"ما أعرفه يقينًا أنّ ما أرغب في قوله، بلا رتوش، أو محاولات إثارة، أو خبايا تسويق كتاب، أنك ستقرأ لرجلٍ أدركته حرفة الصيدلة كما يُدرك الأدب بعض محترفيه!”
عنوان الكتاب “مايشجع” لكن رأيت ان البداية بقراءة السير أفضل خيار كبداية، لأني أحب السير الذاتية فكتابتها لا تحتاج دائما الى الفن والابداع، وبالتالي لن اترك مجالا للحكم المتسرع على مهارات كتابنا! بالإضافة الى أنى وددت ان اعرف ما لذي يحبه هذا الرجل في الصيدلة، أحاول ان أحب هذا التخصص؟. يسرد الكاتب سيرته منذ ان اختار تخصص الصيدلة وبداياته في العمل الى ان أصبح الرئيس تنفيذي لهيئة الغذاء والدواء. يبدأ الكتاب من الصفر منذ ان فقد والدته وهو في سن صغير بليه فقده لوالده وهو في العشرينات من عمره، ويذكر تأثير ذلك على نشأته وكيف اثر ذلك على شخصيته وقرارته في الحياة. في حديثه عن الصيدلة لم أجد ما كنت ابحث عنه بسبب الفارق الزمني والتغيرات الجذرية في تخصص الصيدلة التي كان له فضل كبير فيها، فقد كانت توزيع الادوية وتحضير المستحضرات الموضعية وممارسة الصيدلي بشكل عام يمكن وصفها بالوضع المأساوي في ذلك الوقت. ساهم محمد المشعل في وضع المعايير والقوانين التي تصحح الممارسات لتقديم أفضل خدمة للمرضى وفي المقابل ساهم بكل جهد لحماية الصيدلي والحفاظ على حقوقه ومكانته بين موظفي القطاع الصحي. في الفصول الأخيرة كتب عن أسلوبه الإداري والتغييرات الايجابية التي انجزها خلال عمله في هيئة الغذاء والدواء ولا يحتاج ذكرها هنا لان أداء الهيئة خلال السنوات الفائتة كان يخضع لتغييرات إيجابية وملحوظة في المجتمع. اما عن أسلوبه في القيادة ذكر الكثير عن التعليم المستمر للموظفين وعن أهمية التواصل والشفافية في التعامل، ولكنه ازعجني جدا عندما ذكر التالي: هيئة الغذاء والدواء مسؤولة عن تدريب وتأهيل وظفيها فحسب. والموظفون الذين يعملون فيها ويريدون الاستمرار فيها، هم محور اهتمامها، وهم مسؤوليتها، لأن الانشغال بمهام لا تتعلق بالهيئة، حتى لو كانت نبيلة، يؤدي الى عدم القيام بالمهام الأصلية على الوجه الاكمل، وهو مالا يمكنني ان اقبل به. اتفق الى حد ما عند النظر الى كيفية استغلال الكثير من الموظفين فرص الابتعاث او التفرغ لدراسة مجالات مختلفة ولفترات طويلة ثم الذهاب لجهات أخرى بعد ان تم دعمه ماديا من جهة التي كان يعمل بها. لكن، لا اعتقد ان كل شخص في الحياة يملك شغف محمد المشعل وحبه للصيدلة، وليس كل شخص يرغب ان يعمل في مكان واحد مدى الحياة حتى لو كان يحب التخصص، الوظيفة ليست حكم مؤبد خصوصا في تخصص مهني وليس علما تحتاج لتطويره… اعتقد كل جهة عمل عليها بوضع القوانين لتحمي الطرفين، مالضرر لو أراد الموظف تعلم شيء جديد لأنه غير راض عن مكانه الحالي، اجباره على البقاء مكانه لن يضيف أي فائدة للعمل. اتفاقية موقعة من كلا الطرفين تضمن حقوق الموظف وحقوق جهة العمل كتعويض جهة العمل بعدد السنين او الساعات التي يتغيب بها للدراسة وما الى ذلك، اعتقد يوجد مليون طريقة بدل التعسف. الان يتم تخرج اعداد هائلة من طلاب الصيدلة ومع تعدد المجالات التي يمكن لهم العمل بها أرى، يقتصر أداء الصيدلي على توزيع الادوية او التدريس بالجامعة على الرغم من ان مؤهلاته تفيده في مجالات عدة وفكرة عدم ترك الفرص لهم للاستكشاف والتغيير والاستفادة من ابداع الشباب واجبارهم لعمل شيء واحد فقط امر تافه بالنسبة لي. وأخيرا، الكتاب لطيف وفيه معلومات جميلة لمن يريد ان يعرف كيف كانت الوضع في الصيدليات قبل عشرين سنة وما ألت اليه الآن، وجدت في الكتاب سرد للأحداث وليس الالهام. لم اتصالح مع الصيدلة بعد. لذلك تقييمي للكتاب نجمتين، لأنه أضاف الي بعض المعلومات الجديدة لكنه لم يحرك شيئا داخلي (تلك الشعلة التي تضيء وترقص مع الكتب الحلوة).
منذ عدة أيام مضت، كانت معرفتي بالمملكة العربية السعودية تقتصر على المدن الرئيسة فيها، ولعلّها من محاسن الصدف أن أسمع عن محافظة (الخرج) للمرة الأولى من خلال بودكاست ثمانية حين استضاف عبدالرحمن أبومالح ضيفه بدر العرجاني مؤسس تطبيق (كيان)، ثم أقتني هذا الكتاب لمؤلفه الدكتور محمد المشعل لأكتشف انه ابن نفس المحافظة "حديقة نجد وبلد المشتل والساقي" كما يصفها في كتابه.
مما لا شك فيه أن الدكتور محمد المشعل قامة علمية وإدارية، ويعد الأب الروحي للصيدلة في المملكة وأحد مؤسسي الصناعة الدوائية فيها، الا أن كتابه هذا لم يعدو عن كونه انعكاسا لشخصية الدكتور ذات الالتزام والانضباط العالي بما يتوافق مع ما تتطلبه هذه الصناعة، فكانت محتويات السيرة جامدة رتيبة وكأنها وصفة دوائية دقيقة ومعايير للصحة والسلامة.
كنت أمنّي النفس بقراءة سيرة ذاتية تحمل في طياتها البعد الإنساني لهذا الرجل، أو على أقل تقدير سيرة إدارية فيها من الأبعاد الإنسانية والقصص الواقعية تأخذني في رحلة ممتعة تتجاوز حدود الزمان والمكان، الا انها -للأسف- لم تكن كذلك.
الكتاب سيرة ذاتية للدكتور محمد المشعل، الذي يتناول في سيرته ذكر تجاربة في الصيدلة بين اروقة المستشفيات ومن ثم الصيدلية في الجوانب الأكاديمية انتقالًا الى الصيدلة في القطاع الخاص وتقلده لعدد من المناصب الادارية التي ساهمت في توجيه رؤاه وصقلها جيدًا بالتزامن مع الفرص المتاحة في الوطن. السيرة المذكورة مليئة بالشغف، التحديات، الرغبة في التحسين والتغيير، الأمل! والكثير الكثير من الأمل، التمست مشاعر الكاتب في مراحل حياته المختلفة منذ نعومة أظفاره وحتى مسيرته الجامعية و تجاربة الميدانية والأكاديمية مجددًا، وحتى اختياره لتخصصه الدقيق في الدراسة العليا لها دور كبير بلا شك في تطويره فكريًا ومهاريًا ومهنيًا، أثق بأننا في حاجة لهؤلاء الشغوفين، الذين يملؤون ما حولهم بالأمل ويحسنون كل شيء حولهم من أبسط الأشياء وحتى أكثرها حلكة ونسيًا، لن يوجد تطور ولا نمو بلا هؤلاء، فهم وبهم فقط الطامحون من سيعمرون الأرض ويخلقون الفرص ويحطمون كل التماثيل البالية من الكسل والتنظيمات الادارية البالية والهياكل المصنوعة من القش التي تحمل في طياتها الكثير من الكسل، التغيير قرار! شئنا أم أبينا وهو قرار حتمي، ولكن العمل به هو التحدي الذي يواجهنا
الكتاب مستعار من عزيزي الدكتور الصيدلي عبدالاله
لك ولك الصيادلة الشكر، وبكم وبنا وبالجميع في هذا الوطن، آملون