أتُراه من الممكن أن يتخلَّى المرء عن لغته، إذا ما وضعنا في الاعتبار أنَّ اللغة ليست مجرَّد وسيلةٍ للكلام فحسب، أو أنَّها بالأحرى لا تتعلَّق بمنظومةٍ نحويَّةٍ فحسب، وإنَّما بطريقة تصوُّرنا للأمور أيضاً؟ قد يحدُث، نتيجةَ تقلُّباتٍ حياتيَّةٍ مختلفة، أن ندير لها ظهرانينا، أو أن نبتعد عنها، أو أن نستبدل بها لغةً أخرى، ولكن أغلب الظَّنِّ أنه ليس بإمكاننا الانفصال عن أمومة اللغة التي يتَّفق الجميع على أنَّها الأصل الذي لا يمكن إلغاؤه، حتى عندما يُقيَّض لنا أن نرى العالم في ضوءِ لغةٍ جديدة. فأمومة اللغة لا تعلِّمنا الكلام فحسب، ولكنَّها تعطينا نظرةً، وشعوراً، وتصوُّراً حيال الأشياء. قواعد تركيبها تشكِّل منظوراً وزاوية رؤية. يمكننا أن نغلِّف قصصنا بلغاتٍ أخرى، ولكنَّ أمومة لغتنا الأصليَّةِ ستبقى حاضرةً وستحتجُّ علينا؛ ذلك أنَّها طريقة وجودٍ، وحياةٍ، وتفكيرٍ، بغضِّ النَّظر عن طريقة التَّعبير بها. إنَّها فنُّ تأويلنا للعالم؛ ونحن في النِّهاية إنَّما نتكلَّم لغتنا الأمَّ بلغاتٍ أخرى كثيرة.
Adrian Bravi an Argentinian writer born in Buenos Aires in 1963 . he moved to Italy in the late 1980s and, after studying philosophy and working as a librarian, began to publish fiction in the late 1990s. He is the author of several novels, a children's book, and numerous articles and stories. His writing has been translated into French, English, and Spanish.
He graduated in philosophy at the University of Macerata and currently works as a librarian at the same university. In 1999 he published his first novel in Spanish and from around 2000 he began writing in Italian. He has published novels, articles and stories in various magazines and anthologies (the Reportage, Left , Repubblica's Robinson, L'accalappiacani, In pensiero, Crocevia, Quodlibet Almanac , etc.). In one of his essays, The jealousy of languagesand, with constant autobiographical connections, he deals with the theme of writing in a language other than that of birth [1] .
He won some prizes including: the "Popoli in cammino" award (2008); the first edition of the "BookCiak Award, Action!" (2012) [2] ; the " Bergamo Award " (2014) [3] and in the same year, the first edition of "Text in search of a director" (associated with the David di Donatello Awards ); he was also a finalist in the Giovanni Comisso Award in 2011 [4] .
His books have been translated into English, French, Spanish and Arabic.
" كل تجربة نخوضها مع اللغة، سواء كانت لغتنا أو لغة أجنبية، تفترض سلفاً ولادة جديدة ونقطة لا عودة. نحن لا نتحدث هذه اللغة أو تلك، بل نحن داخل هذه اللغة أو تلك. إننا نرى، ونلاحظ، ونسمع، ونحب من خلال لغة. الذاكرة نفسها شكل من أشكال اللغة، ونحن لا نتذكر بالطريقة نفسها بلغتين مختلفتين. "
غريب أن ندرك دائماً علاقاتنا بالأشياء من حولنا وأن نرتب أفكارنا ونترجم مشاعرنا تجاهها دون أن يخطر لنا أن نخاطب الكلمات ذاتها أو أن نحلل الحروف التي هي لذواتنا وكياناتنا الإنسانية بمثابة خيط النسج للثوب.
إننا نتكلم ونقرأ ونكتب ونترجم دون أن ننتبه إلى أننا نفعل ذلك كله داخل كرة زجاجية اسمها اللغة.
إنه لشيء مبتكر، وتجربة فريدة، أن تستخدم اللغة لتكتب عن مراحل حياتك وأشياء أخرى لا تتداخل مع اللغة ذاتها فحسب ، بل تقيم داخلها وتنصهر في بوتقتها.
لا ننجح نحن -سكان اللغة الأصليون- في خوض تجربة كهذه طالما أننا لم نفارق "مهد طفولتنا" اللغوي.
ولكن من اختار تحطيم الكرة والهروب منها إلى أخرى تحتويه يدرك وبشدة أن اغترابه ليس مجرد مسافات وحنين وأشواق بل مأزق انتماء وبحث عن هوية جديدة تتمثل بتبني لغة جديدة، وهو غالباً أمر أصعب من أن يبدل المرء جلده!
لقد خاض برافي هذه التجربة - المحنة، وسبقه فيها آلاف الأدباء وملايين المهاجرين، ولكنه استطاع ببراعة أن يتحدث بلسانهم جميعاً، وأن ينقل معاناته وذكرياته وتفاصيل رحلته بأسلوب تنبع عذوبته من بساطته وصدقه.
إنه تجربة جديدة في قراءاتي، وهو اختيار أكثر من رائع من المترجم ودار النشر، أن قدموا كتاباً لطيفاً كهذا بترجمة متميزة.
كما أن الحواشي كنز ثمين، فهي ثرية بأسماء العديد من الأدباء المجهولين بالنسبة لنا كقراء عرب، وبالكثير من أسماء المؤلفات والكتب لم تترجم رغم أهميتها وجمالها كما يتضح من الاقتباسات التي أوردها برافي في كتابه.
سيرتبط بهذا الكتاب دائماً ذكرى عذبة بدأت في اللحظة التي صادفت فيها عنوانه على جودريدز وانتهت بمغامرة لطيفة جعتله واحداً من سكان مكتبتي. ♥️
هذا الكتاب يستحق أن يكون في كل مكتبة عربية، وجدير بأن يقرأ عدة مرات، وبشدة.
"إنَّنا نولد ونعيش داخل لغة أكثر ممَّا داخل مكانٍ ما من العالم." "إنَّنا نعيش من خلال إعادة اختراع وجودنا، بل إننا في الواقع لسنا سوى هذا الأختراع الذي نقصُّه للآخرين عن أنفسنا."
كتاب ممتع وفريد يطرح قصص ونصوص عن اللغات، الذكريات، الغربة والأنتماء بتفاصيل وتأملات مدهشة. في هذا الكتاب ستتعرف على الدوافع التي تقود الأنسان لهجر لغته الأُم أو العودة اليها. الكتاب لا يتناول علاقة اللغة بالأنسان بل اللغة كهوية للأنسان. اللغات فضاء واسع قد تُقيدنا لغة لِنتحرر من خلال لغة أخرى. قد يرتبط المرء بلغته الأم أرتباطاً وثيقاً أو قد يبتعد عنها ليخلق مسافة أمان مع الذكريات المرتبطة بهذه اللغة.
الترجمة ممتازة والكتاب غني بالإشارات الى نصوص ومؤلفات عديدة، الكثير منها يعود إلى مؤلفين لم يُتَرجم نتاجهم الأدبي ويصعب التعرف عليه للأسف.
جرعة ثقافية ادبية من العيار الثقيل في ١٥٠ صفحة فقط
الكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات التي تستعرض العلاقة المتبادلة بين الانسان واللغة وذلك بتسليط الضوء على الكثير من الاستفهامات من قبيل
هل تتغير نظرتنا للامور بتغير اللغة ماالمقصود بالاصدقاء المزيفون لماذا اطلق صموئيل بكيت مفهوم ( ملابس السباحة ) على اللغة الفرنسية متى تموت اللغات هل اللغة منفى او وطن
والعديد من المواضيع القيمة
ادريان برافي كاتب وروائي ارجنتيني ، انتقل للعيش في ايطاليا ويكتب الان باللاتينية اللغة الرسمية في ايطاليا
الترجمة ممتازة جدا قدمها المترجم السوري امارجي والذي ادرج مقابلة بسيطة مع المؤلف في آخر الكتاب
يقصُّ علينا كلود حجاج، في كتابه: "موت وانبعاث اللغات"، أن بعض المسنين من الأمّاساليك -وهو شعب من شعوب الأسكيمو- يعمدون وهم على فراش الموت إلى تغيير اسم العائلة؛ هرباً من حتمية القدر، بحيث يصبح الموت عاجزاً عن التعرف إليهم عندما يحضر، فذلك "الفلان بن فلان" لم يعد موجوداً تحت اسم ميلاده. ومن ثم فإنهم من خلال إعادة التسمية هذه يكونون قادرين على الإفلات من مصيرهم، وذلك بالتحديد لوجود البند القائل بأنه تحت الاسم تكمن هوية كل فرد بعينه.
* مقالات أو تأملات حول اللغة في فصول قصيرة للكاتب الأرجنتيني أدريان برافي بترجمة رائعة للشاعر السوري أمارجي عن الإيطالية التي كتب بها النص الأصلي ونشر عام ٢٠١٧.. * العمل غني بالمشاعر التي ستلامس على الأخص قلوب أولئك الذين اكتسبوا لغة واحدة أو أكثر خلال حياتهم غير لغتهم الأم كالمترجمين مثلا، والكتاب ممتلئ بالاقتباسات، كثير الإحالات إلى مواقف ونصوص وأدباء وشعراء وفلاسفة ومفكرين وآخرين حد الإزعاج، ما أشعرني أحيانا أنه استعراض عضلات ثقافي معرفي قرائي من قبل الكاتب، فأُشبِع النصُّ حدّ التخمة وأصابه التكرار أحيانا وأفقدني متعة قراءته أحيانا أخرى، ولا أنكر الجهد الكبير الذي بذله المترجم في التعريف بمعظم أولئك الطارئين على الكتاب.. * من الاقتباسات التي أعجبتني قوله "نحن لا نتذكر بالطريقة نفسها بلغتين مختلفتين" * تحدث الكتاب عن أمور كثيرة تتعلق باللغة لا يمكن سردها جميعا هنا، كأسباب امتلاك المرء أكثر من لغة، والكتابة بلغة ثانية، وفوارق المصطلحات بين اللغات، وأمومة اللغة، ولغة الحب، وضيافة اللغة، واللغة العدو، وغيرة اللغات وأساليبها وتحولها، وشعرية الفوضى، والترجمة الذاتية، والهوية واللغة الوطنية، ولغة الموت وملكية اللغة وغير ذلك.. * على كل فإن العمل جيد إلا أنني لم أستطع التفاعل معه كيميائيا ربما لأنني لا أجيد سوى العربية أو ربما لأسلوب الكاتب الذي لم يلامسني، لا أعلم، ولكن الحوار الذي أجراه أمارجي مع المؤلف في نهاية الكتاب أراه أكثر أهمية من الكتاب نفسه.. التقييم: ٦/١٠
كتاب وعمل رائع جدا جدا، أنصح كل قارئ بقراءته ، وأشدد على ذلك.. يتناول موضوع اللغة كهاجس إنساني ، وصيرورة مسلّمة ولكن بجوانب كاشفة الستار بشكل ممتع وسرد رائع منتاولاً مواضيع الهوية والانتماء والذاكرة وسايكولوجية الإنسان والعقل الإنساني فيما يخص التكوين اللغوي عند بني البشر.. أين نحن وموقع اللغة في داخلنا ؟! ماهو تعريف اللغة ؟ وهل هي تعبرنا او نحن من يعبر من خلالها؟! لماذا تغار اللغات من بعضها البعض ؟ وغيرها من المواضيع الشائقة والممتعة بما يخص اللغات .. الكتاب ثري بمعلومات واسماء شخصيات ومفكرين وشعراء وروائيين حول العالم وعابري القارات في تجاربهم الفريدة والمميزة والغريبة بما يخص ذاكرتهم وغربتهم ومنافيهم وتفضيلهم إلى لغة دون الأخرى وذلك لاسباب تتعلق بالمآسي والهجرة والحروب او كسر حدود الإمكانات وغيرها… أدريان برافي يستعرض تجربته الشخصية وإتقانه إلى لغتين هي لغته الأم الإيطالية والإسبانية وليدة الهجرة وذلك بعرض ذكرياته بما يختص باللغة كتكوين بشري طبيعي على كل لسان معرجا ومستدلا ومستشهدا بالتاريخ والفكر والذكريات ..
كيف هي علاقتنا بلغتنا الأم ؟ أي لغة تلك التي تُعتبر لغتنا الأم ؟ أتلك التي خُلقنا فوجدنا آباءنا بها يتكلمون ؟ أم هناك لغة أخرى يمكن لها أن تخطف بساط الأمومة من تحتها وتستولي عليه ؟ ��تى يظهر الإبداع اللغوي في كتاباتنا وبأي لغة ؟ هل هناك لغات أقوى من لغات ؟ هل لنا إن أتقنا عدة لغات فإننا نفعل ذلك بمستوى واحد ؟ أسئلة عدة حول اللغة يطرحها كتابنا هذا ويمتعنا بها
كتاب بديع وعبقري لأول مرة اقرأ كتاب عن اللغة وتأثيرها واللغة الأم وهل تنسى وكيف للغة أن تكون سبب في شقاء صاحبها أو تكون سبب لنجاته، ما علاقة اللغة بالذكريات والمشاعر والكثير الكثير... وسع مداركي لمواضيع جديدة
كتاب عجيب جدًا ، شعرت بالمتعة في كل مقال أقرأه ، مقالات لذيذة عن اللغة والترجمة وعن تجربة أدريان مع اللغات ، أظن من يحب عالم اللغات ، سيكون كتاب جدًا ممتع له.
Fantastic perspective of what writing in a language different from the author's mothetounge can be. A profound reflection on what languages can give as a cosmogony, how interpretations of words mould our world, on how we can revisit places but not relive past events, on how past remebrances are anchored to our mind not only as events, but as events retold in a specific language. A must read for lingustics enthousiasts and language students.
هل نتذكر ونشعر بنفس الأشياء وبنفس الطريقة بلغتين مختلفتين؟ هل تموت اللغة؟ وهل يمكن للإنسان أن ينسلخ من لغته الأم؟ ما الذي قد يجعل أحدهم يكتب بلغة غير لغته الأم؟ كيف يمكن أن تكون اللغة الملاذ في نفس الوقت عدوًا وخطرًا؟ أدريان برافي، كاتب وروائي أرجنتيني، انتقل للعيش في إيطاليا ويكتب بالإيطالية عوضًا عن الإسبانية التي تركها بعد أكثر من عشرين عامًا. أتاحت تجربة الكاتب له الفرصة في أن يسأل هذه الأسئلة المذكورة في بداية المراجعة، بل ومراقبة التغيرات والتحولات التي تطرأ على اللغة الأم حينما ينتقل المرء إلى لغة أخرى. وكانت أولى ملاحظته والتي يؤكد عليها في أثناء الكتاب: "أننا لا نتذكر بالطريقة نفسها بلغتين مختلفتين." واسمحوا لي أن أترك جانبًا أمثلة الكاتب لمن أحب أن يقرأ الكتاب ويطلع عليها، ولنضرب أمثلة من بيئتنا لتسهيل الفهم والإدراك. فعلى سبيل المثال بما أني نشأت في قرية وكنا نأكل التوت من على الشجرة: كلمة "توت" تحمل في طياتها ذكريات الطفولة والشقاوة وتسلق الأشجار وغيرها، أما نفس الكلمة في اللغة الإنجليزية تحمل نفس الدلالة ولكنها خالية من الذكريات الطفولية. ويمكنك أن تقيس كثيرًا على غرار هذا المثل. ويقول الكاتب أن نفس الكلمة لو اختلف مدلولها في نفس اللغة نتيجة لتغير الظروف أو البيئة تصبح جوفاء وخاوية من أي ذكريات وحنين للماضي. فمثلًا، كلمة "الملعب" تعني لنا في القرية، الأرض الفارغة الواسعة التي كنا نلعب فيها على أرض ترابية، أما هنا في القاهرة أو أي مدينة تعني مكان مجهز للعب كرة القدم. نفس الوظيفة ولكنها لا تحمل في طياتها الماضي وجماله. وتبعد تمامًا عن الحنين. وهنا يؤكد الكاتب شيئا في غاية الأهمية هو أن الذكريات متجذرة في اللغة ومرتبطة بها ارتباطًا شديدًا أكثر مما نظن. فقد نقدر أن ننتقل من فضاء مكاني إلى آخر هاربين من ذكرى سيئة حدثت ولكننا نجدها مختزنة في اللغة. ويضرب الكاتب المثل بنفسه أنه بعدما هجر الأرجنتين التي تحمل كثيرًا من ويلات الحروب إلا أن بعض الكلمات ظلت عالقة برأسه وتطن في أذنه من تلك الحقبة المظلمة. "لم أكن لأتصور، وقد بتُ بعيدا في بلد آخر، مع لغة أخرى ومناظر طبيعية أخرى، أن بعض الذكريات تأتي لتبحث عني بعناد..." ومثال عمته غاية في التكثيف والتوفيق في تأييد هذه الفكرة. وتطرق الكاتب في فصل بعنوان: "اللغة كوسيلة دفاع" لهذه الفكرة، وأن هناك من يلجأون إلى لغة جديدة بغرض الهروب من ذكريات مؤلمة أو إزالتها أو حتى تخفيف وطأتها عليهم. وضرب مثالًا بالشاعر الروسي برودسكي الذي حينما كتب عن والديه استخدم اللغة الإنجليزية وليست الروسية. وقال: "أكتب كل هذا بلغة مختلفة عن الروسية، لأنني أريد أن أضمن لهما (لأبيه وأمه) هامشًا للحرية..." ووصف برافي ما فعله برودسكي قائلًا: "يدفن برودسكي والديه لغويا." ويقول الكاتب كذلك أن اللغة قد تصبح تهديدًا وخطرًا، وحينها ينكرها صاحبها ويتبرأ منها، ولكن "المرء سجين لغته" فتخونه اللغة. وضرب مثلًا بموقف حدث في قصة وردت في سفر القضاة لرجال جلعاد الذي كانوا يمنعون رجال أفرايم من العبور. فكان إذا جاءهم رجل يريد العبور، سألوه: "هل أنت أفرايمي؟" فإذا أنكر، طلبوا منه أن ينطق كلمة "شيبولت" لصعوبة نطقها عليهم، فإذا نطقها بالسين، عرفوا أنه كاذب فيذبحونه. فكلمة واحدة قد تنطقها تحدد موقعك وتعرض تاريخك بالتحديد. وهنا لتسهيل الفهم يمكنك مقاربة الأمر بأن لو إسكندرانيا سافر إلى القاهرة، فمع كلمة "جبنة تركي"، أو "مستيكة، أو "مشروع" – حتى دون أن يقول إنه من الإسكندرية – يعرف من يحدثه موطنه على الفور، والعكس صحيح بالطبع. ومن ثمّ يطرح الكاتب سؤالًا هامًا وجديدًا: من الذي يتحدث من خلال الآخر، اللغة أم نحن؟ فنجد هنا أن اللغة تتحدث من خلالنا رغمًا عنًا أحيانًا؛ وتتملكك مثلما تتملكها. بل ويؤكد على أن الهوية الحقيقة هي هوية لغوية قبل أن تكون مكانية أو سياسية. ولذلك، نعود إلى السؤال الأول: هل تموت اللغة الأم؟ يجيب الكاتب بأنه لا، لا تموت حتى لو تعلمت لغة أخرى؛ بل تظل حية بداخل هذه اللغة الجديدة بل وبداخلنا نحن ونرى ونؤول العالم من خلالها؛ لأن في داخل اللغة تتأسس الهوية الحقيقية. ولذلك في فصل "لغة الموت" يبين لنا برافي أن الفيلسوفة الألمانية الشهيرة حنة آرندت، تمسكت بلغتها الإلمانية رغم كونها – في ذلك الوقت – لغة موت ودمار. لماذا؟ "فهي تعد الألمانية مكان انتمائها، أو بيتا لها.." وكذلك الشاعر سيلان الذي قال: "فقط في اللغة الأم يمكن أن تقال الحقيقة. في لغة أجنبية الشاعر يكذب." ويقول: "ما يمكن الوصول إليه، ما هو قريب ولا نخسره وسط الكثير من الخسارات، هو شيء واحد فحسب: اللغة." ويسأل الكاتب سؤالا بديعا: لمن تنتمي اللغة؟ فيقول إنها لا تنتمي لأحد؛ تعود إلى من يتكلمها، ومن يتكلمها لا يمتلكها... بل تمتلكنا اللغة. "ذلك أن اللغة مثل الهواء، فضاء مفتوح، فضاء لا يعترف، من ناحية، بأي استحواذ، ومن ناحية أخرى، بأي استقلال." وعلى النقيض تمامًا يستعرض الكاتب بعض الأشخاص الذي يتخلون عن لغتهم الأمة – طواعية. في فصل "التخلي عن اللغة"، يذكر بعض الأسباب التي تدفع الإنسان لهجران لغته، ويضرب مثالا: مجتمع التلينيغت في جنوب شرق آسيا حيث لم يعد الآباء يعلمون أبنائهم لغتهم الأصلية خوفا عليهم من التخلف عن الركب وعدم القدرة على تعلم اللغة الإنجليزية. ولأنهم يريدون التخلص من بعض التقاليد المتجذرة في اللغة. ويقول: "خمس وعشرون لغة تموت كل عام في العالم. فالعولمة لا تقود إلى تحول في السوق فحسب، بل تقود أيضا إلى تحول في حياة الشعور." ويقول: "موت لغة من اللغات يقتل معه الأشياء أيضا، الأشياء التي هي لا شيء من دون تلك اللغة التي تسميها. فاندثار من هذا القبيل يقتضي ضمنا اندثار عالم برمته، اندثار نظرة ومنظور..." فاللغة التي يتحدث الإنسان تكتسب صفاته وتفاصيل حياته من الوهن إلى الموت والاندثار. أخيرًا وليس آخرًا، أختتم حديثي عن الكتاب بذكر فصل بالغ في العذوبة: "أمومة اللغة II" هنا يتحدث الكاتب عن اللغة الأولى التي يكتسبها الطفل في مرحلة اللعثمة، والتي تحوي بداخلها كل لغات العالم. "تولد اللغة الألم في اللحظة التي تتوقف فيها اللّعثمة. "كما لو أن اكتساب اللغة" كما يكتب هيلر روزان، "لا يكون ممكنا إلا من خلال صنيع النسيان، أو ما يمكن تسميته بفقدان ذاكرة لغوية طفولية." ويتساءل كيف يمكن لطفل أن يفتن بلغة واحدة ويترك من أجلها لغة الكون؟ الكتاب حافل بكل جميل يمت للغة ودهاليزها، ويطرح تساؤلات جديدة ويقدم أجوبة كاملة حقيقية. ولكني لا أريد أن أطيل أكثر من ذلك، وإن كنتُ فعلت قليلًا عن ذي قبل، ولكن ذلك لجمال الكتاب وكثافته وحرصي أن أنقل إليك أكبر إفادة. فهناك موضوعات تطرق لها الكتاب لم أذكرها وأتركها لقارئ الكتاب. لغة الكتاب شاعرية وسلسلة جدًا ومن المذهل أن المترجم نجح في الحفاظ على هذه السمة ونقلها بتفوق عظيم. شكرًا للمترجم أمارجي على الترجمة البديعة وشكرًا لأدريان ن. برافي على الكتاب الممتع وشكرًا لك على وقتك.
رائع ولذيذ وممتع وباعث للحزن كون المرء لا يتكلم الإيطالية ولا الإسبانية ولا الروسية ولا الفرنسية ولا الفارسية ولا….. إلخ من اللغات لأن هناك الكثير من الجمال يفوته :')
من لا يجد في اللغة سوى وسيلة تواصل كما المبصر الفاقد للبصيرة فبتعبيرات أدريان؛أن اللغة ليست مجرد رموز وليست سوى وسيلة للكلام فحسب وهي ليست مجرد منظومة نحوية لكن اللغة هي طريقة تصورنا للعالم او أنها بعبارة أُخرى " فنُ تأويلنا للعالم " فنحن نعيش داخل لغة أكثر من عيشنا داخل مكان ما من العالم وتوجد اللغة ثم نوجد نحن داخلها ، لم يعبر أحدهم عن هذه الفكرة أفضل مما فعل الشاعر والمترجم الالماني شتفان جورجه بقصيدة اطلق عليها اسم " الكلمة " التي كتب فيها هايدغر إحدى اشهر مقالاته " جوهر اللغة " محللاً فيها قصيدة جورجه والتي تنتهي بهذا البيت : "لا شيء يكون حيث لا تكون الكلمة" فاللغة هي مفتاح الدخول إلى واقع الاشياء اذ انها تعطينا العيون التي ننظر بها الى العالم وكأن كل كلمة تحمل داخلها عالماً من الوجوه والاصوات والمناظر الطبيعية والبيئة التي شكلت ملامح شخصياتنا ، وتلك المشاعر التي تتغير وفقاً للكلمات التي نستخدمها إنها عنصر أساسي من كينونتنا ولا يعدوا اثرها على الافراد فقط بل ان جميع المجتمعات بشكل او بآخر قد تشكلت من خلال لغتها الخاصة ومن هنا فإن هوية اي بلد هي هوية لغوية قبل ان تكون هوية سياسية . ثم يشرع أدريان باخذنا في رحلة لتجارب العديد من الفلاسفة والشعراء والمترجمين وغيرهم ممن عاشوا تجربة التحول من لغة الى اخرى والذي يصفه بتجربة ولادة جديدة فنحن لا نتحدث هذه اللغة او تلك بل إننا نرى ونلاحظ ونسمع ونحب من خلال لغة هي الهيئة والكينونة اللتان نحن عليهما وبدخول المرء لغة اخرى فان اللغة الجديدة لا تحل ابداً محل اللغة الأصل بل إن اللغة الأصل هي التي تصوغ صوتها داخل اللغة الأُخرى مغيرةً بناء الجمل فما يمكن قوله بلغة لا يمكن ان يُقال بلغةٍ اخرى وبإنه لا يمكن ابداً ان تنتمي نفس القصة الى لغتين مختلفتين بالقوة نفسها على الاقل . وهذا ذكرني بشيء استشعرته شخصياً حينما فكرت مرة بالفرق بين التجربة اللغوية المحسوسة لبعض الكلمات فكلمة "المروءة" تبعث فَي تجربة كاملة من مدلولات لغوية عديدة بينما ما يقابلها من الانكليزية "chivalry" بدت لي قاصرة عن ايفاء الكلمة حقها .
بحثت عن الكتاب مطولا دون جدوى حتى اضطررت لمطالعته الكترونيا، ذلك في تتبع للمحتوى ومترجمه أمارجي.
استذكرت كتاب الارجنتيني برافي بينما اطالع "قاموس ماتشياو" فأعدت مطالعته ورقيا هذه المرة .. يرتكز معظم مقالات الكتاب على ثنائيي اللغة، واللغة كهوية لا تغادرنا، بل هي من تصنع لنا الاوطان
ترجمة بديعة لأمارجي وكتاب يقرأ ويقرأ
# إن اللغة التي نتحدثها ونكتبها هي خريطة ننشئها ببطء وتؤدة، ولكننا لا ننتهي أبدا من رسمها. خريطة تقتفي في النهاية أثر المطاردة التي نقوم بها وراء الوحش الجامح الذي هو اللغة. # اللغة تكشفنا، تعرينا أمام الآخر. إنها الانتماء الوحيد الذي لا نستطيع انكاره، ذلك إنها تحتوينا في صوتها وفي نظرتها. حيالها لا يمكننا الكذب، ولا يمكننا الإنكار
——————- الحقيقة اني استذكرت الكتاب وانا على سفر بينما اطالع رواية"قاموس مانشياو" فعدت إليه وطالعته فور عودتي
الكتاب عبارة عن مجموعة مقالات أهمها: أمومة اللغة، لغة الحب، اللغة العدو…. وغيرها الكثير. إحدى هذه المقالات كانت بعنوان غيرة اللغات وهي نتاج تأملات بسيطة بعد إحدى لقاءات الكاتب أدريان برافي برجل إيطالي الأصل عاش في الأرجنتين وتحدث الإسبانية لمدة طويلة ما جعله يتحدث لغته الأم الإيطالية بلكنة غريبة جدا فهو تعلم اللغة الأسبانية ووجدها جميلة جدا وموسيقية أيضا لكنها في المقابل لغة غيورة للغاية أي أنها تقتل كل لغة حولها حتى اللغة الأم ذاتها ما شجع الكاتب للبحث أكثر عن الموضوع وتأليف هذا الكتاب. الكتاب سيلمس قلب من يتحدث أكثر من لغة وسيلمس أكثر قلب من عاش في مكان غير وطنه الأم فاللغة ليست مجرد وسيلة تواصل ومجموعة أحرف وكلمات فقط بل هي حياة ومجموعة مشاعر وتصور حيال الأشياء فقد يحدث نتيجة تقلبات الحياة أن نقع في حب لغة أو أن نكره لغة أو نستبدلها بغيرها، كما يمكن للغة أن تكون لنا وطنا أو منفى أيضا فهي فن تأويلنا لهذا العالم، والذاكرة نفسها هي شكل من أشكال اللغة فنحن لا نتذكر بالطريقة نفسها بلغتين مختلفتين كما يقول الكاتب.
بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لوفاة "ويستن هيو اودن"يكتب جوزيف برودسكي باللغة الإنجليزية مرثيته الخطابية "لإرضاء ظل"التي هي في الوقت نفسه ، تعبير عن حاله فيما يتصل بمسألة تحوله من لغة إلى أخرى: "عندما يلجأ الكاتب إلى لغة أخرى غير لغته الأم فإنه يفعل ذلك إما بحكم الضرورة، كحال كونراد ، واما الطموح نهم، كحال نابوكوف، وإما لأنه بلغ مستوى عميقاً جداً من الاغتراب، كحال بيكيت" ويضيف قارىء حتى الكاتبة المجرية "أغوتا كريستوف"تكتب بالفرنسية انتقاما من لغة عدوها…
لا أظنّني استطيع وصف روعة هذا الكتاب بكلمات متواضعة ككلماتي. ستجد نفسك تذوب في صفحاته وسطوره، وستنبهر بما يحويه من مشاعر جيّاشة لم تكُن في الحسبان. أعدُك، لن تنظر الى مفهوم اللغة بنفس منظورك السابق البسيط.
الكتاب يبدأ بأستهلال مخيف: " الذاكرة نفسها شكل من اشكال اللغة،ونحن لانتذكر بالطريقة نفسها بلغتين مختلفتين" "حياتنا كلها تُعاد كتابتها بطريقة ما، يُعاد تأويلها في ضوء تجربة جديدة" ان تمتلك لغتين يعني ان تفكر مرتين مره بلغتك الام ومرة باللغة المكتسبة ماذا يعني ان تغادر لغتك و تؤسس حياة وذكريات جديدة مختلفة تمام عن لغتك الاصلية . مقالات شيقة واقتباسات وحوادث كانت اللغة اساسها وكيف ان اللغة تختلف باختلاف متحدثيها والاحداث التي تروى بها
آنسني هذا الكتاب -الذي هو مجموعةٌ من التأملات في حيثية اللغة- فترةً زادت عن الشهر بالرغم من قلة صفحاته، كحضورٍ ألزمه نهاية اليوم بحثًا عن منفذٍ للإحساس بروعة اللغة كما حكمها الإستبدادي، وكوسيلةٍ للوصول إلى عالم المعاني الذي يقبع وراء اللغات المختلفة بحثًا في ذلك عن بعض العزاء. لغةُ الترجمة الأنقية تليقُ بما يحاول الكتاب إيصاله، وهوامشه الغزيرة كانت دافعاً للبحث والتمحيص.