يُكلَّف "جون" بمهمّة غريبة: تقصّي حقيقة قصة حبّ نادرة، في بلد المحيط. لكنّه ما يلبث أن يلاحظ أن البلاد التي أتى إليها تخلو من الأطفال. وشيئاً فشيئاً تتكشّف له حقيقة أن الناس مصابون بمرضٍ غريب يسيرون فيه إلى نهايتهم. تثور النساء وتواجههن السلطة بإنكار المشكلة، فتشتعل حربٌ شعواء، يسجّل "جون" أدقَّ تفاصيلها في تقريره، بينما يستمرّ في البحث عن قصة الحب المزعومة، لكن ما الذي سيحدث حين يُكتشف الرجل الوحيد الذي لم يُصَب بالداء؟ في "النسوة اللاتي..." شخصيةٌ تسلّم الحكي لاهثةً للأخرى، فينبني معمارُ الرواية التي تطرح، في ثنايا غرائبيّتها ومتخيّلها ولا واقعية أحداثها، حكاية أسطورية لكنّها قابلة للتحقق في عالمنا الواقعي.
في ذكرى عيد الحب تعلموا الحب ثم احتفلوا به وما اجبرني علي ذلك روايه النسوة اللاتي
في رواية ” النسوة اللاتي.. ” يبتكر الكاتب مكاناً متخيلاً تماماً، بشوارعه، بشخصياته، بجغرافيته، بإحداثياته، بحكامه، وحتى بزمنه الخاص. ينطلق من الواقع حتى يلامس المتخيل، يغامر بالكتابة في فضاءات غير مطروقة وغير آمنة وغير متاحة إلا لمن آمن قلبه، يرتكز على الواقع ليخلق ويطير نحو سماء أرحب من الخيال والرؤية.
تبدأ الرواية بشرح جغرافيا الفضاء الذي تتصارع فيه الشخصيات “بلد المحيط”، موقعه، ما يحيطه، ثم بثبت فيه أسماء أحياء وشوارع البلد، والتي تمتزج في تسميتها بالواقع الشعبي، بالصوفي، وبالمتخيل. الجميع كان يبحث عن الحب، بشكل أو بآخر، الحب بمعناه الأشمل، ومع ذلك فقد خرج الجميع بلا طائل، ورغم ذلك كتب أحدهم على جدار أحد الجدران “الحب سينتصر على الحكومة”. رغم السوداوية الحالكة، ورغم الغرائبية المسيطرة، ثمة من يؤمن بإنتصار الحب في النهاية، مهما حدث.
تتسلم شاهيناز ناصية السرد في البداية. معمرة، نصف عجوز، ونصف شباب. تبدو فاتنة من الخارج، متآكلة من الداخل، تُغتصب في شبابها، وتعامل بإزدراء وكأنها صاحبة الجريمة، هي المغوية. يبدأ المجتمع في تهميشها ولفظها خارج قواعده، تخسر وظيفتها وتخسر أمها وتبدأ رحلة لانهائية في دهاليز الغيبيات والمشايخ وتنعزل في بيتها وعملها الذي ورثته من رجل كان يتسلى بجسدها كل يوم. تحمل مقتاً تجاه الجميع، تكرة الجميع، حتى وهي تحاول أن تدعي أنها خادمة أحد الأولياء لتساعد المحتاجين، ولكنها تتخذ ذلك كوسيلة للسخرية من أوجاعهم ودفنها في الرمال. تخرج مقتها وغضبها في النوم مع الرجال وتجريدهم من نطفهم، تدرك أنها لعنة تصيب كل من يلمسها بالخواء والعقم. يتورط القارئ تلقائياً بالتعاطف مع شاهيناز، حتى تعترف في سردها للأحداث بخيانة كل من كانوا سبباً في نشوب “حرب الولادة”، من أجل الحب، من أجل الرجل الناجي الوحيد الذي لا يزال يحتفظ بماءه، في بلد تخصي العزاب وتحبس العوانس وتزوج الجميع من الجميع عبر إجراءات روتينية مقيتة وصارمة، وتبدأ شخصية شاهيناز بالتشظي والإنفلات نحو القاع.
تنشب حرب الولادة عقب تفشي وباء العقم بين الرجال، تعتصم النسوة، يردن ماء الحياة، يردن الإنجاب، يردن الحق في الحياة، في الحرية، تهجم ميليشات مسلحة تابعة لمافيا شركات الأدوية على الإعتصام ليلا وتتم إبادة جميع النسوة اللاتي كانوا في إعتصام الميدان، نفس الميدان الذي أغتصبت فيه شاهيناز “ميدان الخضراء”، ثم تندلع حرب ضروس بين ميليشيات المرتزقة من جهة، وبين كتائب النسوة من جهة أخرى.
في أكثر من موضع، تظهر أجواء ألف ليلة وليلة وروائحها في سطور النص، بين الأجواء الكابوسية للحب والخراب والعنف والخيانة تبرز حكايات الأرمني العجوز الذي يبيع أرضع قطعة قطعة مقابل القصص، وأيضاً في حكاية حسين المشرحجي مع الست أم دينا والتي تقتل الرجل في الصباح بعد أن تمتص رحيقهم طوال الليل وتدرك خوائهم، كما تتجلى تماماً في أسلوب إعدام الثائرين وخصوصاً ذهني بالخوزقة.
تتناوب الشخصيات في سرد الحكاية بلا ترتيب، وتسلم ناصية السرد، ابتداءاً من ياسمين وذهني، أحد مؤسسي التنظيم السري الذي كان سبباً مباشراً في التعريف بالوباء الذي أصاب البلدة. إلى شخصية تتدخل دائماً بلا ضوابط في أحداث السرد وهي شخصية “شاكر” الحيوان المنوي، نسمع وجهة نظره فيما يجري، تحالفه مع النسوة، مساهمته في أحداث حرب الولادة، تسخيره لكتائب هلامية، وهمية لخدمة كتائب النسوة المحاربات. نرى شخصية السياسي الفاسد، يحكي كواليس السلطة، الجميع مسخر للفساد، في خدمة الفساد، والمرتزق بعل زبول، العزرائيلي مقاول الحرب من الباطن، الذي يعيث فساداً في المدينة، يقتل بلا رادع، وبلا رحمة، حسين المشرحجي، أحد جنرالات السلطة قديماً، العارف بدهاليزها السرية، يرى الشعب كالبهائم، الجميع بالنسبة له يستحق الذبح والسلخ، ولكنه في النهاية يحارب في جانب النسوة، ويقع ضحية لخيانة شاهيناز في النهاية كما وقع الجميع. سين عين، الناجي الوحيد، النباتي، مربي السلاحف وكاره البشر، لا يزال يحتفظ بماءه، تحتفظ به شاهيناز في منزلها لعله يكون هو المهدي المنتظر الذي سيزيل غشاوة عمرها المنقضي في الغل والحقد، مصيره يختلف عن الجميع، تنتهي الرواية بوقوعه في قبضة المرتزقة وهو محور التنازع لما يمثله من قيمة رمزية بالأساس.
الثابت هنا أن الجميع قد مُني بالهزيمة، جون وياسمين وذهني وحسين وأم دينا وشاهيناز وشاكر والعزيز رئيس الوزراء، والأهم بلد المحيط نفسه، والذي عبر مسارات عدة نلمح تشابهات مثيرة بين ما حدث في بلد المحيد وبين ما حدث في المحروسة منذ تسع سنوات بالضبط. كل أبطال الرواية والمتورطين في السرد على اختلاف مسعاهم منيوا بهزائم فادحة إن لم تكن في الأرواح، فقد منيوا بفقدان أنفسهم، حتى بلد المحيط، لم يعد ذلك البلد البائس التعيس الذي دخله جون قبل الحرب بثلاث سنوات، لم يحتفظ حتى بحقه في التعاسة بشكل هادئ.
"النسوة اللاتي..." جملة غير مكتملة المعنى، يعنون بها الكاتب روايته داعيًا القارئ الى استكمال المعنى واكتشافه داخل النص. سينجح الكاتب في اكمال المعنى لكن العنوان مع الغلاف السيء لم يشكلا عامل جذبٍ لتناول الكتاب من على الرفّ وأظنّ بأنهما لا يثيران الاهتمام. كان يمكن تلافي الأمر لو تم العمل على الغلاف بصورة اكثر حرفية.
نذهب للعتبة التالية حيث يحدد الكاتب المكان: "بلد المحيط" ويحدده بين خطوط طول وعرض. المكان مفترض اذن، لكن الإحداثيات تقود الى مكان قريب من المغرب وموريتانيا والنص لا علاقة له بالدولتين. ثم ثبتٌ بأسماء أحياء عاصمة بلد المحيط التي لم تضف للنص شيئًا سوى اسماء كثيرة. بعد الإنتهاء من النص استطعت فهم اسقاطات الأسماء على اسماء حقيقية وقصص حقيقية جرت.. في مصر. كما استعمل الكاتب التقويم المصري القديم والذي يعادل ايامنا الحالية.
قسّمت الرواية الى احد عشر فصلًا، كل فصل ترويه شخصية (تسع شخصيات) وفصلان لكل من جون وشاهيناز، تعدد الأصوات لم يخدم النص لأن كل الشخصيات تتكلم بذات النبرة من دون وجود فروقات واضحة ما بين راوٍ وآخر. لغة السرد كانت متماسكة والحوارات اتت باللهجة المصرية (سأعود لموضوع اللهجة لاحقًا). يعيب السرد كثرة التكرارات على لسان الرواة لذات الحدث او المشهد.
مقتل الرواية كان في الحبكة، فلم نفهم اذا كان فقدان الخصوبة سببه شاهيناز (بتناص مع ميدوزا) او وباء او اعتراض من الحيوانات المنوية التي نطق "شاكر" بإسمها. فإذا كانت شاهيناز فهي لم تقبّل كل رجال المحيط، واذا كان الوباء فما سبب عدم اصابة "سين-عين" واذا كان اعتراض الحيوانات المنوية فلماذا بقيت عند "سين-عين"؟! الحبكة واهية والفكرة توصلنا للحدث بدل ان نستعرض حدثًا ونفهم الفكرة منه.
المشكلة الثانية كانت في الشخصيات الكثيرة والتي اذا حذفنا بعضها لا يتغير السرد بل يصبح أفضل (برأيي)، فشخصية "شاكر" و "العزيز" كانتا زائدتين كما ان شخصية "سعد زعبول" كانت متطابقة مع "حسين المشرحجي" لكن على ضفة النهر الاخرى. كثرة الشخصيات أدّت الى تسرب الملل للنص خصوصًا من منتصفه حتى الخاتمة.
بناءً على ما سبق فأنا اعتقد ان الكاتب قد غلبت عليه الاسقاطات، بمعنى انه يريد ان يكتب رواية عن مصر واحداث مصر (اللهجة المستعملة، القصص الحقيقية، الثورة، الدكتاتورية، حكم مافيات رجال الاعمال والمال والسلطة، تجريم الضحية وتبرئة مجرمي الاغتصاب...) لكن دون ان يكون مباشر فذهب الى اختراع هذا العالم الروائي. لكن بجنوحه هذا فتت عالمه الروائي الجميل والذي كان يمكن ان يكون افضل بكثير خصوصًا مع تلك الانطلاقة الممتازة في الفصول الاولى.
بشكل عام رواية متوسطة، اعتقد لو خضعت لتحرير ادّق لكانت خرجت بشكلٍ افضل بكثير خصوصًا ان الكاتب يمتلك قدرة سردية وأفكار خارج الصندوق لكن التنفيذ لم يسعفه.
ملاحظة: ناقشنا الرواية في نادي "جسور من ورق" وكان نقاشًا غنيًا وممتعًا.
المفروض انها قصة خيالية تدور في زمن ٦٢٥٠ ، والغريب انه بمختلف الأزمنة والأشخاص سواء في الماضي او الحاضر او المستقبل هـ يبقي شئ واحد ممكن كلنا نجمِع عليه؛ ألا لعنةُ الله علي السياسة والسلطة والظلم والظالمين .. ألف لعنة ولعنة ..
النسوة اللاتي : فانتازيا الهزيمة والحب .. نشر هذا المقال على موقع الكتابة الثقافي ..
لا أعرف لماذا كتبت العنوان بهذه الكيفية. ليس من المنطقي تقديم الهزيمة على الحب. ربما فعلت ذلك لأن الرواية تحتفي بالهزيمة في المقام الأول، هزيمة الأوطان، الإنسان، وأخيراً هزيمة النفس. ربما أيضاً لأن الرواية يندر فيها الحب، بينما يرتع الحقد والظلم في جنباتها، وربما أيضاً لأن الجميع خرج في النهاية خاسراً، مع اختلاف درجات الخسارة.
إذا كنت مطلعاً على كتابات وجدي الكومي فستندهش حتماً بينما تقرأ روايته الأخيرة ” النسوة اللاتي.. ” الصادرة مؤخراً عن دار سرد. ستندهش لأنه ليس من السهل على أي كاتب أن يغير جلده بهذه السلاسة والحنكة، كأن شيئاً لم يحدث ذات بال، هذا أنا منذ زمن، أنت فقط لم تنتبة أيها القارئ بما فيه الكفاية، وخصوصاً لو أن هذا التحول جاء مفاجئاً بعد روايتين كانت منطقة ” بين السرايات” هي البطل الأول ومسرح الأحداث وملعب الشخصيات.
في رواية ” النسوة اللاتي.. ” يبتكر الكاتب مكاناً متخيلاً تماماً، بشوارعه، بشخصياته، بجغرافيته، بإحداثياته، بحكامه، وحتى بزمنه الخاص. ينطلق من الواقع حتى يلامس المتخيل، يغامر بالكتابة في فضاءات غير مطروقة وغير آمنة وغير متاحة إلا لمن آمن قلبه، يرتكز على الواقع ليخلق ويطير نحو سماء أرحب من الخيال والرؤية.
**********
تبدأ الرواية بشرح جغرافيا الفضاء الذي تتصارع فيه الشخصيات “بلد المحيط”، موقعه، ما يحيطه، ثم بث��ت فيه أسماء أحياء وشوارع البلد، والتي تمتزج في تسميتها بالواقع الشعبي، بالصوفي، وبالمتخيل.
تتناوب الشخصيات المتورطة في سرد الأحداث بالتناوب، عبر ألعاب سردية محكمة، بداية بـ ” جون ” الذي يعمل ف�� الأمم المتحدة بإدارة الإستشعارات المبكرة والإنذار الأولي. يكلف جون بمهمة تبدو عبثية تماماً،الذهاب لبلد المحيط لدراسة ظاهرة عجيبة وفريدة من نوعها، عقم الرجال، إختفاء الأطفال، والبحث عن قصة حب في بلد لا أثر فيه لقصص من هذا النوع، بلد يخلو أساساً من براءة الأطفال، وعبر أجواء كابوسية بامتياز، يحكي لنا “جون” ما لاقاه أثناء رحلة البحث عن سبب هذا الوباء المنتشر بين الرجال والذي أدى في النهاية إلى نشوب حرب أهلية. جون يشم الحرب في البداية من الأساس، يذهب إلى شاهيناز، المعمرة التي نُصح باللجوء إليها، بالسماع منها، لأنها كما وصفت نفسها، تعرف الشاردة والواردة. يبدأ جون مهمة التدوين بعد نشوب الحرب ” حرب الولادة ” كما أسماها، يدون كل ما رآه، ويضم إلى تقريره شهادات المتورطين في الحرب، وبينما تمضي الأحداث وتتشعب، تتسلم الشخصيات المتورطة نواصي السرد على مدى إمتداد الرواية، في لعبة سردية يلعبها المؤلف بدهاء، نطلع على جانب القصة من كل شخصية، ووجهات النظر، وأجزاء من الحكاية، كل شخصية تسلم طرفاً من الحكاية لأخرى، الجميع يبدو كقطع البازل في جدارية ضخمة من الفسيفساء، الجميع له دور، وله جانب من الحكاية لا يكتمل إلا بوجود الآخر.
تتسلم شاهيناز ناصية السرد في البداية. معمرة، نصف عجوز، ونصف شباب. تبدو فاتنة من الخارج، متآكلة من الداخل، تُغتصب في شبابها، وتعامل بإزدراء وكأنها صاحبة الجريمة، هي المغوية. يبدأ المجتمع في تهميشها ولفظها خارج قواعده، تخسر وظيفتها وتخسر أمها وتبدأ رحلة لانهائية في دهاليز الغيبيات والمشايخ وتنعزل في بيتها وعملها الذي ورثته من رجل كان يتسلى بجسدها كل يوم. تحمل مقتاً تجاه الجميع، تكرة الجميع، حتى وهي تحاول أن تدعي أنها خادمة أحد الأولياء لتساعد المحتاجين، ولكنها تتخذ ذلك كوسيلة للسخرية من أوجاعهم ودفنها في الرمال. تخرج مقتها وغضبها في النوم مع الرجال وتجريدهم من نطفهم، تدرك أنها لعنة تصيب كل من يلمسها بالخواء والعقم. يتورط القارئ تلقائياً بالتعاطف مع شاهيناز، حتى تعترف في سردها للأحداث بخيانة كل من كانوا سبباً في نشوب “حرب الولادة”، من أجل الحب، من أجل الرجل الناجي الوحيد الذي لا يزال يحتفظ بماءه، في بلد تخصي العزاب وتحبس العوانس وتزوج الجميع من الجميع عبر إجراءات روتينية مقيتة وصارمة، وتبدأ شخصية شاهيناز بالتشظي والإنفلات نحو القاع.
تنشب حرب الولادة عقب تفشي وباء العقم بين الرجال، تعتصم النسوة، يردن ماء الحياة، يردن الإنجاب، يردن الحق في الحياة، في الحرية، تهجم ميليشات مسلحة تابعة لمافيا شركات الأدوية على الإعتصام ليلا وتتم إبادة جميع النسوة اللاتي كانوا في إعتصام الميدان، نفس الميدان الذي أغتصبت فيه شاهيناز “ميدان الخضراء”، ثم تندلع حرب ضروس بين ميليشيات المرتزقة من جهة، وبين كتائب النسوة من جهة أخرى.
في أكثر من موضع، تظهر أجواء ألف ليلة وليلة وروائحها في سطور النص، بين الأجواء الكابوسية للحب والخراب والعنف والخيانة تبرز حكايات الأرمني العجوز الذي يبيع أرضه قطعة قطعة مقابل القصص، وأيضاً في حكاية حسين المشرحجي مع الست أم دينا والتي تقتل الرجل في الصباح بعد أن تمتص رحيقهم طوال الليل وتدرك خوائهم، كما تتجلى تماماً في أسلوب إعدام الثائرين وخصوصاً ذهني بالخوزقة.
تتناوب الشخصيات في سرد الحكاية بلا ترتيب، وتسلم ناصية السرد، ابتداءاً من ياسمين وذهني، أحد مؤسسي التنظيم السري الذي كان سبباً مباشراً في التعريف بالوباء الذي أصاب البلدة. إلى شخصية تتدخل دائماً بلا ضوابط في أحداث السرد وهي شخصية “شاكر” الحيوان المنوي، نسمع وجهة نظره فيما يجري، تحالفه مع النسوة، مساهمته في أحداث حرب الولادة، تسخيره لكتائب هلامية، وهمية لخدمة كتائب النسوة المحاربات. نرى شخصية السياسي الفاسد، يحكي كواليس السلطة، الجميع مسخر للفساد، في خدمة الفساد، والمرتزق بعل زبول، العزرائيلي مقاول الحرب من الباطن، الذي يعيث فساداً في المدينة، يقتل بلا رادع، وبلا رحمة، حسين المشرحجي، أحد جنرالات السلطة قديماً، العارف بدهاليزها السرية، يرى الشعب كالبهائم، الجميع بالنسبة له يستحق الذبح والسلخ، ولكنه في النهاية يحارب في جانب النسوة، ويقع ضحية لخيانة شاهيناز في النهاية كما وقع الجميع. سين عين، الناجي الوحيد، النباتي، مربي السلاحف وكاره البشر، لا يزال يحتفظ بماءه، تحتفظ به شاهيناز في منزلها لعله يكون هو المهدي المنتظر الذي سيزيل غشاوة عمرها المنقضي في الغل والحقد، مصيره يختلف عن الجميع، تنتهي الرواية بوقوعه في قبضة المرتزقة وهو محور التنازع لما يمثله من قيمة رمزية بالأساس.
الثابت هنا أن الجميع قد مُني بالهزيمة، جون وياسمين وذهني وحسين وأم دينا وشاهيناز وشاكر والعزيز رئيس الوزراء، والأهم بلد المحيط نفسه، والذي عبر مسارات عدة نلمح تشابهات مثيرة بين ما حدث في بلد المحيد وبين ما حدث في المحروسة منذ تسع سنوات بالضبط. كل أبطال الرواية والمتورطين في السرد على اختلاف مسعاهم منيوا بهزائم فادحة إن لم تكن في الأرواح، فقد منيوا بفقدان أنفسهم، حتى بلد المحيط، لم يعد ذلك البلد البائس التعيس الذي دخله جون قبل الحرب بثلاث سنوات، لم يحتفظ حتى بحقه في التعاسة بشكل هادئ.
الجميع كان يبحث عن الحب، بشكل أو بآخر، الحب بمعناه الأشمل، ومع ذلك فقد خرج الجميع بلا طائل، ورغم ذلك كتب أحدهم على جدار أحد الجدران “الحب سينتصر على الحكومة”. رغم السوداوية الحالكة، ورغم الغرائبية المسيطرة، ثمة من يؤمن بإنتصار الحب في النهاية، مهما حدث.
على أي حال فالنسوة اللاتي رواية متفردة في خيالها، في علاقتها بالواقع، في شخصياتها، والأهم من ذلك في صنعة الكتابة نفسها، وستظل طويلاً راسخة في بنية السرد المصري كحدث يستحق الاحتفاء.
بلد فُقدت فيه خصوبة الرجال، فقامت النساء بثورتهن الخاصة، وفي خضمّ هذه الثورة يصوّر لنا الكاتب ما قد يصل إليه مجتمعٌ بدأ يحكمه النقص والفساد، وعلى ضوء الأحداث الرئيسية تدخل شخصيات العمل كل على حدى لتخبرنا عن قصصها ودوافعها ولنتعرف على مصائرها لا سيما الشخصية الرئيسة شاهيناز.
شاهيناز امرأة تعرضت لحادثة اغتصاب علنية في شارع عمومي ولم يهب لنجدتها أحد مما جعلها شخصية ناقمة على مجتمعها لا سيما الذكور فيه. هي امرأة كبُرت في السن لكنها بقيت محافظة على طلّة توحي بعمر أصغر مما هي عليه، وكأنها بذلك مثالٌ لامرأة توقف الزمن بالنسبة إليها عند حادثة الاغتصاب تلك، وأصبح السواد حاكمًا أبرز لعالمها. أحببتُ شخصية شاهيناز.
تُعتبر الرواية من نوع الديستوبيا أو أدب المدينة الخربة، حيث يكون الخراب هو العنصر الأبرز في النص، وتحمل الرواية إسقاطات عديدة على واقعنا اليوم.
لم تعجبني الرواية بشكل عام، ولو أنّي أُعجبت بالفكرة الأساس للنص، ولكن كان هناك ضعف في التنفيذ، وتكرار يصيب القارئ بالملل في كثير من المطارح، إضافة إلى ضعف عام في الحبكة.
يُكلف "جون" بمهمّة غريبة: تقّصي حقيقة قصة حبّ نادرة، في بلد المحيط. لكنّه ما يلبث أن يلاحظ أن البلاد التي أتى إليها تخلو من الأطفال. وشيئاً فشيئاً تتكشّف له حقيقة أن الناس مصابون بمرضٍ غريب يسيرون فيه إلى نهايتهم. تثور النساء وتواجههن السلطة بإنكار المشكلة، فتشتعل حربٌ شعواء، يُسجل "جون" أدق تفاصيلها في تقريره، بينما يستمرّ في البحث عن قصة الحب المزعومة، لكن ما الذي سيحدُث حين يُكتشف الرجل الوحيد الذي لم يُصَب بالداء؟
في "النسوة اللاتي..." شخصيةٌ تُسلّم الحكي لاهثةً للأخرى، فينبني معمارُ الرواية التي تطرح، في ثنايا غرائبيّتها ومتخيّلها ولا واقعية أحداثها، حكاية أسطورية لكنّها قابلة للتحقق في عالمنا الواقعي. #النسوة_اللاتي #نقرأ_لأن_حياة_واحدة_لا_تكفي #من_بلاد_بلا_هوية
اكثر حاجه بحبها في القراءه عموما وبقدر احكم من خلالها اذا كان العمل جيد ولا لا هي قدرة الكاتب انه ينقلني من مكاني وزماني لمكان وزمان تاني (الرحله الزمكانيه )من غير ما أشعر أو أحس باختلاف وانا حاليا لسه راجع من (بلد المحيط) المكان اللي دارت فيه الملحمه دي...بجد لما بنقول كثيراً يكتبون وقليلا يبدعون مبنظلمش حد ...اللي انا كنت بقراه ده اسمه ابداع ..عايز تسميه إعجاز..تحفه أدبيه..سميه زي ما انت عايز تسميه أسلوب سردي شيق ..لغه سلسه من غير تعقيدات لغويه ...وبدون حرق أحداث رحله الي مكان مجهول وفي زمان غريب و وباء غريب يجتاح البلد وما أشبه اليوم بالبارحه!!!وتسمع الحكايه من اكتر من راوي لدرجه ان حضرتك مش حتتخيل ان احد الرواة (شاكر) ده حيوان منوي !!!! ابداع ثم ابداع وهنا بقي بيت القصيد لو كاتب مش متمكن غصبا عنك هتحس بملل من تكرار نفس الاحداث والسرد بس مع اختلاف الرواه ..هنا بقي حصل العكس ..الكاتب خلي كل شخصيه تسلم لشخصيه اخري وتضيف رؤيتها للأحداث من وجهه نظر الشخصيه لدرجه اني كنت بسابق الصفحات والأحداث والشخصيات مكتوبه حلو قوي ...استاذ وجدي...احييك بشده علي العمل القوي جدا جدا ده عمل فانتازي سياسي إنساني سودوي شيق من طراز فريد ...اول مرة أقرأ لحضرتك ومش حتكون اخر مرة ان شاء الله...وفي انتظار ابداعات قادمه ان شاء الله ومن نجاح لنجاح ان شاء الله 👏👏👏👏👏
رواية "النسوة اللاتي" لوجدي الكومي رواية ديستوبيا تدور أحداثها في مستقبلٍ ما ومكانٍ متخيّل بأشخاص من زمننا بتفاصيله الفاسدة. رواية جيدة جدا من الناحية السردية وتعدد الأصوات الراوية ليحصل القارئ على منظور متكامل حول العمل ككل. أعجبني بناء الشخصيات والخيال الذي ابتكره الكومي بإعطاء صوت سردي للسائل النطافي والذي تدور حوله أزمة "بلد المحيط" والتي تطورت لحرب لا تبقي ولا تذر.
مقال محمود عبد الشكور عن الرواية العقيم! الخميس 6 فبراير 2020 - 10:25 م Alternate Text Alternate Text Alternate Text تنسج هذه الروايةُ المدهشةُ عالمًا خياليًّا مستقبليًّا، لكى تقول أشياء مهمة عن هوان الإنسان إذا غاب الحب، وساد القهر، وفشل الفرد فى أن يتحقق، وبينما تدور أحداث الرواية فى الألفية السادسة، فإن مشكلتها فى الحقيقة غياب المستقبل، تمامًا، تحت وطأة كابوس ��قيقى، أمثولة صنعت بمهارة تتعمد الصدمة لتوقظ، وتتحرى الحدود القصوى لنتأمل، ولا تجعل من الخيال هروبًا من الواقع، بل عودة إليه برؤية أعمق. «النسوة اللاتى».. لمؤلفها وجدى الكومى، والصادرة عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع، تنتمى بالتأكيد إلى روايات «الديستوبيا»، حيث يتجسد الخراب فى صور متعددة، وحيث يؤدى عقم الحاضر إلى فناء قادم لا نشك فيه، وحيث تبدو الدائرة محكمة بلا مهرب أو مفر، إلا أن المعالجة الفانتازية وسّعت كثيرًا من الصورة، رغم العديد من الإحالات الواضحة على الواقع، لقد صارت التجربةُ قانونًا عامًا: أى مجتمع يجعل الإنسان بلا ثمن، رخيصا منتهكا، يحكم على نفسه بالفناء. إذا كان جمال الغيطانى فى رواية «وقائع حارة الزعفرانى» قد جعل من عجز الرجال الجنسى معادلًا للتهميش والقهر فى الوطن، فإن رواية «النسوة اللاتى».. تأخذ الخط إلى نهايته: يختار مؤلفها عقما رجاليا بسبب نفاد الخصوبة، ليس تعبيرًا عن جفاف بلد افتراضى يُسمى بلد المحيط فحسب، وإنما معادلًا للفناء نفسه، هذا البلد الذى يحاصره المحيط والصحراء معًا، لن يعرف الأطفال أبدًا، أى إنه ببساطة بدون مستقبل على الإطلاق. يأتى التمرد على هذه الكارثة من النساء، هنّ صانعات المستقبل، وهنّ الثائرات فى الرواية رفضًا لكل المنظومة التى صنعت العقم: سياسة الإنكار والإجبار، الزواج القسرى، حبس العوانس، وإخصاء الذين يصرون على العزوبية. اعتصام النساء يقود إلى مذبحة، والمذبحة تشعل حربًا أهلية، ورجل واحد ما زال يحتفظ بخصوبته، يصبح محلًا للصراع العبثى، تدافع عنه النسوة اللاتى تمردن، وتستهدفه آلة القمع والموت. يتبادل السرد عدّة شخصياتٍ تصف حياة بائسة، ومجتمعا مغلقًا، مدينة واحدة هى العاصمة بأحيائها ونهرها المالح، وصحراء تتناثر فيها بعض القرى السياحية، والمزارع القاحلة، والقبائل الهائمة، السرد يحفظه جون فى تقارير منسوبة لأصحابها، إنه مبعوث الأمم المتحدة الذى جاء باحثًا عن قصة حب فى بلد لا يعرف الحب، ثم اكتشف أنه فى بلد بدون أطفال، وبدون خصوبة للرجال، ثم تدمره حرب طاحنة، تستمر لمدة عامين. لا تقترح روايات الديستوبيا حلولًا، ولكنها تجسم الخطر والخطايا، تضعك مباشرة فى مواجهة القبح، وتكشف أسوأ ما فى البشر، ورواية «النسوة اللاتى».. حافلة بنماذج إنسانية مشوهة تترجم حصاد البلد العقيم: امرأة انتهكت واغتصبت فى شبابها، فصارت فى سن المائة تصيب الرجال بالعقم، وتبيع مستلزمات المدافن، وتخدم مقام ولى غائب يتوسل به اليائسون، ورجل أمن يُدرِّب زملاءه على التعذيب، ثم يصبح حرفيًا جزارًا فى مجزر لذبح الماشية، ورئيس وزراء يتكرر اختياره فى عصور شتى، ليصبح عنوانًا على شبكة فساد، حتى الرجل الوحيد الذى يحتفظ بخصوبته، يهمشه المجتمع فى الأرشيف، فيعتزل الناس، ولا يحب أو يحترم إلا السلاحف. موضع المأساة ليس فقط فى فقدان بلد المحيط للأطفال، ولكن أيضًا فى أن أزمة العقم تثير تساؤلًا عن مدى جدوى إنجاب أطفال فى هذا البلد العقيم، المحاصر حرفيًا بين مطرقة القهر، وسندان الفقر والفساد، هذا هو السؤال الأخطر الذى يتردد فى ثنايا النص، بالإضافة إلى سؤال آخر هو: كيف يمكن أن يؤدى هذا المناخ الفاسد إلى خصوبة من أى نوع؟ هنا يصبح عقمُ الرجال أهم بكثير من كونه مرضًا عضويًّا، أو حالةً غرائبية تستحق اهتمام الأمم المتحدة، إنه التجسيد العملى لمعنى العقم بكل تجلياته، ولمعنى الجفاف بكل أشكاله، عقم الرجال يبدو أمرًا طبيعيًا، ونتيجة حتمية تلزم عن مقدمات، ترسمها الرواية للحياة البائسة فى بلد المحيط. «النسوة اللاتى»..؛ رواية يحضر فيها الجسد باعتباره عنوانًا للقهر والعجز، بدلًا من أن يكون تعبيرًا عن المتعة والحياة، وتصبح فيها المدينة مرادفًا للموت، بدلًا من أن تكون ميدانًا للحضارة، أما المرأة فهى التى تقاوم الجفاف والعقم، وهى التى تثبت، رغم الثمن الفادح الذى دفعته، أن حياةً بلا حب أو طفولة أو مستقبل، هى حياة لا تستحق أن نحياها من الأساس.
النسوة اللاتي... مدينة وجدي الكومي التي أنهكها الجفاف! مرة أخرى نحن أمام نص روائي مختلف، متمرد ومغاير، ثائر، يرمي بوابل من الأسئلة المقرونة بصرخات العجز والقهر، عبر دستوبيا مستقبلية، تنطلق في مضامير من الخيال القاتم، مرتكزة على الماضي والراهن، دون أن تجنح إلى الشطط. تناول الناقد والصحفي القدير محمود عبد الشكور الرواية بالعرض والتحليل منذ أيام، ففند نقاط اختلاف واتساق مع رواية حارة الزعفراني للغيطاني، إلا أن فكرة العجز بمعناه الشمولي طالما اتسعت لتُنسج على مغزلها عشرات الحكايات المشيدة بمختلف طرائق التناول السردي، ولعل أقربها إلى ذهني في هذه اللحظة، بخلاف رواية الغيطاني، ثيمة فيلم النوم في العسل للمبدع وحيد حامد، وما طرحه من فكرة شيوع العجز وعدم القدرة على الفعل من خلال شيوع العجز الجنسي، وإحالة المتلقي إلى إسقاط العجز الجسدي على العجز في مجمله، وانعدام القدرة على الإنجاز. نعود إلى النسوة اللاتي لنسأل؛ هل تأثرت الرواية بأعمال أدبية وسينمائية أخرى تناولت أفكار تدور حول صلب الحكاية من قبل؟ هل استنسخ وجدي الكومي حكايته؟ هل اتبع أو استكمل خطًا أو بناءً سرديًا بدأه غيره؟ الإجابة: بكل تأكيد لم يفعل! شيّد الكاتب عالمه في منأى عن التناول السابق لفكرة العجز، وإسقاط العجز الجسدي على العجز التام وصولاً إلى إبلاغ الرسالة بين السطور. في النسوة اللاتي، تجاوز الكاتب فكرة العجز، وقفز بالقارئ للوقوف على أعتاب زمن الجفاف؛ جفاف الحلم، جفاف العواطف، وجفاف الأجساد، فنحن هنا لا نتحدث عن رجال عاجزين عن الفعل، فهم في الواقع لديهم المقدرة على الممارسة الجنسية، بل وبمقدورهم القيام بذلك لساعات، ولكن دون طائل، إذ جف ماؤهم فباتوا مبتوري الخصوبة، غير قادرين على الاستمرار، حتى أمسى انقراضهم موضع سؤال. وبرغم أن الروائي يلقي بنا إلى القرن الستين من تقويم زمني غير واضح، إلا أنه وكأنه أراد أن يبرهن لنا على أن مستقبل هذا البلد المنكوب لن يحمل أي جديد، والحقيقة أن الإحالات تتسرب من كل سطور الحكاية، فالرواية وإن كانت مطرزة بخيط سردي يعتمد على مزج الفانتازيا والخيال في بوتقة دستوبيا خالصة، فإن التشابه الذي يبلغ حد التطابق بين مستقبل بلد المحيط والواقع المصري الراهن يطل جليًا من بين الكلمات، لذلك ربما أتوقع أن الرواية لم تكن لتنشر عبر دار نشر مصرية، فالفساد والتكوين الحكومي والوجوه المكررة والمافيات الدوائية والثورات التي لم تفرز أي تطور في مناحي الحياة هي أمور ألفناها في مصر في العشرية الأخيرة، ناهيك عن نكتة الحاكم البقرة الشهيرة، وإن كانت التسمية الأثيرة للحاكم إياه، كانت البقرة الضاحكة! وطن جفف حكامه كل منابع الأمل، فبات عقيمًا كغصن جاف، جفت الأحلام وتبلدت العواطف وانقرض الأطفال، واحتكرت الدولة حياة الناس فأطلقت أيدي مؤسساتها لتزويجهم أو نفيهم أو حتى إخصاؤهم، دون أن تتنازل عن حقها الأثير في تكميم الأفواه ومسخ العقول وتزوير الوقائع، حتى شارفت الحياة في بلد المحيط على الفناء الحقيقي، عبر عدة اضطرابات وصراعات، وصولاً إلى حرب أهلية دامية. الحكاية تُروى تدريجيًا بتقنية تعدد الرواة، لدينا راوٍ رئيسي مكلف من الأمم المتحدة بكتابة تقرير عما يجري في وطن المحيط، ورواة موازيين يتناوبون على السرد بحرية مطلقة يمنحها لهم الراوي الأصلي، بحيث تكتمل أحداث الفصول بإحكام وإتقان بين ألسنة الرواة. الشخوص بدورهم جاؤوا على ذات الدرجة من الغرائبية التي انتهجتها الرواية مع أول صفحاتها، شخصية شاهيناز اكتسبت صفات أسطورية، اتكأ الكاتب في خلقها على حكاية شاهيناز، الفتاة المصرية التي اغتصبت في رمضان 1992 في ميدان العتبة وحملت ذات الاسم، تلك الحادثة التي جرت منذ قرابة ثلاثة عقود ترسخت في وجدان الكاتب، حتى أفرزها في روايته هذه، مستبدلاً ميدان العتبة الخضراء في مسماه القاهري القديم، بميدان الخضراء في عاصمة بلد المحيط، معيدًا للضحية كل فرص الانتقام مما لحق بها في الواقع من ذل ومهانة وتنكيل، شاهيناز في النسوة اللاتي تمارس انتقامًا سحريًا تُفقد فيه الرجال مقدرتهم على الإخصاب، تمتص رحيقهم وتتركهم كثمرة جافة، لتظل فاعلة رئيسية تتشهى الوصال، وتتاجر بالموت وتخدم أضرحة الأولياء، محركة للأحداث على طول الخط وحتى النهاية. لدينا كذلك شخصيات أخرى استوقفتني جودة بناءها بدرجات متفاوتة، مثل حسين، ومسيرة تحولاته ما بين العمل الأمني والعمل في الجزارة، وما يلمسه من تشابه بين الأمرين، علاوة على شخصيات أخرى محورية مثل ذهني وياسمين وعزيز مصر وأم دينا وبعل زبول، والطيف المنوي الشفاف: شاكر، وصولاً إلى شخصية سين عين، الناجي الوحيد المحتفظ بقدرة بشرية على الإخصاب لا تطول كثيرًا، وإذا ما تأملنا بناء هذه الشخصية على وجه التحديد، انجلت لنا رسالة الكاتب، فالقادر على الفعل مُهمل، مُهمّش، غير مرئي، يعبره المارة وكأنه طيف خفي شفيف، غير موجود، يرضخ لكل مظاهر القهر والفساد، يعيش في عزلة بين سلاحف ترمز إلى وتيرة حياته وفتور حماسته، شخص سلبي محايد ذكرني بشخصية سرحان عبد البصير في مسرحية عادل إمام الشهيرة، إلا أن سين عين شخصية أكثر اكتمالاً ولديها تاريخ أكثر وضوحًا، فنحن أمام شخص منطوي، يعاني من التجاهل، غارق طوال الوقت في حيرة تسيجه طارحة عشرات التساؤلات حول جدوى الوجود، وجدوى التعايش مع البشر، وجدوى إنجاب الأطفال، تلك الحيرة تتمدد إثر ماضٍ أليم لتدفع سين عين للتشكك في ميوله الجنسية، في الوقت الذي بات فيه يمثل الأمل الأخير لاستمرار الحياة، فيما هو لا يؤمن كثيرًا بفائدة الحياة، وبأهمية وجوده، وبجدوى استمرار حياة الناس وإنجاب الأطفال في وطن كبلد المحيط! مشهد العجز في النسوة اللاتي يتسع ليضم صورًا ومظاهر أخرى لنتاج القهر وكبت الأحلام، ولا يتم اختزاله في صورة عجز الجسد على وجه التحديد، إنما تتبلور فيه صور مختلفة للعجز، العجز عن الفعل، عن الاستمرار، عن الحلم، عن التعبير، وعن التغيير. والكتابة تتراكم مشكلة لوحة أخيرة شديدة الاتساع لمشهد الخراب، عقب ثورة أخرى مجهضة، اشتعلت وانطفأت عبر النسوة اللاتي حلمن باسترداد المسلوب من أحلامهن في الأمومة، وفي الحياة، في المتعة، في مقاومة الذبول واستيلاد الخضار في وطن قاحل. إطار اللوحة مليء بالتجارب والشخوص الحقيقية والمستعارة والمتخيلة، ولكن اللوحة -في النهاية- تُطل على القارئ عبر أفق قاتم، وشمس كليلة، وجفاف يكسو عروق الأرض والوجوه على حد سواء. الحقيقة أنني لا أبالغ إذا ما توقعت منذ هذه اللحظة أن تكون "النسوة اللاتي" حاضرة في قوائم ترشيحات الجوائز خلال العام الجاري، الرواية محكمة البناء، جريئة وثائرة، مختلفة في العرض والتناول، تستحق المزيد من القراءات النقدية الجادة. شكرًا وجدي الكومي، عمل يستحق الإشادة والتقدير. #محمد_سمير_ندا #Samirreads للمزيد من القراءات السابقة https://mohamedsamirnada.wordpress.com/
#النسوة_اللاتى رواية تحتاج الى رواية الكاتب عنها , ان تسمعه جيدا بعد ان تقرأها , ربما افصح لك عن بعض الكواليس التى تصلح لان تكون مدخلا للكتابة عنها ... واذا لم يتيسر لك ان تسمع من وجدى فلا مناص من ان تجتهد , ولنقل مثلا انك تحتاج الى سماع كل حرف فى تقرير جون , لتعرف ملمح الحكاية فليس كل ما يصدر لك ظاهرا يكون اصل الموضوع فى احشاءه , لذا فقد احتجت لان استمع بإنصات الى التسعة اصوات الموجودة اسمائهم وشخصياتهم فى ثنايا السطور, بدءا من شاهيناز العجوز الفاتنة , حتى س.ع الناجى الوحيد , مرورا بالثنائى بياسمين وذهنى, ثم الثنائى الاخر المتقابل حسين المشرحجى وبعل زبول , وبينهما وحولهما شاكر الكائن الرقراق الذى لا يراه احد وان كان هو بؤرة الاحداث ثم العزيز الوزير المعاد تدويره اكثر من مرة ليس من خلال الرواية فقط وانما من خلال الواقع , فما الروايه الا محاكاة له بشكل فانتازي , ولكنها فانتازيا سوداء ينهزم فيها الجميع ويسقط الحب, رغم شعارات الروايه بان المستقبل للحب والحب سيتغلب على الحكومة . وقد يكون من الانسب ان نلج الى الروايه من خلال عنوانها ,فنقول ان النسوة اللاتى تم استخدامهن لوأد ثورة الواقع , سواء من خلال تشويه المعارضين او الرقص امام اللجان , كان عملهن فى الروايه هو قيادة صفوف الثواردفاعا عن المستقبل المتمثل فى الاطفال , والثورة على نفى العزاب او اخصاؤهم وسجن العوانس . القهر او العقم هو العقدة , والماء الابيض او الاطفال هو الحل او الحرية التى تم وأدها بنص حروف الشهود التسعة , اندحرت الحرية تحت حقد شاهيناز وحنقها على كل صنف الرجال بل على كل المجتمع الذي ظلمها بعد واقعة اغتصابها , الحرية التى استشهدت بخوزقة ذهنى وقتل ياسمين على ايدى المرتزقة وبوشاية المواطنون الشرفاء , الحرية التى ذبحت بسلبية الناجى س.ع وانعزاله مع سلاحفه داخل قوقعته واستسلامه لعدم شوفانه , حتى ان اسمه سقط سهوا من كشوف المرتبات لمدة 6 اشهر ولم ينبس بكلمة , الحرية التى بيعت بابخس الاثمان عندما تصدى لقضيتها المشرحجى عدوها القديم , اما عداوة العزيزوبعل زبول للحرية فمفهومة فهى خطر على مكانتهما ونفوذهما واجرامهما . لذا كان من المنطقى ان نرى الانكسار وهزيمة الثوار واختفاء الحب وانحسار الحرية عن البلد المنكوب بلد المحيط والنهر المالح , ويبقى امل وحيد لم يلحظه احد وهو وصول تقرير جون لنا , وهو النسخة الوحيدة التى كانت بمنزل شاهيناز فلربما واقعة ظلمها بالاغتصاب قديما قد حرك بذرة خير واحده لديها , او انها قد ندمت على الوشاية بالثوار واحست بغدر الظالم ونكوصه عن وعده لها . تبقى ان نقول ان روايات الشهود التسعه هى التى ارتنا بوضوح كامل المشهد لذا وجب التدقيق جيدا فيما نقرأ وفيما نستمع فكل شهادة تكمل الاخرى بل ان شخصيات اخرى لم نسمع صوتها ولدت من حروفهم مثل الست ام دينا وفوقية التى باحت بسر الناجى . براعة الكاتب فى اظهار الحالة التشريحية لواقع عشناه من خلال استشراف مستقبل لبلد مشابه عانى مثلما عانينا بل ان المرض الذى اصاب هذه البلد وهو العقم , هو نفسه ما وصلنا اليه بعد انكسار ثورتنا وان كان عقمنا صار فى التفكير وفى ايجاد حل لمعضلتنا .
عندما كتب وجدي الكومي روايته "النسوة اللاتي"عن وباء ينتشر في بلد متخيل اسمه "بلد المحيط"، لم يكن وباء كوفيد 19 قد ظهر في العالم بعد. وإذا كان الوباء في رواية "النسوة اللاتي" مختلفا عن الوباء المنتشر في العالم حاليا، فإن الفكرة نفسها ضاعفت لدي كقارئة صدقية التلقي ومتعة القراءة. لما بدأتُ قراءة الرواية بصوت جون، الموظف الأممي الذي جاء إلى البلد المحيط، ليتتبع ويستكشف وضع تفشي وباء غريب تسبب في جفاف منابع الحب في البلد وانعدام الولادات فيه، كنت أتخيل بلدا بعيدا وغريبا لا أعرفه، لكن مع التعمق في الرواية نكتشف رمزية المكان المتخيل، الذي في الحقيقة نعرفه جيدا بل ونحبه. ثم تتأكد الرمزية في شخصيات الرواية كشخصية "شاهيناز " امرأة معمرة تبلغ المئة لكنها بوجه وجسد امرأة شابة عايشت أزمات ونكبات...ورغم أن هذه الرمزيات تفتح نوافذ متعددة للتلقي، إلا أن تناول موضوع مماثل رغم الرمزيات في الظروف التي تعرفها مصر حاليا يعتبر شجاعة تستحق التحية.
تتناوب الشخصيات في الرواية على سرد الأحداث التي تمر بها البلاد من وجهة نظرهم ويستعرضون معها تاريخهم الشخصي أيضا ويجمعون على تصوير مظاهر الشقاء والكراهية والعنف والقهر في البلد المتخيل الذي يصبح فيه شخص واحد، لم يصب بالوباء، هو الأمل الأخير في النجاة، وهو احتفاء بقيمة الحب. كما يحتفي الكاتب متكئا على لغته الجميلة بفعل الكتابة نفسه كوسيلة من وسائل النجاة أيضا أو وسائل التذكر في البلد المتخيل، حتى لو تمت الاستعانة بكحل العين أو أحمر الشفاه للكتابة. تفصيلة التقطها الكاتب وأعجبتني كامرأة فعلت الشيء نفسه مرارا، عند حضور خاطرة أو فكرة في الشارع. لم أستطع قراءة الرواية دون أن أفكر في واقع المرأة في مصر وفِي العالم العربي، وما تتعرض له من حيف وعنف لفظي وجسدي وعاطفي بشكل يومي، حتى أصبح مجرد خبر عادي طبّع معه الكثيرون، خاصة ونحن نستمع في الرواية إلى صوت المرأة التي اغتصبت في ميدان عام وهي قصة تكررت في السنوات الماضية في الواقع. عليّ أن أقول إن الوقت قد حان اليوم "للنسوة اللاتي" لتنظيم ثورة نسائية تبدأ باقتراح يوم تخرج فيه كافة نساء العالم العربي بكل مكوناتهن وتعبيراتهن وتنظيماتهن إلى الشوارع والساحات العامة، وذلك بعد أن أنهكتنا أخبار التضييق على المرأة بكل أشكاله التي تصل إلى حد سلبها الحق في الحياة.
رواية فانتازية لطيفة .. وباء غريب ينتشر في مدينة ، فلا يتمكن نساؤها من الانجاب ! يصلها مندوب من الامم المتحدة للاستقصاء عن الحكاية فيصبح جزءًا منها ..
بدت الرواية مبنية على احداث حقيقية حدثت في مصر ، قام الكومي باسقاطها على شكل خيال علمي، فشاهيناز العجوز من الداخل، هي المعمرة ذاتها التي اغتصبت في مبدان عام، في اشارة لواقعة شبيهة حدثت في العتبه، و طُن انها من تسبب في العقم لرجال المدينة.
لم اتلمس المغزى الذي اراده الكومي، عدا ان الرواية صرخة في وجه الاستبداد، الخنوع والظلم ، لفت الى الفساد عبر رسم واقع كابوسي.
مقال منى أبو النصر في الشرق الأوسط الأربعاء 5 فبراير عن النسوة اللاتي... الحب في مواجهة الوباء «النسوة اللاتي» لوجدي الكومي القاهرة: منى أبو النصر يضع الكاتب الروائي المصري وجدي الكومي بطل روايته «النسوة اللاتي»، الصادرة أخيراً عن دار «سرد»، أمام مهمة مُحددة أوفده إليها رؤساؤه في الأمم المتحدة، حيث يعمل. يقول: «جئت إلى هذا البلد المُطل على المحيط للتنقيب عن قصة حب». ورغم ما يبدو في هذه المهمة من ملامح سينتمالية، فإنها تكشف عن عالم عبثي غاية في التعقيد. يأخذ الكومي قارئه إلى بلد مُتخيل بعيد، يُطلق عليه «بلد المحيط»، وما إن يبدأ السرد حتى يُدرك القارئ أن هذا البلد البعيد ليس غريباً عنه، وأنه أمام فضاء رمزي يتداول تحت سقفه أبطال الرواية شهاداتهم حول الوباء الذي ضرب بلدهم، وقصة الحب المُنتظرة التي ربما تُنقذهم. ومع مرور الوقت، تتسرب نداءات وشهادات نسوة البلد، تارة هامسة وتارة صارخة، مانحة بطل التقرير خيوطاً جديدة لتتبع قضيته. ينتمي «جون»، بطل الرواية وصوتها الأول، إلى إدارة الاستشعارات المُبكرة المختصة بدراسة الظواهر العجيبة التي تتسبب في تفشي أوبئة أو أمراض مستعصية أو طواعين بشعة في بلد من البلاد، وما يلزم من إجراءات للحدّ منها وحصارها في بلد المنشأ. ومن هنا، يُمهد لسبب إرساله إلى بلد المحيط الذي تفوح منه روائح الوباء الذي ضرب أهله في مقتل، وجفّف منابع الحب به، وبات مجرد خبر عن قصة حب تتفتح في تلك الأرض القاحلة أمراً يستحق إرسالية تحرٍ من الأمم المتحدة، وممثلها جون. يجد جون نفسه في حاجة لانهائية للتدوين لإنجاز تقريره. وبين مُشاهدات خاصة ولقاءات تجمعه بأهالي البلد، يتسع هامش تأمل قضيتهم وهو يُدوّن عن الكراهية التي اتسعت في هذه البلد: «مرّت فترة طويلة منذ أن وضعت آخر امرأة في المدينة طفلاً، بينما نشطت بطن الأرض في ابتلاع الناس، مقابل عزوف بطون النساء عن الحبل، تبتلع في رحمها المغدورين، والمقتولين بالمفخّخات، أو ضحايا المواجهات غير المتكافئة، تتضخم المقابر، وتزحف بما تحمله في أحشائها من مقتولين أبرياء أو مجرمين على مناطق الأحياء». يُحاول التفتيش عبر مسارات الرواية الرمزية باستماتة عن قصة الحب تلك التي يمكنها انتشال البلد من الوباء كيلا يتمدد للضفة الأخرى. وتقع الرواية في 265 صفحة، ويتوزع رُواتها بين عدة أبطال وبطلات يلتقون في مواجهات كاشفة، ويحكون الحكاية ذاتها من وجهة نظرهم المختلفة. وفي ثناياها، تتكشف قسوة مدينتهم المعزولة، وفطرتهم التي دُهست فضربهم الشقاء، وأصبحوا يتبادلون الخيانة والكراهية وهم في طريق تفتيشهم عن شخص يُقال إنه الناجي الوحيد من الوباء، وإنه يحمل بالنسبة لهم آخر أسباب الحياة. تتشبث الرواية بالكتابة سلاحاً للمواجهة في أوج الأزمة، إذ تنقطع الكهرباء عن المدينة، بينما يتشبث جون بأدوات التدوين لاستكمال تقريره العسر؛ يتعطل اللابتوب، فيملأ الأوراق البيضاء كلها، وحتى الكراتين البُنية المُهملة يكتب عليها، يُواصل عزمه على الكتابة: «انقطعت أخبار العالم الخارجي، كأننا سقطنا في جب، أو كأن العالم ركلنا خارجه، وصار استمراري في تدوين الوقائع ملهاتي الوحيدة للنجاة، حتى بعد نفاد مداد الأقلام، واختراعي وسائل بدائية للكتابة». يجفف جون الفحم ويكتب بغباره، وحتى أقلام الكُحل كتب بها. ومع كل محطة في تقريره، كانت ثمة نسوة في كل ركن في البلاد تنتفض من أجل الخلاص، بعضهن تركن رسائل مُلحّة مكتوبة بأحمر الشفاه من ثلاث كلمات: «كيف جفّفتم الحُب؟». يصنع المؤلف عالماً بملامح زمنية ومكانية تليق بغرائبية نصه، فيستعين تارة بالتقويم القبطي مؤرخاً لحرب البلاد، وجغرافياً تستمد قاموسها من مفردات صوفية، وأخرى دلالية، فأحياء بلد المحيط المُتخيل تعبر بالسرد بين ميدان الخضراء، وباب الشمس، ومنطقة الترعة الصوفية، وجبل الوليّ، وبلد الشيخ، وكفر الخواجة، وغيرها من دهاليز البلد التي يُسمع فيها أصوات الطلقات، ورائحة البارود، وحركة نسوة تطالب بالثأر، واجتماعات تصل بأهالي المدينة لأحد الأضرحة، ربما لبناء تنظيم يُفتش عن سبب الوباء الغامض الذي جعل حياتهم على منحدر الجحيم. تلتقط طرف الحكاية «شاهيناز»، التي تصفها الرواية بأنها امرأة مُعمرة غريبة، نصف جميلة نصف شمطاء، عجوز تعدّت المائة من العمر ولا تزال فاتنة كفتاة في العشرين، تبيع الأكفان في الصباح وتبعث لعنتها في المساء، وتعتبر تاريخها الشخصي تأريخاً لنكبة البلد، وكانت هي أول من التقاها مبعوث الأمم المتحدة جون في رحلته الاستكشافية، وصولاً إلى «سين عين»، البطل الخارق الذي نجا من وباء المدينة، أو كما يصفه النص في موضع آخر بالضحية المغلوب على أمره «الرجل الناجي من الوباء المتفشي، كأنه كان في الفضاء حينما ضرب الفيروس نصف سكان المدينة، اقتربت منه، وعشت معه في عُلوه المنتصر، بباب الشمس، بعد إنقاذه في منزله بباب الشوق». يكشف كل بطل من أبطال الرواية عن جانب من هزيمته الشخصية التي لا يمكن تفادي اشتباكها مع هزيمة البلد كلها، هزيمة تقودهم لدهاليز الجنون، أو كما جاء على لسان الناجي الوحيد في بلد المحيط: «إنها الحرب التي متنا فيها أكثر من مرة، ولم نحيَ أبداً».
مقال الناقد والكاتب الصحفي سامح الخطيب في رويترز عن النسوة اللاتي (النسوة اللاتي...) وتأملات في واقع قاتم ورحلة بحث عن حب يعيد ماء الحياة من سامح الخطيب وربما يظل مفتاح الحياة في مشاعر الحب. القاهرة (رويترز) - عندما تقسو القلوب ويستشري الفساد ويزداد العنف في (بلد المحيط) تنطلق رحلة بحث عن قصة حب حقيقية تعيد لأهل البلد إنسانيتهم وتنقذهم من سوء المصير.. إنها رحلة يرسم ملامحها ويتتبع مسارها الكاتب المصري وجدي الكومي في روايته (النسوة اللاتي...).
الكاتب المصري وجدي الكومي خلال مقابلة مع رويترز في القاهرة يوم السادس من يناير كانون الثاني 2020. تصوير: سامح الخطيب - رويترز. الرواية هي الخامسة في رصيد الكومي إلى جانب مجموعتين قصصيتين وصدرت في 269 صفحة من القطع المتوسط عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع في سوريا.
تنتمي الرواية إلى أدب الديستوبيا أو (المدينة الفاسدة) وهو المصطلح الحديث المضاد لليوتوبيا (المدينة الفاضلة) التي طالما حلم بها أفلاطون والفارابي وتوماس مور.
تدور الأحداث في (بلد المحيط) وهو الاسم الوهمي الذي اختاره المؤلف للبلد الذي أصيب رجاله بالعقم وعجزت نساؤه عن جلب مزيد من الأطفال للعالم فتقرر منظمة الأمم المتحدة إرسال مندوبها جون إلى هناك لتقصي قصة حب ربما تكون هي طوق النجاة.
ويصف جون بداية الرحلة ”حين أجبرني رؤسائي على المجيء إلى هنا، سألتهم لماذا تهتمون بهذا البلد المنبوذ الواقع على المحيط، وتحاصره الصحراء من كل الجهات؟ فقالوا: لأن العقم ضرب رجالها منذ فترة، وربما يكون الحب علاجا نافعا، ونرغب أن نكون أول من يحضر لحظة الشفاء إذا تمت“.
تبدأ الرحلة من بيت شاهيناز، الشخصية الأسطورية التي يتجاوز عمرها 100 عام لكن ملامحها ظلت لفتاة في العشرينات من العمر. تعرضت شاهيناز لحادث اعتداء جنسي مريع في أحد ميادين (بلد المحيط) ونبذها المجتمع فعاشت حياة مأساوية وأصبحت تحمل لعنة تحل على كل من اقترب منها من الرجال، ومع ذلك يعتقد جون ومن أرسلوه أن عندها مفتاح قصة الحب التي ينشدونها.
يقيم جون في بيت شاهيناز انتظارا لالتقاط أول خيط لقصة الحب لكن العنف يندلع في (بلد المحيط) بعد تعامل دموي للسلطات مع اعتصام نسائي للمطالبة ”بالاعتراف بالوباء، وإعلان عاصمة بلد المحيط مدينة غير صالحة للعيش، موبوءة، وتجميد أنشطة مؤسسة المجتمع المستقيم، ورفع وصايتها على رجال البلد ونسائه، وكف الزواج من دون رغبة الطرفين، وإطلاق سراح العوانس، وإيقاف إخصاء العزاب، وإعادة المنفيين لمزارع الصحاري الواقعة خارج العاصمة“.
يتصاعد الصراع وتندلع (حرب الولادة) بين السلطات الحاكمة والميليشيا المسلحة التابعة لها من جانب وبين ميليشيا كونتها ”النسوة اللاتي...“ وهنا يستنهض الكاتب أفكار القارئ.. اللاتي ماذا؟. ويبقى جون في (بلد المحيط) لكتابة وتوثيق كل ما يجري.
يسرد جون كل ما يجري في (بلد المحيط) لكن على لسان أهله في شكل تقرير يأتي كل فصل فيه بصوت مختلف من أصوات باقي الأبطال: المرشد السياحي ذهني وزوجته ياسمين، رجل الأمن السابق حسين المشرحجي، رئيس الوزراء السابق عزيز، زعيم المرتزقة بعل زبول، وأخيرا ”س.ع الناجي“ الرجل الوحيد الذي لم يصبه الوباء واحتفظ بماء الحياة.
بمرور الوقت يتعطل جهاز كمبيوتر جون وتنفد أوراق تدوينه ولا تنتهي حكايات (بلد المحيط) لتأتي النهاية مخيبة للآمال سواء للقارئ أو لأبطال الرواية ذاتهم.
ورغم انتهاء الرواية تظل ثمة خيوط معلقة بين الخيال والواقع، فتبدو بعض الأحداث مشابهة لوقائع شهيرة جرت في الحقيقة مثل حادث اغتصاب فتاة على سلم حافلة نقل عام بأحد أكثر ميادين المدينة ازدحاما، أو رئيس الوزراء الذي يعاد تدويره أكثر من مرة وتلجأ إليه السلطة في أوقات الأزمات قبل أن تنبذه، لكن يبقى العمل في النهاية محض خيال.
كما أضفى المؤلف القليل من الفانتازيا على الرواية من خلال ابتكار شخصية شاكر، ذلك الكائن الشفاف الهلامي الذي شارك في الحرب إلى جانب النساء، وكذلك الاستعانة بحكايات من الفلكلور الشعبي مثل قصة المصباح السحري ودمجها في الأحداث.
والرواية بقدر ما تحمله من رؤية قاتمة للمستقبل فإنها تمعن في التأمل بمجريات الحياة وصراعاتها وتطرح الكثير من التساؤلات عما يمكن أن يجعل (بلد المحيط) أو أي بلد آخر عرضة لمثل هذا المستقبل.
النسوة اللاتي… عنوان مشوق لأنه غير مكتمل!. أعترف بأنني قمت بشراء الرواية بسبب عنوانها. تبدأ الرواية عندما يتم إرسال جون مبعوثًا للأمم المتحدة إلى دولة يجتاحها مرض غريب!. طلب منه رؤسائه في العمل تقصي قصة حب من شأنها إنقاذ هذا البلد. الرجال غير قادرين على الإنجاب! الحكومة تنكر الوباء و تثور النساء فتقوم حرب بين النساء و حكومة البلاد. ياسمين و ذهني زوجين هما من بدآ هذي الحرب رغبة في الإنجاب فأصبحا مطلوبين من الحكومة بتهمة الإرهاب. حسين هو الشخص المهم في هذه الحرب. هو من قام بتدريب النساء على حمل السلاح و المواضع التي يمكنك إصابة العدو فيها دون قتله، أو قتله إذا اضطر الأمر. شاهيناز (أعتبرها بطلة الرواية) قامت بخيانة كل هاؤلاء و تسليمهم للحكومة لأنها أحبت! من أجل الحب. أحبت الناجي الوحيد من الوباء! لكن ياسمين أحبته أيضًا فكان على شاهيناز أن تنتقم!. الناجي الوحيد من الوباء شخص نسينه العالم وحيد يهوى تربية السلاحف يعمل لأجل أن يطعم سلاحفه!. أصبح هدف الحكومة بين ليلة و ضحاها. الفكرة رائعة. الرواية جيدة و لكن ينقصها الكثير و لكن لا أعلم ما هو!. أعتقد أن هناك الكثير من الشخصيات الأساسية في الرواية تجعل القارئ غير مدرك من هو بطل هذه القصة!. الرواية بشكل أو بأخر ممتعة و قصيرة و لكن تحتوي على ألفاظ و أجزاء لا تناسب البعض. ⭐️⭐️⭐️
رواية تقع أحداثها في بلد المحيط وفي المستقبل البعيد البعيد جداً، تتغير أحداثها بسرعة حيث أنها تصيب القارئ بفضول غريب لمعرفة السبب وراء تلك المرأة العجوز ذات الهيئة الشابة الفاتنة، ولماذا لا يحملنَّ الزوجات من رجالهم، ولماذا ليس بمقدور الرجال أن يجعلوا من نسائهم أمهات لأطفالٍ رُضع. شعرت بأنها رواية ذات طابع ديستوبي وخاصة بعد أن عمت الفوضى ارجاء البلاد، وأثناء فقر الحياة بسبب عدم وجود الأطفال وعدم انجابهم مشارفتها على النهاية. . أحببت أنها تثير فضول القارئ وفي الوقت ذاته كانت نوعاً ما مملة لكثرة سردها في بعض الأجزاء التي كانت تخلوا من الحركة أو من أي مشهد مثير، أسلوب الكاتب كان جذاباً وفكرته في خلق هذه الرواية بعالمها وشخصياتها أصابتني بالذهول في الحقيقة، كيف استطاع أن يُجانس كل تلك الأمور في هذه الرواية. . رواية قد تكون غريبة لكنها تستحق القراءة لفكرتها وشخصياتها المترابطة، ربما لن تكون قراءة رائعة للجميع لكني متأكد بأنها ستكون قراءة لن تُنسى للجميع.
رواية فكرتها غريبة جداً، لم يعجبني كيف أن الكاتب اخترع اسماً و جغرافيا للبلد ثم عاد و جعل الحوار الدائر بين الأفراد بالعامية المصرية!! و وصف أحدهم بأنه قبطي! هي مصر دلوقتي و لا مش مصر ؟! غير بعض الأخطاء النحوية، لكن رواية بشكل عام فريدة لا شك، و الكاتب بارع و مجتهد و أحسن الوصف في مقاطع كثيرة.