كنت قد طالعت من زمنٍ بعض سطورٍ من كتاب الأمير لميكافيللي، وهو كتابٌ شهيرٌ في بابه، دنيءٌ في غرضه، وهو -لمن لا يعرف- كتابٌ ألّفه نيقولا ميكافيللي، وأهداه للأمير لورنزو أحد أفراد الأسرة الحاكمة في إيطاليا أواخر القرن الخامس عشر، وقد تناول فيه أخلاقيات السياسة بما لا يتناسب إلا والطغاة الأشرار من الحكام؛ فهو يزخر بكل معاني الخسة والانتهازية، ويرمي إلى أن يظهر الحاكم في أفضل صورة أمام شعبه، وإن سلك في سبيل ذلك كل مسلكٍ، غير مبالٍ بمشروعية هذا المسلك من عدمها، محققًّا بذلك عبارته الشهيرة: (الغاية تبرر الوسيلة)، وقد أفاد من هذا الكتاب كثيرٌ من طغاة العالم وطواغيته، حتى إنه أصبح رمزًا لخسة الحكام وطغيانهم.. لكنني لما لم أجد فيه ثمة ما يدفعني لاستكماله عزفت عن قراءته، خاصةً وهو يحمل من معاني الشر الكثير، ومن صور الأنانية الوفير، لكن ثمة سؤالٌ مُلِحٌّ ظلَّ يراودني، فإذا كان هذا الكتاب يحمل تلك الصورة السلبية للحاكم، بل ويحض عليها، فلماذا نقتصر على التحذير منه وانتقاد ما جاء فيه، ولماذا لا نضع كتابًا يبصِّر الحاكم بما عليه وفق نماذج صالحة لإمامٍ عادلٍ يُقتدى به، لماذا يُترك الحاكم لميكافيللي يبث فيه سموم الرذائل، دون أن نصنع له مصلًا من الفضائل؛ لذلك فقد شرعتُ في وضع هذا الكتاب جامعًا فيه ما رأيتُ من كريم الخصال، ورفيع الخلال، التي ينبغي أن تجتمع في كل من وَلِيَ أمرًا، ولم أعتنِ بترتيبٍ معين عند عرض هذه الخلال وتلك الخصال، تنبيهًا على أهمية اجتماعها دون أفضلية لتقدمة إحداها على الأخرى، كما حرصت على سوق بعض القصص التي تتبدى فيها تلك الأخلاق والشمائل جليةً من سيرة النبي الكريم ، وسابقيه من الأنبياء، ولاحقيه من الخلفاء؛ لتكون خير معين على اقتفاء أثر الأنبياء والصالحين. واعلم -حفظك الله- أن هذا الكتاب لم يوضع للحاكم وحده، وإنما وضع لكل راعٍ مسئولٍ عن رعيةٍ؛ فهو للرئيس والوزير والمحافظ والقاضي والضابط والمدير والمعلم والأب، وكل راعٍ له رعية يرعاها ويُسأل عنها.. سائلين الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يرشدنا إلى ما فيه رضاه، وأن يتقبله منا بالقبول الذي نرضاه، والله من وراء القصد وهو نعم المولى ونعم النصير،
تحميل pdf https://drive.google.com/file/d/1JkDS...