"مطار الصقيع" هي المجموعة الرابعة من قصص توفيق يوسف عواد، بعد "الصبي الأعرج" و"قميص الصوف" و"العذارى"، ويفصل بينها وبين المجموعة الأولى نحو من أربعين سنة انصرف المؤلف خلالها إلى ممارسة أنواع أدبية أخرى، كالرواية والمشرح والشعر والنقد الخ. عواد في "مطار الصقيع" هو في قصصه السابقة من حيث حرارة الحياة وزخم دفقها على قلمه، ومن حيث قوة الشخصيات التي يصوغ منها أبطاله، مع هذا الفارق أنه في مجموعته الجديدة أحرص على الرمز واللمح، وأحنى-خصوصاً-على الكلمة، فهي هنا بين يديه كاللعبة الحلوة، أو كالحبيبة المدللة. وإذا كانت القصة الأولى، حاملة عنوان هذا الكتاب، تعالج مشكلة أكبر خطر يواجه الحضارة، بل العالم من حيث هو، نعني القنبلة النووية، فالقصص الأخرى كلها تتسم بهذا الطابع الإنساني الشامل، وتتردد فيها أصداء ما يعانيه أبناء العصر من مشاكل سياسية كما في "المشنقة والعصافير"، أو اجتماعية كما "حنا الفانوس"، أو جنسية كما في "المرأة" مع رشاش حار من السخرية هنا وهناك يبلغ حد اللذع، كما في "أسوار الحريم" وسواها. أما القصة الأخيرة "الشير" فهي نشيد في هيكل الحب، وفيها من تلاقي الحياة والموت في ظل هذا الحب ما يرفعها إلى أعلى ما كتبه عواد في النثر والشعر على السواء.
ولد توفيق يوسف عواد العام 1911 في بحرصا ف - المتن - جبل لبنا ن- تعلم مبادىء القراءة والكتابة في قريته وفي بكفيا ثم انتقل الى كلية القديس يوسف في بيروت لمتابعة دروسه الثانوية التي انهاها العام 1928 - التحق بمعهد الحقوق في دمشق ونال اجازته منه العام 1934.
عمل في الصحافة فكانت منبراً للدفاع عن الحقوق التي درسها وتمرس بها ومجالاً للتعبيرعن موهبته الأدبية التي تفتحت من على مقاعد الدراسة. حررفي صحف عديدة منها "العرائس"، "البرق"، "البيرق"، "النداء" و"القبس" - أمضى زمناً طويلاً رئيساً لتحرير"النهار" منذ تأسيسها العام 1933 حتى العام 1941 سنة تأ سيس "الجديد" المجلة التي أنشأها توفيق يوسف عواد تحقيقاً لحلمه بأن يجمع المواهب الشابة والجريئة في مجلة أسبوعية ما لبثت أن تحولت جريدة يومية. الى جانب عمله في "النهار" كان أحد أعضاء أسرة "المكشوف".
في العام 1946 انتقل توفيق عواد الى العمل الدبلوماسي فكان قنصلا ً للبنان في ايران واسبانيا ثم سفيرا ً في مصر المكسيك واليابان وايطاليا.
العام 1975 تقاعد توفيق عواد من العمل الدبلوماسي ليتفرغ للكتابة مجددا ً، حتى وفاته بسبب القصف على بيروت العام 1989.
انطلق أدب توفيق يوسف عواد من واقع الانسان اللبناني والبيئة المحلية ليبلغ، بحرارته وصدقه ونفاذه، عمق التجربة الانسا نية الشمولية وكان لثقافته العميقة المنفتحة أثرها البا لغ في صقل هذا الادب الذي أوصت منظمة الأونسكو بترجمة نموذج منه اعتبرته من "آثار الكتا ب الأكثرتمثيلا ً لعصرهم" عنينا روايته طواحين بيروت.
كتب القصة القصيرة التحليلية ذات الأبعاد النفسية والاجتماعية وكان يهدف الى تمزيق الأقنعة التي يختبىء ورواها الناس المسطحون والمزيفون... قال له مخائيل نعيمة في رسالة على أثر صدور "الصبي الأعرج"، كأنك ما خلقت الا لتكتب القصة.
كما اعتدت سابقاً، لا تخلو كتابات توفيق يوسف عوّاد من معالجة مواضيع المجتمع والسياسة... إلا أنني شعرت في هذا الكتاب صعوبة في القراءة فالكاتب يمتلك أسلوب في الكتابة مميز وتراكيب التعابير ليست مألوفة لذلك وجدت بعض الصعوبة، فكنت أقرأ المقطع أكثر من مرّة. إنَّ الكاتب رؤيوي في كتاباته يعرض تناقدات المجتمع وهشاشته وقوّة القصص في نهاياتها، كل قصّة نهايتها مختلفة ولا تخلو قصصه من النهايات المفتوحة.
قرأت لتوفيق يوسف عواد "طواحين بيروت" و "الرغيف" و في الروايتين كان أسلوبه ملفتا و مميزا من حيث السرد و اللغة و الرمزية. لكن في "مطار الصقيع" زاد على جمال الأسلوب شيء من النقد الساخر اللاذع أحيانا. و هذا ما حمسني لمتابعة القراءة.
في كل قصة من القصص الثمانية، نجد موضوعا مختلفا، عن المجتمع و هشاشته، يطرحه الكاتب و يناقش فيه من خلال شخصيات منوعة و غريبة في بعض الأحيان. حتى أن بعض هذه الشخصيات كُتبت بعمق شخصية روائية و ليس كإحدى أشباه الشخصيات التي تُقدّم عادة في القصص القصيرة. و هي أحد أسباب "كرهي" لهذا النوع من الأدب.
بالمختصر المفيد، "مطار الصقيع" مجموعة قصصية أنصحكم بها!