What do you think?
Rate this book


189 pages, Paperback
First published January 1, 1977
قد كنت أعدل في السفاهة أهلها
فأعجب لما تأتي به الأيام
فاليوم أعذرهم وأعلم أنما
سُبُلُ الغواية والهُدى أقسام
ثم ما هذه المحنة التي بلي بها؟ أشر أريد به أم أراد به ربه رشدًا؟ أحق أن ماضيه خير من حاضره؟ أليس من الجائز أن يكون حاضره خيرًا من ماضيه؟ ليوازن بينهما في شيء ليرى أيهما الراجح. كان في ماضيه خالي البال راضي النفس مستريح الفكر. فما خلو البال؟ أليس معنی من معاني الخواء والتعطل؟ وما رضى النفس؟ أليس مظهرًا من مظاهر إخلادها إلى ما هي فيه من النقص ووقوفها عن الحركة الدائبة إلى الكمال؟ وما راحة الفكر؟ أليس قصوره وعجزه عن أداء ما خُلق له من السبح في عجائب الخلق، وآيات الخالق؟
كان في ماضيه يخشى الله ويتقيه، ويبكي في صلاته وقيامه، فهل ذهبت عنه خشية الله وتقواه؟ أليست خشيته اليوم وقد حفت به الشهوات وتبرجت له الدنيا أعظم من خشيته أمس حين لم يكن في متقلب عيشه ما يخشى الله فيه؟ وهل رقأ دمعه إذا أجنه الليل وقام في سكونه يناجي الله؟ أليس بكاؤه اليوم أغزر من بكائه أمس؟ الم يصر قلبه أرق وحنينه أصدق وشعوره أعمق؟
وكان زاهدًا في الدنيا معرضًا عن باطلها وغرورها، ولكن أين زُهد من زهد؟ أين زهد الخبير بالدنيا المتمرس بآفاتها، من زهد الجاهل بها البعيد عنها؟ هو اليوم يغشى السوق ويشتغل بالتجارة ويتقي الله في ذلك كله، فأنى يكون له فضل الأمانة والصدق في المعاملة لو لم يقع فيما وقع فيه؟