مراجعة بسيطة لكتاب -شفاء لما في الصدور- للدكتور هيثم طلعت ﷽ والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد: وهذا كتاب آخر جميل ومفيد، مكتوب بلغة العصر، بدون أي تعقيد أو بهرجة لغوية. يحمل الكتاب في طياته الكثير من الاستفادة لمن كان قلبه مضطربا، ومترددا في أمر الإسلام، وإني أنصح به كل طالب للحق ومريد للمعرفة. وقد تناول الدكتور هيثم طلعت -جزاه الله خيرا- مسائل كثيرة في كتابه "شفاء لما في الصدور" والجميل في هذا الكتاب أنه مقسم إلى جرعات؛ وكل جرعة تتناول قضية معينة، ويمكن اعتبارها بشكل "خاص" جرعات معرفية وعلمية وفكرية للملحدين، والربوبيين والماديين، والباحثين عن الحق "عموما"، وهو يحوي بذلك سبعا وخمسين جرعة! وفي مقدمة الكتاب يقول: "جواب الأسئلة الغائية ومعنى الوجود الإنساني يكمن حصريا داخل ميدان الإيمان، والقضية الإيمانية وعواقبها ليست بالقضية الهزلية، بل هي قضية محورية في حياتك كلها!" -انتهى- وعندما نتأمل الحياة بصفة عامة نستشعر مدى صدق هذه العبارة التي وضعت في مقدمة الكتاب، فالإيمان بالخالق هو الميدان الوحيد الذي يمكنك فيه أن تجد جوابا للأسئلة الكبرى أسئلة "لماذا" فالملحد يدّعي أن: الدين لا يقدم إجابة مقنعة، وبالتالي لم عليه الإيمان بهذا الغيب! وأجيبه بنفس منطقه: إن كان الدين لا يقدم إجابة "مقنعة" -حسب زعمك- فما الذي يقدمه إلحادك؟! إنه لا شيء! الإلحاد لا يقدم أية إجابة على الإطلاق؟ أنتم ترون أن الإنسان بلا غاية، وبلا هدف، وهو ابن الطبيعة؛ بل وتلزموننا أن نصدق أن "الإنسان نفايات نجمية" و "حيوان ناطق" و "قرد"! فما أتفه ما تقدمونه أيها الملاحدة! وفي الجرعة الأولى يعالج فيها إشكالية "هل الدين منتج بشري؟" فيقول:" لكن هذا المطلب الوجودي -أي مطلب الألوهية- الذي لا ينفصل عن الإنسان، يؤرق الملحد ولا يجد له في فلسفته المادية تحليلا أو تفسيرا، فيفترض أن نشأة الدين كانت عبر نظرة الإنسان البدائي في صفحة الكون، وعدم معرفته سبب الظاهرة فيقوم بنسبتها إلى خالق غيبي! " -انتهى- وهنا يأخذك الدكتور هيثم طلعت في رحلة لطيفة ليفند هذا الطرح "الغبي" الذي كان لدوركايم دور كبير في خروج هذا الطرح إلى الوجود، حيث ولعقود طويلة كان يدلس المعرفة عند الأوروبيين، عندما كان يطرح حفلات القبائل البدائية بما فيها من عربدة وارتكاب للمحرمات كمظهر تديني عندهم، إذ ثبت أن هذه الحفلات كانت تمردا على هيكل الحياة الاجتماعية والدينية للقبيلة وليس العكس، والتي أصبحت الآن من أشهر تدليسات دوركايم! فيقول: "فالنظم القبلية في كل المجتمعات تقوم على الفصل التام بين الجنسين؛ إنه لمن السخرية أن يعرض علينا دوركايم ولعقود طويلة هذه الحفلات الماجنة، وهذا المسرح البدائي المتهتك باسم المحراب المقدس للأديان، بل إنه جعل التمرد على الدين مظهرا دينيا، ومحاولات التمرد والصبيانية الشهوانية معيارا للدين عند الأولين" -انتهى- فالدين ليست ظاهرة اجتماعية؛ فالظاهرة الاجتماعية كما يقرر علماء الاجتماع هي ذات وجود خارجي مستقل عن أفراد الجماعة، في حين أن الدين ظاهرة فردية جوانية في المقام الأول. وفي الجرعات السبعة والخمسين سيعالج مسائل مهمة أخرى، مثل "دليل مباشر على وجود الخالق" و "صدفية نشأة الكون والسببية" و " كارثية القول بالصدفية والقول بأزلية العالم" ثم " مسألة الأكوان المتعددة" التي يتخذها المادي حجة للهروب من مأزق دقة الكون والتصميم العجيب، فيقول في ذلك "يستحيل تجريبيا إثبات أكوان قبل كوننا، أو أكوان مع كوننا؛ لأن هذا الأمر رصديا يكسر حاجز أفق الجسيم particle horizon وهذا أمر ممنوع فيزيائيا." -انتهى- وبذلك فهي تخرج من دائرة العلم المادي النظري، وتصبح مسألة الأكوان المتعددة، قضية ميتافيزيقية في المقام الأول، ولنا أن نتساءل: لماذا يؤمن الملحد بهذا "الغيب الغبي" -حسب تعبير الدكتور إياد قنيبي- ولا يؤمن بالغيب الحق الذي أنزله الله تعالى! ثم يقول في آخر فقرات هذه الجرعة "فعملية إبداع أكوان متعددة عملية مدهشة للغاية وتحتاج إلى قوانينها الخاصة هي الأخرى، وثوابتها الفيزيائية الخاصة التي ربما تفوق في دهشتها وعظمتها ثوابتنا تريليونات تريليونات تريليونات المرات" إلى أن يقول " إذن الأكوان المتعددة لم تحل مشكلة الإعداد بعناية بل طرحت مشكلة الإعداد بعناية لكن على أبعاد أخرى ربما لا يجرؤ العقل البشري على استيعابها في الأمد المنظور." -انتهى- وفي هذا الكتاب يعرض كذلك مجموعة من الشبهات الأخرى، والتي انتشرت بين ضعاف الإيمان، وممن اغتروا بمقولة: عليك أن تكون ذا فكر حر، وأن تقرأ للملحدين، بما في ذلك أفكارهم الإلحادية؟! ثم ذهبوا يقرؤون للملحدين، كي يوصفوا أنهم فكرهم متفتح! ولعّل أغلبهم لم يكمل نصف كتبهم أو أشرطتهم، إلا وأصبح ملحدا، أو متشككا، وفي أحسن الأحوال كارها للعلماء؛ بسبب ما تحتويه كتب الملحدين أحيانا من الهجوم على العلماء. وفي النهاية أختتم مراجعتي باقتباس من هذا الكتاب:" وقضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يختبر الإنسان فيما هو دون ذكائه الفطري بكثير، ومع ذلك فشل في الاختبار خلق كثير! فيا صاحبي! لا تجعل من جهلك مبررا لكفرك. لا تجعل مما لم تحط بعلمه دليلا على العلم. وعدم معرفتك بالشيء ليست معرفة تبني عليها كفرك!" -انتهى- دمتم سالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته! بقلم: حمزة إزمار بتاريخ: 18 مارس 2021