Усама аль-Ейса – письменник, публіцист і дослідник, уся творча і професійна діяльність якого щільно сконцентрована довкола палестинської тематики – політики, історії, географії, культури – із центром у Віфлеємі, цьому прадавньому містечку, у якому він народився у таборі для біженців 1963 року.
Велика мала батьківщина автора є натхненням і джерелом усіх його художніх та академічних текстів, тож звучить у назвах оповідань та романів. Письменник занурює читача у глибокі та трагічні історії славетного святого міста через комічні, насичені міським фольклором оповідки, в яких реальне сплітається із неймовірним і загадковим. Герої цієї книжки – що знедолені міські маргінали чи пацієнти психіатричної лікарні, що історичні особистості чи сучасні відомі політики, проте, – аж ніяк не героїчні. Крізь історії божевільних із Віфлеєма, у всьому різноманітті їхніх безумств, шаленств, одержимостей і просто глупств, роман відкриває таємниці справжнього світу палестинців, у якому, за словами письменника, «неможливо вижити без тієї чи іншої долі божевілля», яке, зрештою, стало для них «єдиним способом опору».
"الدنيا دار المرضى, والناس فيها مرضى, وللمجانين في دار المرضى شيئان, غل وقيد ولنا غل الهوى وقيد المعصية" الفضيل بن عياض رحمه الله
مجانين بيت لحم
يقول الفلسطينيون: وكنا ونحن بالمرحلة الابتدائية وربما الأساسية نتسابق من ينهي أولاً النسخ والنقل, وكلما انهينا هتفنا بتفاخر مس /استاذ خلصنا...ليلجم حماسنا بكلمات على العصفورية على بيت لحم, والآن اعرفها على الدهيشة! لأتبين ان كل منطقة تعرف منطقة الجنون وفق معرفتها الا انها تصب بالنهاية على بيت لحم, ولهذه المدينة تاريخ وامتداد في علاج الجنون والأمراض النفسية وقد اسس مستشفى مختص بذلك في القرن 13 ميلادي.. وان كنا بالماضي نهاب ونخاف المجانين وسلوكهم كأن بنا اليوم نسخر منه ونراه اضحوكة من اضحوكات الحياة أو ركيزة نرمي عليها ما فينا من شر وخواء ولااخلاقية ولا ارادة وان كان الجنون يطلق على من تظهر عليه علامات الجنون وشروش الهبل والغباء والحمق والغشم, فاليوم عاقل العقلاء من يمارس الحياة والفن والكتابة بجنون! اذ اصبحنا نفخر ونتفاخر بجنوننا وسذاجتنا, فما الفرق بين الجنون والسذاجة؟! من المسؤول عن قيمة معنى المصطلح عن تفريغه وسحب خصصويته من جهة وعن حشوه وتضمينه من جهة اخرى؟ ليس الجنون هنا نفسياً ولا مرضياً
"ان الجنون يفتن الانسان في كل مكان ان الصور العجائبية التي يولدها ليست مظاهر غابرة, ستختفي سريعاً من على وجه الأشياء" ميشيل فوكو
فكيف بامتداد جنون التاريخ بزمانه ومكانه؟!
ها هو اذن لنا بفلسطين ايضاً عميد للمجانين, جدنا الزاهد المتصوف عجيل المقدسي, اسمعه بين السطور كلما قلبت فصلاً بكلماته س ط ح ا ر........ سطحار "من عرف الله سار ومن سار طار ومن طار حار" وكأن الكاتب يسرد حكاياته لجدنا وجدنا يضحك علينا من جهة ويسخر من من جهة اخرى!
"لا وجود للجنون الا داخل الانسان , ذلك ان الانسان هو صانع هذا الجنون من خلال تعلقه بنفسه ومن خلال الاوهام التي يعيش بها الجنون مرآة تعكس سراً, لا يهتم بالحقيقة والعالم وانما يهتم بالانسان وحقيقته كما يتصورها"
قد يعترض بعضنا على انها ليست برواية, ولكن اليس كل ما يحكى ويروى رواية! ولا يهم ان كانت تدخل اطار الرواية ام لا بقدر الدخول لاجواء المكان , فهي رواية مكان ومجتمع كتبت بطريقة البحث والتقارير الصحفية والتقصي وتجميع حكايا المجانين! وان حصرت بدير المجانين فهو قد نجح بأن جعلنا بشخصياته ان نحلق بعيداً, حتى خارج حدود هذه الفلسطين الصغيرة
يقسم الرواية الى ثلاثة اسفار, بدأها بسفر التكوين وبهذا الجزء يدخلنا الى الدهيشة ويكون لنا صورة تاريخية واجتماعية عنها, الدهيشة المكان والجغرافيا والسكان على مر الأزمان ومرها وحجم التكالب الدولي وتدخل الدول الكبرى في شؤون هذا البلد الصغير فلسطين وامتداده واستمراره للآن! الدهيشة التي ارتبط اسمها بمغامرين وتبشيريين وطموحين وكتاب ومستشرقين وفاتحين وغزاة, الدهيشة التي اخذت تتآكل يوماً بعد يوم وتسلب اراضيها وممتلكاتها وسكانها يرقبون وينظرون وينتظرون ويفسر لنا سبب تسميتها بالدهيشة المأخوذة من دهشة ابراهيم باشا حينما زار فلسطين من جهة ومن الطريقة الداهشية المنسوبة الى الدكتور داهش فان كانت التسمية الاولى مرتبطة بالتاريخ والسياسة والصراع فان التسمية الثانية مرتبطة بالمجتمع والثقافة ونظرة الناس وكيف تأثر حتى المثقفين بالدعوة الداهشية كجبرا ابراهيم جبرا وهشام شرابي وكيف تأثر هذا الأخير في صباه بكتاب ضجعة الموت للدكتور داهش وحينمت التقى به اي هشام بالدكتور داهش قبل وفاته وسأله ان كان يذكر كتابه ام لا ليجيبه بانها حماقات شباب ولكن هشام يراه كتاب فذ بينما يصر داهش صاحب الكتاب ان الناس تحب الروحانيات وهشام يناقضه وكذلك يحبون الصور والرسوم اللاروحانية فيسخر داهش قائلاً "الناس بتحب الروحانيات اذا كانت مرتبطة باللاروحانيات
وان كان بهذا الجزء زخم معلومات وسخرية بسرده وقائع تاريخية كقصة العلم النبوي وزيارة غليوم للمنطقة وكيف اصبح غليوم خال لنا الا انه اهم جزء بالنسبة لي وقد فاجأني بكلامه عن بعض الشخصيات كشخصية راغب النشاشيبي
اما السفر الثاني بعنوان سفر من لا اسفار لهم فمن يمثل المجانين وينقل اسفارهم وحكاياتهم,لم يستثني الجنون احداً متعلمين مثقفين سياسيين ذكيين ثمة حال لا يرثى لها لبعض المجانين هناوحزن , فمكانهم يسلب يوم بعد يوم وكأنهم مغبطون على هذا المكان يقول يوسف علان "الجنون اسلوب حياة, ليس كل المجانين مجانين وليس كل العقلاء عقلاء"
اما السفر الثالث والاخير فهو السفر المشمشي يسلط فيه على السلطة واوسلو والختيار وسلام فياض باسلوب ساخر وما حل بالدير بعد مجيء السلطة.
طار يوسف علان مغرداً بنهاية الرواية سار ...طار ... حار ....سطحار هي الحياة , هي الحياة سطحار يا غشيم الكتابة والحياة حتى لو استدعيت روح عجيل المقدسي انت لا تعرف انه تناسخ في روحي انا هو عجيل وانا من تحكم في روح روايتك
عمل روائي جاد، يحاول المزج بين التحقيق الصحفي والبحث والرواية، في هذا العمل تتجلى سبل الخلاص التي على أدب القضية أن يسلكها، الوضوح والمباشرة والنزعة البشرية في طرح القضية والشخصيات، كذلك المحاسبة الجادة للذات والنظرة المتأملة للتاريخ والأديان البعيدة عن التعصب والذاتية، لا أدري كيف يسطع نجم رواية (مسكينة) مثل (رام الله الشقراء) في المجتمع الأردني -وهو الذي يولي الاهتمام الفريد للقضية وأدبياتها-، وتبقى هذه الرواية بعيدة عن موائد النقاش؟! ولربما أدري... أو كيف تبقى مثلا روايات كنفاني هي العين التي ينهل منها قراء اليوم، فالقضية بالأمس لا يربطها بقضيةاليوم إلا ما يربط الجد بالحفيد المغترب، وهذه الرواية وما كتب على شاكلتها هي التي ستوقظ الحقائق من جديد.
شخصية الروائي ومواقفه واضحة، أعماله وجهوده هي أيضا كذلك، ولعل الروائي الذي ينوي كتابة تاريخنا المعاصر يجب أن يغرق في الكتب والمخطوطات والأخبار ليقف على التحولات التي تجبر الشخصية العربية على التصرف على هذا النحو أو ذاك، العجيب في هذه الوثيقة هو الجانب المجنون الذي نتعايش معه ونحمله كالجينات وسيحس القارئ بعد فصول قليلة بأن هذا الراوي يفتري ولا شك، ولربما سيلجأ إلى جوجل ليتأكد، فمن غير الممكن أن نكون قد عايشنا كل هذه الأمور دون أن تتفجر رؤوسنا ومن غير الممكن أن يكون الزمن الجميل هو اللصيق لزمن المجانين هذا. وسيعلم أن الروائي أمين حد الجنون.
لا أدري ما الذي حدا بدار النشر أن تغير من أبعاد الكتاب فتجعله أطول من الكتب العادية بشكل ملحوظ مما شكل صعوبة حقيقة في إمساكه وقراءته، ولا أشعر أن الغلاف مناسب للرواية على الإطلاق، ولا أدري ما إذا كانت هناك نعمة أكبر من ثقة أستاذ ألمعي متميز يعيرني الروايات ويمنحني فرصة مناقشتها معه :)
حين صرخ يوسف علّان "سَطَحار" وهو طائرا، أغلقت مئتين وخمس وأربعين صفحة على العشرات من المجانين، كأنني كنت أريد أن أبقيهم بين هذه الصفحات، خوفا من أن يخرجوا منها، أن أحبسهم داخل هذا الدير/الكتاب، لا أريد لهم ان يخرجوا من عالمهم العاقل، إلى عالمنا المجنون. أغلقت الكتاب، وضحكت بصوت عالٍ، ما هذا الجنون؟ لقد استطعت انا الاعب المجانين في دير المجانين دون ان أتعرض للوثة الجنون. ولكن مهلا، على امتداد الشخصيات الكثيرة، كنت أجد شيئا مشتركا بيني وبينهم، أقلّه شيءٌ واحد، ترى لو جمعت هذه الأشياء، فهل يرسلونني إلى "الدهيشة"؟ لم يدرك كاتب "مجانين بيت لحم" الكاتب أسامة العيسة أنه هو أيضا سجّان هؤلاء المجانين، فهو ببراعته ورشاقة قلمه إستطاع أن يجمعهم هنا، بين هذه الأوراق، تماما كما جمعهم الإحتلال والقيمون على الدير بين جدرانه، وسمح هو أيضا لبعضهم أن يتسلل خارج الصفحات، فالمجنون "يوسف علّان" كان يحلّق دائما في المكان الذي اقرأ فيه هذه الرواية، أستطيع أن أشمّ رائحة ثيابه الرثّة وأن أراه في انعكاس المرايا. إلا أنه كان صارما حين أحكم قبضته على شخصياته، ولم يفلت ايا منها. هذا الكتاب، الذي لن أسميه رواية، الصادر عن دار "نوفل"، يضعنا جميعا، نحن العرب تحديدا في قالب يسمّيه "دير مجانين"، ويبدأ بتعريتنا شخصيةً شخصية، يذكر طباعنا، وتصرفاتنا، وهمومنا، يدمجها مع شخصياته، ويعالج القضية الفلسطينية ورموزها السياسية معنا، في نفس الخندق، خندق المجانين، نحن أبناء هذا الشرق المجنون! لقد إستوقفتني جملة كتبت على الغلاف الخلفي للرواية، والتي أتت ضمن نص التعريف عن الرواية، أنها "تقدّم الفلسطينيين كما هم، بشرا، من دون نبرة خطابية ولا مناجاة غنائية"، هذا ما غيّب عنّا حين نتناول القضية الفلسطينية والفلسطينيين منذ النكبة حتى اليوم، واستطاع الكاتب ان يقدّمه حين بنى واقع شخصياته المجنونة، وأن يدفعنا إلى الجنون حين نسمع صوت العصافير ! لا أستطيع أن أقول أن هذا الكتاب رواية، كلا كلا، هو نوع جديد من الأدب، يقدم شخصيات متراصة متسلسلة في أجداث متداخلة، تدفعك بشكل قوي إلى التعاطف معها والاستمرار في التعرّف على شخصياتها الجديدة، فتمرّ من أعلى الجبل إلى القرى المحازية، وترافق المجانين في عنابرهم وفي قراهم وفي طرقاتهم. ختاما، سأسأل نفسي، تماما كما فعل الكتب، ما الذي بقي مما يربطني بعالم العقلاء المجنون هذا؟ يا عُجيل، أدركنا ..
لا شك أن هذا العمل احتاج جهداً كبيراً لإتمامه على هذا الشكل، وهذه نقطة تحسب لأسامة العيسة، فالقارئ لهذا الكتاب سيتح له جليّاً مقدار البحث الذي أجراه الكاتب. ولكن كلمة واحدة جعلت من الكتاب شيئاً مختلفاً، لماذا كتب على الغلاف كلمة رواية؟ هل هذا الكتاب فعلاً رواية؟ الكتاب مقسّم إلى ثلاثة أجزاء، الأول سفر تكوين يتحدث فيه العيسة عن الدهيشة وعن بعض الأعلام التي كونت وطن المجانين هذا، مر هذا الجزء ثقيل الظل حتى أن الكاتب نفسه قال في نهايته أنه إذا وصلت إلى هذه الصفحة فهذا أمر يجب الإشادة به ثم أضاف أنه الآن ستدخل إلى عالم المجانين، وهذا هو الجزء الثاني. هنا توقعت أنني سأدخل إلى قلب الرواية، رسمت كثيراً من السيناريوهات التي سرعان ما تلاشت مع بدايتي لتقليب الصفحات، هذا الجزء يحمل قصص أشخاص حقيقية بأسمائهم، صحيح أن هناك خيط رفيع يربطهم ببعضهم ولكن كل قصة منفصلة عن أختها. أما الجزء الثالث فقد كان أهون الأجزاء وأمتعها ربما ولكن لم يختلف عن سابقه كثيراً. لا أدري، ربما من الأفضل لو قيل أن هذا الكتاب هو مجموعة قصصية لمجانين بيت لحم.
كتاب قام فيه الكاتب بجهد توثيقي جبار في جمع المعلومات عن كل الشخصيات المذكورة في الرواية. المجانين في بيت لحم لهم دير في مخيم الدهيشة هو موطنهم منذ الانتداب البريطاني. وطن المجانين ما فتئ يضمحل هو الآخر بمرور السنوات و تداول السلطات.. مجانين الكتاب هم مواطنون فلسطينيون و لكن العيسة يتكلم عنهم بدون البكائيات المعهودة و هذا يحسب له.
عندما أنهيت قراءة هذا العمل شعرت برغبة جامحة للبكاء ، ولماذا ؟ لا أعلم ؛؛ أهو حسرة على عقلاء تم القائهم في دير لربط قواهم وألسنتهم أم على وطن سلب بحركة ومكر كبيرين أم على من باعوا ارضا لا تقدر بثمن ... ببالي الكثير من الكلام عن موطن المجانين .. بداية مو اسمها ك رواية ؛ أعتقد أن الكاتب اسمها رواية بالرغم من أنها كتاب تاريخي لعدة أسباب منها أن اتجاه القراءة في وقتنا الحالي هو الروايات ولرغبة الكاتب الجمة ليعرف الناس بعالم المجانين ادرجها تحت قائمة الروايات اما بالنسبة لي فأنا أعتقد أن ادراج مثل هذا العمل تحت بند رواية فهو ظلم لقيمته ولشخصياته فالرواية مهما كانت تبقى رواية بأحداث واشخاص وهمية أما شخصيات هذا الكتاب فهي حقيقية وهي أكبر من أن تهمش تحت بند رواية .. السؤال الذي روادني هو لماذا اسمه مجانين بيت لحم معأنها مجانين دهيشة؟! وأعتقد أن جوابي الذي وصلت إليه يكفيني وهو أن دهيشة هو اسم مخيم في كل الأحوال وبرأيي أن الكاتب يستنكر مخيم اللاجئين ووجودهم مخيمات لولا الاحتلال ما كانت وان شاء الله ستزول يوما ما ويبقى اسم المدن بأسمائها الأصلية الفلسطينية لذلك سماها (مجانين بيت لحم) ... هذا العمل التاريخي عظيم جدا ، حيث أن الكاتب تسلسل بتاريخ دهيشة من بدايتها حتى اليوم تقريبا ... تسلسل الأسفار كان ناجح ... رائعة كانت سلاسة الكاتب وطريقته في عرض الأفكار .. في سفر التكوين شعرت بعشق الكاتب لوطن المجانين بين الأسطر يتدفق ليصيب القارئ حقا أنها لعنة دهيشة لعنة المجانين ... شعرت وكأنني أقرأ وطني بلسان غيري وكأنني مغتربة عنه لا أعلم عنه شيء ... أكثر ما شدني في هذا الكتاب هو (يوسف علان) وأنني أفخر بمجنون مثله في وطني وتشدني رغبة جامحة لمقابلته وكم آلمتني جملته في صفحة 234 (حتى رقم الصفحة يشد الانتباه) ،، لمست في روحه عشق لوطنه لم أره في شخص من قبل ... تحية لباقي المجانين ... أصبحت أشك من هم المجانين ؟! أهم الذين في دير المجانين أم الذين خارجه ؟!! لفرض ما شدني عالم المجانين بحثت عن صور بعضهم ولن انسى ما حييت صورة "power" لأبو عين كريمة ... كل الألم في كتاب المجانين اختزل في سماء كاملة عن عبده الأسير ... بت على يقين بأن ل دهيشة لوثة ، تصيب كل من يقطنها أو يمر بها ... فخورة انا بمثل هذا القلم في وطني ...
عمل أدبي حقيقي وراقي وصادق جداً.. الفلسطينيون كما هم.. دون تجميل ودون تضخيم ودون بكائيات مبتذلة.. عشت في كل الأماكن المذكورة في الرواية وزرتها لكن لم استوعب أبداً وجود كل هذا التاريخ من الجنون خلفها .. هذا العمل هو عن بيت لحم .. مجانينها وعقلائها منذ زمن العصور القديمة حتى اليوم ... منذ "ابراهيم باشا" حتى "بوتين" و"الغزو الروسي" الحديث لبيت لحم.. عن "لوثة الدهيشة" كما أسماها الكاتب.. ولعنة الجنون التي تحل بسكانها وكل من يمر بها .. عن "دير المجانين" الوحيد في فلسطين... تفاصيل كثيرة لم أفهم المغزى من ذكرها لكن أشعر بامتنان عظيم لمعرفتها.. مررت ب "دير المجانين" مرات كثييرة ولم يخطر ببالي ان هذا الدير يحمل كل هذه القصص وأكثر.. ضحكنا كثيراً على "المجانين" وتحدثنا عن جنونهم ... لكننا لم نعرفهم أبداً ولم نعرف اننا جميعاً مجانين .. لقد جنَّ هذا البلد منذ زمن ولم يعد من الممكن أن ترجع الأمور كما كانت.. لقد جننا لدرجة خلق عالمٍ من الأوهام والآمال والانتماءات لأشياء وأشخاص لم يكونو يوماً بالروعة التي نتخيلها.. .. وجننا أكثر حين حاولنا نفي الجنون عن أنفسنا في عالم لم يعد يقبل بالجنون في مواجهة كل هؤلاء "العقلاء" الأنانيون "الجنون هو في نهاية الأمر امتياز..فالمجنون يعيش دون تكليفٍ أرضيٍّ او سماوي...ليس مطلوباً منه تسديد فواتير الأرض او السماء...ليس على المجنون حرج.. تعالَ معي .."
أربع نجمات لكون الكتاب لا يصنّف في خانة الرّواية. وإن كان يصنّف كذلك، ففي قسمه الأخير فقط "سفر مشمشي" ..
كتاب جميل بالإجمال، مشغول بطريقة رائعة ، ويبدو جهد الكاتب واضحًا فيه لناحية البحث في التّاريخ وإعادة بناء واقع شخصيّات مجانين بيت لحم. قسمه الأوّل "سفر تكوين" يحتاج إلى قراءات عدّة كي يُفهم، أمّا قسمه الثّاني "سفر من لا أسفار لهم"، والمفترض أن يتناول قصص المجانين الذين كنت متشوّقًا للتّعرّف إليهم، لم آخذ منه حقًّا ولا باطلًا، ثلاثة مجانين فقط تعلّقت بقصصهم، خصوصًا الشّخصيّة التي تهيّجها زقزقة العصافير، إلّا أنّها لم ترضِ توقّعاتي، فكلّ قصّة جنون لا تتعدّى الصّفحات الثّلاث، والجنون فيها يلامس السّطح، دون أن يغوص في العمق.
على كلٍّ، أحببت أسلوب الكاتب كثيرًا وخفّة ظلّه مع كلّ سفر ينتهي. وأحببت توظيفه للتّاريخ. وعنوان الكتاب-الرّواية ، وطبعًا الغلاف الذي دفعني لشرائه..
لا يكلُ الأسير في محاولته اختلاس النظر إلى السَماء ، لعله يجدها كاملة في ذهابه إلى عيادة السجن ، و خلال اقتياده إلى زنزانة فردية لقضاء فترة عقوبة و عندما يسرع بشوق إلى موعد زيارة الأهل. لكنَه يجد نفسه محاصراً بالشبك. مكعبَات في كل مكان، لها القدرة على إحالة كلَ شيء ، لا السماء فقط إلى اجزاء و نتف ، و مكعبات مختلفة الأحجام.. من خلال الشبك الضيٌق يرى وجه الأم و أنف الأخ و أصابع الصغير التي تحاول اختراق شبك الزيارة ، دون جدوى ، و عيني الأب.. كلُها مكعبات، عالم من المكعبات.
أبدع العيسة بنقلنا فرداً فرداً إلى دير المجانين حتى نعيش لحظاتهم المنسية..
بانتظار الأسطر المقبلة التي سيكتبها مجنون عاش في دير المجانين.
"أجن شيء في الكون عندما يفقد الموت هيبته ، و يصبح أكثر الأشياء طبيعية ."
من أجمل الروايات التي قرأتها مؤخرا، وقد وضع فيها المؤلف كل جهده وخبرته، ما أثمر عملا مميزا من كل النواحي، وأثناء القراءة كنت أشارك الأصدقاء عبر الفيسبوك ملاحظاتي حول الرواية، وقد أضفت تلك الملاحظات أدناه
(1)
تبدأ الرواية هكذا : " يقول الفلسطينيون" .
ثم تذهب إلى ما يقولونه عن دهيشة المجانين. فالدهيشة هي الحيز الذي تدور حوله الرواية. وهي مقر مستشفى المجانين الشهير ببيت لحم.
مدخلان مهمان. أولا: ما يقوله الفلسطينيون. وفقط ما يقوله الفلسطينيون. فالرواية ترفض أو تتبرم من كل عبور أجنبي على هذه الأرض منذ لحظة مجيء إبراهيم باشا عام 1833، مرورا بالعثمانيين والانجليز وأخيرا اليهود.
ولكن كيف تتسع الرواية لكل ذلك؟ يظهر ذلك في المدخل الثاني: الدهيشة. المكان ومربط الحكاية. أنت ستعرف من مقدمة الكتاب أن الحديث يدور حول الدهيشة ومجانين بيت لحم. ولذلك ستحب أن تعرف أكثر عن هذا المكان. فقد طالما أثار الجنون فضول الانسان. ولتعرف عليك أن تصبر. وأعتقد أن أي قارئ جاد سيطيق مع أسامة العيسة صبرا.
يبدو السارد هنا شخصا حكيما حكمة خرافية فهو يعرف كل شيء ولا يعرف أي شيء. وهو يسأل كأنه لا يعرف ويجيب كأنه لا يسأل. ويحكي كأنه لا يجهل أي شذرة من تاريخ هذه البلاد. ويصمت كأنه لا يعرف كيف تجري الأمور. سيحدثك عن الدهيشة لماذا سميت بالدهيشة؟ الحكاية الراجحة أنها اكتسبت اسمها من زيارة إبراهيم باشا. وهذه حكاية طويلة سيرويها اسامة العيسة باقتدار وبراعة. ويقال أيضا انها اخذت اسمها من شخص عاش في بيت لحم وكان اسمه داهش بيك. أحد أساطير المدينة. أسطورة يتتبعها الراوي في حكايا المسنين وسير المثقفين الكبار أمثال جبرا وشرابي. وستفقد ثقتك في هذه اللحظة. ستتوه بين الحقيقة والخيال. وتسلم قيادك للرواي أو تتوقف لتراجع كتبا عديدة يرد ذكرها في ثنايا السرد.
عرفنا أصل التسمية، وصار لزاما أن نعرف لمن كانت أرض الدهيشة، في الأصل؟
كانت تسمى كَرْم جاسر. والآن نحن موعودون مع حكاية عن كَرَم حاتمي، يتساءل المؤلف: كم تعيش الاساطير الحاتمية ويروي قصة هذا الثراء وذاك الكرم، وكيف انكسر الثري وباع الكرم الذي سكنه اللاجئون بعد حرب الثمانية والاربعين.
ويريد المؤلف أن يفرق بين دهيشة المجانين ودهيشة اللاجئين. يجهد ليفعل ذلك. ويحكي قصصا عن سكان دهيشة اللاجئين. لكن القصص دائما ما ترتد إلى الجنون. يجن اللاجئون. فتاريخ المنطقة يبعث على الجنون. وأرض السلام تعيش بلا سلام.
والجنون هنا ليس جنونا نفسيا يتتبعه الروائي تتبع فرويد لمسارب النفس البشرية وانحرافاتها عبر الظواهر العصابية والذكريات المتحوصلة كالشوك في اللاوعي. الروائي يتتبع ظواهر الجنون. وفي كل قصة عن جنون أو نصف جنون يضيء جانبا من جوانب هذه الظاهرة البشرية ولكنه لا يستغرق في التحليل، حتى كأنه لا يرى في الجنون مرضا. بل استجابة طبيعية لتاريخ هذه المنطقة.
والرواية مصوغة على شكل خطاب إلى عجيل المقدسي عميد مجانين فلسطين على مّر الأزمنة ومُرّها كما يقول السارد. ولكنها فنيا تنتحل أساليب عديدة منها أسلوب البحث التاريخي، لتروي قصصا، وتوهم القارئ بحقيقيتها الكاملة.
ولكي يزيد المؤلف في التفريق بين دهيشة المجانين ودهيشة اللاجئين يجب ان نتذكر الامبراطور الالماني غليوم. الذي زار فلسطين أواخر القرن التاسع عشر، وحالف العثمانيين، وبنى ميتم السريان الذي تحول إلى مشفى للمجانين عبر تحولات تاريخية وسياسية تنقل خلالها المبنى من الالمان قبل الحرب العالمية الأولى، للانجليز بعد الحرب، للادارة الاردنية بعد حرب الثمانية وأربعين، لليهود بعد حرب السابعة والستين، للسلطة بعد أوسلو، يسردها أسامة العيسة عبر فصول ممتعة تحكي حكاية فلسطين الطويلة في قرنين مضطربين من الزمان.
وهنا ينتهي السفر الأول: سفر التكوين. مع نهاية هذا السفر ستكون قد قرأت تاريخا طويلا وحكايات عجيبة عن فلسطين وأهلها. تمهيدا للرواية التي ستبدأ حسب المؤلف مع سفر من لا أسفار لهم.
(2)
بعد أن تعبر الرواية على تاريخ طويل في جزئها الأول من تاريخ فلسطين وبيت لحم والدهيشة مخيما ومشفى، ها هي تعرج على القرن العشرين وخصوصا النصف الاخير منه، تنظر اليه عبر "طاقة المجانين"!
عشرات الشخصيات التي تربطها بالسارد قرابة او صداقة او توصية عابرة او جيرة او فضول، تملأ صفحات الرواية في جزئها الثاني غير ان جميع تلك الشخصيات لفحتها لوثة من الجنون.
وهنا لا يهم من هو السارد: بدل جزء من كل، ام كل من كل للروائي؟
فأن تروى هذه الرواية بضمير المتكلم ضرورة لا مناص منها، فالرواية لا تستطيع ان تعبر الا عن ذوي الإرادة كي تحافظ على نوعها. لا يمكن ان تكتب رواية عن شخص فاقد لقدرته على الاختيار عندئذ يغيب الصراع وتغيب التحولات وتصبح الرواية تكراراً لمعنى بعينه تماما كما هو العصاب دوران في حلقة مغلقة.
وهذا ما تجاوزه اسامة العيسة بان ادار الاحداث في وعي سارد متميز تاريخيا وادبيا وسياسيا لكنه واحد من ابناء مخيم الدهيشة وفلسطين. يمكن المرور على الشخصيات واحدة واحدة والبحث فيما يربط بينها كما يمكن ان نستل ملاحظات الروائي المتناثرة بين الفصول لنستخلص منها ملامح تجربته مع هذه الرواية وساضرب مثالا سريعا عما يمكن ان نحصل عليه.
ففي حكاية غازي جميل وهو مجنون أخرس يتتبعه السارد ويلتقيه صدفة في مصف سرافيس الداخلية في وسط البلد بعمان ويمسكه من ثيابه ويذكره بجيرتهم في الدهيشة واخيرا يحصل منه على جملتين تؤكدان انه يعرفه ثم يعود المجنون الى صمته الى الحد الذي يدفع السارد الى الشك بانه سمع صوت غازي جميل حقيقة ولعل هذا الشك راود أسامة العيسة كثيرا وهو يكتب، فهل راى وسمع حقا كل ما كتب ام انه يخيل اليه من سحر الإلهام انه قابل كل تلك الشخصيات؟ وهل نقل عنها حقا ما ارادت ان ينقل ام انه نسي فقصر قليلا او كثيرا؟ وهي تساؤلات ممضة، صاغ لها حكاية رمزية تبوح بها.
قراءة مثل هذه الرواية تثير في النفس خاطرا وهو ان القراءة في الأدب الروائي الأجنبي اقل وطأة منها في العربي والفلسطيني خاصة. ستتعاطف مع الشخصيات الاجنبية. ستتعلم التحليل النغسي او تتشرب الحكمة. ستستمتع وانت تقرا اعمق المآسي الأجنبية لكن عند القراءة في "مجانين بيت لحم" سيختلف الأمر. فانت أمام عمل آسر من الناحية الفنية لكنه مستل من واقعك. الناس بين دفتي الرواية ناسك. الرواية تقول لك : تفضل شوف. وتتابع: تفضل افهم. ثم تبقى الجملة الأخيرة معلقة : شفت وفهمت؟ تفضل اعمل! انقذ احدهم من الجنون. باسبابه العديدة المطروقة في الرواية سياسية واجتماعية وعائلية.
الأمر الذي يذكر بما كتبه طه حسين اثر قراءته لرواية محفوظ زقاق المدق من انها مكتوبة بجهد الباحث الاجتماعي الذي يقدم تقريرا للمصلح الاجتماعي حتى يتحرك!
أهداني هذا العنوان الجذاب صديقي سعيد حمدان مدير جائزة الشيخ زايد للكتاب بعد ان تم اختيار هذا العنوان كتاباً فائزاً في دورة الجائزة الأخيرة .. فشكراً جزيلاً له
بطل الرواية بلا منازع هو ذلك المبنى الذي يسميه الفلسطينيون الدهيشة ربما الأمر مواز لمستشفى الأمل محلياً أو العصفورية في لبنان .. وهي دار وضع المجانين والمختلين عقلياً ..
ولكن الكاتب يجعلها ثيمة لكي يسرد جوانب مختلفة من التاريخ النضالي والسياسي والإجتماعي الفلسطيني بطريقة لا تخلو من التهكم والسخرية المريرة .. أن تنظر إلى تاريخك الحديث بعيون مجانينك لكي يصل في النهاية إلى ذات النتيجة التي وصلت لها مبروكة ومحظوظة في المسلسل الخليجي الشهير ..
أن سكان الدهيشة هم العقلاء .. والمجانين الحقيقيون هم من يقبعون خارجها !
ربّما لأنّنا في عصر الرواية، أو لأنّ معظم القراء لم يعودوا يقرأون سوى الروايات، أو ربما لأنّ الجوائز السخيّة لا تركز إلا على الروايات (دار هاشيت أنطون رشّحت هذا العمل لجائزة البوكر مؤخّرًا، ولم يكن غريبًا أنّها لم تصل للقائمة الطويلة) قرر كاتب هذا الكتاب تصنيفه تحت بند الأعمال الروائية مع أنه لا يمتّ لها بصِلة. والعجيب أنه لم يكلّف نفسه عناء اصطناع أي شيء يجعل هذا عملا روئيًّا (ما خلا تقديمه لنفسه كراوٍ للأحداث والقصص التي يرويها لشخصية متخيّلة في بدايةالكتاب.. فيما يبدو أنه نسيها لاحقا، أو رميه الجنون على كل شخص بتعرض له في العمل، وجاء ذلك بالطبع بشكل واهٍ، وأرى أنّه أساء لكتابه بتصنيفه كرواية). رغم البناء الأدبي الكسيح الذي اختار كاتب هذا العمل تقديمه من خلاله، فإن ّالمحتوى جاء عكس ذلك، ففاجئني وأعجبني بشدّة وأضاف لي معلومات ورؤية لم يكن عندي علم أو إحاطة بها.
كاتب هذا العمل صحفي وباحث في شؤون التراث، في هذا العمل يقدّم بحثا -وتحقيقات صحفيّة- سيرية اجتماعية ومذكرات متفرقة حول مدينة بيت لحم ومخيّم الدهيشة مسقط رأسه، عن البلدة وناسها ما سمعه وما قرأه.. قصص متفرفة لأناس لا يجمعهم رابط سوى مدينة بيت لحم، بعضها يعود لما قبل قرنين من الزمن وأكثرها يتركّز حول فترة الإحتلال الإسرائيلي سنة 1967 وما تلاها. - النجوم الخمسة للمضمون متجاوزا بناء العمل وديكوراته.
وأخيراً أنهيت قراءة هذه الرواية بعد أن تركتها مراراً لأقرأ كتباً وروايات أخرى، في كل مرة أعود لأكمل قراءتها تراني أتركها مرة أخرى، وكأنني كنت أخاف أن أتورط بها وأن يستطيع الكاتب أن يقنعني بجنوني أنا أيضاً. معلومات مهمة ذكرت في هذه الرواية وخاصةً لمن يعيش في بيت لحم ويستطيع تحديد بعض المواقف والأماكن وربط الأحداث بها. أعتقد أن هذا السبب القوي الذي في كل مرة كان يعيدني لإكمال قراءة الرواية.
رواية مجانين بيت لحم لا شك أنه عمل جيد جدا ( صحفيا وتاريخيا ) ، وقد أخذ كثيرا من جهد صاحبه ويبدو جهده واضحاً في العمل ، إلا أنه في النهاية - من وجهة نظري المتواضعة على الأقل - = ليس رواية .
من عساه يكتبها? رواية تنعجن بها ذات الرواي المراقبة, بحرفية الصحفي وبنزاهة طفل حزين على أمه المريضة, بوطن ومخيم كتبت له الأقدار إحتضار الجنون والمجانين? / إختار أسامة العيسة الكتابة دربا فقادته أنها ان لم تكن للإنسان المظلوم والوطن المكلوم فما عساها تكون? جال في الوطن وتتبع مآسيه من إحتلال فاشي إلى سلطة فاسدة, إستنطق, وهو الصحفي الحائز على المركز الأول في جائزة الصحافة والإعلام, فلسطين تاريخا وأرضا وتراثا وإنسانا وشهيدا وجريحا وفسادا في مقالاته, لكن ما عساه يكتب في روايته وهي خطابه الطويل? أي قنبلة سيفجرها وجدانه? / إن كان الإنسان هو الحاضر الغائب في كل ما كتب أسامة العيسة فإن ثمة أناس لنا ومنا لم تعد أرجلهم ثابتة على الأرض, ولم يعد عقلهم متماسكا مع أفراد المجتمع, ولا قدراتهم تؤهلهم لكسب العيش أو الحياة بشكل طبيعي..يتألمون ولكن حتى أهاليهم لا يسمعون بعد أن تركوهم في دير المجانين, تركوا لأقدارهم وحدهم حيث تأكل السلطات أرضهم ويتجرأ المجتمع على كرامتهم ويستغل ضعاف النفوس عوزهم فمن يحكي عنهم? من يا تراه أهله ضميره وقدراته الفنية وخبراته الصحفية وتجربته الثرية حتى يكتب حكايتهم? / هي رواية "مجانين بيت لحم" الصادرة عن دار نوفل للآداب والحائزة على جائزة الشيخ زايد للكتاب عن فئة الآداب من أخذت على عاتقها أن تحكي حكايتهم وترسم عالمهم وتقترب من تفاصيلهم حيث تشرع الرواية, محاولة أن تحبك القدر الجنوني لمخيم الدهبشة حيث يمكث المجانين بديرهم, تحاول أن تؤسس الجنون في المخيم بشخصيات تاريخية مروا في أرضه وسكنوا بيوته, رابطة الجنون الذاتي للشخصيات التاريخية المذكورة بالجنون السياسي والجنون المكاني وصولا للفصل الثاني وهو "سفر من لا سفر لهم" حيث يسهب الراوي, بمعرفة غزيرة وعين دقيقة وخبرة حياتية لا يستهان بها, بوصف مجانين الدير وصفا لا يرطن بالخطابات الفارغة ولا الصور النمطية...يشرح ظروفهم ويسترسل في مآسيهم ويفضح مستغليهم...أرض ومجتمع يذيقوا المر لأضعف شريحة به ولا تعطيهم الإهتمام الكافي جدير بها, تريد الرواية أن تقول, أن تعيد حساباتها ولكن الراوي, وبعد أن يحدثنا عن الجنون السياسي للسلطات المحلية والجنون الديني لمعتنقي أديان أخرى في الفصل الأخير "في المشمش", يبقي جذوة الأمل فلا يستسلم لكل هذا الظلم, ظلم السلطات الدولية والمحلية والصهيونية وتكالب الجنون على المكان والإنسان, لا يستسلم ولا يستمع لنصيحة صديقه المجنون بدخول دير المجانين فالكتابة مصير وعلى هذه الأرض-فلسطين ما يستحق النضال!
عمل روائي زاخر وزخم بامتياز، كل الشكر لهذا الكاتب الرائع الذي وثق مأساة الفلسطينيين على لسان المجانين. سفير المجانين أسامة العيسة، لقد كان بينك وبين الإبداع شعرة، فلو تعبت أكثر على هذا العمل، لكان صار من أفضل ما تم انجازه في هذه السنة، وفي تاريخ القضية الفلسطينية. لا أنكر انني شعرت بالملل قليلاً أثناء القراءة، إلا أن زخم المعلومات فيها يشد القاريء للتركيز وتجاوز ملله. وهذا يشهد بإمكانيات الكاتب الروائية والتوثيقية.
وعلى كل حال، لمن يقول أن هذا العمل ليس رواية، فأنا أشك في اطلاعه على التعريف الأدبي للرواية، فالرواية ممكن ان تكون اتصالاً في الفكرة دون الأحداث.
أعترف أن قراءة هذا "الكتاب" استغرق مني وقتا طويلا، أول صفحات من الكتاب شدتني لاسيما أنها تتحدث عن مخيم دهيشة و الروايات المختلفة لسبب تسميته بهذا الاسم... ولا أخفي على أحد تحيزي الكامل للمخيمات واللاجئين وربما هذا الذي دفعني لإنهاء الكتاب ... كنت اقرأ قليلا ثم أقلب الغلاف لأتأكد من أن العمل الذي بين يدي عملا روائيا، مجانين بيت لحم كتاب تطرق فيه الكاتب أسامة العيسة لسرد قصص مجموعة من مجانين بيت لحم ، لا توجد روابط بين القصص سوى رابط الجنون... كل مجنونٍ مجنون ٌ على طريقته.
the book is not fun at all, it has so much information , some are useless and others are very informative , I enjoyed the first part of the book , the second part was a bit boring speaking about people with no useful role ... anyway , it's a must read after all, especially that it shows the Palestinian as normal people not as people fighting Israel ...the usual cliché stereotype !
القارئ هنا تعرض لخديعة! هذا عمل تاريخي ممتاز عن بيت لحم ومخيم الدهيشة وفلسطين لكنه لا علاقة له بعالم الرواية! الغريب فوز الكتاب بجائزة الشيخ زايد على أساس أنها رواية ! بينما هي مقالات تاريخية مكتوبة بعناية ودقة.
أوف أوفف أيها النبي المجنون !ما كذب يوسف يوم دعاك أن تكون ضمن الدير .ما كذب! الآن وأنا أنهي هذه الرواية الخلّابة ،بصدق، أتسائل عن طريقة تجعلني لا أنسى حكاية أو مجنوناً ،كيف يمكن ذلك لأحد العقلاء؟ يا ليتك لا تتوقف عن سرد الحكايا، عن الحديث عن بلادنا وزوّاها ومحتلّيها.