كتب الدكتور فائق شاكر في رسالته هذه عن مضاد للجراثيم أي مفترسات الجراثيم، كما فسرها هو، وذكر أنها توجد في الذباب، وتطرق إلى ذكر الحديث النبوي القائل بغمس الذبابة كلها في الشراب عند وقوعها فيه، ثم نزعها. وتكلم عن صحة هذا الحديث، وعده من معجزات الرسول، وفند رأي القائلين بعدم صحته. وقد أردنا أن نبدي بعض الملاحظات على ما جاء من أقواله حول هذه المسألة.
معروف الرصافي وهو معروف بن عبد الغني بن محمود الجباري، شاعر عراقي من أب كردي ينتسب لعشيرة الجبارة التي تسكن مدينة كركوك، وأم تركمانية من عشائر القره غول والتي يرجع أصولها إلى قبيلة الشاة السوداء التركمانية التي حكمت العراق وقسماً من إيران زمناً ماقبل العثمانيين.
ولد في بغداد عام 1877/1945م، ونشأ فيها حيث أكمل دراسته في الكتاتيب، ثم دخل المدرسة العسكرية الإبتدائية فتركها، وأنتقل إلى الدراسة في المدراس الدينية ودرس على علماء بغداد الأعلام كالشيخ عبد الوهاب النائب، والشيخ قاسم القيسي، والشيخ قاسم البياتي، والشيخ عباس حلمي القصاب، ثم أتصل بالشيخ العلامة محمود شكري الألوسي ولازمهُ أثنتي عشرة سنة، وتخرج عليهِ وكان يرتدي العمامة وزي العلماء وسماهُ شيخهُ الألوسي (معروف الرصافي) ليكون في الصلاح والشهرة والسمعة الحسنة، مقابلاً لمعروف الكرخي.
وعين الرصافي معلماً في مدرسة الراشدية التي أنشأها الشيخ عبد الوهاب النائب، شمال الأعظمية، ثم نقل مدرساً للأدب العربي في الأعدادية ببغداد، أيام الوالي نامق باشا الصغير عام 1902م، وظل فيها إلى أعلان الدستور عام 1908م، ثم سافر إلى استانبول فلم يلحظ برعاية ، ثم عين مدرساً لمادة اللغة العربية في الكلية الشاهانية ومحرراً لجريدة سبيل الرشاد عام 1909م، وأنتخب عضواً في مجلس المبعوثان عام 1912م، وأعيد أنتخابه عام 1914م، وعين مدرساً في دار المعلمين في القدس عام 1920م، وعاد إلى بغداد عام 1921م. ثم سافر إلى الإستانة عام 1922م، وعاد إلى بغداد عام 1923م، وأصدر فيها جريدة الأمل، وأنتخب عضواً في مجمع اللغة العربية في دمشق، عام 1923م، وبعد ذلك عين مفتشاً في مديرية المعارف ببغداد عام 1924م، ثم عين أستاذاً في اللغة العربية بدار المعلمين العالية عام 1927م.
ولقد بني لهُ تمجيداً لذكراه تمثالاً في الساحة المقابلة لجسر الشهداء عند التقاطع مع شارع الرشيد المشهور قرب سوق السراي والمدرسة المستنصرية الأثرية.
توفي الرصافي بدارهِ في محلة السفينة في الأعظمية ليلة الجمعة في ربيع الثاني عام1364هـ/16 مارس 1945م، وشيع بموكب مهيب سار فيهِ الأدباء والأعيان ورجال الصحافة ودفن في مقبرة الخيزران، وصلى على جنازتهِ الشيخ حمدي الأعظمي، وشهد الصلاة عليه الشاعر وليد الأعظمي، ولقد قالوا في تأبينهِ قصائد كثيرة.
كتاب بسيط يتطرق فيه الشاعر معروف الرصافي لإشكالية الاعجاز العلمي في الأحاديث النبوية، وعن ضرورة تنقية والتأكد من صحة الأحاديث نفسها وتطابقها مع العقل قبل النظر في صدق رواتها. ويذكر تحديداً رسالة الدكتور فائق شاكر في الناحية العلاجية الموجودة في الذباب واحتوائها على مضاد للجراثيم شافي من دائها، ويستند في هذا إلى حديث الرسول الكريم عن غمس الذباب في الشراب اذا وقع في شراب أحدكم. للأسف الشاعر يناقش الموضوع من زاوية منطقية بحتة فهو ليس مختصاً أو طبيباً لديه العلم الكافي في هذا الموضوع مما جعله يركز حجته على تناقض التوصيف العلمي المذكور في البحث مع الحديث نفسه وما يحويه من ذكر لتفاصيل معينة كغمس جناح الذبابة بالتحديد. بالمجمل كان بإمكان الشاعر التوسع بالموضوع وذكر عدة أمثلة من أحاديث شتى والاستناد إلى معلومات علمية متينة عوضاً عن عقله المحض.