كتاب طبع بهذا الاسم، ولا يعرف على وجه الدقة من الذي نحله هذه التسمية. أما الزمخشري فقد سماه: (النصائح الصغار) وذلك حين رجع إليه في تفسيره: (الكشاف) ونقل منه قطعة من النصيحة رقم (80): (املأ عينيك من زينة هذه الكواكب..إلخ) ويبدو أنه سماه (النصائح الصغار) تمييزاً له عن (مقاماته) التي يمكن أن تسمى (النصائح الكبار) وموضوع الكتابين واحد. وقد ذكره حاجي خليفة باسمه المشهور: (أطواق الذهب) فقال: مختصر، مشتمل على مائة مقالة كالمقامة، أوله: (أحمده على ما أدرج لي من آلائه) خاطب في كل صدر مقامة نفسه بقوله: يا أبا القاسم. وهذا بلا شك وصف لكتاب (مقامات الزمخشري) !? عدا قوله: (مائة مقالة) لأن المقامات كمعظم كتب المقامات خمسون مقامة فقط. مع إن حاجي خليفة لما ذكر (المقامات) أهمل ذكر أولها، وهو إشكال لا نجد له حلاً. ويزيد الأمر اضطراباً أن حاجي خليفة لما ذكر كتاب (أطباق الذهب) الذي نسجه شقروة الأصفهاني على غرار (أطواق الذهب) قال: وأوله (أي أول أطباق الذهب): (اللهم إنا نحمدك على ما أسبلت علينا). وأنت ترى أن أول (أطواق الذهب) (اللهم إني أحمدك على ما أزللت إلي من نعمتك) ولما ذكر (النصائح الصغار) أغفل أيضاً ذكر فاتحتها، ما يدل أنه لم يره أيضاً، وإنما نقل ذلك من الكشاف). لم تنبه الأستاذة أسماء أبو بكر محمد إلى هذا الإشكال في مقدمة نشرتها لأطواق الذهب (دار الكتب العلمية، بيروت: 1994م) مع إنها قامت بتذييل أطواق الذهب بما يضاهيه في (أطباق الذهب: ط) لشقروة الأصفهاني (عبد المؤمن بن هبة الله) المتوفى كما ذكر الزركلي سنة 600هـ?. يضم كتاب الزمخشري (100) موعظة، تتألف غالبيتها من بضعة أسطر، بلا عناوين، كتبها أثناء مجاورته في الحرم المكي الشريف. قال الشيخ يوسف الأسير (ت 1307هـ) في مقدمة شرحه لأطواق الذهب (المنشور سنة 1314): (كتاب أطواق الذهب، كتاب حكمة ونصاحة، وبراعة وبلاغة وفصاحة، مفرد في هذا الباب، معجب لذوي الألباب، كيف لا ومؤلفه في العلم كالعَلَم، جار الله الزمخشري علامة العرب والعجم...إلخ). طبع الكتاب لأول مرة مع ترجمته إلى الألمانية في (فيينا) عاصمة النمسا سنة (1835م) ثم طبع في (شتوتغارت) سنة (1863م) ونشرت ترجمة له إلى الفرنسية في باريس (1876م). وطبع بشرح ميرزا يوسف خان بن اعتصام الملك بعنوان (قلائد الأدب في شرح أطواق الذهب) بمطبعة التمدن بمصر سنة (1321هـ) في (154) صفحة.
هذا الكتاب لا يُقرأ إلا بمعجم للعربية ، ألفاظ الزمخشري الجزلة و البليغة تحتاج لتدبر أكبر من قراءة سريعة ، مائة مقولة عبقرية جمعت بين الزهد و الحكمة و الموعظة كانت نتاج علومه و عمره و جواره للحرم سنين عمره .. فأعظم بها من مقالة ..
" ما يُخفض المرء عُدمه و يتمه ، إذ رفعه دينه و علمه ، ولا يرفعه ماله و أهله ، إذا خفضه فجوره و جهله "
"ما أسعدك لو كنت في سلامة الضمير ، كسلالة الماء النمير "
" لا تمنع المعون و الماعون ، حتى ينعاك الناعون . إن مثل توسعتك علي أخيك و قد أضاق ، و حقنك ماء وجهه أن يهراق ، مثل العين الغديقة ، في حر الوديقة . ذاك من ذوائب الخير و النواصي ، و حقيق أن يطول به التواصي "
" أحمق من االنعامة ، من أفتخر بالزعامة . لم أر أشقى من الزعيم ، و لا أبعد منه من الفوز بالنعيم . و أنى يفوز من ديدنه الهتك بأستار ، و هجيراه الفتك بالأحرار . لا يفتر من إهراع في سبل الطغاة ، و لا يهدأ من إهطاع قبل البُغاة . هالك في الهوالك ، خابط في الظلم الحوالك ، علي آثاره العفاء ، و أدركته بمجانيقها الضعفاء "
" إياك و بلد الجور و إن كنت أعز من بيضة البلد ، و أحظى أهله بالمال المثمر و الولد ، و توقع أن تسقط فيه الطيور النواعق ، و تأخذ أهله الرجفة و الصواعق "
" لله عبد أنفه إلي طاعة الله مخزوم ، و قوله بالتوكل عليه محزوم ، لا يقرع ظنونه إلي غير قبابه ، و يُقعقع إلا حلقة بابه ، و لا يزل ظُفراً عن عتبته "
" لله بلاد عبد مكي ، ذي منتسب زكي ، قام عند مطلع سهيل ، قبل أن يتقوض خباء الليل ، فذكر الله تعالى و وحده ، و أثنى عليه و مجده ، و صلى علي النبي و سلم ، و طاف بالبيت الحرام و أستسلم ، و أعتنق المستجار و الملتزم ، و يتمن بالمقام و زمزم ، و أتى الحطيم فدعا تحت المزياب ، ثم تنحى فأقبل علي الأحزاب ، فصف قدميه في يمين الحجر إلي أن طلع مستطير الفجر "
كل خير متقي ، متخير منتقي ، لا يصطفي إلا الفاقع من الألوان ، و لا يصطلي النار ذات الدخان ، يقول إن أول العمى ، أن أرعى حول الحمى . و إن هذا ليرديني ، و ذاك مما يجرح ديني ، و إنه و إنه ، فلا يزال يخشى الظنة ، كالجافي السالك في الطريق الشائك "
" لا يعد في أهل الفطن ، من بعد عن الأهل و الوطن ، و رضى لنفسه أن تترامى به الأسفار ، و تتقاذف به القفار ، جازعاً بلداً إلي بلد ، نازعاً إلي مال و ولد ، ليقال إنه جوالة مدرب ، جوابة مجرب ، بلى إن الغربة دربة ، لولا أنها كربة ، و السفر أغتنام إلا أنه أغتمام "
" ألا إن حق الثناء ، لمن له حق السناء ، و لا أعلى من رب العرش و أسنى ، و لا أحسن من أسمائه الحسنى ، فأستفرغ في تمجيده طوقك "
" لا تخطب المرأة لحسنها ، و لكن لحصنها ، فإن اجتمع الحصن و الجمال ، فذاك هو الكمال ، و اكمل من ذلك أن تعيش حصوراً و إن عمرت عصوراً "
خواطر الناس عينٌ على صدورهم، وذي المقالات المجموعة من ذاك؛ فإن لأبي القاسم الزمخشري -رحمه الله- كتبًا علمية أُغفِلت روحه فيها، إلزامًا من العلوم على النفوس تارة، وخروجًا عن الأغراض النفسانية المحضة تارات أُخَر. وما كل ذا بعيب؛ فإن حقائق أغوار الصدور لا تخرج على كل مسطور، ولكن العيب في مُعاين ظانٍّ كمالَ تدليلها في كل أحوالها على حقيقة ما في نفس صاحبها؛ فإن سمعت منه توصيفًا سمعت ما لا يناسب المقام إقباحًا وتغليظًا، حتى يعدَّه لك -إن شاء- من جملة الخارجين عن المأمور بالتعاون معهم على البر والتقوى في قوله عز وجل: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله). وما ذاك صنيع أحد من المتعلِّمين على الحقيقة، ولكن صنيع مُرِيد حظِّه بأي حال وطريقة. والداعي إلى كتابتي هذا: أن لحكمة النفوس الممتزجة بالصدق أعلامًا، ما هي بالغائبة عن إبصار البصير وإن غُلِّط صاحبها أحيانًا، وهي موجودة في كلام صاحب هذا المُصنَّف وإن نُوقِش في كثير من كلامه في العلوم، وما أنا بالقائم معه فيها، ولكن لا أقوم فيها هاضمًا لحقِّه، والعدل -كما رأيت- في كثير من الناس لِمام، والله وحده الهادي بفضله إليه.