What do you think?
Rate this book


320 pages, Paperback
First published January 1, 1953
فالابتسام للمال يُغْري بالاستزادة منه، والاستزادة منه تفتح أبواباً من الطمع لا سبيل إلى إغلاقها. وإذا وجد الطمع وجد معه زميله البَغْي، ووجد معه زميل آخر هو التنافس، ووجد معه زميل ثالث هو التباغض والتهالك على الدنيا. وإذا وجدت كل هذه الخصال وجد معها الحَسد الذي يحرق قلوب الذين لم يُتَح لهم من الثراء ما أتيح لأصحاب الثراء. وإذا وجد الحسد حاول الحاسدون إرضاءه على حساب المحسودين، وحاول المحسودون حماية أنفسهم، وكان الشر بين أولئك وهؤلاء.
ثم يتقدم الناس وتكثر المقالات ويذهب أصحاب المقالات في الجدال كل مذهب، فيزداد الأمر تعقدا وإشكالا، ثم تختلط الأمور بعد أن يبعد عهد الناس بالأحداث، ويتجاوز الجدال خاصة الناس إلى عامتهم ،ويتجاوز الذين يحسنونه إلى الذين لا يحسنونه، ويخوض فيه الذين يعلمون والذين لا يعلمون، فيبلغ الأمر أقصى ما كان يمكن أن يبلغ من الإبهام والإظلام، وتصبح الأمة في فتنة عمياء لا يهتدي فيها إلى الحق إلا الأقلون.
وقد أصبح للمسلمين مثل من هذه المثل العليا التي دعا اليها الإسلام، وجعلت الفتنة تدور حول هذا المثل الأعلى لتبلغه فلا تظفر بشيء مما تريد، وانما تسفك الدماء وتزهق النفوس وتنتهك المحارم وتفسد الأرض على الناس أمور دينهم ودنياهم، وهذا المثل الأعلى هو العدل الذي يملأ الأرض وينشر فيها السلام والعافية، والذي تقطعت دونه أعناق المسلمين قرونا متصلة دون ان يبلغوا منه شيئا