العالم يتغير، على نحوٍ متسارع. والمجتمعات الإسلامية تتغير هي أيضاً، وبعكس ما يُظن، ولكن لتسير من سيء إلى أسوأ، بقدر ما هي مشدودة إلى ثوابتها الماورائية وأصولها الخُرافية وعقائدها الاصطفائية، أي كل ما يحول دون تقدّمها ويتحول إلى عوائق ومآزق. والرهان للفُكاك من هذا الواقع المتردي، هو العمل الشاق والصعب على الذات لتغيير العقليات والأفكار. فمنها يتأتّى المأزق وبها يكون المخرج. سلباً عندما تُعامل القضايا والشعارات كأيقونات مقدسة أو كأختام أصولية؛ لتنتج تطرفاً وعنفاً أو فقراً وتخلّفاً. إيجاباً عندما تعامل بوصفها منبع الإمكان، أي طاقتها على الصرف والتحويل، بالتخيل الخلاق والفهم الخارق والتركيب البنّاء، لكي تُثمر انفتاحاً وتبادلاً أو نمواً وازدهاراً.
كاتب ومفكر علماني لبناني, له العديد من المؤلفات منها كتاب نقد النص و هكذا أقرأ: ما بعد التفكيك ويعرف عنه أسلوبه الكتابي الرشيق وحلاوة العبارة. كما أنه شديد التأثر بجاك دريدا وخاصة في مذهبة في التفكيك.
وهو يقف موقفاً معادياً من المنطق الصوري القائم على الكليات العقلية التي يعتبرها علي حرب موجودات في الخارج وليست أدوات وآليات فكرية مجردة للنظر والفكر. فهو يتبع منهج كانط في نقد العقل وآلياته وبنيته الفكرية.
ادين لعلي حرب في الماضي بتعلم الكثير عن القراءة المتعددة للنص و عن تفتت الحقيقة في كتابيه نقد النص و نقد الحقيقة اللذان قرأتهما في ٢٠٠٤ في مكتبة شومان و لا ازال اتذكر فقرات منهما ، لكني اليوم مصدوم جدا ، و انا أقرأ آخر كتبه الجهاد و آخرته ، في هذا الكتاب يناقض علي حرب نفسه فيصبح للاسلام حقيقة واحدة و هي الاسلام الاقصائي القائم على العنف و يصبح لنصوص الاسلام معنى واحد هو العنف ... انا لا اختلف معه في ان هذه القراءات موجودة في الاسلام و بل هي الشائعة اليوم و لكن اختلف معه في انها القراءة الوحيدة عبر التاريخ لليوم ... قرات نصف الكتاب من الامس لليوم و هو مكتوب بنفس واحد ، يريد ادانة الاسلام ، لا استطيع الاستمرار مع من يريدون الادانة فانا اريد ان اقرا لافهم لا لأدين ... و الاسوأ ان الكتاب مخصص للرد على اولفيه روا العبقري الذي قدم اطروحة ذكية في وجود الاسلام الراديكالي اليوم ،،، ليت علي حرب قرا روا بتروي قبل ان يقرر ان يشن هجوما مضادا عليه... و انا اكمل القراءة اكتشف تناقضات هائلة و تلاعب غير موفق بالكلمات فمثلا تارة يعرف علي الحرب "الدين" بانه الايمان المؤدي للعنف ! تخيلوا ان يختصر "مثقف" ظاهرة الدين المعقدة بتعريف متخيز كهذا ليطبقها على كل "الاديان" ثم اجده يستثني المسيحية الحديثة من هذا التعريف !! و يحصره بالاسلام !! ثم بعد التكرار بان جوهر الاسلام يقوم على الاقصاء و العنف نجده يتحدث فجأة عن الجانب المستنير من الحضارة الاسلامية !!! اراه يقع في تخبط كبير.
ساضع اربع اقتباسات اراها متضاربة لتوضيح ما اقول :
النموذج الديني هو في اساسه و بنيته نموذج عدواني يختزن العنف و يولده، بقدر ما يشتغل اصحابه بلغة التهمة و التكفير و الادانة و هو نموذج معاد للانسانية لان أصله و مطلوبه هو العبودية بما هي خضوع و امتثال و طاعة. ص ٦٧ الدين بالتعريف هو فكر اصولي جذري ينتج التعصب و التطرف و العنف. و الدين بوصفه ايمانا بالحقيقة المطلقة يختزن عنفا. فانه لا يترجم في هذا الزمن الا على نحو عدمي او بربري. ص ٧١
يجب ان نتوقف عن محاولة اسلمة المعارف و العلوم التي هي فضيحة الفكر الاسلامي المعاصر بذلك يعامل الاسلام لا كنظام سياسي بل كراسمال خلقي، لا كمنظومة شرعية بل كمساحة تداولية. لا كقوقعة بل كهوية مفتوحة و عابرة ....
قد يعود الدين بصورة ايجابية كتراث حي يجري العمل عليه صرفا و تحويلا ، لتوظيفه في مشاريع بناء المجتمعات و تحسين شروط الحياة او المحافظة على الحياة كما يفعل كثر من رجال الدين المسيحي و عل راسهم البابا فرانسوا. ص٣١
ارى ان التناقض هنا يصل لذروته في خطاب علي حرب المهترئ ، فتارة الدين بالتعريف هو العنف ثم نراه يبجل تحول الدين من نظام سياسي الى راسمال أخلاقي منفتح ، و مرة يرى ان عودة الدين يمكن ان تكون مفيدة للبشرية مثلما يحصل في الدين المسيحي )الكاثوليكي) .. اليس في الحالتين هو يتكلم عن "الدين" الذي يعرفه بانه العنف و مرة اخرى يرى في الدين انفتاح على الحضارة الحديثة و عبورا اليها !!