What do you think?
Rate this book


1414 pages, Paperback
First published January 1, 1999
و من لا يعرف تاريخ العراق فعليه أن يقرأه. و من لم يقرأه فقد فاته الكثير.
الناس عجولون. ضيقوا العقل و النظر. و أغلب الأحيان لا يفكرون إلا في اليوم الذي يعيشون فيه. لذلك يجب أن يعاملوا كالخيل. أن لا يخلدوا إلى الراحة. و أن لا يحمّلوا أكثر مما يطيقون. فالراحة إذا طالت تولد الكسل. و الجهد إذا زاد عن حده يولد الثورة. أما الإحساس بالخطر فيجعل الناس في حالة من التأهب و التحسب. خاصة أن الذاكرة مليئة و لا تحتاج سوى التحريض.
قهوة الشط يا باشا شالعة قلبي. كل يوم و الثاني سالفة أو إشاعة. و كل يوم و الثاني: صار بالسراي فلان شي و فلان شي. و نحتار. شلون نخلص منهم. و رأيي يا باشا: نسد حلوقهم. لازم نسوي فد شي.و طبعا قهوة الشط حاليا هي هذا الفضاء الافتراضي الذي يسميه الغرب سوشال ميديا و له قوته لديهم أما لدينا فأصبح فقط متنفسا للحرية حتى اشعار أخر. حتى في بعض الأماكن لم يعد إلا للقيل و القال.
ضحك الباشا. هز رأسه عدة مرات. و جاء صوته بطيئا موزونا:
إذا ماكو قهوة الشط لازم نسوي قهوة شط. أو وتحده مثلها ..
و بعد قليل و هو ينظر لنائبه بتحديد:
شلون نعرف شنو صاير بالدنيا إذا الناس سدت حلوقها؟ إذا صمّت من فوق و من جوا؟ شلون نعرف الضحك من البكا. الجد من الهزل؟
و عاودته ذكرى الأيام الأولى لوصوله إلى بغداد. كان يفترض أن المناقشة الهادئة و الاعتماد على العقل و المنطق من أجل اقناع الأخرين يوصلانه على ما يريد. لكن بعد أن حاول و بذل أقصى براعته. اكتشف أن الناس هنا يختلفون عن الأماكن الأخرى. لأنهم هنا لا يريدون من يقنعهم. فهم بحاجة أكثر إلى من يأمرهم. إلى من يقول لهم ماذا يجب أن يفعلوا. و كيف يجب أن يفعلوه. أما حين تتحدث غليهم بأدب. بصوت منخفض. يفتحون عيونهم على اتساعها لكن أفكارهم في أماكن أخرى. ربما لأن عقولهم قاصرة عن إدراك ما تريد.يغرقنا منيف في التفاصيل الدقيقة عن كل شيء يمر عليه فهو يصف لك المنازل و ساكنيها و الشوارع و ما فيها و القصور و ما تكدس بداخلها و النساء و ما فاح من عطرهن و ما خفي في قلوبهن و كأنه عاش في ذلك العصر و رأي و عاين كل شيء فيه حتى خفايا النفوس.
مهما بدا القائد مخلصا للوالي فإن النصر الأول الذي يحققه يقدمه لواليه فعلا. أما النصر الثاني الذي يحققه فإنه يتقاسمه مع واليه. و النصر الثالث يكون على الوالي نفسه. فالحذر كل الحذر من النصر الأول. فإذا اضطر الوالي من جديد لنفس القائد. فعليه أن يعين إلى جانبه قائدا أخر ليشاركه النصر. و الأفضل ألا يعطي له الفرصة لتحقيق نصرين متواليين.انتهى الجزء الأول الذي يعتبر تمهيدا للملاحم المتلاحقة التي ستحدث في الجزء الثاني من أرض السواد.