يقول أدونيس في تقدمته لهذه المختارات: "مع أن كلٍ موجود في ذاته، فذاته له، وكل موجود في آلة فذاته لغيره" كما يقول الفارابي، فإن شعر أويانج يظهر هذا العالم، كأنه يتأرجح بين "الذات والآلة": لا في تلك يتأصل، ولا إلى هذه ينتمي. وأكاد أن أسمع في قلب هذا التأرجح كائنات تغني آخر أغنياتها التي تعلمتها من رأس أورفيوس طافياً على وجه الماء، حيث تحاول يد اللاشيء أن تكتب تاريخ الشيء. وحيث يكتب الماء نفسه متسائلا: "هل تقدر جراح المعنى أن تختار الأجسام التي تدخل إليها؟"
لا حاجة إلى الادخار، ولا حاجة إلى الحصادِ الوافر. الثمارُ التي أسقطنها الريح، أسرابُ الأسماك التي لفحتها الشمس، الطيورُ التي تصطدمُ بجباهِنا، تكفينا مدى الحياة.
هل بوسعِ زهرةٍ في حياةٍ سابقةٍ أن تشقّ ضوء القمرِ في هذه الحياة؟
هذا هو الشِّعر، أو هكذا ينبغي له، الشِّعر الذي يترك الباب موارباً للمعنى، الالتفاتةُ لهذا الفراغ في صدرك، السكون بين قصيدتين، ذاك الغموض الذي لا يدعوك للتفسير، وإنما يتركك تغوص فيه.
من أجمل ما قرأت من الشعر المترجم، شكراً يارا على هذه الترجمة الراقية، وشكراً مسعى.
تذكّرني القراءة لأويانغ جيانغ خي بالسبب الذي يدفعني للتعلّق بالعالم من جهة الشرق، كلما أفكر في الشعر الرائع الذي لا يمكنني قراءته لأنني لا أجيد سوى لغتي الأم و لغة أخرى لا تحمل من حلاوة اللغات و طربها شيئًا أصاب بالكآبة لفترة ليست بالقصيرة، التقيت مع يارا المصري مرّتين في المرة الثانية أصبحنا أصدقاءً تقريبًا، في المرة الثانية فقط كان في وسعي أن أشكرها بحقّ على تسخيرها لكل هذا الوقت و الجهد كي تترجم الشعر و قليل من فكّر في ذلك من المترجمين، أحب الأدب بشكل عام لكنّ شغفي لا يشبعه الا الشعر، لذلك شكرًا يارا كم كان لطيفًا منك أن تمنحيني ما أحبّ.
من السيرة:
"إن أصعب شيء يمر به الإنسان في حياته هو أن يعرف نفسه، و بصفتي شاعرًا فلا بد أن تحمل القصائد ما تعرفه و تفهمه عن نفسك"
"الشعر بالنسبة لي أمر دائم مدى الحياة، هو عمل يدوي بين الفكر و الكلمات"
"كان لفترة الثمانينات سياق تاريخي خاص، فقد كبرت في هذا الزمن الذي كان طويلًا و منغلقًا بعض الشيء، و كنت أحمل في نفسي الكثير من الكآبة و التراكمات و الطاقة المكبوتة، و كانت سياسية الإصلاح و الانفتاح و كأنها فتحت العالم بأسره، كان انفجارًا مباغتًا بعد الانعزال، كان زمنًا مشرقًا، و مجنونًا قليلًا، و كرنفالًا، لقد عدت للحياة في هذا العصر، و عشت عصورًا ثلاثة: الثورة الثقافية و الثمانينات و الزمن الراهن."
من شعره:
"أشعر بالأسف اتجاه نفسي كلَّما فكرت فيها هذا الخريف أغفر لها أغفر لنفسي و أغفر لهذا العالم أيها القلب لا تكن مختالًا هكذا!"
"و حين كان عائدًا إلى منزله أسقط المفتاح ثمة العديد من الطرق التي يمكنك فيها أن تجثو على الأرض لكن لا طريقة لإيجاد هذا المفتاح"
"السياسة تميل إلى اليسار ثمة من أطلق النار على الشرق ثمة من تهاوى في الغرب"
"لم أتمنّ أبدًا أن تنهمر دموعي كما الآن اسمحوا لي أن يكون صوتي منخفضًا عن بكائي أن أكون أكثر مرونةً من حنجرتي و أنحني إلى الأرض اسمحوا لي أن أجثو على ركبتي و أغنّي أنحني و أغنّي، أفقأ العيون و أغنّي"
"كل الأوقات التي كنت فيها مأخوذًا و التي أصغيت فيها و التي سُلِبَت فيها روحي كل الأيام التي أنهكت نفسي و شحذت عزيمتي و بكيت فيها و غنّيت من أجل ذلك تبدو بعيدةً و غير مألوفة مثلما يكون البرق بعيدًا و غير مألوف في عمق الذاكرة المظلمة"
"كم من مسافة لا بد لزوج حذاء أن يسير حتى يعثر على قدمين تُلائِمانه؟"
"إن أكثر الأشياء جمالًا هي الأكثر هشاشة كل الأشياء السامية في الحياة و دموعها"
"لا أدري كم من مسافةٍ لابد أن أسير في الغروب قبل أن تتوقف خطواتي"
"الخوف العامّ من العزلة يدفع الناس إلى مغادرة بيوتهم و التجمع في الميدان و تحويل لحظات وحدتهم إلى احتفالات حماسية لكن في جوف البيت في النظرات الصامتة بين الحب و الموت ميدان الظلال المهجور يُقدَّر ككنز كغرفة اعتراف مغلقة هي ملك القلب"
"ليس هناك أرقّ من الجسد مهما كانت الرِّقة قصيرة المدى"
تجربة شعرية لا تشبه إلا نفسها تمامًا، وتعمل على الحفاظ على أستارها العالية من الغموض، وعلى القارئ الهمام أن يحاول الاقتراب مرة تلو المرة إلى أن ينجح في الوصول ﻷقرب ما يمكن.