What do you think?
Rate this book


220 pages, Kindle Edition
First published January 1, 2011





لولا جناية العجلة والعجب والطيش والحدة والخفة على أصحابها، لصحت لهم العقول
وكم حذر الوحي من تلك الغوائل التي تقطع الطريق على العقل ان يكمل دورته ليعطى الحكم بلا مَين، وما هو الا مخلوق يحكم على نحو ما يُعطى، يبحث وينظَر، ويكشف وينقر، ويستقصي ويسبر، ويسأل ويستبصر، فاذا قُطع الطريق عليه اعطاك حكما متلجلجا لا نظام له ولا اتساق.
ولا إشكال في تعامل العقل مع المادة وانما الإشكال في ارساله ليخوض في ظلامها فيرى منه رأس ظفرها فيظن انه راها جميعها، وخالقه وخالقها يأمره وينهاه، ثم يكابر الخالق ويخاصمه: هذا ما رأيت..وهذا ما أرى.. (ذلك مبلغهم من العلم)
بهذه المقدمة بدأ عبد العزيز الطريفي كتابه لإيصال أفكار العقلية الليبرالية واثارها.
بداية يوضح الطريفي استعداد العقل لتقبل المؤثرات الخارجية والتي تساعد في ترتيب الأفكار والمعتقدات واصدار الاحكام بعد هذا ، قاصدا بذلك تأكيد قصور العقل أحيانا في الحكم على الاحداث والاشياء من حوله. وعن نفس الانسان التي تكون أحيانا محركه الرئيسي لاتخاذ القرارات او التسليم بصحة أفكار ومعتقدات او التأثر بآراء المشاهير وذوي السلطة والمضى معهم قدما نحو ما أرادوا هم لا هو.
ينفر الناس من كثير من الأفكار والعقائد والاقوال والافعال؛ هروبا من الوقوع في احد الوصفين؛ الغلو والانسلاخ، ولا حد لتفسيرهما في العقول البشرية المجردة، فقد تجد من يقع في الأفعال الفاحشة ولا يرى نفسه منسلخا، وترى من يحرم على نفسه الطيبات ولا يعد ذلك غلوا.
ولا يمكن ان تصح معرفة اقدار الموجودات على الوجه الصحيح وتمييزها عن غيرها الا بسلامة ثلاثة أشياء من المؤثرات:
سلامة البصر او البصيرة من الاختلال الطارئ*
سلامة الأصل الذي يرجع اليه*
سلامة المعلومات من الجهل بها*
وهنا يتضح اشكال كبير في الفكر الليبرالي وهو التقويم بالذوق والرأي المجرد.
يبدأ بعد ذلك الكاتب بشرح نواة الليبرالية وثمارها وتاريخها والفلسفات التي أدت الى ظهور هذا الفكر (وهذا في رأيي احد نقاط الضعف في الكتاب فكنت اظن انه سيتعمق اكثر في تاريخ الليبرالية وتطور فكرها بمرور الزمن وتغير الفكر من منظرو الليبرالية الأوائل الى وضعنا الحالي ولكن لعل فكرة الكتاب تختص بالأفكار الليبرالية فقط دون خوض تفاصيل كبيرة عن تطورها وتاريخها)
والفكر الليبرالي يسعى الى ان يفعل الفرد ويقول بلا حد ولا ضبط من غير تأثير خارجي عليه، او تأثير منه على احد، ولا يعنيه ما يفعل غيره، ولا يعنى غيره ما يفعله هو، ويجب الا يكون متأثرا بأي فكر او اعتقاد ديني او قبلي او عرقى، ويجب ان ينطلق من عقل وتحليل منعكس من المادة والطبيعة، فالحاكم على الانسان عقله فقط وهو الاله الذى يشرع للأفراد بلا شريك.
وعلى هذا فالفكر الليبرالي ضد التقعيد والتأصيل ومن ثمار ذلك انه لا يوجد لديهم مقدس او معظم من كتاب او منظر لا يخرج عن قوله، وانما هو عقل الفرد تدور عليه الاقوال والافعال.
وهذا الاضطراب اصبح عائقا عن معرفة معيار الصواب والخطأ عند معتنقي الليبرالية، فتسيرهم الشهوات والشبهات والاهواء والمصالح الخاصة لذواتهم ودولهم والواحد منهم لا يعرف الأصول الجامعة لهذا الفكر فهو لا يعتد باى امر من غير العقل الخاص والامر الخارج عن العقل مهما كان قائله لا يعنيه شيئا ،بل هو باطل، فهم يرون الانعتاق من المقدس حتى بلغ بكثير منهم الترفع عن البداءة بالبسملة في الكتب والرسائل، خروجا من هيمنة المقدس بزعمهم.
يذكر الطريفي ان اول صراع لليبرالية الغربية مع الدين كان مع رجال الكهنوت فانهم تعاملوا مع كل دين على تصور واحد ثم تلقف الليبراليين الشرقيين لهذه الأصول ومحاولة الدخول بها ساحة الصراع مع الإسلام.
فظهر مجموعة من الافراد المنتسبين للاسلام بما فيهم بعض الدعاة قد دب في نفوسهم الوهن واصبحوا يتلقفون اقرب فكر او قول ذي صوت مرتفع فانساقوا اليه وحاولوا التوسط بين كل هذه الأفكار والإسلام وكما يوضح الطريفي ان هذا يظهر في كل جيل بلا استثناء ؛كالماركسية والقومية والليبرالية.
الليبرالية الخديجة
الليبرالية الشرقية ليبرالية خديجة غير مكتملة وذلك لاختلاف الدين الاسلامى الذى تواجهه باسم العقل عن غيره
في هذا الجزء يكشف الطريفي عوار فكر بعض من الليبراليين في الشرق والذين اصبحوا متعاونين مع الأنظمة الحاكمة في الدول وما تفرضه هذه الأنظمة على الافراد والمجتمعات بوساطة السلطة والاستبداد ، وهؤلاء كما يقول الطريفى " اخذوا تمثال الليبرالية الغربية ونصبوه منكسا على رأسه في الشرق، فالليبرالية الغربية تفرض على السلطة ما يريده الافراد وليس العكس"
والحقيقة ان هذا الوضع مشاهد وبشدة وانه يوجد اتفاق ضمني او معلن أحيانا باتخاذ الاعلام وبعض الكتاب نهجا مؤيدا للنظام المستبد القائم ضد أي عنصر إسلامي سواء بالباطل ام بالحق لإقصاء الدين من الساحة تماما حتى لو كان من سينحى الدين مستبدا ظالما وثب على السلطة منقلبا مريقا دماء الشعب.( ولنا في مؤتمر استراتيجية حقوق الانسان في مصر عبرة)
انتقل الطريفي الى فكرة بقاء الليبرالية وانه ما كان لهذا الفكر ان يستقر او يبقى لولا ان جعل فكر الفرد وقناعته خاصين به لا يلزم بهما غيره وهذا سبب بقائها لان الأفكار الخاطئة تنتهى بمصادمتها بما هو اقوى منها.
والسلوك الذى لا يتعارض مع غيره بالنقد والتصحيح سلوك حيوانى بهيمى وسيدوم ويبقى ما لم يتعارض مع غيره.
والفكر الليبرالى يواصل لعدم النقد ولحق كل فرد ان يقول ويفعل ما يريد من غير تدخل الاخرين ويرون وجب عزل الأفكار عن مصادمة أفكار الاخرين
والى اخر أجزاء الكتاب وهو الجزء الأهم، والذى يوضح فيه الطريفي الأصول الأربعة للفكر الليبرالى:
التحليل المادي، والحرية، والمساواة، وحب الذات اكثر من الغير
وفى الكتاب تفصيل لكل الأصول الأربعة ومقارنة ما تؤصل له الليبرالية وما يؤصل له الدين الاسلامى.
الكتاب جيد في توضيح بعض الأفكار وان كان ليس افضل ما كتب او قيل في نقد الليبرالية.
لكن بكل حال فالعاقل الذى يتابع الوضع في بلادنا خصوصا مصر سيدرى أفكار الليبرالية الشرقية والى أي مدى وصلت تفاهة افكارها مقارنة بأصولها ومدى تطبيع "الزمرة المثقفة الليبرالية " في بلادنا مع نظامها الحالي.