السّيرة المستنيرة.. قرأتُ هذا الكِتابَ كمُقَرَّرٍ علي قراءتهُ في إحدى الدورات التي اشتركتُ بها, والمختصة بدراسة السيرة النبوية من جميع جوانبها والبحث والتمحيص فيها, هذه الدورة يقدم دروسها وشروحاتها نفس كاتب هذا الكتاب القيّم, الدكتور محمّد سعيد بكر. لم أكُن أتخيّل كم فاتني في حياتي قبل القراءة في سيرة النبي عليه الصّلاة والسّلام, لاسيّما وأنّ هذا الكتاب هو أول كتاب أقرأه في هذا المجال.. دراسةُ وقراءة السّيرة كان لها معنًى وشعور خاصّ جدًّا؛ فهي ليسَت مجرّد قصص تُحكى وتُقرأ, بل هي - لمن يعطيها حقّها في الدراسة والبحث والفهم - نظامُ وأسلوب حياة كامل, ودستور قوانين, وأساليب تربية, ونماذج رائعة في العلاقات الأسرية والاجتماعية جميعها, وخطط حربية, ومهارات اقتصادية وإداريّة, والكثير الكثير من الأمور التي يصعبُ جدًّا أن يتمكّن أي كاتب أو باحث من حصرها في مُؤَلَّفٍ واحد! وهو أمرٌ غيرُ مستغربٍ أبدًا؛ فالنبيُّ عليه الصلاة والسلام لم يُبعَث رسولًا فقط, بل كان معلمًا, هاديًا, مُصلِحًا, مُربِّيًا, زوجًا, أبًا, صديقًا, قائدًا, فاتحًا, سياسيًّا, لعبَ جميع الأدوار الممكنة تقريبًا, وكان فوق كل ذلك نبيًّا رسولًا, مبشرًا ونذيرًا بين يدي الساعة, عليه أفضل صلوات ربّي وسلامه. أعجبني ترتيب هذا الكتاب كثيرًا, إذ تحدّثَ الكاتبُ في البداية عن بعض الأمور والأساسيّات الضروريّة قبل الشروع في رواية الأحداث, فتحدّثَ عن مفهوم السيرة النبوية الشريفة, وأهدافها, ومراحل تدوينها, وأبرز مراجعها, وقواعدَ وضوابطَ مهمّة في دراستِها, ثمَّ بدأ بترتيبِ الأحداث والمواقف والغزوات حسبَ تسلسُلِها التّاريخيّ, مُقَسِّمًا الكتاب إلى عهدين: المكّي والمدني, ختمَ الحديثَ عن كلّ عهدٍ منهما وأحداثه ومواقفه بذكر أبرز السمات التي اختصَّ بها ذلك العهد من عدّة نواحٍ. لعلَّ ما ميَّزَ هذا الكتابَ عن غيره - وهو أمرٌ لفتني جدًّا وأثارَ إعجابي - هوَ أنّ الكاتب كان في نهاية حديثهِ عن حدثٍ معيّن أو غزوة ما, أي في نهاية كلّ فصلٍ من الفصول, كان يُدرِجُ مجموعةً من الأنوار والفوائد, ومن جوانبَ مُختَلِفَة, وهذه الجوانب اختلفّت شيئًا قليلًا في فصول العهدِ المكّي عن العهد المدنيّ؛ ففي العهدِ المكّي كان يتناول أبرز الأوار والفوائد في الجانب الاجتماعيّ, والجانب السياسيّ -أو السياسة الشرعية بشكل أخَصّ- , والجانب الاقتصاديّ, والجانب التربويّ, أمّا في العهد المدني فقد كانت هذه الحوانب نفسها تقريبًا مع إضافة جانبَينِ هُما الدّعَويُّ, والجانبُ الأمنيُّ العَسكريّ, وإن دلّ تعدُّدُ جوانب وأنواع العبر والفوائد التي كان يتناولها ويستخلصها الكاتب من حياة النبي صلى الله عليه وسلّم ومواقفها وأحداثِها على شيء فإنّما يدل على شموليَّة حياةِ هذا الرَّجُلِ العظيم وإمكانيَّة الإفادة منها في كل زمانٍ ومكانٍ وموقف, عليه أفضلُ الصلاة والسّلام. جزى اللهُ الكاتِبَ خَيرَ الجزاء على جهده ووقته وكل ما بذله في سبيل إخراجِ هذا الكِتاب الذي كانَت كُلّ صفحةٍ منهُ بمثابَةِ تذكيرٍ لكُلِّ واحدٍ مِنّا بكَثيرٍ منَ الأُمور, لعلَّ أهمَّها -بِرَأيي- هو تذكيرُنا أن في تاريخنا الإسلامي رجلٌ كان له كل الفضل بعدَ الله تعالى بهدايتِنا إلى طريق الحقِّ والصّواب, وكانَت حياتُهُ وما مَرَّ به من تجارُبَ نموذجًا مثاليًّا لمن يرنو في حياتِهِ إلى شخصٍ يكون بمثابة "القدوة" يُمكن السَّيرُ على نهجهِ واتّباعُ خُطاهُ دونَ أيِّ خوف وبكُلِّ ثقة أن هذا هو الأمرُ الصّواب, بل هوَ الذي من المُفتَرَضِ على كُلِّ مُسلمٍ فِعلُه!
كتاب المرحلة الاولى في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، الكاتب اقرب للمؤرخ من المؤلف ، "وإن كانت السيرة اساساً ماتحتاج لمؤلف :)" السرد والاسلوب تعدادي وتدقيقي اكثر من ايماني وتربوي.
بأبي أنت وأمي يا رسول الله... ما أجملها من ساعات قضيتها في ظلال السيرة المستنيرة، أستنير بسيرة خير المصطفى، أعيش ما عاشه رسولنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ألتمس منه الدروس والعبر، أفرح لفرحه وأدمع لحزنه، فهو وإن كان نبي مرسل من الله تعالى ينزل إليه الوحي، فإنه لا يزال بشرا يمشي على الأرض، إلا أنه كان صابرا محتسبا مؤمنا بالله تعالى، فإذا حزن دعا الله وإذا فرح شكر الله، وإذا مرض اختار الرفيق الأعلى، صلى عليك الله يا خير الورى... وقد كان هذا الكتاب قيما فيما احتوى، بترتيب جميل وعنونة واضحة، مستندًا إلى الروايات الصحيحة فقط دون غيرها من الضعيف أو الموضوع أو ما اشتهر تاريخيا.. فابتدأ بأساسيات مهمة في دراسة السيرة النبوية، كمفهوم السيرة، ومراحل تدوين السيرة وقواعد في دراسة هذا العلم، ثم قسم المؤلف حفظه الله الكتاب إلى عهدين، فالعهد المكي كان منذ مولده عليه الصلاة والسلام وحتى هجرته الشريفة، وفي كل حدث كان يذيل أنوارا وفوائد في: - العلاقات والحياة الاجتماعية - إدارة المواقف والسياسة الشرعية - الجانب الاقتصادي والمعاشي - الجانب التربوي القيمي وتهذيب السلوك
وأما العهد المدني فقد كان منذ وصوله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وحتى وفاته عليه أفضل الصلاة والسلام فيها، بترتيب وتقسيم لا يقل إتقانا عن العهد المكي، مذيلا كذلك أنوارا وفوائد في الجوانب نفسها (التربوي، الدعوي، الاقتصادي، السياسي) مضيفا جانبا مهما لدولة الإسلام في ذلك العهد، وهو الجانب العسكري.. كما أن تك الفوائد لم تكن إيميانية تربوية بقدر ما هي تفصيلية تدقيقية ...
والجدير بالذكر أن الكاتب أورد الروايات في كل حدث من الأحداث فقط، فكان الكناب أقرب للرواية والحديث وتخريجه من كتابة سيرة، ولا أخفي أيضا أن بعض الروايات والأحاديث احتاجت لشرح وتفصيل أكثر، وهذا جعل الكتاب صعب الفهم بأحداث غير مرتبة تماما (فالأحاديث يذكرها صحابة كل يذكر ما يذكر من أحداث وتفاصيل)، غير كونه عظيم الفائدة في ذكره ما صح رواية فقط! فجزى الله المؤلف على هذا العمل القيم، وبارك فيه