يقال أن الشعر فعل ذاتي ، يرتد على الذات الشاعرة ، يُخرج من منجم الروح صورا و جسورا و دِلاء لبئر الاكتشاف . و لكني أعتقد أن أجمل مافي الشعر الإحالة ، أو لنقل التماس مع ألم متسع ، يصلح أن يكون قالبا يحكي وجع الكائن . . . كنت قد قرأت لـ أ دخيل الخليفة عددا من دواوينه : صحراء تخرج من فضاء القميص أعيدوا النظر في تلك المقبرة صاعدا إلى أسفل البئر بحر يجلس القرفصاء و لمست في النصوص تلك اللغة الحانية النافذة ، و التراكيب المبتكرة ، و الوجع .. ذلك الوجع الراسخ الناحت لملامح الإنسان في ألواح الشعر .. ثم قرأت - في تجربة جميلة - إصدار : ما يكفي لتأبين طائر " من منشورات تكوين ووجدت فيه اقتطافا ملفتا للقصائد و النصوص مع تقديم ثري . . . يقول الشاعر : أمي .. تلم ظلالنا قطعة قطعة من الشارع تسأل عن نصفنا الميت تحلق في حزننا خارج الوقت لم يدُر في جرحها أن يتذكرنا الموت بمزاج خاص هذه المرة . . . و يقول في قصيدة سجن : كلما وضعت قلبي في قفص وجدت بابه مفتوحا و أنا كائن يسجنني الهروب ! يجرحني أن يدخلني ظل فيدحرج قلبي خارج جسدي .
دخيل الخليفة شاعر يكتب بكثافة لغوية جميلة.. ويستعين بالمجاز الدقيق، وأرى أنها كتبت ببراعة تحمل في طياتها رمزاً نكاد أن نفهمه وغموضاً يكادُ أن يلمسُنا. أنهيت النصوص قائلةً: هذا سحر وطلسم لغوي جميل.
يكتب خليفة أنة الماضي ورجفة القلق المعاصر، يبكي الأمس والحاضر والمستقبل، يعاتب الأشياء والشخوص واللغة، لذا جاءت النصوص لوحة سريالية متعددة الأصوات والألوان.
عبارة عن مختارات شعرية من الدواوين الستة للشاعر من اختيار وتقديم الشاعر العراقي سعد الياسري جاءت بأسلوب رائع تغللت الحروف في جوفي أسرتني! ، يقول في إحدى قصائده 💭: .
أيها الوقت ُ ها أنذا بين عقــربيك َ دون لافتة ٍ تدلّ العابرين على بقاياي خذ وتري الحزين وامنحني قمــر َ الحضور لأزرع َ الهوس في الشارع فقط أعد لي وجهي القديم أعدني لبعضي ..! لأطير الى جهة ٍ خامسة ولو بجناح ٍ مكســور ..!
مقتطفات من المختارات : "كل هذه الفضاءات بيتي غير أنني وحيد .. وحيد مثل قلبي أعد جروحي مثلما أعد الشيب في لحيتي وباب القفص مفتوح!" • • " ما الذي ذاب فينا سوى حلم جرحه بات أوسع من ليلنا مد جفنيه مبتهلا لغة خلعت قوبها في مكان بعيييد!" • • " فقط ، أعد لي وجهي القديم أعدني لبعضي! لأطير إلى جهة خامسة ولو بجناح مكسور!"
قلت: لغة البدو هي الرحيل، راودني هذا السؤال: "ما هي لغتك يا دخيل؟" هل هي الرموز؛ أن تغنّي شعرًا يحمل بداخله رمزًا لشيء أجهله؟ أم الغموض؛ أن أرى في هذه الأبيات غموضًا غريبًا يلمسني؟ أم البقاء؛ البقاء رغم كل جرح وألم،.. "وهو يُدرك ما يقول"؟