تحلق بنا رواية الهشيم الى اكثر المناطق الإجتماعية عتمة في العراق وأكثرها تحريم, فهي كصاعقةٍ تنير طريق من تخدعه مظاهر المجتمع المقدسة, ومطرقة تهشّم بها رؤوس لطالما تسترت بالمقدس النقي. الهشيم تعالج في سطورها الفلسفية البليغة العديد من التاباوات الإجتماعية المظلل عنها.. فهي متعددة الابعاد والمواضيع كأنها عربة ادبية تتجول بنا من عقدة أُوديب وعلاقة العداء بين الاب والإبن الى السادية المفرطة وانتهازية وزيف رجل الدين التي وصل بها الى التمادي بعذابات اقرب الاشخاص لها. الرواية اشبه بالمرآة السوداء للمجتمع العراقي بشكل خاص وللمجتمع العربي بشكل عام, اذ تعكس الجانب الغامض للفرد العراقي من حيث زيف المشاعر وضياع الشخصية وتشظيها.. وتظهر الطبقية المتخفية خلف ستار المجتمع المثالي, وبالأخص تجاه المرأة. الرواية واقعية ذات طابع غرائبي من خلال بعض المشاهد السيريالية, وايضاً تتخللها الحوارات الرومانسي والفلسفية على غرار روايات الادب الروسي.
مراجعة رواية الهشيم ل حسنين الحسيني الصادرة عن دار آشور بانيبال
بداية الرواية سوداوية على الطراز الحديث اذ وفق الكاتب بين اسلوب كافكا وادكار آلان بو وصاغهما بلمسته الشخصية.
شخصية وائل السوداوية والعدمية المتخبطة دوماً مع اي حادث او طارئ. نراه احياناً يوشك على النهوض والخروج من السلبية التي فيها ليرجع ينغمس وبصورة اعمق من ذي قبل مع كل خبطة
اسلوب السرد غير ممل واحداث جديدة تشدك اكثر في كل مرة تواصل القراءة.
تبدو الرواية سوداوية لأول وهلة ثم تتحول الى عاطفية رومانسية ويظن القارئ انه اخيراً اكتشف السبب خلف اضطراب شخصية وائل ليكتشف لاحقاً السبب التقليدي لأضطراب شخصية الفرد ألا وهو العائلة ثم يعود الكاتب ليخبرنا ان الامر اعقد مما نتصور.
ثم تأخذ الرواية منحى آخر بعيد عن الفكرة التي كونها القارئ مما يجعلها متنوعة ومتكاملة بما يتفق مع آلية السرد التي لا تُمل اطلاقاً والخاتمة الصادمة للقارئ.
الرواية مفعمة بوجهات النظر الفلسفية والاجتماعية، حبلى بالتجارب اليومية لكل فرد ووجهة نظر مغايرة او متفقة تناسب النظرة العامة وسقف المجتمع الذي يحيط بالشخصيات.
اعتقد ان الكاتب وظف اكثر من حادث وجمع عدة شخصيات من الواقع في شخصية وائل
وان الحوادث التي تتعرض لها الشخصية هي متعددة بتعدد شخصياتها إلا ان الكاتب جمعها كلها في شخصية وائل فلا عجب ان تظهر لنا شخصية مضطربة سوداوية عدمية متفككة لاتستقر على رأي ولايمكن تحليلها لأنها ببساطة اكثر من شخصية جٌمعت (في محاولة من الكاتب) في شخص واحد.
استوقفتني اقتباسات مميزة منها:
"عجيبٌ امر هؤلاء انهم يعشقون الحوادث" "التاريخ يمضغ الناس"
حينما تقره الهشيم تكون مع الروائي على البساط الطائر يرعبك بدايهً ما تقرهُ ثم تستقر بعد عده صفحات لتتصفح صفحه بعد الاخرى بشوق لتعرف ما تخبئ هذه الاوراق من حياه داخل حروفها ،هذه الحروف و الجمل البسيطه بطبيعتها لكنها اشبهه بالسهل الممتنع .الروايه في اوقات معينه تضع بلورتها السحريه امام كل قارئ وتريهه ما بداخله من مشاعر كُبتت ودفنت داخل نفسه الهشه . اسلوب الكتابه يناسب كل قارئ لبساطه السرد وطرحه،والكلمات منتقات بعنايه كبيره كشخص يختار هديه جميله لامه ..اشارت الروايه لاهميه ان تكون حرا دون قيد موروث تعاقب عليه الزمن حتى صدأ، لمن يجمع الراعي الكثير من الانعام في حظيرته ! لا لأجل شي فقط لاجل ان ينتفع منهم وهم كالحمقى فَرحيين .. تتخطى هذه الروايه الزمن ولا تخاطب عقل واحد او زمن محدد بل كانت كالجهاز الذي ينقلك بين زمن واخر شكرا لكاتب حسنين الحسيني على هذه الباقه الادبيه ونطمح بالمزيد من هذه الماس الذي نزين بيه عقولنا