ولد زكي نجيب محمود عام 1905، في بلدة ميت الخولي عبد الله، بمحافظة دمياط. تخرج من كلية المعلمين العليا بمصر، عام 1930. في عام 1933 بدأ في كتابة سلسلة من المقالات عن الفلاسفة المحدثين في مجلة الرسالة. وفي عام 1936 سافر إلى إنجلترا في بعثة صيفية لمدة ستة شهور. وفي عام 1944 سافر إلى إنجلترا للدراسات العليا. وبعد عام واحد حصل على البكالوريوس الشرفية في الفلسفة من الدرجة الأولى من جامعة لندن (وكانت تحتسب في جامعة لندن آنذاك بمثابة الماجستير لكونها من الدرجة الأولى). عام 1947 حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة لندن (كلية الملك) في موضوع (الجبر الذاتي)، بإشراف الأستاذ هـ.ف. هاليت. (وقد ترجم البحث إلى اللغة العربية الدكتور إمام عبد الفتاح بنفس العنوان عام 1973).
عاد إلى مصر عام 1947 والتحق بهيئة التدريس بقسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة (جامعة فؤاد الأول آنذاك). سافر عام 1953 إلى الولايات المتحدة أستاذاً زائراً ومحاضراً في جامعتين بها حيث قضى فصلاً دراسياً في كل منهما. وبعد عام اختير مستشاراً ثقافياً لمصر بالولايات المتحدة لمدة عام. في عام 1956 تزوج من الدكتورة منيرة حلمي، أستاذة علم النفس بجامعة عين شمس. سافر إلى الكويت أستاذا بقسم الفلسفة بجامعتها لمدة خمس سنوات (حتى 1973). عام 1973 بدأ كتابة سلسلة المقالات الأسبوعية في جريدة الأهرام.
نال جائزة التفوق الأدبي من وزارة المعارف (التربية والتعليم الآن)،عام 1939. نال جائزة الدولة التشجيعية في الفلسفة من مصر على كتابه الصادر بعنوان "نحو فلسفة علمية" عام 1960. نال جائزة الدولة التقديرية في الأدب من مصر عام 1975، وفي عام 1984 نال جائزة الجامعة العربية "للثقافة العربية" من تونس.1985 حصل على درجة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأميركية بالقاهرة.
ذلك العام ( 1953/1954 )الذي قضاه د/زكي محاضرا في الولايات المتحدة في 2 من جامعاتها جامعة كارولاينا الجنوبية وجامعة واشُنطُن في أقصى الشمال الغربي على مدار الفصلين الدراسيين
أن تقرأ أدب رحلات بقلم فيلسوف لأمر مختلف تماما إذا ما قرأته بأى قلم آخر
كان اصراره أن يرى خريطة أى مدينة يزورها اولا ويحدد لنفسه مسار رحلته ليزور ما يشتهى من الأماكن ماشيا لا راكبا حتى يستمتع بالمدينة أولا
فــ د/زكي لا يكتفي بالوصف و الملاحظة فقط بل دوما ما كان يعقد المقارنات بين الحال في مصر والحال في أمريكا
بل وحتى قارن بين الأمريكيين في الجنوب والغرب وشتان الفارق فالمجتمع في الجنوب عنصرى فج وإختلاط الرجل بالمرأة فيه أمر غير سهل مثلما هو الحال في مجتعنا الشرقي أما في الغرب فالإختلاط يسير كذلك لا عنصرية فجة
كثيرا ما كان يستدرج د/زكي للحديث عن الثورة المصرية وعن موقف الإنجليز من قناة السويس وكانت إجاباته قي الصميم تُفحِم كل سائليه وتكشف غيرته على وطنه وبغضه للإستعمار بشتى صوره
أيضا عندما كان يُسأل عن الإسلام كان يؤكد أنه مع المسحية واليهودية ديانات من أصل واحد أو كما قال "أكمل خطة هي أن يبرز متكلمونا أوجه الشبه بينه وبين تينك العقيدتين لا أوجه الإختلاف"
وكم حَزُنْ و(أحزنني معه) بسبب الجهل العميق بالدين الإسلامي لدي الأمريكان حتى قال له أحد زملائه الذي لم يكن يفهم ما معنى كلمه مسلم: أتعنى محمديا ؟ لكن كان رد د/زكي عليه : أحس في إستعمالكم لكلمة محمديا معنى آخر وهو أنها عقيدة أنشأها رجل ولم يوح بها من الله
إكتشفت أيضا جانبا رائعا في د/زكي وهو أنه ناقد فني ممتاز وتجلى هذا عن زيارته للمتاحف في واشنطن ونيويروك وأخذ يصف المعروضات و التحف مع نقده وتحليله ومناقشاته في حيز لابأس به من الكتاب
بإختصار هذا الكتاب هو رحلة جغرافية فنية فلسفية ممتعة
يحكي زكي نجيب محمود أيامه في أمريكا عامي 53 و54 عندما كان أستاذا زائرا للفلسفة هناك.
قام – كعادة كتب الرحلات – بوصف الأشخاص والأماكن والمواقف، ولكنه وصف تميز بالصدق الشديد والبساطة والوضوح.
الأشخاص: معظم من قابلهم كانوا مثقفين وأساتذة، أي النخبة، لكنه لم يتناول المواضيع المتخصصة الذي تحدثوا بشأنها، وهو ما أراه اختيار موفق الأماكن: أبدع في وصف المتاحف والمناظر الطبيعية التي زارها ومفهوم الفن الحديث ورواده مثل بيكاسو وماتيس، وقد أحببت هذا الجزء كثيرا المواقف: أعجبني وصفه لانطباع الناس عن محاضراته في الفلسفة الاسلامية وجهل الأمريكيين التام بمصر والاسلام ووصفه للعنصرية القميئة بين البيض والسود
انطباعاتي عن زكي نجيب محمود
مثقف مثالي (فلسفة دين سينما موسيقى مسرح سياسة اقتصاد تصوير علوم طبيعية تاريخ ....)
متواضع ولكنه يطرب للثناء ويعترف بحاجتنا إليه دوما
يميل إلى الانطوائية، يحب عمله جدا، يعشق تبسيط العلم
يمشي كثيرا (وهي عادة أجدها في كثير من المفكرين القدامى، بجانب فائدتها الصحية، تساعد على تقليب الأفكار في المخ جيدا، بشرط أن يكون لديك ما هو جدير بالتقليب)
مبهور بأمريكا جدا، ولم أجد في ذلك أي غضاضة، عكس المبهورين بها الان. فهو زارها في أحسن أوقاتها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وهي تشرع في بناء امبراطوريتها. ولم تكن النزعة المادية والاستهلاكية قد تملكت سكانها بعد. وهذا ما يتبين في وصفه لتدين الأمريكيين الشديد.
الكتاب عبارة عن يوميّات لدكتور زكي نجيب محمود لمدة عام كامل أثناء زيارته لأمريكا للتدريس في اثنتين من جامعاتها . على غير المتوقَّع , كان أسلوبه سهلًا قريبُا إلى النفس و كانت خواطره دقيقة عميقة لكن في ذات الوقت يجيد التعبير عنها ببساطة .
في النصف الأول من الكتاب يصف د. نجيب محمود ولايات الجنوب و طبائع أهلها و يقارن بين حالنا و حالهم و كذلك يقارن بين فكرتنا عنهم - التي صنعها الإعلام و أفلام هوليود- و بين ما رآه على أرض الواقع , سواء بالتأكيد أو بالنفي , و أعترف أن أغلبها كان بالتأكيد مما وضعني في حيرة , خاصةً و أن الكتاب قد كُتِب في العام الدراسي 1953 - 1954 أي أن هناك نصف قرن يفصل بين زمن الكتابة و وقتنا الحاضر , لذا فهو توصيف دقيق لحال الأمريكيين وقتها , أما الآن فلا أستطيع أن أحكم .
ينتقل إلى الجزء الأوسط و الأبهى من الكتاب , و فيه يزور نيويورك في عطلة الميلاد و يصف أجواء الاحتفالات و التزيين و غيرها . لكن أجمل ما في الكتاب هو زيارة د. نجيب محمود للمتاحف الفنية هناك كمتحف الفن الحديث , و ما صحبه من تعليق على معروضات المتحف و رأيه في مدارس الفن المختلفة من فن القرون الوسطى إلى الفن الحديث ,, آراؤه كانت مفيدة جدًا بالنسبة لي , فتحت لي آفاقًا جديدة في كيفية رؤية الفن , خاصة الفن الحديث ربما الشئ الوحيد الذي أزعجني في الكتاب ككل , هو أنه حرمني متعة أن أجد اللوحات التي يتحدث عنها أو يصفها , فقد كان يذكر اسم اللوحة مترجمًا إلى العربية , و طبعا بحثت عنه بنفس الاسم و لم أجد أي لوحة , و للأسف لم يرفق إلى جوار الاسم المترجم الاسم الأصلي للوحة ,, ربما لم يخطر بباله أن يأتي عصر الانترنت حيث نستطيع أن نرى و نتمتّع بأي لوحة و نحن في منزلنا بكبسة زر .
ثم ينتقل بعد ذلك في الجزء الأخير إلى واحدة من ولايات الشمال يدرّس بها الفلسفة الإسلامية , و يقارن بين حال أهل الشمال و أهل الجنوب في كثير من مناحي الحياة ..
بشكل عام الكتاب جميل جدًا و خفيف و قريب إلى القلب و العقل في آنِ واحد .
مذكرات مسلية وخفيفة وكأنك عشت مع الكاتب أيامه في أمريكا وجدت الكاتب منحازاً بطريقة ما الى امريكا وربما كان ذلك كما أوضح الكاتب من أجل محاولته ابراز الصورة الايجابية التي كثيراً ما كانت تغيب عند ذكر أمريكا في مصر حينها على حد زعم الكاتب. لكن استمتعت بقراءة المذكرات على أية حال من المثير ما ذكره زكي نجيب محمود عن التناقضات في حياة الأمريكي ذلك الوقت بين دفاعهم عن الحرية وافتخارهم بها والقمع الشديد لأي أفكار قد يفهم منها على أنها دعم للشيوعية. أو بين تسويقهم لفكرة المساواة بين الناس وتمييزهم ضد السود في نفس الوقت. والطريف في الأمر الحجج التي يأتون بها ويقنعون أنفسهم بها وكأن التمييز ضد السود ليس مفسداً المساواة وقنبلة هيروشيما ليست جريمة بحق المدنيين من الجميل أيضاً ذكر الكاتب لكم التنوع في أمريكا بين ولاياتها وجغرافيتها واناسها بشكل يشجع الواحد على المغامرة وحب اكتشاف تلك الأرض البعيدة
كتاب يصنف على انه ادب رحلات ولكنه بقلم فيلسوف وشتان الفرق بين عين ترى وعين تدقق وتحلل كل ماتراه ..فى عام 1953 سافر زكى نجيب محمود للتدريس فى فصلين دراسيين فى جامعتين احداها فى الجنوب والاخرى فى الغرب ...يحلل لنا الكاتب الشخصية الامريكية كما راها بنفسه وبالمخالفة لما تعودنا على سماعه عنهم.وبالفعل لماذا لايكون كل ماعلمناه عن المواطن الامريكى والمجتمع هناك خطا فهم بالمثل لايعلمون عنا شى وبالكاد يعرفون مكاننا على الكرة الارضيه وليس كلهم ويظنون اننا مازلنا نعيش فى الخيام ونركب الجمال...فقد تبين للمؤلف وبما لايدع مجال للشك ان المجتمع الامريكى مجتمع متدين بل ويميل للتزمت وليس كما نعلم انه مجتمع منحل ومفكك ..بل لقد راى الجنوب الامريكى يميل للتعصب مثل الصعيد لدينا وندرة الاختلاط والزواج المبكر والترابط الاسرى ..كما انه عايش التعصب القائم بين البيض والسود حيث انه فى تلك الفترة كانت ماتزال قائمة وكنت اتمنى لو اطال الله عمره ليرى المواطن الامريكى الذى اشاد به وهو ينتخب اسود ليكون رئيس جمهورية ..كما ان زكى نجيب محمود متذوق للفنون وهو ما وضح جليا فى شرحه للوحات الفنية فى كل المتاحف التى زارها ....هو ادب رحلات بقلم فيلسوف
فكرت ماذا لو أني قبل أي رحلة لمدينة جديدة قرأت قليلا عن هذه المدينة تاريخها و جغرافيتها ..أمسكت خريطتها و خططت خط سيري خلال الرحلة و حددت الأماكن التي أنوي زيارتها و حاولت استثمار الوقت لزيارة أهم الأماكن و أكثرها ..لن أجد أسهل من الإنترنت الويكيبيديا و اليوتيوب مع موقع الجوجل و البحث عن الصور لأحصل علي أفضل و أسرع النتائج الممكنة.. ماذا فعل مفكر مثل زكي نجيب محمود في رحلته إلي أمريكا في الخمسينات وقتما لم يكن أمامه إلا الخرائط و الكتب و الموسوعات..اللهم إلا الجهد ..ثم التدوين ..كلنا قمنا برحلات لأماكن رائعة الجمال و بعضنا ذهب في رحلات علمية تستحق التدوين و القليل هو من سجل مذكراته ..القليل هو من عرف كيف يعبر بأسلوب سلس شيق يكشف الجوانب الخفية من العوالم التي لم نزرها أو زرناها و نحتاج أن نراها من عيون بألوان تختلف عن ألوان عيوننا.. لو لم تزر أمريكا تستطيع تحقيق استفادة جيدة من هذا الكتاب لو تتبعت سير وصف الكاتب عن طريق بحثك في الإنترنت و اليوتيوب ..الكتاب يكشف الجانب الخفي عنا من حياة الأمريكان في الخمسينات حتي ليرينا زكي نجيب محمود فيهم المجتمع العائلي المتحفظ في الجنوب الشبيه بمجتماعتنا الشرقية..و في نفس الوقت نعجب بالغرب الأمريكي المثقف المنفتح
وجدت نفسى فى حالة من البلادة التى تحتاج جرعة طارئة و عالية من الفكر .. فتناولت هذا الكتاب المميز و لم اتوقف حتى انهيت اول 100 صفحة فى اول جلسة ..
الكتاب يحكى بطريقة مميزة صور متنوعة من الحياة و ما يمكن ان يستفاد منها كمثل للحضارة الامريكية
و هذه هى ملاحظاتى حتى الان فى الكتاب
1 الكاتب لا يخجل ولا يتردد من التأكيد ان تجربته الشخصية فى الكتاب و الشخصيات التى قابلها ربما تختلف عن غيره .
2 الكتاب يحكى عن امريكا فى اوائل الخمسينات ، حيث كانت تلك الفترة مختلفة بشكل كبير فى نمط الحياة عن الان .. انا شخصيا اشعر انها كانت فترة اكثر رقيا فى تاريخ الحضارة الامريكية الاخلاقى و الانسانى
3 انبهرت بتواضح رئيس القسم الذى استقبل ضيفه و حمل عنه شنطه ، و كيف ان الكاتب لا يتوقع موقف مماثل فى مصر .. لكنى فى نفس الوقت تذكرت بعض نماذج اقابلها فى حياتى قد لا يكون غريبا عليها ان تكون بمثل هذا التواضح رغم درجاتها العلمية .
4 ازعجنى موقف الجنوبيين من السود و هذه العنصرية المقيتة
5 ازعجنى بشكل كبير الوصف الطويل للمعالم و المناظر حيث انى بدأت قرات الكتاب بهدف التعرف على الأفكار و القيم و ليس المناظر و الاماكن
6 فى اخر 50 صفحة كان هناك قدر دسم من المعلومات عن نظرة بعض المجتمعات العلمية فى امريكا للدين بصفحة عامة و للاسلام بصفة خاصة مما كام مفيدا دى
7 انك عشان تفهم رسمة فنان ... مش لازم تبص و تدور على العناصر المرئية اللى انت تقدر تتعرف عليها منفصلة .. انت المفروض تبص على اللوحة كلها ككيان متفرد و وحيد من نوعه .
المفروض تبص على اللوحة من نفس المنطلق اللى بتسمع بيه الموسيقى .. لما بتسمع الموسيقى مش بتدور على صوت الجيتار و صوت الطبلة و صوت كزا و كزا ولا بتدور على صوت الحيوان كدا فى وسط النغمة اللى شغالة .. لأ .. انت بتسمع النغمة على بعضها و بتحس بيها و تحكم عليها حسب الشعور اللى اثرت فيك بيه .
*
الكتاب فى مجمله جيد .. لكننى لم اتوقع ان اجد كل هذه الكمية من الوصف و فكرت اكثر من مرة فى التوقف عن اكماله بسبب هذا الموضوع .
سبب قراءتي للكتاب انه كتب في فترة لاحقة لثورة 23 يوليو كذلك ان الكتاب كتب في خضم التفريق العنصري السائد في امريكا , ناقش الكاتب التفرقة العنصرية لكنه لم يناقش الثورة اللهم الا في مسئلة وجود الانجليز في السويس .
زكي نجيب محمود كاتب رائع , وكل الفروق التي قالها بين امريكا ومصر صادقة ولاذعة , هي لمحبي الحقيقة مهما كان صعب ابتلاعها .
يذكر ان جميع الاشخاص الذين قابلهم كانوا من الصفوة الثقافية بالتالي انت تأخذ فكرة عن المجتمع المثقف في أمريكا في ذاك الوقت وليس المجتمع ككل .
كتب المرحوم في آخر الكتاب هذه الكلمات المحزنة
"إنني والله ملنا تذكر ما لقيته في هذه البلاد من تقدير يكاد الدمع يسيح من عيني , فقد عشت في وطني ما عشت , وجاهدت ما جاهدت , ولم أجد الا بخساً واستصغارا واستخفافا؛ حتي لقد فقدت الثقة في نفسي , وقد جئت الي امريكا فأعاد الناس إلي ما فقدته في ارض الوطن".
لغة الكتاب ممتعة وراقية ومتمكنة وصف الطبيعة جميل كأنك تراها عرض الأفكار وأفكار الآخرين فى الكتاب لمحات جميلة وإن كنت أعترض على بعض الأفكار لكنه كتاب يستحق القراءة شيق على ماتوقعت يصف أمريكا وشعبها كأن تعيش معه فى تلك الفترة زمانا ومكانا
يقول زكي نجيب محمود في مقدمة الكتاب: "في هذه اليوميات سجلت بعض خبرتي تسجيلا أمينا صادقا فوصفت من صادفته وما صادقته من الأشخاص والحوادث بالإضافة إلى ما أحسسته إزاء أولئك، وأردت أن أشرك القاريء العربي في خبرتي". دأ حديثه في سطور ذلك الفصل من مطار القاهرة والطائرة والمدن التي مر بها أثناء تحليقه في السماء وعن جليسه المجاور له في مقعد الطائرة، ثم أماكن "الترانزيت" التي مرت بها الطائرة، وفي باريس حيث ركب إلى جواره قس أمريكي وقال:"هذا أول أمريكي أتحدث إليه في رحلتي إلى أمريكا"، وأكمل: "إني أقدم على هذه الرحلة معتزماً أن أعرف الشعب الأمريكي عن كثب لا أتأثر في حكمي لا بما أراه وما أسمعه، فمن الأفراد الذين سألتقي بهم وأحدثهم ستتكون فكرتي الخاصة عن الأمريكيين وإذن جيداً إلى كل حديث ولأقرأ جيداً كل ما أراه على الوجوه من تعبير".
وقص كيف ركز في تعبيرات القس الأمريكي الذي جلس بجواره ووصفه :"بدت منه علامات الطيبة القلبية منذ اللحظة الأولى"، وحكى عن الحوار الذي دار بينهما عن بريطانيا والاستقلال ومشكلة مصر معها وعدد الكاثوليك في مصر.
ومن الطائرة والأفكار المختلفة التي راودته بها وعن رحلة كولومبس واكتشاف الأمريكيتين إلى نيويورك حيث هبطت الطائرة، ووجد في استقباله سيدة أخبرته أنها من جمعية تطوعية مهمتها استقبال الغرباء من أساتذة وطلاب ليمهدوا لهم طريق الاستقرار في البلاد، وعبر زكي نجيب محمود عن دهشته من سماعه هذا وعلمه بوجود 34 جمعية تطوعية أخرى تعمل تحت نفس الهدف.
ثم انتقل لليوم الثاني من الوصول حيث قرر المشي في شوارع نييورك وزيارة ثلاث أماكن هم عمرة إمباير ستيت أعلى بناء في العالم وقتها، والمكتبة العامة وبناء جمعية الأمم، وحاول في سطوره الأخرى أن ينفي سرعة المدينة وركض سكانها حول العمل وانشغالهم عن الانسانيات من خلال حوار دار بينه وبين فتاة أمريكية، فيقول: "إنني أنظر إلى الناس في الطريق فلا أجد ما توقعته من علامات السرعة والانشغال فقد كنت قرأت لكاتب مصري زار نيويورك وكتب لنا عنها أنه كلما سأل احد في الطريق سؤالا إلا امتنع عن الإجابة معتذرا أو بغير اعتذار لأن الجميع في رأيه يسيرون وكأنهم يعدون عدوا".
وفي كولمبيا بولاية كارولينا وجد تشابها بين الفندق الذي يقيم فيه والفندق الذي أقام فيه في نيويورك وفسر ذلك :" الظاهر أن الفنادق هنا متاشبهة التأثيث والإعداد فغرفتي في هذا الفندق شديدة الشبه بالغرفة في نيويورك وحسبي الآن من أوجه الشبه وضع الانجيل على المكتب في كلتا الغرفتين، إنني لأرجو ألا تفلت مني أمثال هذه الأشياء الصغيرة الدالة على مغزى كبير فها أنا ذا أرى الأدلة تتراطم على أنني إزاء شعب متدين".
ثم شرع في سرد الأحداث اليومية التي مر بها خلال مرحلة سكنه ومحاضراته في المدينة، وفوق كل يوم تاريخه ومسمى اليوم، وعن الصحف التي قرأها والنقاشات التي دارت بينه وبين الناس ولقائه بعرب يقيمون في المدينة كانت سطور هذا الفصل، واهتم كثيراً بالقصص المنشورة في الصحف اليومية الأمريكية، وأيضاً تفاصيل الأعياد والأطعمة المخصصة لها وهو ما رواه عن عيد الشكر ووجود الديك الرومي كطعام رئيسي في هذا اليوم.
وفي اليوم الأخير له في هذه المدينة يقول: "رغب الطلبة اليوم في أن أحدثهم عن مصر بدل أن أحاضرهم في الدرس فاليوم هو آخر الأيام قبل إجازة عيد الميلاد، فحدثتهم عن مدى الخطأ الذي يخطئونه في فكرتهم عنا ومصدر الخطأ خيانة كتابهم ومخرجي الأفلام السنيمائية فهؤلاء جميعاً يهمهم أن يصورونا في صورة غريبة أكثر مما يهمهم أن يصفوا الحق والواقع".
في واشنطن
وعبر عن فضوله نحو المدينة قائلاً: "وصلت واشنطن في الساعة الوحادة ولم أكد أقذف بحقيبتي في غرفتي بالفندق حتى خرجت كالنهم يريد أن يرى كل شيء في لحظة واحدة ونظرت إلى خريطة المدينة وصممت لنفسي طريقاً أسير فيه فأنا في المدن التي أزورها لا أركب بل أسير على قدمي".
وبنفس الطريقة اليومية في كولومبيا بولاية كارولينا كان اهتمامه الأول في وشنطن بالصحف وما يصدر فيها، وبدأ يومه بقراءة صحيفة واشنطن بوست، وتطرق لشكل الصحيفة وتشابهها مع الصحفي المحلية في المدينة الأخرى، ثم تطرق إلى عيد الميلاد وشكل وطبيعة الاحتفال به ومظاهر الزينة الموجودة في المدينة، وفي أثناء اجازة عيد الميلاد قرر زيارة بعض الأماكن والتي كان من بينها أماكن فنية.
ويقول: "على أن الفن الأمريكي ليس كله متشابهاً لأني أرى من فنانيهم كل مدرة وكل مذهب كأنما يساير الفن الأمريكي الفن الأوروبي خطوة بخطوة، فالفن الأمريكي في القرن التاسع عشر يتجه اتجاهات الفن الأروبي، ولست أرى حدوداً قومية تفصل الفن الأمريكي وتميزه من سواه يتأثير بنفس المؤثرات التي تؤثر في الفن الأوروبي ولماذا نتوقع شيئاً غير هذا ما دامت الأمة الأمريكية نفسها خليطاً من أوروبيين؟".
في نيويورك
وبدأ هذا الفصل واصفاً المدينة: "غادرت واشنطن بالقطار إلى نيويورك فبلغتها بعد أربع ساعات وربع، الانتقال من كولمبيا في كارولينا إلى واشنطن ثم من واشنطن إلى نيويوك كلالانتقال من منزل إلى مكتب ثم من مكتب إلى دكان، نيويورك بمثابة دكان كبير زاخر بالمعروضات، الشوارع في نيويورك بني هذه الناطحات تبدو ضيقة فالأرجح أن يشعر الانسان وهو سائر بين هذه العمالقة بأنه تافه ضئيل بدل أن يحس أنه عظيم جبار".
وكعادته في المدن السابقة توجه لتحديد أماكن الزيارة التي سيشرع فيها الأيام القادمة ومن متحف الفن الحديث إلى المتروبولتان وغيره من الأماكن الموجودة في نيويورك، ثم نقل تجربته مع سيدة دارسة للفن المصري وأنه استفاد من اللمحات القوية التي نقلتها له في شرحها للنحت والعمارة لدى الفنان المصري القديم.
ويقول في إحدى السطور: "إنني استطيع أن أقول إن نيويورك بل إن ال��لايات المتحدة كلها قد ركزت روائع حياتها في ثلاثة شوارع هي شوارع برودواي للسينمات والمسارح و الطريق الخامس لكبريات المحلات التجارية وبارك آفينو لفنادق ومساكن الطبقة العليا ولكل شارع من هذه الثلاثه له خصائصه واعتقد أن من يدرس بدقة هذه الشوارع الثلاثة فقد درس جانبا مهما من الحياة الأمريكية والذوق الأمريكي"، ثم شرع في شرح الحياة في الشوارع الثلاثة.
هنا يوميات يحكيها لنا الدكتور زكي نجيب محمود من أيام فصلين عاشها في أمريكا أستاذ فلسفة زائراً، الفصل الأول كان في ولاية ساوث كارولينا، والثاني في ولاية واشنطن في مدينة سياتل.
لم يكن الدكتور زكي في هذه الرحلة شاباً يافعاً، بل كانت في سنيّ النضج من حياته، وقد شارف الخمسين، ويحقّق الدكتور زكي التجربة التي يمنّي النفس بها كل من يزور أمريكا: أن يقابل أناس ذلك البلد ويعايشهم ويناقشهم، أن يتنقل معهم وبينهم، ويسافر في تلك البلاد، ويزور معالمها. قد كان كل ذلك، نقله لك في فقرات معنونة بتاريخ ذلك اليوم.
كتاب قرأته منذ مدة، ولم يزل في نفسي الانطباع الجميل الذي تركه.
مثل عادة الاستاذة قراته مختلفة عن باقي الناس عندي كل كلمة تمتلك وزنه و اثره على النفس لا امجده بصورة كلية لكن اقول كل شخص قد يحس امام كاتب او فنان بذلك شعور الوجداني ان هذا الرجل يناسبني و قد لا يناسب غير و هذا ما هو جميل في النوع بشري مدى اختلافهم و عوالمهم و طرق حياتهم و عيشتهم , لكن في سلطة الصورة الموحدة اصبحت هناك سلطة لطبقة فرضت نوع ادمعته كموضى و بالتالي تهمش كثير من الناس من اكتشاف ما يناسبهم من الحياة في كل انشطته من كتب و فنون و اصدقاء .
من الجميل جدًا كيف يخلط الكاتب بين نظرياته الفلسفية وقراءاته اليومية وبين أحداثه اليومية ، لقد كانت صفحات الكتاب بحق رفيقًا جيدًا في أوقات الضيق عدا عن كونها تفتح مزيدًا من وجهات نظر يمكن الاعتداد بها تجاه الشعب الأمريكي أو لنقل آباء وأجداد الشعب الأمريكي الحالي إذا أن الكاتب يتحدث عن يوميات في حقبة الستينات عن زيارته للولايات المتحدة والفترة الزمنية طويلة بعض الشيء إلى يومنا هذا.
رؤية ذكية ومتقدمة وموضوعية لأمريكا الخمسينات وكيف اختلفت عن الافكار النمطية التي كان يظنها عنها وعن شعبها،وقيمة الحرية والجمال والمقارنة مع مصر الخمسينات التي نظن انها كانت جنة
الله ما أجمل أيام الدكتور زكي نجيب محمود في أمريكا. القصص، المناظر، الأشخاص؛ الأفكار؛ كل مافي أمريكا وصفه بإبداع وإنصاف.. قل أن نجد لها نظير سيما في تلك الأيام ( مطلع الخمسينات).. منذ بدأت القراءة في هذا الكتاب.. تذكرت رحلة سيد قطب إلى أمريكا والتي كانت في نفس الوقت تقريبآ..وكان عنوانها ( أمريكا التي رأيت) سيد لم يرى في أمريكا شيئا يستحق الثناء الا ماندر.. فكلها فسق وفجور وبلد بلا دين ولا أخلاق ويعبد أهلها المال.. ومع مضى السنين يثبت ما توقعه زكي نجيب من هيمنة وسيطرة على العالم يقيمها وثقافتها.. وانهارت أفكار سيد الذي كان يؤكد انهيار حضارة أمريكا.
السؤال الذي اشغلني لماذا لم يوزع وينتشر كتاب زكي نجيب محمود على الاجيال بل إن الكثيرين لا يعرفون عنه شيء حتى الآن.. بينما انتشر كتاب سيد انتشار النار في الهشيم..؟