كيف فكرت الشعوب القديمة بالموتى؟ وكيف أعتقدت انهم رغم أنفصالهم عن عالم الأحياء، مرتبطين معهم في الوقت ذاته! أن فناء شخصية الأنسان بعد الموت حالة يصعب التوفيق بينها وبين أختبارنا اليومي، فالإنسان الذي عاش بيننا سنوات، لابد وان يترك وراءه فراغاً رهيباً في حياتنا في حالة موته، ولامناص من ان نكيف انفسنا وعاداتنا لتحمل فراقه، وفي هذا التكيف كثيراً مانفكر فيه، وتبقى معنا أمداً طويلا مؤثراته وذكرياته، ونتخيله حياً في احاديثنا وأحلامنا. كلها أختبارات عرفها جيداً أسلافنا الذين عاشوا في عصور ماقبل التاريخ، كما نعرفها نحن اليوم. فلاغرابة بعد ذلك ان نرى انسان العصر الحجري القديم يحس أحساساً أكيداً بأن الموتى الراحلين ليسوا أحياء وحسب، ولكنهم يفتقرون إلى حاجات الحياة الأرضية التي شغفوا بها.
على الرغم من صغر هذا الكتاب لكنه كبير بما احتواه من معلومات جميلة وبطريقة مبسطة يتلقاها القارئ بسهولة ، فهو يبحث العلاقة بين عالم الاموات والأحياء ، فالموت كان هاجساً كبيراً عاش مع الإنسان القديم منذ وجوده على هذه الأرض ولكي يتعامل معه ابتكر وفكر بعدة أمور أصبحت فيما بعد عقائد وعادات حورت و استمر جزء منها إلى الوقت الحاضر . أهتم الإنسان القديم بالموت وأخذ يعتقد بوجود عالم آخر موازي لعالم الأحياء حيث ترقد الروح ، عثر في الصين وأماكن اخرى متفرقة من العالم على عدة مقابر احتوت على هياكل عظيمة صبغت بصغة حمراء دليل على الحياة وبديل شعائري للدم . لم يتقبل الإنسان القديم حتمية الموت التي فرضتها الآلهة على البشر وحاول عدة مرات تجاوز هذا الشيء ولنا في ذلك دليلين ، الأول هو سعي كلكامش نحو الخلود بعد ان عاش صدمة موت رفيق دربه وصاحبه انكيدو ، ولم ينجح بذلك بعد ان سرقت الحية نبات الشباب ، والمثال الثاني هو ادابا الذي كسر جنح الريح الجنوبية مما اضطر الإله انو إلى دعوته وقبل ان يلبي الدعوة استشار الإله آيا والذي نصحه عند وصوله بعدم الأكل والشرب اذا ما قدم اليه لكونه طعام وماء الموت ، لكن الإله انو قدم له طعام وماء الحياة فخسر الإنسان الخلود مرة ثانية . احتوى الكتاب بين دفتيه عدة مواضيع متعلقة بالموت منها احترام اجساد الموتى والحفاظ عليها والخوف من الموتى وحكمتهم والتي ما زال تأثيرها قائم إلى الأن ، فضلاً عن اهمية عظام الموتى في بعض الطقوس وقد عزز الكاتب هذه المواضيع بعدد من القصص والحكايات المنتشرة في الفلكور العالمي ككل .