بعد برهة طارت اليراعات مرة ثانية، وقد استعادت ضوءها السابق، بل ازدادت تألقاً. لكنها لم تطر جيئة وذهاباً أمام وجه الجد، وفي الوقت الذي ابتعدت فيه، أدرك الجد أنه ينبغي عليه أن يلحق بها. نظر إلى البيضات، التقطها واحدة تلو الأخرى, ورمى بها في فمه. نظر إلى العش الفارغ، وشعر بقليل من الندم، وبقليل من الخجل. البيضات التي أخذها على عجل منذ قليل، جعلت العش يميل قليلاً. استفاد من ضوء اليراعات الخفيف، وعدله. "ما زال بإمكانها الوقوف في العش" رفع رأسه ونظر إلى السماء، كأن زوجاً من الطيور مر في السماء.
في عمل يقطر حزنًا، يُقدّم الكاتب أكايوكي نوساكا واحدة من أعمق المآسي الإنسانية التي رُويت من منظور الأطفال. بطلا القصة، سيتا وأخته الصغيرة سيتسوكو، يعيشان في اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية. بعد أن يفقدا والدتهما وتُدمر مدينتهما، يحاولان النجاة وحدهما في عالمٍ أنهكته الحرب وتشوّهت فيه الرحمة.
الرواية ليست فقط إدانة للدمار العسكري، بل أيضًا مرآة للمجتمع القاسي، حيث القريب لا يرحم، والمحتاج يُترك ليموت ببطء.
اليراعات، التي تضيء ظلمة الليل للحظة ثم تنطفئ، تصبح رمزًا مأساويًا لطفولة أُحرقت قبل أن تكبر. وبراءة سيتسوكو، ومحاولات سيتا المستميتة لحمايتها، تُمثّل صراع الإنسان مع العجز، ومع عالم فقدَ معناه.
القصة مكتوبة بأسلوب بسيط، لكنه يخترق القلب — لا تزعجك بالمباشرة، بل تخنقك بالهدوء، بالسكوت، بالجوع، بالخذلان.
إنها ليست رواية تُقرأ، بل تُعاش… وبعد انتهائها، لن تنساها أبدًا
الحكاية التي لن تعرف أنك بحاجة إلى قراءتها حتى تفعل! معبّرة وساحرة، والرسومات اللّطيفة منحتها لمسة الغموض و البراءة المناسبة للأحداث. ستجد المعنى خلف الأشياء الصغيرة، الامتنان للمعجزات التي تأتي على هيئة مخلوقات صغيرة ترمز لرغبة الإنسان الدائمة في الاحتفاظ بذكرياته العتيقة بنقاء الطفولة، رغم رياح التغيير العاتية وعواصف الحياة التي تحاول أن تطفئ ضوءها.