عندما يأتي القارئ الى نهاية هذا الكتاب العجيب، يشعر بانه محاصر كالقلم في المبراة، وانه عار من كل شيء في اقصى صقيع عرفه القدر. ولا يملك شيئا سوى راحتيه يستمر بهما وسطه، وهو في وقفته الضالة والمخجلة تلك على رصيف المائة مليون او اشبه لا ينقصه الا اطار في قاعة محاضرات وبحاثة في علم بقاء الانواع يشير اليه بطرف عصاه امام طلابه ويقول: كنا ندرس يا اولادي من قبل كيف يتطور المخلوق البشري في مناطق كثيرة من قرد الى انسان. والان سندرس كيف يتطور المخلوق البشري في هذه المنطقة من انسان الى قرد، واهله وحكامه يتفرجون عليه من النافذة وهم يضحكون.
English: Zakaria Tamer زكريا تامر أديب سوري وصحفي وكاتب قصص قصيرة، ولد بدمشق عام 1931، واضطر إلى ترك الدراسة عام 1944. بدأ حياته حدادا في معمل انطلق من حي "البحصة" في دمشق. يكتب القصة القصيرة والخاطرة الهجائية الساخرة منذ عام 1958، والقصة الموجهة إلى الأطفال منذ عام 1968. يقيم في بريطانيا منذ عام 1981.
سبق له أن عمل في وزارة الثقافة ووزارة الإعلام في سوريا، ورئيساً لتحرير مجلة "الموقف الأدبي"، ومجلة "أسامة"، ومجلة "المعرفة". كما ساهم في تأسيس اتحاد الكتاب في سوريا أواخر عام 1969 وكان رئيسا للجنة سيناريوهات افلام القطاع الخاص في مؤسسة السينما في سوريا.
شارك في مؤتمرات وندوات عقدت في بقاع شتى من العالم. وكان رئيسا للجنة التحكيم في المسابقة القصصية التي اجرتها جريدة تشرين السورية عام 1981، والمسابقة التي اجرتها جامعة اللاذقية عام 1979، وكان عضوا بلجنة المسابقة القصصية بمجلة التضامن بلندن. ترجمت كتبه القصصية إلى الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والبلغارية والروسية والألمانية.
العمل الثالث اللي اسرح فيه واتوحد معاه لنفس الكاتب قصص قصيرة او رواية زي القنفذ الراجل دا بجد ساحر وبسيط بشدة افكاره بسيطة وساحرة ف كل قصة هناك سحر
قوي بشدة متمكن من ادواته
يمكن لو حد قرأ المجموعة قصة راند او حتي القصة الاساسية النمور ف اليوم العاشر شئ انا مش عارف اوصفه الراجل دا بيخليك تعرف بجد يعني ايه سحر القراية انك تقرأ انك تحس وتشوف وتبقي موجود
لا يصدّق , ! اعتادت الكتب أن تنقلنا لعالم من المثاليات والزهور والحياة الجميلة , أما هذا فهو ينقلنا للواقع , بل إلى ما دون الواقع ,, !
مليء بالرموز والتشبيهات ,, وتحتاج بعض القصص أكثر من قراءة ,,
وكما قال محمد الماغوط على الغلاف , كان زكريا تامر حداداً , وظل حداداً , ! فهو يحبسك في قفص ..
==== وبعد التجربة الثانية، تكتشف أنك هرمت عمرا فصرت موغلا في رموز زكريا تامر، وأن ما حولك كبر معك فصار مليئا بالمجاز، وأن كتابتك القديمة تستدعي ابتسامة تعكس سذاجة ذلك العمر، وبراءته !
كم تمنيت أن أكون كاتب قصه النمور باليوم العاشر لو كتبتها ومت فلن أكون نادما البته أعظم كاتب قصه قصيره يعيش فوق سطح الأرض إن ناظرنا الروس بتشيخوف فعندنا زكريا تامر وإن ناطحنا الأمريكيون اللاتينيون ببورخيس فلدينا زكريا تامر والكفه تتأرجح دائما ً بثقل زكريا تامر ولأول مره نغلب الغرب بكاتب عظيم وبالطبع لن أتطرق لعدم إهتمام الإعلام العربي به وذلك لأنه لم يفز بجائزه نوبل ولم يمت !!!
تتناول الرواية قصة حياة أربعة شبان من جمعية النمور الشباب، وهم يعيشون في حي دمشقي يمر بمراحل تحول اجتماعي وسياسي.
تتميز الرواية بأسلوب سردي ممتع ومبتكر، حيث يصور تامر الأحداث بشكل حيوي ومفصل، مما يجذب القارئ ويحافظ على تشويقه طوال القصة. يتخلل النص أيضًا الكثير من الرموز والتشابكات الاجتماعية التي تعكس الحياة اليومية في دمشق وتحكي قصة النضال والأمل في وجه التحولات السياسية والاجتماعية.
بالإضافة إلى ذلك، تتناول الرواية قضايا مختلفة مثل الهوية والصداقة والحب والمقاومة، وتسلط الضوء على تجارب الشباب الذين يحاولون التأقلم مع التحولات الكبيرة في مجتمعهم. : يتناول الكتاب بعمق حياة الشباب في مدينة دمشق ويعرض تحدياتهم وصراعاتهم الشخصية والاجتماعية. يصور تامر تفاعلاتهم مع العائلة والأصدقاء والمجتمع بأسلوب يظهر النقاط الضعف والقوة في العلاقات الإنسانية. توفر الرواية رؤية عميقة للتحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها سوريا في العقود الأخيرة. تتمحور الأحداث حول العديد من الأحداث التاريخية والسياسية المهمة، مثل حركة النضال الطلابي والمظاهرات السلمية. يتخلل النص العديد من الرموز والتشابكات الثقافية التي تعكس الهوية السورية وتعقد القصة. تظهر العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية كأساس للتفاعلات بين الشخصيات وتعزز التحليل العميق للثقافة السورية. يوفر الكتاب فرصة للشخصيات للنمو والتطور عبر تجاربهم وصراعاتهم. يتغير وجه الشخصيات بمرور الوقت ويظهر تأثير التجارب الصعبة على شخصياتهم ومواقفهم. تعتبر "النمور في اليوم العاشر" عملًا أدبيًا متعدد الأبعاد يقدم صورة متكاملة للمجتمع السوري وتحولاته عبر الزمن، مما يجعله قراءة مثيرة ومفيدة لفهم الواقع السوري والإنساني في ظل التحولات السياسية والاجتماعية. لم يعجبني العمل كثيرًا، ولكن لا أنكر ان له أهمية لفهم الواقع السوري
مجموعة من القصص سياسية ساخرة ممتعة ,, بس فيه قصص لم افهم المغزي منها ! من اجمل القصص , النمور في اليوم العاشر مما اعجبني .. • جاع المواطن سليمان , فأكل جرائد زاخرة بمقالات تمتدح نظام الحكم وتعدد محاسنه المتجلية في محو الفقر . ولما شبع شكر الله رازق العباد وآمن ايمانا عميقا بما قالته الجرائد !
• الجبان الحي خير من الشجاع الميت , فقبل اليد القوية وادع في السر أن تكسر , واذا اردت مطلبا من كلب فقل له : مولاي الكلب . كن اول من يطيع وآخر من يعصي , فلا رأي لمن لا يطاع .
النمور في اليوم العاشر قصتنا نحن,,القابعون في سجوننا من المحيط إلى الخليج... زكريا تامر قدّم في هذه القصة لوحة مليئة بالاسقاطات وجمالية رمزية قلّ نظيرها..ممزوجة بالنفس السريالي والفنتازي للكاتب. لم أنه قراءة الكتاب لكن القصة على صغرها تشعل في المرء الرغبة للكتابة,الرغبة لقول شيء ما,لتحدي هذا الواقع المليء بالقمع والظلم. زكريا تامر ومحمد الماغوط وجهان لعملة واحدة,,تلك السخرية المكثفة في كتابتهما وذلك الشغف إلى حرية منشودة بدأت تشق طريقها إلى بلدهما. زكريا تامر الرجل الذي لطالما تخيلته شاباً وسيماً أسود الشعر والعينين قبل أن أرى صورته,اليوم هو على مشارف الثمانين يرى أحلامه وقد بدأت تخرج إلى الواقع. عساه يراها تتحقق وتكتمل !! (:
كلما زاد الواقع مرارة كلما زادت أهمية رسالة الفن هذا دأب زكريا تامر ، هكذا نعتاد هذا العبقري ..
حينما تضحك و تقهقه و تبكي فأعلم أنك تقرأ لزكريا تامر .. مجموعة قصصية في منتهي الجمال تنوعت مابين القصة و الأقصوصة و القصة القصيرة جدا تلمح البراءة و الخبث و الرحمة و القسوة بين كلمات هذا الأديب الكبير
مجموعة مليئة بالآلام و النشوة و البراءة و كل مشاعر الإنسان رسالة الأدب و الفن عامة تتجلي في أدب ذكريا و سخريته اللاذعة من كل شيء
موضوع الكتاب : كتاب يتضمن قصص خيالية من صلب الواقع الأليم في مواجهة الابتلاء و بالذات في القسم الاول منه و هو ابتلاء امتهان الانسان و كرامته من خلال الظلم و الجور و التعذيب الذي يجعل الكرامة الانسانية بدون درجة في الوجود ,, و في الجانب الاخر يتمثل الانسلاخ من الانسانية عند من يمارس التعذيب و غيره ,, من ضمن القصص الخيالية و المواقف التأملية المطروحة هي المواقف التي قد نرى فيها العالم من زوايا معينة في حين اننا لابد ان نلتفت ان هنالك زوايا اخرى هي بالقدر المهم الذي لابد لنا ان نتعاطى معه . من الجميل في الكتاب انه يعيش حالة السخرية و النقد الساخر المبطن في ما يعرضه و كأن القارىء يقرأه ليس لنفسه فقط و انما للاشارة للواقع المر و الظالم الذي لابد ان يلتفت له الذين لا يقرؤون الحياة الا من انانيتهم و وجودهم هم فقط ,,
برغم الرتابة في بعض الطرح الا ان فكرته عميقة واقعيا ,, و برغم التكرار للافكار و الرؤى الا انها تركز الفكرة ..
النمر الأسير خلف قضبان القفص يقاوم في اليوم الأول يصبر على الجوع والأذى في اليوم الثاني وفي اليوم الثالث يستجدي مساعدة نمور الغابة فلا يجيئون ثم ماذا ..؟؟ ثم في اليوم العاشر يتحول النمر إلى قط أليف يحترف النواء ويأكل الحشائش كي يعيش
النمر هو الإنسان العربي ..والقفص هو الوطن العربي..! هذا رأي زكريا تامر قبل 30 سنة من اليوم أما اليوم فقد خرجت النمور من أقفاصها وثارت على مروضيها ..
زكريا تامر أفضل من كتب القصة القصيرة العربية بلا منازع خيال خصب يجعل كل شيء يتحدث القطط الطيور حتى جدران المنازل أسلوب سلس ولغة سهلة وبليغة. النمور في اليوم العاشر رندا قصص قصيرة تحكي الكثير والكثير
القمع ثم القمع ولاشيء مثل القمع ، أيقونة زكريا التامر المتوهجة في معظم كتبه و الأكثر توهجاً في هذة المجموعة العجيبة، لا زلت أذكر القصة التي حملت عنوان الكتاب و هي تتحدث عن نمور مسجونة يطعمها السجان طعاماً من الخضار فتثور و تهيج و تفعل ذلك كل يوم حتى إذا جاء اليوم العاشر خنعت و أكلت في هدوء القطط. لغة زكريا تامر لا تشبه إلا زكريا تامر نفسه و أسلوبه الحاد والصادم و الجذاب في نفس الوقت وليد معاناة و كفاح حقيقي أكثر منه قراءة و تأملات. كتاب يستحق القراءة
زكريا تامر هو كاتب سوري كان قبلا حداد لكن كتاباته لا تخلو من قساوة المهنة السابقة لكن أعماله القصصية الموجهة للأطفال فيها الكثير من الخيال ويحرك كل الجمادات التى حولنا لا أنصحكم بقراءة كتبه الموجهة للكبار لأنها قاسية جدا
فيم كان يفكر المؤلف ياترى؟ سؤال أطرحه على نفسي كلما وقفت "مشدوهة" أمام أحد ألغازه هكذا هي الرموز إذا !! ويبقى المعنى في ذهن الكاتب الكتاب مسلٍ جدا رغم مافيه من غموض كادت نجماتي أن تكون خمس إلا أن كمية المشاهد الدموية التي أزعجتني كثيرا منعت هذا :)
" أنا مواطن لا أختلف عن غيري من المواطنين المعوزين ، ثيابي كثيابهم ، ومعدتي كمعدتهم ، وأخاف كما يخافون … وعندما منحتني الدولة شرف العمل في مصنع تملكه ، وطالبت بعد أشهر قليلة بزيادة أجري متجاهلاً ما تتطلبه المعركة ضد الأعداء من أموال ، ومخالفاً الأوامر الرسمية بوجوب التقشف ، ولم أنتبه إلى مدى الضرر الذي سينزل بالوطن إذا ما لبي طلبي ، فلو كنت قد حصلت على زيادة اجري فسوف ينقص مال الدولة ، وإذا نقص مال الدولة فسينقص ما يدفع ثمناً للويسكي وثياب النساء والسيارات والقصور ، وإذا قل الوسكي وزعلت النساء و غدت السيارات والقصور غير فخمة ، فمن المؤكد تاريخياً وموضوعياً أن فرح المسؤولين عن البلاد سيتضاءل وإذا تضاءل فرح المسؤولين فستصبح معنوياتهم خائرة ، وتصير بياناتهم وتصريحاتهم وخطبهم فاترة ومملة لا ترعب الأعداء … ولذا فحين طالبت بزيادة أجري خدمت الأعداء وشاركت في إنجاح حربهم النفسية ، فلأعاقب شر عقاب ".
......
رحلت الغابات بعيداً عن النمر السجين في قفص ، ولكنه لم يستطع نسيانها، وحدق غاضباً إلى رجال يتحلقون حول قفصه وأعينهم تتأمله بفضول ودونما خوف وكان أحدهم يتكلم بصوت هادئ ذي نبرة آمره: إذا أردتم حقاً أن تتعلموا مهنتي ، مهنة الترويض ، عليكم ألا تنسوا في أي لحظه أن معدة خصمكم هدفكم الاول، وسترون أنها مهمه صعبه وسهله في آن واحد. انظروا الأن إلى هذا النمر: إنه نمر شرس متعجرف ، شديد الفخر بحريته وقوته وبطشه ، ولكنه سيتغير ويصبح وديعاً ومطيعاً كطفل صغير..فراقبوا ما سيجري بين من يملك الطعام وبين من لا يملكه، وتعلموا. فبادر الرجال إلى القول إنهم سيكونون التلاميذ المخلصين لمهنة الترويض. فابتسم المروض مبتهجاً ، ثم خاطب النمر متسائلأ بلهجة ساخرة: كيف حال ضيفنا العزيز؟ قال النمر: أحضر لي ما آكله ، فقد حان وقت طعامي. فقال المروض بدهشة مصطنعة: أتأمرني وانت سجيني ؟ يالك من نمر مضحك.عليك ان تدرك أني الوحيد الذي يحق له هنا إصدار الأوامر قال النمر: لا أحد يأمر النمور. قال المروض: ولكنك الان لست نمراً. أنت في الغابات نمر . وقد صرت في القفص ، فانت الآن مجرد عبد تمتثل للأوامر وتفعل ما أشاء . قال النمر بنزق : لن أكون عبداً لأحد . قال المروض : انت مرغم على إطاعتي لأني أنا الذي املك الطعام . قال النمر : لا أريد طعامك . قال المروض : إذن جع كما تشاء ، فلن أرغمك على فعل ما لا ترغب فيه . واضاف مخاطباً تلاميذه : سترون كيف سيتبدل ، فالرأس المرفوع لا يشبع معدة جائعة . وجاع النمر ، وتذكر بأسى أيام كان فيها ينطلق كريح دون قيود مطارداً فرائسه . وفي اليوم الثاني ، احاط المروض وتلاميذه بقفص النمر ، وقال المروض : ألست جائعاً ؟ انت بالتأكيد جائع جوعاً يعذب ويؤلم . قل إنك جائع فتحصل على ما تبغي من اللحم . ظل النمر ساكتاً ، فقال المروض له : إفعل ما أقول ولا تكن أحمق . إعترف بأنك جائع فتشبع فوراً. قال النمر : انا جائع. فضحك المروض وقال لتلاميذه :ها هو ذا قد سقط في فخ لن ينجو منه. وأصدر أوامره ، فظفر النمر بلحم كثير . وفي اليوم الثالث ، قال المروض للنمر :إذا اردت اليوم أن تنال طعاماً ، فنفذ ما ساطلب منك. قال النمر : لن اطيعك. قال المروض :لا تكن متسرعاً ، فطلبي بسيط جداً . انت الأن تحوص في قفصك ، وحين أقول لك : قف ، فعليك أن تقف. قال النمر لنفسه :إنه فعلاً طلب تافه ، ولا يستحق أن أكون عنيداً وأجوع. وصاح المروض بلهجة قاسية آمره قف . فتجمد النمر تواً ، وقال المروض بصوت مرح :أحسنت . فسر النمر ، وأكل بنهم ، بينما كان المروض يقول لتلاميذه : سيصبح بعد أيام نمراً من ورق . وفي اليوم الرابع ، قال النمر للمروض: أنا جائع فاطلب مني أن أقف . فقال المروض لتلا ميذه : ها هو ذا قد بدأ يحب أوامري . ثم تابع موجهاً كلامه إلى النمر : لن تأكل اليوم إلا إذا قلدت مواء القطط . فكظم النمر غيظه و قال لنفسه : سأتسلى اذا قلدت مواء القطط " وقلد مواء القطط ، فعبس المروض ، وقال بإستنكار: تقليدك فاشل .هل تعد الزمجرة مواء . فقلد النمر ثانية مواء القطط ، ولكن المروض ظل متهجم الوجه ، وقال بإ زد راء : اسكت اسكت . تقليدك مازال فاشلاً .سأتركك اليوم تتدرب على مواء القطط ، وغداً سأمتحنك . فإذا نجحت أكلت اما إذا لم تنجح فلن تأكل . وابتعد المروض عن قفص النمر وهو يمشي بخطى متباطئه ، وتبعه تلاميذه وهم يتهامسون متضاحكين. ونادى النمر الغابات بضراعة ، ولكنها كانت نائية . وفي اليوم الخامس ، قال المروض للنمر : هيا ، إذا قلدت مواء القطط بنجاح نلت قطعة كبيرة من اللحم الطازج . قلد النمر مواء القطط ، فصفق المروض ، وقال بغبطة :عظيم! أنت تموء كقط في شباط . ورمى إليه بقطعة كبيرة من اللحم . وفي اليوم السادس ، وما إن إقترب المروض من النمر حتى سارع النمر إلى تقليد مواء القطط ، ولكن المروض ظل واجماُ مقطب الج��ين ، فقال النمر: ها أنا قد قلدت مواء القطط . قال المروض : قلد نهيق الحمار . قال النمر بإ ستياء : أنا النمر الذي تخشاه حيوانات الغابات ، أُقلد الحمار؟ ، سأموت ولن أنفذ طلبك! . فابتعد المروض عن قفص النمر دون أن يتفوه بكلمة . وفي اليوم السابع ، أقبل المروض نحو قفص النمر باسم الوجه وديعاً ، وقال للنمر : ألا تريد أن تأكل؟ . قال النمر : أُريد أن آكل . قال المروض : اللحم الذي ستأكله له ثمن ، إنهق كالحمار تحصل على الطعام . فحاول النمر أن يتذكر الغابات ، فأخفق ، واندفع ينهق مغمض العينين ، فقال المروض : نهيقك ليس ناجحاً ، ولكني سأعطيك قطعة من اللحم إشفاقاً عليك .وفي اليوم الثامن ، قال المروض : سألقي مطلع خطبة ، وحين سأنتهي صفق إعجاباً . قال النمر : سأصفق .فابتدأ المروض إلقاء خطبته ، فقال : (أيها المواطنون... سبق لنا في مناسبات عديدة ان أوضحنا موقفنا من كل القضايا المصيرية ، وهذا الموقف الحازم الصريح لن يتبدل مهما تآمرت القوى المعادية ، وبالإ يمان سننتصر) . قال النمر : لم افهم ما قلت . قال المروض : عليك أن تعجب بكل ما اقول ، وان تصفق إعجاباً به . قال النمر : سامحني أنا جاهل أُمي وكلامك رائع وسأصفق كما تبغي . وصفق النمر فقال المروض : أنا لا أحب النفاق والمنافقين ستحرم اليوم من الطعام عقاباً لك وفي اليوم التاسع جاء المروض حاملاً حزمة من الحشائش وألقى بها للنمر وقال كل: قال النمر: ما هذا؟ أنا من آكلي اللحوم . قال المروض : منذ اليوم لن تأكل سوى الحشائش ولما اشتد جوع النمر حاول أن يأكل الحشائش فصدمه طعمها وابتعد عنها مشمئزاً ولكنه عاد إليها ثانية وابتدأ يستسيغ طعمها رويداً رويداً . وفي اليوم العاشر إختفى المروض وتلاميذه والنمر والقفص فصار النمر مواطناً والقفص مدينة.
فنجان قهوة مرة، يلذعك مذاقها لكن المكونات تشحذ ذهنك وتفتح عينيك على اتساعهما.
حين سمعت عن زكريا تامر لأول مرة وصادفت صورته، فكرت فيما قد يخطه قلم هذا الكهل ذو العوينات السميكة. تنبأت بلغة أحفورية وأفكار عفى عليها الزمن. بيد أنني عندما قرأت المجموعة ألفيت نصا سلسا وحكايا خلاقة. صحيح أن أغلب القصص سوداوي حتى أنني تجرعتها على رشفات متباعدة، إلا أن خلف ذلك الستار الكابي روحا لطيفة تتمنى للجائع الشبع، وللإطفال اللعب بإطمئنان، وللشعوب الحرية والأمان.
أما اللغة فهي جزلة وبسيطة؛ بعض القصص نسجت بلغة وتراكيب شبه شعرية. وأما الموضوعات المشتركة بين القصص فهي نقد النظام البوليسي القمعي، تصوير الحكم الشمولي وعجز الشعب المقهور إلى جانب قصص تصف براءة وشقاوة الأطفال. هناك حكايات بمواعظ مباشرة، وأخرى مغرقة في الرمزية.
باختصار، مجموعة "النمور في اليوم العاشر" تحوي تعاطف تشيكوف مع الفقراء، وسخرية أحمد مطر من الأمراء، وأقاصيص أوسكار وايلد الموجهة للأطفال مخاطبة وعي الكبار.
كنت أعوّل كثيراً على زكريا و أنتظرت حصولي على كتابه فترة طويلة و بعد بحثٍ مضنٍ اقتنيته و لكن للأسف لم يحطم سقف توقعاتي ربما لأنني عولت عليه أكثر من اللازم أو أن هناك بعض النقاط و الأبعاد التي لم أفهمها كما قصدها زكريا النمور في اليوم العاشر مجموعة قصصية غريبة، بعض القصص لم أعرف ماذا أراد الكاتب من كتابتها البعض الآخر قرفت منه رغم واقعيته اظن أن هذا هو الأدب الذي يشبه بالمرآة ربما في هذه القصص كانت حقيقة العالم التي لا أرغب أن أراها أغمض عيني، أضع يدي عليهما و في النهاية لا مفر ما يحدث يحدث سواء رأيناه أم تغاضينا عنه، رضينا به أو أنكرناه .
ظفرت اللغة العربية بأرفع وسام في الوطن لمساهمتها في تحويل هزيمة حربية إلى نصر، فهي أسمت الحرب انسحاباً، و اسمت الانسحاب صموداً، و أسمت الصمود بطولةً، و أسمت البطولة نصراً .
يمكن القول بأن النمور في اليوم العاشر وبعض ما كتب تعبر بشكل رمزي عن الواقع الموحل بشكل جيد جدا ، أعجبني أسلوبه الساخر في بعض المواضيع خاصة تلك التي تسلط الضوء على العلاقة مابين الفرد و الحاكم
كتاب للأديب والقاص السوري زكريا تامر بعنوان "النمور في اليوم العاشر"، حوى مجموعة من القصص البديعة من تأليفه - تحديدا ستة عشر (١٦) قصة - والتي اختير عنوان إحداها لتكون عنوانا للكتاب الصادر سنة ١٩٧٨ أي قبل سنتين من انتقال المؤلف للعيش في بريطانيا في عام ١٩٨٠.
بدأ زكريا حياته كعامل حدادة في مصنع قبل أن يلج مجال الأدب والقصة بأسلوب أدبي فريد مقرون بملكة فذة في النقد، لاذعة تصيب الصميم ولا تخطئه وهو ما دعى محمد الماغوط (الشاعر السوري المتمرد والذائع الصيت) إلى تذييل كتاب زكريا بقوله : "بدأ زكريا تامر حياته حداداً شرساً في معمل. وعندما انطلق من حي "البحصة" في دمشق بلفافته وسعاله المعهودين ليصبح كاتباً، لم يتخل عن مهنته الأصلية، بل بقي حداداً وشرساً ولكن في وطن من الفخار، لم يترك فيه شيئاً قائماً إلا وحطمه ولم يقف في وجهه شيء سوى القبور والسجون لأنها بحماية جيدة."
تميزت قصص زكريا الواردة في هذه المجموعة، بخلاف الأسلوب الأدبي المحكم الصياغة والشيق في نقلاته، بشدة إرتباطها بالواقع العربي، واقع المواطن العربي (والسوري تحديدا) ودواخله، طموحاته ومخاوفه التي تؤرقه، غائصا عبرها في أعماق نفسه ليستنطقها ويستنطق معاناتها من نير الاستبداد والرجعية العبثيين الذين يتحكمان بمصير الملايين، هادرين كل لحظة من لحظات حياة مليئة بالفرح والحبور كانت ممكن أن تعاش لولا ظلامية الإستبداد والرجعية، كما تميزت بملكة زكريا الفريدة في استحضار الصور والمشاهد الغنية والمؤثرة، من حصيلة مخيال واسع، يبث الحياة في كل جماد ويؤنسن الحيوان والنبات ويترك مساحات شاسعة يسرح فيها خيال القارئ الذي يصطحبه عبر القصص إلى مجاهيل الطبيعة وأغوار النفس البشرية.
كما برزت عبر قصصه حساسية مفرطة للمظاهر الإنسانية برهافتها وقسوتها في آن، الأمر الذي يفرض تأثيره على القارئ أثناء مروره بمحطات الكتاب.
ومن تلك المشاهد المؤثر على سبيل المثال لا الحصر:
مشهدين من قصة "في ليلة من الليالي" في ص٥٦ - ٥٨، مشهد تغول الاستبداد وعبثية الاقدار في ما جرى لأبي حسن (إسقاط على استبداد النظام السوري/العربي)، ومشهد الفتى المسجون الذي قتل أمه بسبب سوء طبخها غير أنه لم يذق النوم بعدها لأنه تعود أن تحكي له حكاية لينام كل ليلة. كما المشهد من قصة "النمور في اليوم العاشر"، عن قصة ترويض النظام الإستبدادي للشعب، استلاب كرامته وإدخاله الحظيرة. فالقصة لم تخلو من اسقاطات على منظومة الإستبداد العربي - العربي في العموم والسوري على وجه الخصوص - العمياء (أجهزة الأمن، القمع والإرهاب والرجعية) والأنظمة الإستبدادية الإنتهازية بكل فسادها، وشعاراتها الفارغة، وواقع الشعوب ممزقة بين رغبة جامحة في الإنطلاق نحو الحياة، سمائها الزرقاء وخضرة حقولها الواعدة، وبين يأس عميم يكاد يجعل من مشهد الموت والقبور بوابة خلاص يتاق إلى الولوج فيها.
كما مثلت قصص كقصة "الملك" وغيرها، مقاربة ساخرة في النقد السياسي الصريح لأنظمة الإستبداد الرجعية والرأسمالية، وعبرت قصص كقصة "رندا" - فيما خلا النهاية الصادمة - عن براعة المؤلف في نسج القصص الشيقة للأطفال وه�� برأيي من أصعب التحديات كون غنى مخيلة الطفل ونباهته تمثل تحديا حقيقيا لكل روائي وقاص.
لم يوفر زكريا أي جهد في نقد كل ما يعتور هذا الوطن (والمجتمع) العربي (من المحيط إلى الخليج) المكلوم من الأوبئة والأمراض التي تعتريه، والغربان السود التي تتغذى على جسده الرابض، أمراض تجسدها الأنظمة الاستبدادية برموزها وجلاوزتها من قطاع طرق وسراق لكل ما يمكن سرقته في سبيل اعلاء ذواتهم وسلطانهم على حساب معاناة الشعوب، وتجسدها العقلية الرجعية الطائفية والقبلية والعادات البالية التي ترسخ ممارسة كل قوي الاضطهاد على من هو أضعف منه، أمراض آن لنا أن نتجاوزها وغربان آن لها أن تفارقنا دون رجعة.
وأختم باقتباس للمؤلف عن القصة القصيرة وأسلوب مقاريتها، حيث أشار إليها بقوله: "القصة القصيرة هي بحق الغرفة الأنيقة التي تحتاج إلى ذوق رفيع وحساسية مرهفة لتأثيثها بعناية فائقة، وهي شكل من أشكال التعبير الأدبي القادر على التطور والتجديد." *المصدر - ويكيبيديا -زكريا تامر.
أنصح به.
اقتباسات:
"ظفرت اللغة العربية بأرفع وسام في الوطن لمساهمتها في تحويل هزيمة حربية الى نصر فهي أسمت الحرب انسحاباً، وأسمت الانسحاب صموداً، وأسمت الصمود بطولة، وأسمت البطولة نصراً. ولقد انتصرنا على الأعداء، وسننتصر أيضاً على طابورهم الخامس الذي يتجاهل وحدة الطاقات القتالية للغة العربية." ص١٥ *قصة "الأعداء" - شذرة "وسام المنقذ"
"جاع المواطن سليمان القاسم، فأكل جرائد زاخرة بمقالات تمتدح نظام الحكم، وتعدد محاسنه المتجلية في محو الفقر. ولما شبع شكر الله رازق العباد، وآمن ايماناً عميقاً بما قالته الجرائد." ص١٦ *قصة "الأعداء - شذرة "محو الفقراء"
"أنا مواطن لا أختلف عن غيري من المواطنين المعوزين ثيابي كثيابهم، ومعدتي كمعدهم، وأخاف كما يخافون. وعندما منحتني الدولة شرف العمل في مصنع تملكه لم أدرك قيمة ما منحت وطالبت بعد أشهر قليلة بزيادة أجري متجاهلاً ما تتطلبه المعركة ضد الأعداء من أموال، ومخالفاً الأوامر الرسمية بوجوب التقشف، ولم أنتبه الى مدى الضرر الذي سينزل بالوطن إذا ما لبي طلبي فلو كنت قد حصلت على زيادة أجري، فلسوف ينقص مال الدولة، وإذا نقص مال الدولة، فسينقص ما يدفع ثمناً للويسكي وثياب النساء والسيارات والقصور، وإذا قل الويسكي وزعلت النساء وغدت السيارات والقصور غير فخمة، فمن المؤكد تاريخياً وموضوعياً أن فرح المسؤولين عن البلاد سيتضاءل، وإذا تضاءل فرح المسؤولين فستصبح معنوياتهم خائرة وتصير بياناتهم وتصريحاتهم وخطبهم فاترة مملة لا ترعب الأعداء.. ولذا فحين طالبت بزيادة أجري، خدمت الأعداء وشاركت في إنجاح حربهم النفسية. إذن فلأعاقب شر عقاب. ملاحظة: هذا الوعي المباغت الذي امتلكته لا علاقة له البتة باقتيادي الى مخفر الشرطة إذ لم أسأل هناك إلا عن اقتراحاتي الرامية الى تطوير الانتاج." ص١٩ *قصة "الأعداء" - شذرة "الجريمة
"وكان أحدهم يتكلم بصوت هادىء ذي نبرة آمرة: 《إذا أردتم حقاً أن تتعلموا مهنتي، مهنة الترويض عليكم ألا تنسوا في أي لحظة أن معدة خصمكم هدفكم الأول، وسترون انها مهنة صعبة وسهلة في آن واحد. انظروا الآن الى هذا النمر. انه نمر شرس متعجرف، شديد الفخر بحريته وقوته ،وبطشه، ولكنه سيتغير، ويصبح وديعاً ولطيفاً ومطيعاً كطفل صغير، فراقبوا ما سيجري بين من يملك الطعام وبين من لا يملكه، وتعلموا》." ص٧٥ *قصة "النمور في اليوم العاشر
"قال النمر: «لا أحد يأمر النمور». قال المروض: ولكنك الآن لست نمراً. أنت في الغابات نمر، أما وقد صرت في القفص، فأنت مجرد عبد تمثتل للأوامر وتفعل ما أشاء». قال النمر بنزق: لن أكون عبداً لأحد. قال المروض: أنت مرغم على اطاعتي لأني أنا الذي أملك الطعام. قال النمر : لا أريد طعامك. قال المروض: «إذن جع كما تشاء، فلن أرغمك على فعل ما لا ترغب فيه». وأضاف مخاطباً تلاميذه سترون كيف سيتبدل فالرأس المرفوع لا يشبع معدة جائعة»." ص٧٦ *قصة "النمور في اليوم العاشر
"وفي اليوم الثامن، قال المروض للنمر: «سألقي مطلع خطبة، وحين سأنتهي صفق اعجاباً». قال النمر: «سأصفق». فابتدأ المروض القاء خطبته، فقال: «أيها المواطنون.. سبق لنا في مناسبات عديدة أن أوضحنا موقفنا من كل القضايا المصيرية وهذا الموقف الحازم الصريح لن يتبدل مهما تآمرت القوى المعادية، وبالايمان سننتصر». قال النمر: «لم أفهم ما قلت». قال المروض: «عليك أن تعجب بكل ما أقول وأن تصفق اعجابا به». قال النمر: سامحني. انا جاهل أمي، وكلامك رائع وسأصفق كما تبغي. وصفق النمر، فقال المروض: «أنا لا أحب النفاق والمنافقين، ستحرم اليوم من الطعام عقاباً لك». وفي اليوم التاسع، جاء المروض حاملاً حزمة من الحشائش، وألقى بها للنمر، وقال: «كل». قال النمر: «ما هذا؟ أنا من أكلي اللحوم. قال المروض: «منذ اليوم لن تأكل سوى الحشائش. ولما اشتد جوع النمر، حاول أن يأكل الحشائش، فصدمه طعمها، وابتعد عنها مشمئزاً، ولكنه عاد اليها ثانية، وابتدأ يستسيغ طعمها رويداً رويداً. وفي اليوم العاشر، اختفى المروض وتلاميذه والنمر والقفص، فصار النمر مواطناً، والقفص مدينة." ص٧٩-٨٠ *قصة "النمور في اليوم العاشر
"ثم جاء يوم تحلق فيه عدد من طلاب العلم حول الحسين بن الهيثم، ورجاه واحد منهم أن ينبئهم بما يستحق أن يضحي الانسان بحياته في سبيله. يضحي فقال الحسن بن الهيثم دونما تردد: «لا شيء يستحق أن يضحي المرء بحياته في سبيله سوى العلم والحق»." ص٨٣ *قصة "ما حدث في المدينة التي كانت نائمة" - شذرة "المجنون"
قال أبو شكور ساخراً: "أنت مجنون حين تخشى أن تفقد عملاً لا يشبعك لقمة الخبز"." ص ١٠٦ *قصة: "السهرة"
"فابتسم العجوز ابتسامة مزهوة ماكرة، ورمى الطابة بقوة الأرض، فتواثبت وحدها مرات عديدة، وبدت کعصفور طائش ينطنط مرحاً. نهض رجل ذو لحية بيضاء طويلة، وصاح بصوت متهدج غاضب: «الدين يا مولاي في خطر». وأشار بسبابته الى الطابة صارخاً: ابليس مختبىء في جوفها وهو الذي يحركها». فتعالت تواً أصوات الوزراء والأعوان مؤيدة، لاعنة ابليس، وحملقت الأعين الى الطابة التي استقرت على الأرض دون حركة." ص١٧٢ *قصة "الملك - شذرة "الخطر"
"استولى الضجر على الملك، فتنكر في ثياب الفقراء، وانطلق يجوب في طرقات المدينة حتى بلغ الأزقة التي يحيا فيها الفقراء، وهناك استرعى انتباهه أناس يتحلقون حول رجل سكران يرتدي ملابس عتيقة مهترئة، ويترنح يمنة ويسرة وهو يصيح أنا الملك، فمن له مطلب يرجو الفوز به فليتقدم ويتكلم. فدنا من السكير كهل وضع يديه على بطنه، وقال بلهجة متباكية سأموت جوعاً ولا أملك ما أشتري به رغيف خبز. فخلع السكير فردة حذائه، وقدمها للكهل وهو يقول: "خذ.. ها أنذا أمنحك نصف مملكتي". فضج الناس بالضحك ورجع الملك الى القصر وقد فارقه ضجره، وأصدر أمراً يحظر على الفقراء شرب الخمرة." ص١٧٤ *قصة "الملك" - شذرة "حين يسكر الفقراء"
"تنبه الملك يوماً الى أن ما في خزائنه من ذهب وفضة قد تناقص، فاغتم وطلب من وزيره النصح، فقال الوزير دون تفكير: "سنفرض ضريبة جديدة". فهز الملك رأسه موافقاً، وكلف وزيره بتنفيذ ما اقترح. وابتدأ الجباة يطوفون في المدن والقرى وبرفقتهم رجال الشرطة يرغمون الناس على دفع الضريبة الجديدة، ومن لا يدفع، يهان ويضرب ويسجن. وأتى يوم نفد فيه صبر الناس، وانفجر غضبهم، فساروا في حشد ضخم قاصدين القصر الملكي وأصواتهم تصعد قوية ساخطة على الظلم. ولما علم الملك بما حدث، سمح لوفد يمثل المتظاهرين بمقابلته وأنصت باهتمام لما قاله أعضاء الوفد من كلام كئيب مؤثر عن الجوع والسجون والضريبة والوزير الظالم، وأعرب عن دهشته واستنكاره لما سمع، وقال بصوت متهدج خجل: "كيف سألقى ربي يوم القيامة؟ أتظلم رعيتي دون أن أعلم.. أنا الذي كرس حياته لخدمة المعوزين والمساكين واليتامى والأرامل؟!". ونهض واقفاً، وأعلن بصوت صارم طرد الوزير من منصبه ومصادرة ما يملك من قصور وأموال عقاباً له على جوره واحتراماً لإرادة الرعية. غادر الوفد القصر الملكي، وأبلغ الناس الناقمين بما جرى، فتصايحوا فرحين شاكرين للملك مؤازرته للعدل والحق غير أن الجباة في اليوم التالي تابعوا طوافهم على البيوت والدكاكين." ص١٧٤-١٧٥ *قصة "الملك" - شذرة "الإنتصار
زكريا تامر، الحداد الذي صار كاتب قصص، لم يتخل عن قسوته على الحياة، رادا لها دينها القاسي الذي حملته إياه حتى صار هكذا، فهو الطفل الذي ترك المدرسة واتجه للحدادة، ليكتب لطفولته ومجتمعه ما لم يستطع أن يعشه طفلا وشابا.
يسخر زكريا تامر في مجموعته القصصية المكونة من 15 بابا، ما بين قصة ومجموعة قصصية، من الواقع مجتمعا ودولة، بطريقة مغرقة في الرمزية والأحداث، بحيث يترك مجالا واسعا للمجاز، ومحطما بحروفه السريعة والمتحركة كل ما يقع تحتها، مركزة بشكل رئيسي على خنوع المجتمع لاستبداد السلطة الفاسد.
إذ يبدأ زكريا تامر بمجموعة الأعداء، وهي مجموعة من 26 قصة قصيرة جدا، بحيث لا تتجاوز القصة الفقرتين، بطريقة سهلة التداول والرواية، ومليئة بالمغازي والمجازات، فهو يقصد بالأعداء أعداء الشعب، سواء كانوا قيما – الكذب، الانتهازية، الظلم .. الخ – أم مؤسسات وأجساما وسلطات – سلطة الدولة، سلطة الدين، سلطة الكبار -.
ثم ينتقل لـ “يوسف، يوسف الصغير الجميل الهالك” في دلالة رمزية عن النبي يوسف – عليه السلام – والذي أخذه إخوته ليلقوه في البئر، غيرة من جماله ومكانته لدى أبويه، مسقطا هذه الرمزية على ثلاثة أطفال في حارة شامية، أحدهم أجمل وأغنى من الاثنين، بادئا القصة بلعب أطفال، ومنهيها بموت الطفل الجميل منهم.
ثم يتفاوت زمن القصص، لتنتقل بين الزمن الحالي كما في قصة الفندق، المغرقة في الرمزية والتي تتحدث عن نزيل يقتل أمه ويأكل لحمها ما بين الحلم والصحو .. وبين عصر الحارات الأقدم من هذا كما في السهرة التي تتحدث عن صلحة بين فتوتين، لتنتهي في سهرة خمر على قبر والد أحدهم .. والقصص التاريخية كقصة الملك التي تتحدث عن أحد الملوك القدامى الذي كان مستبدا، ذاكرا له عدة مواقف مع العلم والمجتمع وحتى بعض خدمه وحاشيته.
كما وتختلف واقعية القصص بين قصة وأخرى، فمنها ما هو مغرق في الواقعية كـ “في ليلة من ذات الليالي” التي تروي قصة فتوة يعتقل خطأ ويطلب منه قص شاربه داخل السجن .. ومنها ما يجمع بين الإنسان وما حوله في الكون كحكاية رندا المثيرة للجدل، وهي الطفلة البريئة التي تستطيع محادثة الطبيعة، وتتواطأ معها .. ومغامرتي الأخيرة الساخرة التي تتحدث عن حكاية شخص التقى منكراً ونكيراً في حياته وثم لحقاه بعد الموت دون أن يذكراه .. و”ملخص ماجرى لمحمد المحمودي” الإنسان العادي الذي تواطأ مع السلطة بعد موته .. وهناك القصص الخيالية تماما، كـ الزهرة التي تتحدث عن يد نبتت من الأرض ثم عادت مختبئة مما رأته على سطحها، والفريسة التي تتحدث عن مخلوق لم تتضح صفاته تماما لكنه كان سمكة أكلها أبناء صياد فقير .. ويجمعها كلها معاً في رائعة ما حدث في المدينة التي كانت نائمة كدلالة عن المدينة التي تعيش ضحية لاستبداد ملك سجن الحسن بن الهيثم لأنه قال أن الحق والعلم وحدهما ما يستحقان التضحية، وعن قتل حرسه لطفل صغير اتهم بأنه كان عربيا، لكنه عاد فنبت شجرة برتقال، وعن الأبناء الذين وضعوا أباهم في تابوت لأنه علمهم الخضوع، حارقين معه كلما يمكن أن يستخدم كرايات بيضاء، دلالة عن الرفض والثورة، معنونا هذه الجزئية بـ “لا”.
تتجلى قسوة زكريا تامر في ثلاث قصص مليئة بالدم والعنف والألم، ويربط بها بين الاعتداء الجسمي والاعتداء الروحي بشتى أشكاله، وهي لا غيمة للأشجار، لا أجنحة فوق الجبل، والاغتيال، والابتسامة، وهي تحوي في ثلاثتها قصص اغتصاب وقتل.
أما القصة التي اختارها عنوانا لمجموعته القصصية: النمور في اليوم العاشر، فهي إسقاط حله في الجملة الأخيرة عن المدينة القفص، والنمر المواطن الذي تم ترويضه خلال عشرة أيام بالجوع فصار نمرا يموء ويأكل الحشائش.
يظهر انحياز زكريا تامر للأطفال كعنصر ثوري جريء صافٍ لم يتم ترويضه بعد من خلال السلطات الأصغر – الأهل، المدرسة، الحارة – والتي تم ترويضها من قبل من خلال السلطة الأكبر ..
ختاماً، المجموعة هي مجموعة تقليدية لأسلوب زكريا تامر القصير الرمزي، وهي جميلة للذين يحبون المجاز وتفتح أفقا واسعا للتفكير والتوقع، والذي قد لا يوصل في بعض أحيانه إلى الفهم، لكنها ستكون مملة وغير ذات مغزى للأشخاص المباشرين .. وهي عمل ثوري غاضب ناقد في جميع الحالات، في وسط راكد راضخ يحتاج كيّا وطرقا من حداد، بعد أن أوصلته المهادنة والصمت إلى آخر العلاج.