يؤكد كتاب السيرة الذاتية "الذات بين الوجود والإيجاد" الصادر عن المركز الثقافي للكتاب للنشر والتوزيع، العلاقة المتلازمة بين مساري "الوجود" المفردة التي حملت أبعادها الفلسفية تأثراً بعدد من الرواد ومسار "الإيجاد" الذي تضطلع به الذات في صراعها مع الشؤون الحياتية والثقافية المختلفة. ويجمع العمل بين الأبعاد الإبداعية المتكئة على خبرة فنية للمؤلف والأبعاد السجالية المكتسبة لدى الأكاديمي الناقد، فالكتاب يحمل العمق المعرفي والحضاري الذي يقود إلى إعادة القراءة والتفاعل مع ما يحتويه الكتاب.
بنسالم حميش (المعروف في الشرق سالم حميش) روائي وشاعر وأستاذ فلسفة مغربي متخرج من جامعة السوربون، وله مسؤوليات حزبية وحكومية في وطنه(وزير الثقافة) يكتب باللغتين العربية والفرنسية.مولود بمكناس سنة 1948 عرف برواياته التي تعيد صياغة شخصيات تاريخية أهمها شخصية ابن خلدون في رواية العلامة والتي فازت بجائزة نجيب محفوظ الممنوحة من الجامعة الأمريكية بالقاهرة سنة 2002 وابن سبعين في هذا الأندلسي والحاكم بأمر الله الفاطمي في مجنون الحكم
من بين النصوص التي زكت انعطافي إلى ثقافة الإسلام ، أكتفي بالإشارة إلى واحد لنيتشه في كتابه الدجال ، وهو نص عجيب المآتي و المتن ، يسكت عن كل الأخصائيين في الدراسات النيتشوية و يطمرونه . ومما ورد في هذا النص الذي عرفت به وحللته في مؤلفي في الإسلام الثقافي هذه الفقرة : " لقد حرمتنا المسيحية من حصاد الثقافة القديمة ،وبعد ذلك حرمتنا أيضاً من حصاد الثقافة الإسلامية . إن حضارة إسبانيًا العربية القريبة منا حقًا ، المتحدثة إلى حواسنا وذائقتنا أكثر من روما واليونان ، قد كانت عرضة لدوس الأقدام ، لان تلك الحضارة استمدت نورها من غرائز أرستقراطية ، غرائز فحولية ، ولانها تقول نعم للحياة ، إضافة إلى طرائق الرقة العذبة للحياة العربية ... لقد حارب الصليبيون من بعد عالما كان من الأحرى بهم أن ينحنوا أمامه في التراب .... " . . " إنّ الروائي الذي تَضعف علَاقته باللغةِ وتفتر "روائي فاشل"، حتى ولو برع في هندسة البناء وصياغة الأفكار " . .
"قد بلغ شغفي بسارتر حدًّا جعلني أتخذ نظارة تشبه نظاراته المستديرة الشكل". . . كتاب "الذات بين الوجود والإيجاد" سيرة ذاتية للأديب و المفكر المغربي بنسالم حميش الذي يدين لكتاب المقاربات لميشيل دي مونتاين وأقتدى بنهجه و كذلك بالفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه و الفرنسي سارتر ، ساهمت هذه المدخلات في تكوين و تشكيل شخصيته كإنسان صاحب رؤى و أديب متميز في أعماله . يتكون الكتاب من خمس فصول : قطع حياتية / أوجد في فضائي أدبيًا / أوجد في فضائي فكرياً / أوجد في فضائي لغوياً / أوجد في فضائي ثقافياً ، بالإضافة إلى ملحق ( سجالاتي ) سيرة فكرية رائعة أنصح بها 📖
الكاتب لم يغرق في ذكر تفاصيل حياته وإنما التقطها لطرح نظرياته وأفكاره وتطوره الفلسفي والعلمي على عدة مستويات. وهذا نموذج يجذبني في السير الذاتية كما عند راسل.