نهاية غير متوقعة كانت بانتظار رضا، لاعب الشطرنج الانطوائي، الذي ما إن فتح عليه حبّ ناديا أبواب الدنيا، حتى أُغلقت في وجهه. لعنة الوقف الذّري التي تلاحق بيت الباز في عين ورده لم تكن الوحيدة. ثمّة «مصائب» أخرى! كانوا يحبون أن يكون بيتهم عامراً بالضيوف،
جبور الدويهي (1949-2021) روائي لبناني ، مولود في زغرتا ، شمال لبنان ، لأحد العائلات العريقة في زغرتا . حصل على شهادة الماجستير في الأدب المقارن من جامعة باريس الثالثة السوربون الجديدة ، وكان أستاذ للأدب الفرنسي في الجامعة اللبنانية في بيروت .
نهاية غير متوقعة كانت بانتظار رضا، لاعب الشطرنج الانطوائي، الذي ما إن فتح عليه حبّ ناديا أبواب الدنيا، حتى أُغلقت في وجهه. لعنة الوقف الذّري التي تلاحق بيت الباز في عين ورده لم تكن الوحيدة. ثمّة «مصائب» أخرى! كانوا يحبون أن يكون بيتهم عامراً بالضيوف، لكنّهم في ما بينهم يسعون وراء الخلاف سعياً. وإذا التقوا، يشتكون، ويتفرقون بسرعة تحاشياً للخلاف الذي لم يكن ليتأخّر إذا طال الكلام
ارهقتني جدا هذه الرواية واستقطعت مني وقتاً ليس بالهين ثم في ذروة الحدث تبخر كل شيء اشعر فعليا بأني مقاتل بلا معركة .. النهاية لم تشبع فضولي والتفاصيل الكثيفة جدا على محور هي شحيحة جدا على آخر !!
تأتي رواية عين وردة كلوحة لبنانية نابضة بالحياة يرسمها جبور الدويهي بعينٍ دقيقة ولغة شاعرية تجمع بين البساطة والعمق ، منذ الصفحات الأولى يشعر القارئ بأنه انتقل إلى فضاء القرية ، بخضرتها ، وعادات أهلها ، وتناقضاتهم الصغيرة التي تكبر مع الزمن .
يعتمد الدويهي على سرد هادئ لكنه مشحون، ينساب بين الماضي والحاضر دون أن يفقد توازنه. الأجواء التي يخلقها الكاتب ليست مجرد خلفية ، بل جزء حي من الرواية :المكان يتكلم، والبيوت تحفظ أسرارها، والوجوه تتحرك بين الفرح والخذلان، فيما تبقى العلاقات الإنسانية هي المحور الذي يُبنى عليه كل شيء .
من أجمل عناصر الرواية هو لغة الدويهي؛ لغة نظيفة، حسّاسة، مشغولة بحب، قادرة على التقاط التفاصيل الصغيرة وتحويلها إلى مشاعر كبيرة . يكتب وكأنه يلتقط بعدسته لحظة عابرة ويمنحها خلودًا، وهذا ما يجعل قراءة الرواية تجربة شاعرية بقدر ما هي إنسانية.
ما يميز الرواية ليس فقط لغتها العذبة، بل العلاقات الإنسانية التي يبنيها جبور الدويهي بمهارة، وعلى رأسها العلاقة المعقدة والدافئة في آن بين رضا وناديا ، هذه العلاقة ليست قصة حب تقليدية؛ هي علاقة يختلط فيها التردد بالانجذاب، الماضي بالخوف من المستقبل، والتعلق بالرغبة في الهروب .
يكتب الدويهي رضا وناديا كأنهما شخصان يتقدمان نحو بعضهما بخطوات مترددة، كلٌّ منهما يحمل عبئه الخاص، لكن بينهما تلك الشرارة التي لا تطفئها الظروف. هناك دفء خافت ينتشر في لحظاتهم المشتركة—نوع من الحنان المكسور—يجعل القارئ يقترب منهم ويشعر بما يشعرونه دون أن يقولوه صراحة
شخصيات الرواية، رغم بساطتها الظاهرة، تحمل طبقات من الألم والبحث والانكسار. كل شخصية تمشي وهي تحمل ظلّ الماضي على كتفيها، وكل علاقة فيها شيء من الترقّب والانتظار والخوف من المصير.
تطرح الرواية أسئلة عن الهويّة والانتماء وتحوّلات القرى اللبنانية، وعن هشاشة الحياة أمام الصراعات المتوارثة. ومع ذلك، لا تفقد الرواية دفئها الإنساني، ولا نبرة الحنين التي تلوّن كل مشهد.
إنها رواية تظل معلّقة في الذهن بعد النهاية، وتجعلك تشتاق لأسلوب جبور الدويهي ولغته التي تُقرأ بشغف وتُحسّ بالقلب .
هى من ذلك النوع، تلك الروايات الآسرة، المكتوبة على مهل وباتقان، خلقت الشخصيات خلقا بديعا، وصنفت الحكايات، وشكلت المشاعر الإنسانية على ضفة الحرب التي لم يقرب منها الكاتب في براعة منقطعة النظير، فالرواية ليست تاريخا ومستودعا للحروب؛ بل تاريخا للإنسانية ومعاناة الإنسان، صادقة حميمية، دافئة، ، تلك هى تجربتي الأولى مع أ. جبورالدويهي، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة، فلا يزال الأدب بخير ما دامت تلك الروايات تكتب.
بسيطة ورائعة، فيها من الجمالية التوثيقية لعائلات ومناطق واحداث وشوارع جميل جدا، جمع الدويهي بين التاريخ والرواية في قالب مميز وبسيط وجميل .. اين رضا الباز ؟! اين اختفى ؟!