ترتكز رواية " بان الصبح" على محورين رئيسيين هما: صراع الأجيال، الذي يتجلى في الفارق الواضح في نمط التفكير وطبيعة الشخصية بين كل من الشيخ علاوة الأب والشخصية الأساسية في أسرته التي تعتبر الركيزة الأساسية لهذه الرواية، وبعض أبنائه وبناته وغيرهم.
هذا هو المحور الأول، أما المحور الثاني، فإنه يتعلق بطرح موضوع المرأة، بشكل أكثر حدة مما طرحه بن هدوقة في رواياته السابقة. ونشير في البداية إلى أن البيئة التي اختارها الكاتب لروايته هي بيئة المدينة. وهي بيئة العاصمة بالذات، والكاتب كثيرا ما يحدد في هذه البيئة أماكن معينة مثل الجامعة، وشارع محمد الخامس، والمرادية إلخ... وهو يصف أحيانا بعض الأماكن بكل دقة حتى يقرب هذه البيئة من القارئ: " وكانتا قد وصلتا إلى نهاية نهج شاراس المتصل في أسفله بشارع العقيد عميروش، فرجعتا معه في اتجاه موقف التافورة الذي يقع في أصفل البريد المركزي إلى جانب حديقة صوفيا" ( بان الصبح ص 90).
مثل هذا الوصف نعثر عليه في مواضع أخرى من الرواية، ولذلك نشعر في كثير من الأحيان أن الكاتب يتحدث عن حياتنا اليومية العادية، فالبيئة هي العاصمة بهمومها المختلفة ومشاكلها، ومن بين ذلك مثلا، مشكل المواصلات، والسرقة في الحافلات، والخصومات، وفوضى الأطفال المهملين في الساحات والشوارع إلخ...
ثم إن الموضوعين الرئيسيين اللذين ترتكز عليهما الرواية قريبان منا بل هما من صميم حياتنا، فصراع الأجيال موضوع دائم، وهام في كل الأوقات، إلاّ أن الكاتب لم يكتف بمعالجة هذا الموضوع لحيويته الدائمة وأهميته المستمرة، ولكنه اختار أن يعالجه من خلال حدث هام هو مناقشة الميثاق الوطني سنة 1976. فهذا الميثاق الذي طرح كل الأفكار، وكل المواضيع، وكل المبادئ، وكل القضايا للمناقشة، كان فرصة ممتازة ورائعة لكي تبرز الآراء والأفكار المختلفة والمتناقضة والمتباينة.
ومع ذلك وعلى الرغم من أن جانبا هاما من الصراع، صراع الأجيال، وصراع الأفكار، قد برز من خلال مناقشة الميثاق الوطني، فإن هذه المناقشة لم تمثل – في الواقع- سوى جانبا من هذا الصراع، الذي يصح زيادة في التوضيح أن نسميه الصراع النظري، بينما يتمثل الجانب الآخر من الصراع في صراع الآباء والأبناء، وهو الجانب العملي في الرواية.
ينطلق بن هدوقة في طرح الصراع النظري من خلال وجهات النظر المختلفة، من موقع التأييد الكامل لهذه المناقشة، والمعجب بها، " ولعل أهم ما أدهش نعيمة، وأدهش كل ملاحظ هو هذه الحرية في التعبير لتي أعطت فجأة صورة أخرى لجزائر ظنها الكثير ماتت..."
والشيء الذي تأكدت منه نعيمة، وتأكد منه كل جزائري بهذه المناسبة هو أن الأنظمة التي تخشى أو تحارب حرية التعبير هي أنظمة ديكتاتورية، لا خير فيها لأي وطني، لأن حرية التعبير لم تكن في يوم من الأيام شرا على وطني " ( بان الصبح، ص 122)
والكاتب يقدم وجهات النظر المختلفة، لمختلف الطبقات، والفئات التي شاركت جميعها في مناقشة الميثاق، ومواضيعه المتنوعة، كموضوع اللغة، والاشتراكية، والأغنياء الجدد إلخ...
تقول " دلاكة" الحمام مثلا: " باية السمينة، امرأة القهواجي، امرأة عمك...أتظنين أشفق عليهن؟ لا لن أشفق على أحد، هذا يوم الفقراء أمثالنا" ( بان الصبح، ص 127)
وبن هدوقة في روايته هذه كثيرا ما يعمل على خلق فرص للحوار، والمناقشة، وهو كثيرا ما يطيل في ذلك محاولا أن يطرح ويناقش – عن طريق بعض الشخوص- مختلف المواضيع والقضايا التي تشغله، مما يجعل حدث الرواية في بعض الأحيان يثقل كثيرا، وخاصة عندما تكون هذه المواضيع المطروحة للمناقشة مواضيع فكرية لا تتناسب مع ما يتطلبه الفن الروائي، والأمثلة على ذلك نعثر عليها في أكثر من موضع في الرواية، ومن بينها – مثلا- ذلك الحوار الطويل الذي يجريه الكاتب على لسان دليلة ونصيرة، في بيت هذه الأخيرة، والذي يستغرق الفصل الثامن كله، أي أكثر من عشرين صفحة، والذي تناقش فيه مواضيع مختلفة من بينها، الطبقية، وحرية المرأة، والجنس، والثورة، واليمين واليسار إلخ...
كل هذا في الصباح عند قيام دليلة ونصيرة من نومهما، وحتى قبل شرب القهوة.
وكأن الكاتب نفسه أحس بخطأه، أو مبالغته في ذلك عندما جعل دليلة تقول: " قبل السابعة نتكلم عن اليمين واليسارظ كما لو أن حياتنا معلقة بهما" ( بان الصبح، ص 185).
فبعض فصول الرواية تتحول أحيانا إلى جلسات للحوار، خالية من أية حركة، أو حيوية.
مما لاشك فيه أن هنالك فرقا واضحا في خفة الحدث الروائي أو نقله بين فصول الرواية وصفحاتها المخصصة لمناقشة الأفكار النظرية، وبين تلك الفصول والصفحات التي يخصصها الكاتب لتصوير شخوصه في حياتهم، وفي صراع بعضهم مع بعض، وخاصة – منهم – أفراد عائلة الشيخ علاوة.
نريد منذ البداية، وقبل الدخول في الحديث المفصل عن الشخوص، أن نقرر أمرا، وهو أن بن هدوقة وفق كل التوفيق في اختياره لتركيبة الأسرة التي يمثل أفرادها أحداث الرواية، وإن كان – في الواقع – وفي اختياره هذا لم يخرج عن طريقة بعض كبار كتاب الرواية العربية مثل نجيب محفوظ، وخاصة في ثلاثيته، أو بعض الكتاب العالميين الكبار من أمثال الروسي المعروف دستويفسكي، وخاصة في روايته الشهيرة " الإخوة كرامازوف" إلخ...
وذلك في اختيار أسرة – لعله يجوز لنا أن نسميها اشكالية أي أسرة يمثل أفرادها جميع التناقضات، مما يجعلهم مؤهلين – عن جدارة – للقيام بدورهم كاملا في تمثيل جميع الاتجاهات والتناقضات، وهو ما يسمح للكاتب، ويتيح له أن يقيم روايته على الصراع الذي يمنح الحدث الروائي حيويته المطلوبة.
ولاشك أن هذا التناقض بين أفراد أسرة الشيخ علاوة هو ما كان يفكر فيه أحد أفرادها وهو رضا ابن الشيخ علاوة عندما كانت الأسرة مجتمعة كعادتها، يناقش أفرادها أحد المواضيع كل من وجهة نظره، ففكر رضا أن ما يجري أمامه هي " كوميديا لأسرة لا تعرف أين تقع بالنسبة للطبقات الاجتماعية الموجودة أو التي هي في طريق التكوين" ( بان الصبح ص 159).
هي أسرة ريفية، طارئة على العاصمة، وهذا الاختيار نفسه مقصود، فإذا كان الأبناء قد ولدوا أو ع...
عبد الحميد بن هدوقة كاتب جزائري ولد في 9 يناير 1925 بالمنصورة برج بوعريريج (الجزائر). بعد التعليم الابتدائي انتسب إلى معهد الكتانية بقسنطينة، ثم انتقل إلى جامع الزيتونة بتونس ثم عاد إلى الجزائر ودرس بمعهد الكتانية بقسنطينة. نضاله ضد المستعمر الفرنسي الذي كان له بالمرصاد، دفعه إلى مغادرة التراب الوطني مرة أخرى نحو فرنسا ليتجه عام 1958م إلى تونس، ثم يرجع إلى الوطن مع فجر الاستقلال.توفي في أكتوبر 1996م. تقلد عدة مناصب منها: مدير المؤسسة الوطنية للكتاب، رئيس المجلس الأعلى للثقافة، عضو المجلس الاستشاري الوطني ونائب رئيسه. علّم الأدب العربي بالمعهد الكتاني بين 1954- 1955 ثم التحق بالقسم العربي في الإذاعة العربية بباريس حيث عمل كمخرج إذاعي، ومنها انتقل إلى تونس ليعمل في الإذاعة منتجاً ومخرجاً. وبعد عودته إلى الجزائر عمل في الإذاعتين الجزائرية والأمازيغية لأربع سنوات ورئس بعدها لجنة إدارة دراسة الإخراج بالإذاعة والتلفزيون والسينما وأصبح سنة 1970 مديراً في الإذاعة والتلفزيون الجزائري. أمه بربرية وأبوه عربي مما أتاح له أن يتمتع بتلك الخلفيتين اللتين تمتاز بهما الجزائر وأن يتقن العربية والأمازيغية بالإضافة إلى الفرنسية التي تعلمها في المدارس رغم أن الفرنسية في تلك الحقبة من تاريخ الجزائر كانت ممقوتة لأنها لغة المستعمر، خصوصاً لدى سكان الريف الذين اعتبروا المتكلمين بها والدارسين لها بمثابة التجنيس. من هنا جاء قرار والده بإرساله إلى المعهد الكتاني الذي كان فرعاً للزيتونة في تونس. وكان أساتذة هذا المعهد من الأزهريين أو ممن تخرجوا من المدرسة العربية الإسلامية العليا بالجزائر. له مؤلفات شعرية ومسرحية وروائية عديدة ترجمت لعدة لغات. اكسبته نشأته في الأوساط الريفية معرفة واسعة بنفسية الفلاحين وحياتهم. ما جسده في عدة روايات تناولتها الإذاعات العربية.
" رواية ترسم صورة المرأة في المدينة، لتكون معادلاً موضوعياً لـ"نهاية الأمس وريح الجنوب" وفي الوقت نفسه امتداداً لها. في "بان الصبح" طالبة جامعية بمعهد الحقوق، شابة مندفعة متحررة إلى درجة اللامبالاة والعدمية، متيقظة ثائرة كالبركان تعيش في مجتمع تحكمه علاقات اجتماعية متباينة متناحرة عاكسة لواقع جزائري متنوع .. و حملة بالهموم الإنسانية .. فجاءت شخصية نموذجية تحمل مواصفات المرأة التي تتعامل بداخلها مجموعة
كتاب جميل يحملك من الواقع الجزائري اليوم الى ما كانت عليه في فترة السبعينات ، عائلة الشيخ علاوة ، ابناؤه، بناته ، محاولته المستمرة ليكون صديقا للعائلات الثرية كعائلة سي عبد الجليل . اكثر ما يعجبني في الكتاب هو دليلة و شخصيتها العنيدة و التي لا تحتمل الظلم حتى لو كان صادرا من والديها الله يرحم الاستاذ هدوقة .
تؤرّخ هذه الرواية لفترة حساسّة من تاريخ الجزائر في السبعينات وماعاشته من تغييرات سياسية وثقافية واجتماعيّة مثّل الميثاق الوطني أبرز تجليّاتها وقد عكست الرواية كل هذه التحوّلات من خلال عائلة الشيخ علاوة وزوجته كلثوم وأبنائه زبيدة وهالة ودليلة ورضا وعمر ومراد وابنة عمّهم نعيمة القادمة من تيزي وزو للدراسة في الجزائر العاصمة... لم تكن عائلة الشيخ علاوة بهمومها وتناقضاتها وصراعاتها الداخلية والخارجية سوى صورة مصغرة لجزائر السبعينات ... جزائر الاشتراكية وجزائر اللأصالة والمعاصرة جزائر المقاومة وجزائر التخلّف والرجعيّة جزائر النفاق جزائر التيه والضياع جزائر الحسم والوضوح ...هذه الجزائر الفتية التي خرجت مثخنة الجراح من حرب التحرير تبحث لنفسها عن أرضيّة تقف عليها وعن هويّة أضاعتها سنوات الاستعمار الفرنسي تبحث عن لغة لدولتها الجديدة وعن تشريع تهتدي إليه تتساءل عن الحريّة عن العدل عن الحب عن الثورة عن الحدود ...
لطالما أحببت بن هدوقة و "بان الصبح" ربما لا تكون روايتي المفضلة له لكنني وجدت بين سطورها أسلوبه الذي أحب. أهوى الحوارات المحورة مباشرة عن لغتنا العامية مما يجعلها ركيكة بعض الشيء و كذا تصويره للشخصيات بطريقة تصلني حتى الأعماق.
بالرغم من انني اتممتها و مع ذلك لم أفهم علاقة العنوان بالمحتوى إلا أنها تحفة ادبية تستحق القراءة. رواية تحكي الواقع الجزائري بإمعان، و تشرح العقليات المختلفة التي يتشكل منها المجتمع الجزائري بإتقان.
أبدع بن هدوڨة في تصوير أحداث وشخصيات تظهر في الوهلة الأولى بسيطة ولكنها تحمل في طيّاتها جملة من الأفكار والمعاني تتصارع وتتقابل داخل إطار واقعي إلى أبعد الحدود، استمتعت كثيرا وأنا أقرأ هذه الرواية، كما أنها شجعتني أكثر في مزيد التقرب والتعرف على الأدب الجزائري رواية وقصة وخاصة الأعمال الأخرى لبن هدوڨة...
تؤرخ هذه الرواية لفترة زمنية مهمة جدا من تاريخ الجزائر وهي فترة السبعينيات التي كان يعيش فيها الشعب أزمة لغة وأزمة هوية وأزمة إقتصادية أيضا .. يحكي واقع الأسرة الجزائرية في تلك الفترة وطريقة الحياة والاختلافات الموجودة بين مختلف الأجيال بين جيل يسعى ليبقى المجتمع محافظا وجيل آخر يسعى نحو التحرر، وهذا كله من خلال أسرة الشيخ علاوة وأبناءه الذين لا يتفقون معه في الكثير من الأفكار والذين ينصدم من أفعالهم بعدها ( الابنة الاكبر العزباء، دليلة المتمردة، رضا الحداثي، الابن الاكبر زير النساء وناهب الاموال، مراد الطبيب الذي لا يكترث لمشاكل الأسرة، هيام البنت الصغيرة) بنت أخيه القادمة من القرية للدراسة في العاصمة وتقيم معهم، وأخيه المجاهد الذي بقي في إحدى قرى تيزي وزو.. أسلوب الكاتب سردي سلس ومشوق والأحداث متتباعة تشدك لقراءة المزيد، مع الوصف التفصيلي للشخوص والمشاعر المرتبكة لهم.. رواية رائعة 💚
جزائر الأمس هي جزائر اليوم بتفاصيليها الصغيرة والكبيرة، لا تختلف المدن عما كانت لأن أبناءها لا يختلفون عبر الزمن ففي الرواية وصف حقيقي لتفكير العائلة الجزائرية بين الدفء والتناحر، بين أنانية الفرد وسيطرة كيانه وعدم التخلي عن الرابط الدموي والرابط الأسري هذا ما أعجبني بالرواية تصويرها للعائلة الجزائرية صورة واقعية معاشة. رواية بان الصبح هي تروي قصة تتزامن أحداثها مع تبني الجزائر للفكر الإشتراكي بطلتها دليلة الباحثة عن التحرر في رأي الكاتب وأنا أقول الباحثة عن إشباع رغباتها وأهوائها من خلال التدخين وشرب الكحوليات وإقامة العلاقات مع الجنس الأخر ليكشف لنا الكاتب حملها من خلال رسالة وصلت إلى منزل الأب الشيخ علاوة معنونة على إسم ابنت عم دليلة نعيمة ألفتاة الريفية القادمة إلى حياة المدينة لتتم دراستها الجامعية فتبتلى بسبب الرسالة بحبل يمس شرفها ويقضي على طموحها ويعود بها إلى المكان الذي أتت منه ليتم التقرير في مصيريها أتدفن أم تبقى على قيد الحياة بعد قرار الطبيب والحكم على عذريتها التي أثبتت للناس ولعائلة عمها براءتها من التهمة الموجهة إليها براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام. هذه قصة الرواية بإختصار شديد