لم تعد جدّتي، لم تعد أمي ولا أختي، والباب مقفلٌ، لقد أخذت جدّتي المفتاح معها، راح النور يتسلل عبد النافذة مثل اللصوص، ببطءٍ شديدٍ، وفي المقابل، فتحت عينيّ ببطء أشد، لم نكن صحبةً هذه المرّة، كنّا عدوّين لبعضنا، كان احمراره يتزايد -وكأنّما لحظ طريقتي في النّظر شزرًا نحوه- خجلًا ربّما، فهو يعرف يقينًا أنه تأخّر، تأخّر كثيرًا هذه المرّة. جلست عند الباب، وعبر شقوقه رحت أرقب الشارع، سيارة أبي ستمرّ، وهذه المرة ستركض عيناي ليس مثل خيول مورجان فقط، بل مثل خيول كوارتر، تفيض الدنيا عن حاجتها إن هي قررت الركض، لكنّ السيارة لم تمرّ، ولذا كان لا بدّ أن أتصرّف. اتّجهت نحو الغرفة، منفانا أنا وأختي، فتحت النافذة وقفزت. لقد خرجت أبحث عن أهلي، طول اليوم بحثت، لكنّي لم أجدهم، ولذا قرّرت العودة، لكنّي لم أجد البيت.
مريم صديقة عزيزة، وهي أكبر من مسألة النجوم والتقييم هذا عملها الأول، وإني ألمح من وراء الأحرف بذرة رواية قادمة، فهي تملك النفس الطويل وتملك الأدوات. يضاف لذلك إنها تملك روح سخرية محببة، وهذا يعطي بصمة مميزة للنصوص. أحببت عدداً من القصص، وتهت في بعضها، وآلمتني بعضها.
شكراً مريم، وننتظر حصتنا من الحلوى في المرات القادمة.
أقرأ هذا العنوان وأفكر في استمرارية الزمن وعنفوانه الذي لا يهدأ لحظة، مجموعة قصصية لمريم حمود. يلاحظ من القصة الأولى تأثر مريم بالقراءة والتركيز على ما يصنع الإنسان المترهل، الإنسان الوحيد كأنه مقطوع من شجرة، الإنسان الذي ليس لديه ما يخسره. حملت القصة الأولى عنوان" وداعاً" وقد يمكن ملاحظة أنه بتوديع الأشياء قد يجد المرء نفسه. أما في القصص التي تلي هذه القصة فقد أعجبني منها " التنين الأزرق يمضي نحو البعيد" وكذلك" الستون المتبقية في جيبه" وأيضاً" مذكرات مرآة". أما القصة التي حملت عنوان " شرود" فقد توقفت أمامها كثيراً إذ أن " غيث" ارتبط بفكرة البقاء رغم أنه لم يبقى، بل تحول إلى تلك الشخصيات المغيبة ضمنياً للسماح بظهور خلفيتها التفصيلية، يشبه الأمر تماماً تشريح إنسان لكن من دون الدماء. أما في قصة " مطموسة الملامح" فقد عبرت القصة عما يعانيه الشباب باختلاف طبقاتهم الإجتماعية، ليس مهماً أن تحوز العديد من الشهادات والتقييمات وحتى الخبرة، يمكنك أن تتخطى الطابور إن فرقع الإصبع المناسب أمام الجميع.. وهذا ما حدث! وفي قصة " مازال يركض" يظهر الإنسان في مواجهة نفسه بأكثر الطرق سريالية، حيث مثلت المأساة حائط اصطدامٍ عنيف. وفي قصة " تعديل دستوري" كان على الإنسان أن يواجه المجتمع الذي حلّ النافذة مكان الباب، ولم يسمح لأحدٍ بالعبور المجازيّ حتى. تبدو هذه المجموعة كعملٍ أول تبعث على الأمل والثقة في أن من الممكن انتظار الأفضل من " مريم" وهذا ما أتمناه وأثق به. ولا يخفى على القارىء محاولات الرمزية التي فتحت الأبواب على دواخل الإنسان كي تعريه أمام نفسه، كما أن الزمن والظل ييدوان ألعاباً سحرية من الواجب الاستفادة منها سواء في الكتابة أو الرمزيات أو الاسقاطات، سواء كانت مباشرة أو مضمومة إلى الحدث. أشيد بالذكر مستوى تدفق الأحداث وأسلوب الكتابة لولا أنه يحتاج إلى مزيد من العمل والممارسة، عمل أول بديع ويمكن- حقاً- انتظار المزيد من مريم.
مَا زلت أركض، أبحث عَن عَالمٍ له أنتمي، ما زلتُ أركض بين أقصوصات مَريم ومَشاعرها وآرائها في لحَظاتٍ ليست عَابرة رُبّما. ما زلتُ أركض ويركض معي عَقلي وقلبي ولكن إلى أين مُجددًا هَذه المرة؟ رائعة، عشتها بمَشاعري كلها، أشكرك مريم.
"فمنذ ولدت وأنا مجبرٌ، مجبرٌ على وجودي.." "لم أكن أهتم بالعيش.." "كم ورّطتك الحياة؟" بهذه السطور تقع في شباك مريم وعملها الأول هذا، وهي محض سطور عشوائية من الربع الأول من هذا العمل. تبدو عوالم مريم متخيلة مرة وواقعية إلى درجة مرعبة مرة أخرى، الأكيد أن هذه المجموعة كانت حالة تجريبية من الكتابة العدمية بطابع ينحو منحى الكوميديا السوداء مرة، ومنحى الكابوسية مرة، ومنحى اليأس والعبثية مرة، وهكذا. الأمر الذي لم يعجبني هو أن الكثير من القصص كانت بلا نهايات حقيقية، كما لو كانت مجرد حدث عابر لا نهاية له أو (قفلة). لا أعني بذلك أن النهاية كانت مفتوحة، بل أنها كانت مبتورة تقريبا فبدت القصة كما لو أنها بلا سبب.. استخدامات اللغة كانت جيدة. بدت بعض القصص كما لو أنها حالات شخصية عاشتها الكاتبة، تمنيت لو أن ذلك لم يكن بهذا الوضوح. قصة "الغد أمس" كانت المفضلة لدي. أتمنى التوفيق للصديقة مريم حمود، وأتطلع لعملها القادم.
مجموعة غرائبية ممتعة، مؤثرة وغنية بالكوميديا السوداء، تحكي مريم حمود قصصًا حول ظواهر غريبة في الحياة اليومية، لشخصياتها المتشابهة غالبًا، فهي في معظم القصص لا مبالية، ساخرة، ساخطة وتركض دائمًا نحو نقطةٍ ما، كما أنها معترضة كثيرة وثائرة على كل شيء..
تكتب برموز ذكية وجديدة صادمة، وهذا ما نبحث عنه دائمًا في العمل الأدبي، لغتها ممتعة وثرية جدًا.
تناقش هذه المجموعة مواضيع كثيرة كالحريات، الحروب والطفولة، وقضايا اجتماعية وفلسفية وجودية كثيرة.
من يمتلك هذه اللغة ويجيد أساليبها الجميلة، قادر على كتابة الأفضل.
عتبي على السوداوية الطاغية جدًا، برغم من أنني أعجبت بها في كذا قصة، وربما تكون متعمدة من الكاتبة. استمتعت أكثر باللغة والتشبيه والتورية التي كانت السهل الممتنع بالنسبة لكتابة القصص.
لو لا تكرار أفكار القصص وطابعها، لكان أجمل، فثمة شعورٌ يوحي بأن بعض القصص كُتبت على عجلٍ دون أن تتشكل أحداثها بشكلٍ رصين. لمريم -بالطبع- لغةٌ جميلة دون تنطع وهذا يحسب لها فيما لو قررت كتابة شيئٍ ما في المستقبل بعد أن تتشكل صورة سرده وملامح طريقه، سواءً كانت قصةً أو رواية، بالتوفيق.
تترنح هذه القصص بين الفنتازيا والواقعية، سطى على بعضها طابع التجريب إذ اختبرت مريم أقصى مدى من الجنون قد تذهب إليه في خلق شخوصها، في ضوء حيوات محكوم عليه بالقلق والسرعة والعبث، لتجعل من التهور الخيار الوحيد المتاح أمام هذه الشخصيات المستوحاة من عالم لا خلاص فيه. لفتني أيضاً مخزون مريم الثقافي والمعرفي والذي أحسنت استثماره في بعض القصص مثل "ورطة"، "الأستاذ صانع أمريكا"، "الستون المتبقية في جيبه"، و"واحد منه لا يكفي"، من حيث الحياة اليومية للمبدع، فنانا كان أم كاتبا، بما تحمله من فوضى وارتباك. ولعل أكثر ما أعجبني في كتابة مريم، بعيداً عن جودتها وأصالتها، هو قدرتها على اختراق الجو العائلي، علاقات الإخوة، والجدة، الخلافات الزوجية، التضحيات والمشاحنات التي تدور في كل بيت، وعلاقة الفرد بالمكان الذي ينتمي إليه. متحمسة لعملك الأخير يا مريم. دعي باب بيتك موارباً، فلن أتأخر!
قلمك مبدع من أجمل ماقرأت يلامس القلب. مجموعة جميلة جدا من قصص معبرة وفي انتظار جديدك الأروع والمميز دمتِ لنا ودام قلمك اختي وصديقتي لكِ مني أجمل تحية وخالص احترامي.