندي أعز بكثير و أهم أكثر ، ثمَّ كان أن قدر الله أن وقفت على طبعة ضيَّعت علي خيرا كثيرا جعلني اتأسف على شيء كهذا راجية أن يطيل الله في عمرنا رازقا ايانا البركة فيه حتَّى نستطيع أن نرتشف من معين هذا الجمال كرة ثانية نقف فيها على ما لم نقف من ذي قبل ثمَّ إني إن قلت أن كل بيت عربي مسلم حُقَّ له أن يحوي سفرا كهذا إلى جانب كتب التفسير و العقيدة و الفقه لا أظنني مخطئة ألبتة و لأنَّ الوقت يداهمنِّي كما أنَّ حالة من "أكمل كتابا و في قلبه منه الكثير ليجد في فطامه من آلام البعد ووداع الحبيب ما يجعل أمر الكلام_في مشقته_ منبعثا من أقصى الحلق متعثرا بألوف الغصص أليت أن أرفع مراجعة الكتاب إلى حين ميسرة تكون فيه رعشة القلب قد أوشكت على الهدوء قليلا. لقد بكيت كثيرا عندما قرأت هذا الكتاب ، نعم بكيت رغم أنَّه لم يكن في كثير من الأحايين داع صريح للبكاء و لكنَّني يا سادة كنت أولد حينها أو إن صح التعبير كان قلبي يلد قلبا آخر و لكم أن تتصورُّوا مخاضا كهذا تلد الروح فيه روحها و إني لا أنزه الكتاب من كل عيب إذ العيب لصيق بهذه البشرية ليصح عندنا قاطبة أن الكمال عزيز و أنه ما من كتاب قد كمل إلا كلام عز و جل و على ما وقفت من أمور لم تسر خاطري إن أنها وشل قليل مقارنة بما قدمه و سيقمه هذا السفر لأبناء هذه الأمة و لو أنصف الناس مقالاته =خاصة في ذلك الزمن = لغفر للمؤلف ما زل فيه للرَّافعي حسناته وعليه أخطاؤه أجزل الله له المثوبة فيما صح و غفر له ما زل فيه و لِي أنا تلك الرُّوح التي وُلِدت من جديد بين دفَّتي هذا الكتاب تلك الرُّوح التي أخالها تحلِّق في علياء هاته السَّماء حيث لا مكان إلا لفاضئلي و ذاك الجمال و حسبي بذاك منفعة و شرفا و كفى ؛
إنني أجدني قد قصرت كثيرا في ذكر هذا السفر و مزاياه بل مثلي يقف عاجزا على أن يفوه بكلمة في حق هذا الإرث و لكن صمت المحب عمل كلام طويل و أنا الآن كما قال رحمه الله أتكلم ساكتة و لكم هو موحش هذا السكوت و ليرحمه الله؛ =لعل الله ييسر لي رجوعا لأضيف ما هو أليق بأن يقال مما قيل = و لنحفظ لأهل الفضل فضلهم فلتهنأ العربية بأمثال الرافعي كزعيم للأدب الراقي و الرسالة السامية و لنحذذوا حذوه يسر الله لنا
بدأت اولى قراءاتي لهذا الكتاب الذي وقعت عليه عيناي صدفة بمكتبة عمّتي في احدى جولاتي الاستكشافية .. خرجت به معَ كتاب آخر .. :")) يتحدث الرافعي في أغلب مقالاته عن الأدب والأديب والفضيلة والوضاعة .. كما تطرّق في مقالتين له للكلام عن العلماء والمشائخ والفرق بين العالم الفاضل وعالم السؤ .. ثمّ لاحظت في بعض مقالاته ومنها مقالة الـ ( عجوزان ) فكرة اعتراضه للتجديد في الأدب!!! ولا ادري حقا ان كنت أتفق معه ام اختلف ولكنّي أقف " بين البين " .. الكتاب يبدو متذبذبا جدًا ... فقدّ شدّني لبعض مواضيعه .. ونفرت من بعضها الآخر .. لغته وفلسفته تبدو استعراضية جدًا مما كان يشعرني ببعض الملل أحيانًا فكان يلزم وجود " رواية " أقرأها بعد كل جولة مع الرافعي .. وبالعموم الكتاب كان جيّد .. ولا بأس به ، أتمنى ان يكون الجزئين الأولين افضل :)
الكتاب : #وحي_القلم المؤلف : مصطفى صادق الرافعي عدد الصفحات : ١١٥٩ صفحة في ثلاثة أجزاء الدار : دار ابن حزم/ الجفان والجابي للطباعة والنشر - الطبعة الأولى ٢٠٠٥ م بينما الطبعة الأولى من الكتاب صدرت عام ١٩٣٦ م التقييم : ٥/٥
إبحار لطيف طويل في هذا الكتاب الرائع والذي أساسه مقالات متنوعة كتبها المؤلف رحمه الله في صحيفة الرسالة - وهذا الغالب - وفي المقتطف وغيرها من الصحف التي كانت أساس الأدب حينها، بدأها بمقالة رائعة استدعى فيها التاريخ فأنشأ من القصاصة قصة في صفحات بأسلوب رائع وذلك في مقالته اليمامتان عن عمرو بن العاص رضي الله عنه وفتحه لمصر وتكرر منه ذلك، فكتب قصة زواج بنت سعيد ابن المسيب رحمهم الله في مقالتيه قصة زواج، ثم قصة الأعمش وزوجته رحمهما الله في زوجة إمام، ثم مضت به المقالات حتى وصل لقصة مالك بن دينار رحمه الله وقصة توبته في مقالتيه بنته الصغيرة، ثم في بداية الجزء الثاني إذ استدعى فيه هجرة النبي ﷺ والإسراء به إلى الأقصى ثم المعراج به ﷺ في عدة مقالات منها سمو الفقر في المصلح الاجتماعي، ثم استدعى الشعبي رحمه الله وطريقته في التدريس والإصلاح الاجتماعي في مقالاته بعنوان الانتحار، ثم للزاهد العالم الواعظ أبو عبدالرحمن حاتم بن يوسف الخراساني وأقرانه من الزهاد العباد بشر الحافي وأحمد بن حنبل ومعروف الكرخي والسري السقطي رحمهم الله في عدة مقالات أولها السمكة ثم الزاهدان وما بعدهما، وطريقته في ذلك أن يعيش التاريخ فيتكلم على لسان أولئك الأعلام وكأنه يعيش بينهم وكأنه يدخل عقولهم وقلوبهم ويزيد ما من شأنه تبيين الطريقة التي وصلوا إليها بأسلوب قصصي رائع لا يمل فيه الوعظ وفيه الحبكة القصصية، لكن شانه مع الأسف كثيرٌ من الأحاديث التي لا تصح والتي أوردها - ولعل غالبها استقاها من إحياء علوم الدين للغزالي غفر الله ، وفيها أحاديث كثيرة باطلة وموضوعة وضعيفة لأن الغزالي لم يكن من أهل هذا الشأن حينها رحمه الله وغفر له وأحسن خلاصه- ولا يفوتني مقالتان جميلتان ذكرهما مقالة الأسد في قصة العابد الزاهد أبي الحسن بنان الواسطي رحمه الله الذي ألقي في قفص الأسد، والثاني أمراء للبيع في ذكر شيخ الإسلام الفقيه التقي ابن دقيق العيد رحمه الله وقصته جميلة تُقرأ هناك وفيها ذكر لقصة شيخه سلطان العلماء عز الدين ابن عبدالسلام رحمه الله. هذا جانب وجانب آخر في التاريخ الحديث في قصص أحد البشوات وقصصه بعنوان أحاديث الباشا في مقالاته الثلاثة عشر ، وكذلك قصة أول طيارين مصريين، تحدث رحمه الله في مقالاته عن فلسفة العيد في الاسلام وفلسفة المسجد والصلاة والصوم وعن ( الله أكبر ) ، تحدث عن الاختلاط ومحاولة هدم الدين باسم التجديد، تحدث عن الطائشة اللعوب وعن الجمال البائس عن الفتاة المغرورة بالحب الحرام وعن الراقصة التي باعت لحمها للناظرين واللامسين تحت مسمى الفن، تحدث عن مشاكل اجتماعية كما في مقالات المشكلة، تحدث عن الطهر والعفاف في مقالته تربية لؤلؤية، عن اللقطاء، عن الأزهر ودوره، عن فلسطين، عن العشق والحب، عن موت الأم، عن الفقد، عن فلسفة النقد، عن الأدب والأديب، عن صعاليك الصحافة. شنّ هجومًا عنيفا على أولئك الشباب العزاب الذين تخلوا عن الزواج ورفضوه، لأنهم جعلوا أنفسهم لذاتهم ولرغباتهم ولم يفكروا أنهم ما جعلوا إلا لبنة في بناء المجتمع والأمة، تحدث عن الفقراء والأغنياء في مقالات منها الطفولتان، تحدث حتى بلسان الحيوانات كما في حديث قطين وبين خروفين، مقالة جميلة للفتاة المسلمة بعنوان احذري !! عن حقيقة المسلم. وختم جزأه الثالث بمقالات جميلة بدأها بمعاصريه من الشعراء وأهل الأدب: صبري بك ثم حافظ إبراهيم ثم شوقي ثم صرّوف اللغوي ثم الشيخ الخضري، تحدث عن بعض الكتب كترجمة حافظ لرواية البؤساء ثم ديوان الملاح التائه ثم كتاب المتنبي لمحمود محمد شاكر ثم كتاب محمد ﷺ لتوفيق الحكيم ثم ديوان الاعشاب ثم كتاب سر النجاح الذي ترجمه صروف كذلك، تحدث عن ذلك الجاهل السخيف الذي تحدث عن المساواة بين المرأة والرجل في الميراث وردّ عليه، ثم ختم كتابه بثلاث مقالات في الرد على ذلك المخذول الذي قال بأن قول العرب ( القتل أنفى للقتل ) أبلغ من قول الله تعالى ( ولكن في القصاص حياة ) - حاشا لله - مدللا على ذلك بترهات ظنها دلائل، وكان أصل ذلك رسالة مؤثرة كتبها محمود محمد شاكر له مذكرًا له بواجب في مقالة موجزة حقّ على كل من وجد خلل في أي مجال أن يرسلها للعلماء في هذا الزمان، ثم رد الشيخ مصطفى صادق الرافعي رحمه الله على ذلك وقد تناول في مقالاته الثلاث زيادة على ما سبق بيان وجوه البلاغة في قوله تعالى ( في القصاص حياة) وردّ على ذلك الجاهل ثم بيّن أن لفظة ( القتل أنفى للقتل ) ليست مترجمة عن لغات أخرى وبيان ما فيها من سُخف وقلة فهم، ونفى كذلك أن تكون الكلمة جاهلية بدلالات ذكرها، وكانت هذه المقالات خاتمة المسك للكتاب.
إنّ كتاب وحي القلم للأديب المصري مصطفى صادق الرافعي هو عبارة عن مقالات كان يكتبها الرافعي في مجلة الرسالة التي كانت تصدر قديم ً ا جمعها كلّها ووضعها في كتاب واحد جاء في أكثر طبعاته في ثلاثة مجلّدات. لا يمكن حصر موضوع هذا الكتاب بأمر واحد ولكنّه كان كتابًا متنوّعًا فيه مقالات، وفكرة جمع هذه المقالات في كتاب هي نصيحة أُسديت للرافعي من فؤاد صرّوف رئيس جريدة المقتطف آنذاك، فأخذ الرافعي يجمع ما قد نشره في الصحف والمجلات ويراسل تلاميذه ليجمعوها له، ولا سيّما محمد سعيد العريان ومحمود أبي ريّة، مجموع هذا الكتاب كان مقالات وخواطر وآراء نقدية وقصص ً ا يستلهمها من الواقع أو التاريخ. مثلا ً ماتت زوجة أحد أصدقائه وذهب ليعزّيه، وهناك شاهد أطفالها الصغار ، وعندما خطب ابنه سامي ابنة خاله حينما كان مُعيدًا في فعندما عاد كتب مقالة "موت أم" كلية الزراعة، ولكن هذه الفتاة أصابها داء في صدرها استنزف مال والدها كاملا ً ولم تشفى، فصار خطيبها سامي يتكفل بعلاجها مدة من الزمن، ولكنّها لم تُشف َ وماتت، فكتب ، الرافعي من أجلها مقالة "عروس ٌ تُزف ّ إلى قبرها" وغيرها كثير مم ّ ا جادت به قريحة الرجل، إضافة إلى مقالات أخرى في الأدب والنقد، يدافع عن فكرة ما يؤمن بها.و خاصة رأيه عن المرأة الذي لم يرق لي كثيرا و خاصة قوله أن المرأة مهما بلغ علمها فلن تصل مكانة الرجل لأنه ببساطة رجل مما يجعلني أفكر أحيانا أن فكره سطحي للغاية و لا يرتقي ليكون مفكرا أو فيلسوفا و سيبقى مجرد كاتب .. كان كتاب وحي القلم حصيلة آخر ثلاث سنوات من حياة الرافعي، في هذه السنوات الثلاث كان الرافعي يكتب في مجلة الرسالة التي كان رئيسها الأديب المصري المعروف أحمد حسن الزيّات، إضافة لغيرها من المجلات والصحف الأخرى غير أنّ هذه المجلّة كانت الأكثر حضورًا في حياة الأديب الرافعي. يشهد كثير من المعاصرين للرافعي وكثير من الباحثين كذلك أنّ أسلوب الرافعي قبل وحي القلم كان معقّدًا جدًّا وغامض ً ا وعميقًا قد جمع فيه أساليب أئمة الأدب والإنشاء منذ عصر الجاحظ وحتى ما قبل عصره بقليل،ولكنّه في وحي القلم جاء بأسلوب مشرق سهل الأداء وأقل ّ عمقًا، ولعل ّ السبب في ذلك كان أنّ الرافعي مُلزمٌ بوقت معين ّ لإنهاء مقالاته…. غير أنّ لمحمد سعيد العريان نظرة أخرى في سبب ظهور هذا الأسلوب السلس للرافعي الذي اتبعه في مقالات وحي القلم، وهو أنّ المقالات موجهة لجمهور الصحف والمجلات، وهؤلاء لا يكونون على سويّة واحدة من الثقافة والمعرفة، لذلك فقد أراد الرافعي أن يكون أسلوبه مناسبًا للجميع، وهذا من حقّ القرّاء على الكاتب. فاتبع الرافعي هذا الأسلوب في الكتابة كي يسهّل على القرّاء فهم مقالاته، ويرى العريان أنّ هذا الأسلوب هو حصيلة معارف الرافعي وأساليبه في الكتابة والمعرفة في اللغة العربية، وتظهر فيه شخصيّة الرافعي الأخيرة قبيل وفاته. البناء الفني في كتاب وحي القلم : إنّ كتاب وحي القلم هو من الكتب التي احتوت على مقالات في مختلف الأمور سواء ما كان إنسانيًّا منها أم أدبيًّا أم نقديًّا أم غير ذلك، فلذلك كان أسلوبه في الكتابة يختلف من مقالة إلى أخرى أو من نوع إلى آخر، وبذلك يختلف معه البناء الفني من صور واستعارات وتراكيب وغير ذلك. ولكن يمكن تمييز بناء واحد قد طغى على كل ّ كتاب الوحي وهو اللغة التي كُتب بها وما يتبعها من استعارات وتشبيهات تكاد تكون ملازمة لجميع فصول الكتاب، فقد كانت اللغة الغالبة على الكتاب هي اللغة الشعرية التي تفرض على الكاتب نمطًا معيّنًا في الكتابة يجعله يكثّف الصور البيانيّة مع الاتكاء قليلا ً على المحس ّ نات البديعية. اللغة عند الرافعي هي وسيلة للكشف وليست مجرّد أداة نقل وإبلاغ وتواصل، بل هي أعمق من ذلك بكثير عنده، وربّما كان سبب الكتابة بهذه الطريقة في النثر هو أن الرافعي في الأساس كان شاعرًا انصرف إلى النثر، مثلا ً يقول في إحدى مقالاته: "كما تطلع الشمس بأنوارها فتفجر ينبوع الضوء المسمى النهار، يولد النبي فيوجد في الإنسانية ينبوع النور المسمى بالدين، وليس النهار إلا يقظة الحياة تحقق أعمالها، وليس الدين إلا يقظة النفس تحقق فضائلها" فالناثر عادة لا يستعمل هذا الأسلوب إذا أراد أن يوصل المعنى مباشرة للقارئ، ولكنّ الرافعي يريد لهذا المعنى أن يثبت في ذهن المتلقي، فجاء به في ثوب من التشبيهات المتناسقة. آراء نقدية حول كتاب وحي القلم : لقد كان لكثير من الأدباء والباحثين والنقّاد آراء في كتاب وحي القلم للرافعي، منها رأي تلميذه محمد سعيد العريان الذي قال فيه: "هذا كتاب، آخر كتاب أنشأه الرافعي، ففيه النفحة الأخيرة من أنفاسه، والنبضة الأخيرة من قلبه، والومضة الأخيرة من وجدانه، أفرأيت الليل المطبق كيف تتروَّح نسماته الأخيرة بعبير الشجر وتتندَّى أزهاره في نسيم السحر" "ألا وإنه إلى ذلك أول كتاب أنشأه على أسلوبه وطريقته، فقد عاش الرافعي ما عاش يكتب لنفسه وينشر لنفسه، لا يعنيه مما يكتب وينشر إلا أن يُحيل فكرة في رأسه أو لمحة في خاطره أو خفقة في قلبه، إلى تعبير في لسانه أو معنى في ديوانه، ولا عليه بعد ذلك أن يتأدى معناه إلى قارئه كما أراده أو يُغلق دونه، فلما اتصل سببه بمجلة "الرسالة" رأى لقارئه عليه حقًّا أكثر من حق نفسه، فكان أسلوبه الجديد الذي أنشأ به الكتاب". على مدى سبع وخمسين سنة عاش مصطفى صادق الرافعي رحلته المفعمة بالحب والجمال والأشواق الربانية، وفي عمق الحضارة الإسلامية واللسان العربي عاش الرجل الذي اتخذ من مصر الكنانة مستقرا لأدبه ومستودعا لمداده وجثمانه. وقد تعلق خصوم الرجل بشاميته الأصيلة، وكون أسرته قادمة من بلاد الشام، فبدأ بعضهم يطعن في وطنيته، وكان يرد عليهم متسائلا هل في وطنيته وحبه لمصر شك وقد نبتت فيها عروقه وزهت أغصانه واحتوت أرضها أجساد جيلين من أسلافه؟ و الحب عند الرافعي لا ينفك عن الجمال، فهما صنوان متكاملان وروح حلت جسدين أو هما في اللفظ والمعنى على سواء من الترادف والتكامل. لكن “وحي القلم” على شهرته لم يكن الكتاب الوحيد الذي خلده مداد الرافعي، فقد ترك مكتبة شاملة وواسعة، ومنها على سبيل المثال كتاب تاريخ آداب العرب الذي يعتبر من أهم وأشهر كتب الرافعي، وقد خصص الرافعي الجزء الثاني منه للنص القرآني المقدس الذي عاش في ظلاله واستقى من ينبوعه أسلوبه ووهجه اللغوي البراق، فأصدر سنة 1928 كتابه “إعجاز القرآن والبلاغة النبوية”
قراءة 2020 الكتاب : وحي القلم- الجزء الثالث الكاتب: مصطفى صادق الرافعي
# مقدمة الجزء الثالث من وحي القلم وحي القلم الجزء الاخير من كتاب الرافعي وحي القلم. لاحظت بأن هذا الجزء كان مهتم بالأدب والفكر الشعري أكثر مما جاء في الجزء الأول والثاني. قرأت كتب كثيرة لكتاب مصريين عاشوا في نفس الفترة ولهم نفس الخلفية الفكرية كأمثال طه حسين والعقاد وأحمد أمين ووجدت بأنهم يتشاركون في حبهم الشديد للغة العربية ونظم الشعر العربي. صقلت عقولهم نفس الكتب فتجد مثلا بأن أحمد شوقي وحافظ إبراهيم تأثرا كثيرا بكتاب (الوسيلة الأدبية) للمرصفي وستجد أن الرافعي وأحمد امين يذكرون فضلا كبيرا عليهم لكتاب سامويل سمايلز أو الترجمة المعروفة بـ (سر النجاح) ليعقوب صروف والذي كتب فيه الرافعي مقال كامل في كتابه وحي القلم. هؤلاء الأدباء المصريين كانوا يبحرون في الشعر والأدب العربي ويردون على بعضهم البعض في الجرائد والرسائل حتى ظهر لنا أدباء كثر في تاريخنا العربي الحديث. أغلب هؤلاء كانوا يعيشون ضمن دائرة أدبية واحدة وعاشوا في زمان واحد وهذا الدليل أن الإنسان هو نتاج المجتمع الذي يعيش فيه والزمان الذي يولد فيه. ليس لهذا الكتاب خانةٌ محدّدة ينضوي تحت لوائها ، ففيه من السيرة شذرات،ومن النقد لمحات ، ومن التراجم نفحات ، ومن الفكر همسات ،ومن الفقه والتشريع كلمات، فهو مختلف النوع، كثير الكم ، نبيل المقصد ، زاخر الكلم والمعنى ، ليس طويل الجزء ولا قصيره، ولا غرابة فيه ولا وحشة ، يسهب فيه حين يريد ويطنب ، ويختزل حين يجد الاختزل أنفع ، فلا سأم فيه يداخلك ، ولا شكّ يواربك. أسلوبه السهل الممتنع ؛ من فرادة الصورة ، وشعريّة الجملة، وقوّة الحُجّة ، وفلسفة الخيال ، وإعمال العقل ، وتفحّص الحقائق ، لا مجاملة فيه إلّا لمن يستحق ، ولو كان من الخاصّة وذوي الفضل ، أمّا غير الخليق فلن ينال منه سوى لاذع النقد ، ولا يتورّع في ذلك ، سواء كان من الأقدمين أم من المحدثين ، يستشهد بأقوال العلماء ويعلّق عليها ، فلا حقلَ اختصّ فيه ، بل لجَّ في بحر العلوم الإنسانيّة ، واستظهر بواطنها ، فأخذ ما أراد وترك ما لم يحب،لم يهوَ القصّة ، لكنّه كتبها ، وصنع لها شخصيّات من قدامى # مقالات الكتاب
# السمو الروحي الاعظم والجمال الفني في البلاغة النبوية هو من اول مقالات الجزء الثالث وهو يتحدث عن البلاغة النبوية باسلوب الرافعي المميز فهو مزيج من الادب والدين والفقه والبلاغة فكلام سيد الخلق في احاديثه النبوية الشريفة دليل على سعة خلقه وادراكه للامور عندما اردتُ أن أكتب هذا الفصل وهممت به، عرضت لي مسألة نظرت فيها جوابها، ثم قدَّرْت أن يكون أبلغ فلاسفة البيان في أوروبا لعهدنا هذا رجلًا يحسن العربية المُبِينة، وقد بلغ فيها مبلغ أئمتها علمًا وذوقًا، ودرَس تاريخ النبي محمد درسَ الروح لأعمال الروح، وتفقَّه في شريعته فقْه الحكمة لأسرار الحكمة، واستوعب أحاديثه واعتبرها بفن النقد البياني الذي يبحث في خصائص الكلام عن خصائص النفس؛ وتمثَّلتُ أني لقيت هذا الرجل فسألته: ما هو الجمال الفني عندك في بلاغة محمدعليه افضل الصلاة وماذا تستخرج لك فلسفة البيان منه؟ وما سِرُّه الذي يجتمع فيه؟
# العجوزان 1-4 مقال العجوزان يسرد الرافعي قصة الحياة من اول اللحظات الى اخرها قصة عمر اخره النكران والوحدة قصة حياة بكافة تفاصيلها "العجوزان"،مقالات ادبية، الكثير منها يحكي تفاصيل حياة رجل مع صديق عمره في لقطات محملة بكتلة من المشاعر الحقيقية المُعاشة بينهما، والتي تقاسما حلوها ومُرها طوال زمن صداقتهما،عبر الزمن ربما عاش المشاهد معهما وربما كان يكتب عن ابويه او عجوزان عاش معهما بكل التفاصيل الصغيرة
# القلب المسكين1-8 علاقة حب الرافعي او الرافعي والحب وهي رسائل من طرف واحد كتبها الرافعي لمي زيادة تخيل فيها الحب مسكين مثل العقاد لانه احب من طرف واحد بالرغم من فارق العمر بينهما هل حقاً القلب مسكين؟! وكيف يكون مسكيناً وهو يقسو ويتقلب ويكره ويحقد؟!.. نعم تقسو أيها القلب فكيف تكون مسكيناً؟! وكيف تصبح حنوناً؟!.. وكيف تحب؟!.. ولماذا تجرح؟!.. ولماذا يسكنك القلق والشك؟!.. ولماذا تغدر على من يصون عهدك؟!.. ولماذا تخون وتنسى؟! كل هذا ويقال مسكين!!.. أنت لست بمسكين.. أنت حاد كالسكين.. تذبح بلا رحمة..
كان مصطفى صادق الرافعي يكبر مي بسنواتٍ كثيرة. في رتبة والدها. أحبَّها بجنون لدرجة الافتتان بها، حتى أصبح يراها في كل مكان. هجر بسببها زوجته، وابتعد عن أولاده الكثيرين. وبدأ يميل نحو جنون غير معلن. الجنون العشقي لولا اللغة التي أنقذته، وتخيُّله الحي، لانتهى به الأمر إلى أحد مستشفيات الأمراض
# نهضة الاقطار العربية كنب هذا المقال جوابًا للاستفتاء الآتي الذي وجهته إليه إحدى المجلات العربية: أ- هل تعتقدون أن نهضة الأقطار العربية قائمة على أساس وطيد يضمن لها البقاء، أم هي فوران وقتي لا يلبث أن يخمد؟ هذا السوال وجه الى الرافعي في ثلاثينات القرن الماضي واجاب الرافعي بان العرب بدوؤا يفهمون سياسة الغرب ولكن بالنسبة لي كقارئ للكتاب ارى ان العرب يغرقون اكثر في وحل الغرب وحل الحروب والنهضة لم تكن قائمة على اسس متين
# مقالات الصحافة في وحي القلم كتب الرافعي مقالات عن صعاليك الصحافة ينتقد بها عمالقة الصحافة المصرية في ثلاثينات القرن المنصرم ولن اتكلم عن واقع اصحافة كقارئ في الثلاثينات وانما سارسل المقالات الى الزمن الحاضر 2020 مع انتشار الصحافة السوداء والصفراء والسوشال لاطرح السؤال التالي : ماكان ليكن=تب الرافعي لو عاش غي هذا الزمن وراى حال الصحف العربية وحال الكتاب العرب ---- # الادب والادباء فيوحي القلم ولم ينسَ أن يتحدثَ عن (الأدب والأديب) * وسرِّ النبوغ في الأدب، فأفردَ عناوينَ خاصة للشعر والفلاسفة. وخصص بعضاً منها ليُبدي رأيه ببعض شعراء الأمة وأعمالهم أمثال: حافظ ابراهيم فيقول الرَّافعي: "رحم الله شاعراً كان أصفى من الغمام، وكان شعره كأنه البرق والرعد".
ويقول في أحمد شوقي: "الاسم الذي كان في الأدب كالشمس من المشرق، متى طَلعَت في كل موضع. ومتى ذُكر في بلدٍ من بلاد العالم العربي اتسع معنى اسمه، فدلَّ على مصر كلها كأنّما قيلَ النيل أو الهرم أو القاهرة".
" وحيُ القلم"، مجموعةٌ غنيّة يَصعُب أن توصف ببضع مفردات، أو أن نفرد لها حديثاً دقيقاً في بضع سطور، إلاّ أنّ أقلّ ما يمكن أن يقال عنها وكما وصفها محمد سعيد العريان: "فيه النَّفحة الأخيرة من أنفاسه، والنَّبضة الأخيرة من قلبه، والومضة الأخيرة من وجدانه".
"وحيُ القلم" لمن أراد أن يزداد بالرَّافعي معرفةً حقَّة!
# السحرالبياني من وحي القلم
- كلامه صلىً الله عليه وسلم من مجرى عمله كله دين وتقوى لان كلامه يجب ان يترجم بفلسفة عصرنا وادابه فستراه حينئذ كانه قيل مرة أخرى من فم التبوك. السمو الروحي الأعظم - من أخص واجبات الازهر في هذا القرن العشرين ان يعمل لاقرار مبدأ الإسلام الصحيح في المسلمين انفسهم لان اكثرهم اليوم اصبحو مسلمين وما منهم الا من هو بحاجة لتجديد اسلامه. تجديد الإسلام - ان الاسلامً لم يفرض صلاة الصبح قبل الشمس الا ليجعل الفجر ينصب في الروح كل يوم. العجوزان ١
الجزء الثالث والأخير من كتاب الرافعي وحي القلم. لاحظت بأن هذا الجزء كان مهتم بالأدب والفكر الشعري أكثر مما جاء في الجزء الأول والثاني. قرأت كتب كثيرة لكتاب مصريين عاشوا في نفس الفترة ولهم نفس الخلفية الفكرية كأمثال طه حسين والعقاد وأحمد أمين ووجدت بأنهم يتشاركون في حبهم الشديد للغة العربية ونظم الشعر العربي. صقلت عقولهم نفس الكتب فتجد مثلا بأن أحمد شوقي وحافظ إبراهيم تأثرا كثيرا بكتاب (الوسيلة الأدبية) للمرصفي وستجد أن الرافعي وأحمد امين يذكرون فضلا كبيرا عليهم لكتاب سامويل سمايلز (Self Help) أو الترجمة المعروفة بـ (سر النجاح) ليعقوب صروف والذي كتب فيه الرافعي مقال كامل في كتابه وحي القلم.
هؤلاء الأدباء المصريين كانوا يبحرون في الشعر والأدب العربي ويردون على بعضهم البعض في الجرائد والرسائل حتى ظهر لنا أدباء كثر في تاريخنا العربي الحديث. أغلب هؤلاء كانوا يعيشون ضمن دائرة أدبية واحدة وعاشوا في زمان واحد وهذا الدليل أن الإنسان هو نتاج المجتمع الذي يعيش فيه والزمان الذي يولد فيه.
شخصيا لا أحب الشعر كثيرا ولا أحب الأهتمام المفرط في جماليات اللغة ونسج الصور الشعرية أو الخيالية التي هي بالنسبة لي إطالة تضيع الفائدة من الكتابة في كثير من الأحيان. إلا أني اعترف بأن القراءة في هذه الكتب تُحسن من لغة الإنسان العربية الفصحى وتضيف إلى قاموسه الكثير من الكلمات التي تحسن من كتاباته وفكره.
كتاب رائع رائع رائع.. أفكار عظيمة ومواضيع تستحق أن تُقرأ، رحمه الله وجعله بالجنة.. ولا يسعني أن أقول إلا "اقرءوا وادرسوا وخصوا لغتكم بشطر من عنايتكم، وتربَّوا لها بتربيتها في مدارسكم ومعاهدكم، واصبروا على معاناتها صبر المحب على حبيبته، فإن ضعفتم فصبر البار على من يَلزمه حقُّه؛ فإن ضعفتم عن هذا فصبر المتكلف المتجمل على الأقل!"
لم يكن الجزء الثالث في مستوى بقية الاجزاء ,لم يوفق فيه الرافعي . يتحدث الرافعي في أغلب مقالاته عن الأدب والأديب و الشعراء و الفضيلة و التجديد في الادب الذي كان يرفضه بشكل قاطع عكس باقي الكتاب و الادباء.
الحمدلله خلصت الجزء الثالث والاخير من وحي القلم قبل ايام قليلة! الجزء الثالث كانت اكثر المقالات فيه عن كتاب وشعراء ومناوشات صحفية قديمة! ولكن احتوى بعض مقالات فريدة ! جزء جميل ولكن أقل من سابقيه!
وأنهيت رحلتي الرافعية، يتعاظمني هذا الرجل بنفسه القوية وبالمعنى الذي أحسه في العبقري ولا أدري ماهو، كنت ولا زلت أجده عجيب الصنعة، قوي الإلهام، بليغ الأثر.
من تأملات الرافعي في حديث رواه عبدالله من عمر -رضي الله عنهما- عن ثلاثة رهطٍ سدت صخرة عليهم الغار فدعوا الله بصالح أعمالهم: "ونرى في لفظ الحديث أن كل رجل من هؤلاء الذين مثلوا رواية الإنسانية الفاضلة في فصولها الثلاثة، لا يقول إنه فعل ما فعل من صالح أعماله إلا (ابتغاؤ وجه الله)، وقد تطابقوا جميعا على هذه الكلمة، وهي من أدق ما في فلسفةِ الإنسانية في شعرها ذلك، فإن معناها أن الرجل في صالح عملهِ إنما كان مجاهداً نفسه، يمنعها ما تحرص عليه من حظها أو لذتها أو منفعتها، أي منخلعا من طبيعته الأرضية المنازعة لسواها، المنفردة بذاتها، متحققاً بالطبيعة السماوية التي لا يرحم الله عبداً إلا بها، وهي رحمة الإنسان غيره، أي اندماجه باستطاعته وقوته، وإعطاؤُهُ من ذات نفسه، ومعاونته كُف أذاه".
"ما المرء إلا ثمرة تنضج بموادها، حتى إذا نضجت واحْلَوْلَتْ كان مظهر كمالها ومنفعتها في الوجود أن تهب حلاوتها فإذا هي أمسكت الحلاوة على نفسها لم يكن إلا هذه الحلاوة بعينها سببٌ في عَفَنِها وفسادها من بعد".
"في قانون الحقيقة أن الأشياء هي كل الأشياء وهي كما هي، أما في قانون الكذب فالأشياء كلها هي ما تختاره أنت منها، وكما تختاره".
تأملات الرافعي في الآيات آخر سورة النحل(١٢٥-١٢٦-١٢٧-١٢٨): "أنا في كل حالة أخضع لهذا الصوت: ادع إلى سبيل ربك؛ وأنا في كل ضائقة أخشع لهذا الصوت: واصبر وما صبرك إلا بالله".
"اللغة هي صورة وجود الأمة بأفكارها ومعانيها وحقائق نفوسها، وجوداً متميزاً قائماً بخصائصه؛ فهي قومية الفكر، تتحد بها الأمة في صور التفكير وأساليب أخذ المعنى من المادة، والدقة في تركيب اللغة دليل على دقة الملَكات في أهلها، وعمقها هو عمق الروح ودليل الحس على ميل الأمة إلى التفكير والبحث في الأسباب والعلل، وكثرة مشتقاتها برهان على نزعة الحرية وطموحها، فإن روح الاستعباد ضيق لا يتسع، ودأبه لزوم الكلمة والكلمات القليلة".
"من عجيب حكمة الله أن الأمراض الشديدة تعمل بالعدوى فيمن قاربها أو لامسها، وأن القوى الشديدة تعمل كذلك بالعدوى فيمن أتصل بها أو صاحبها ولهذا يخلق الله الصالحين ويجعل التقوى فيهم إصابة كإصابة المرض: تصرف عن شهوات الدنيا كما يصرف المرض عنها، وتكسر النفس كما يكسرها ذاك، وتُفقد الشيء ما هو به شيء، فتتحول قيمته، فلا يكون بما فيه من الوهم بل بما فيه من الحق".
"عرفت أن ما يسميه الناس وهن الشيخوخة لا يكون من الشيخوخة ولكن من الشباب؛ فما هو إلا عمل الإنسان في تسميم جسمه ثلاثين أو أربعين سنة بالطعام والشراب والإغفال والإرهاق والسرور والحزن واللذة والألم، فكنت مع الجسم في شبابه ليكون معي بعد شبابه، ولم أبرح أتعاهده كما يتعاهد الرجل داره: يزيد محاسنها وينفي عيوبها، ويحفظ قوتها ويتقي ضعفها؛ ويجعلها دائما باله وهمه، وينظر في يومها القريب لغدها البعيد، فلا ينقطع حساب آخرها وإن بَعُدَ هذا الآخر، ولا يزال أبداً يحتاط لما يخشى وقوعه وإن لم يقع".
"ما أصدق وأحكم هذا الحديث الشريف: [إن الله تعالى بعدله وقسطه جعل الروح والفرح في الرضى واليقين، وجعل الهم والحَزن في الشك والسُّخط] فهذه هي قاعدة الحياة: لا تعاملك الحياة بما تملك من الدنيا، ولكن بما تملك من نفسك، وبذلك تكون الشعادة في أشياء حقيقة ممكنة موجودة، بل تكون في ما أمكن وكل ما وُجد؛ وإذا كان الرضى هو الاتفاق بين النفس وصاحبها، وكان اليقين هو الاتفاق بين النفس وخالقها، فقد أصبح قانون السعادة شيئاً معنوياً من فضيلة النفس وإيمانها وعقلها، ومن الأسرار التي فيها، لا شيئاً مادياًمن اعضائها ومتاعها ودنياها والأخيلة المتقلبة عليها".
"حب عقيم مهما يكن من شيء فيه لا يكن في شيء من الواقع... حب عجيب لا تنتفي منه آلامه ولا تكون في لذاته... حب معقد لا يزال يلقي المسألة بعد المسألة، ثم يرفض الحل الذي لا تُحل المسألة إلا به... حب أحمق يعشق المرأة المرأة المبذولة للناس، ولا يراها لنفسه إلا قديسة لا مطمع فيها... حب أبله لا يزال في حقائق الدنيا كالمنتظر أن تقع على شفتيه قُبلة من الفم الذي في الصورة... حب مجنون كالذي يرى الحسناء أمام مرآتها فيقول لها اذهبي أنت وستبقى في هذه التي في المرأة...".
"إن المرأة لا تكون امرأة إلا إذا وُجدت في جو قلب يعشقها".
"إذا طان الحب الفاسد لا يقبل من الحبيب إلا (نعم) بلا شرط ولا قيد لأنه فاسد، فالحب الطاهر يقبل (لا) لأنه طاهر! ثم هو لا يرضى (نعم) إلا بشرطها وقيدها من الأدب والشريعة وكرامة الإنسانية في المرأة والرجل".
"كل أسرار الحب من أسرار الروح ومن عالم الغيب؛ وكأن النُبوة نبَّوتان: كبيرة وصغيرة، وعامة وخاصة. فإحداهما بالنفس العظيمة في الأنبياء، والأخرى بالقلب الرقيق في العشاق؛ وفي هذه من هذه شبه، لوجود العظمة الروحية في كليتهما غالبة على المادة، مجردة من إنسان الطين إنسانا من النور، محركة هذه الطبيعة الآدمية حركة جديدة في السمو، ذاهبة بالمعرفة الإنسانية إلى ما هو الأحسن والأجمل، واضعة مبدأ التجديد في كل شيء يمر بالنفس، منبعثة بالأفراح من مصدرها العلوي السماوي. بيد أن في العشق أنبياء كذبة؛ فإذا تسفَّلَ الحب في جلال، واستعلنت البهيمية في عظمة، وتجرد من إنسان الطين إنسان الحجر، وتحركت الطبيعة الآدمية حركة جديدة في السقوط، وذهبت المعرفة الإنسانية إلى ما هو الأقبح. والأسوأ، وتجدد لكل شيء في النفس معنى فاسد، وانبعثت الأفراح من مصدرها السُفلي - إذا وقع كل هذا من الحب فما عساه يكون؟ لا يكون إلا أن الشيطان يُقلد النبوة الصغيرة في بعض العُشاق، كما يُقلد النبوة الكبيرة في الدجالين".
"الغليل المستعر في دم العاشق كجنون المجنون: يختص برأسه وحده. وضمة المُحب لحبيبه إحساس لا يُستعار من صدر آخر، كما لا يُستعار المولود لبطن لم يحمله".
"ما هو الحب إلا إشراق النور الذي فيه قوة الحياة، كنور الشمس من الشمس وحدها؟".
"ما هو هذا السر في جمال المعشوق، إلا أن عاشقه يُدركه كأنه عقل للعقل؟ وما هو هذا الإدراك إلا انحصار الشعور في جمال متسلط كأنه قلب للقلب؟ وما هو الجمال المتسلط بإنسان على إنسان، إلا ظهور المحبوب كأنه روح للروح؟ ولكن ما هو السر في حب المحبوب دون سواه؟ ... هنا تقف المسألة وينقطع الجواب. هنا سر خفي كسر الوحدانية، لأنها وحدانية (أنا وأنت)".
"المدارس تُخرج شبانَّها إلى الحياة، فتسألهم الحياة: ماذا تعودتم لا ماذا تعلمتم!".
"إن التعليم في الجامعة بغير دين يعصم الشخصية، هو تعليم الرذيلة تعليمها العالي".
"أذهان النوابغ أذهان مؤنثة في طباعها التي بُنيت عليها؛ وهذا صحيح، إذ هي أقوى الأذهان على الأرض في الحس بالآلام والمسرات، ومعاني الدموع والابتسام أسرع إليها من غيرها، بل هي طبيعة فيها؛ وهي وحدها المبدعة للجمال والمُنشئة للذوق، وعملها في ذلك هو قانون وجودها؛ ثم هي قائمة على الاحتمال والإعطاء والرضا بالحرمان في سبيل ذلك وإدمان الصبر على التعب والدقة والاهتمام بالتفاصيل وأساسها الحب؛ وكل ذلك من طِباع الأنثى وهي النابغة فيه، بل هي النابغة به".
رحلتي مع هذا الكتاب طويلة، فأول جزء قرأته سنة ٢٠١٧، وثاني جزء سنة ٢٠١٨، ثم هذا الأخير سنة ٢٠٢٥!
لماذا توقفت وأطلتُ رحلتي؟ لأنني شرعت بقراءة مجلة الرسالة، وكان الرافعي من كتّابها الرئيسيين، وأغلب مقالات وحي القلم مقالات من الرسالة.
فكل مقال في وحي القلم قد قرأتها مرتين تقريبا، مرة في المجلة ومرة في والكتاب.
يعجبني في الرافعي قلمه البليغ، وبيانه العالي، وتحس باختلافه عن غيره من كتّاب عصره، يهتم للفظ بدرجة كبيرة، وفي كثير من الأحيان يتقعّر في الأسلوب، ويستخدم ألفاظا صعبة، لكن مع هذا أجد لها حلاوة ولذّة.
ووحي القلم كتاب بديع، تطرق فيه لمسائل اجتماعية، وقصص جميلة، ومقالات نقدية. ولا أنصح المبتدئين بقراءته ولا باقي أعماله، إلا بعد أن يكون له باع في القراءة.
يرسم مصطفى صادق الرافعي كتابه هذا بريشة الفنان، ويُزيِّن معانيَه بحُلِيِّ البيان، ويلوِّنه بحسن الإيمان، فتتداخل الحدود بين العالم المادي وعالم الإنسان، فلا يدري القارئ أحقيقةٌ ما يقرؤه في هذا الكتاب أم خيال؟! أعقلٌ هو أم جنون؟! حقًّا، لقد أفاد الرافعي بما فاض به خاطرُه، وجاد به فكرُه، وسال به قلمه، فسطَّر مجموعةً رائعة من النثريات، تباينتْ بين فصولٍ ومقالاتٍ وقصص عن مواضيع متنوِّعة، كتبها في ظروفٍ مختلفة وأوقاتٍ متفاوتة، فأخرج لنا في النهاية تحفةً أدبيةً استحقَّتْ أن تُسمَّى بحقٍّ «وَحْي القَلَم».
يتألف الكتاب من مجموعة مقالات نُشرت في جريدة الرسالة، ثم جُمعت في ثلاثة أجزاء. تتنوع موضوعاتها بين النقد الأدبي، والقضايا الاجتماعية، والانفعالات الإنسانية، والسيرة الذاتية، والمواقف السياسية، لكنها جميعًا تتوحد في أسلوب رفيع.
كتاب عظيم في مضمونه، راقٍ في لغته، لكنه يتطلب من القارئ صبراً وذائقة لغوية متقدمة. ليس للقراءة السريعة.
من بين الكتب التي ستعلمك حتما صياغة الكلم ،وسردية الحرف ،وانتقال المعنى من النصوص المكتوبة إلى قلبك فعلا دون تأشيرة تذكر ،تجد نفسك مرتاحا حينما تقرأ هكذا نوع أدبي كم نحن سعداء كوننا نقرأ الأسلوب الراقي بلغتنا العربية
لقد انتهيت من قراءة الجزء الثالث من كتاب وحى القلم للرافعي كتاب ممتع وقيم وغني بمقالات متنوعة مشوقة مدافعا عن اللغة العربية والتراث الإسلامي شديد الحرص على فهم واستيعاب اللغة العربية لأنها أساس الأمة الإسلامية تمنح العقل قوة وطاقة وبصيرة في فهم الأحداث أسلوبه البلاغي فن وأدب فريد من نوعه .