موسم النزوح نحو البلقان

by يوسف الخصومي

جلس شاب في العشرين وبين يديه قيثارة يضمها إليه برفق كما تضم الأم رضيعها، كان نحيلاً، في وجهه وسامة محت بعضها الأحزان، شَعر رأسه مجعد يكاد يصل إلى كتفيه. كان يعزف بكل حواسه مأخوذًا، وحركات رأسه لا تتوقف كأنها آلة برمجت لتعمل على إيقاع واحد، يعزف مرددًا كلمات أغنية أنا مواطن للطفي بوشناق. مع نهاية الأغنية كان أغلب من يقف بين الحشد تتصاعد أنفاسه ببكاء مزموم، كانت العيون تدمع دموع الحرقة والضياع. شعرت بفداحة خسارتهم، ألّا تجد بيتًا يؤويك ويضيع وطنك في لحظة من بين يديك، ثم تجد نفسك تائهًا هائمًا على وجه الأرض. أحسست بألم من يعيش في أرض غريبة ضيفًا ينتظر الرحيل، ذلك الانتظار الطويل الذي يقطع الأنفاس، عرفت أن الضيف يبقى ضيفًا، ويومًا ما يضيق به مضيفوه، والوطن يبقى وطنًا صدرًا حنونًا دافئًا يؤويك كما آوى أجدادك دون أن يضيق بهم ذرعًا. الوطن يبقى وطنًا وإن عبثت على صفحات تاريخه البيضاء الكلاب ولطَّخته بالسوّاد. غالبتني دمعة ساخنة انهمرت رغمًا عنّي واجتاحت القشعريرة جسدي كلّه. رمى فنّان المخيّم كما أحببت أن أسمّيه بالقيثار جانبًا، وراح يمسح دموعه بأسى، والناس تواسيه وتربت على كتفه مثنية عليه.
http://bit.ly/2Pbru6x

Paperback

First published January 22, 2020

Reviews

[إسلام محمد زيدان · Rating 3 out of 5]

لا تنتهي قصص الحروب وويلاتها، وتلك الرواية تأخذ زاوية مختلفة في سرد أحداث قضية اللاجئين.
بطل الرواية نفسه الذي يبحث عن فرصة في قلب أوروبا فيركب البحر ليقوم بمغامرة كبيرة وقوية ومؤثرة. نجح الكاتب في مواقف عديدة في توصيل مشاعر البرد والحزن واليأس ونقل مشاهد الهروب من الشرطة ومحاولات خداع لجنة التحقق من الهويات في معسكر اللاجئين. وأسرف في أحيان أخر في الإسهاب والسرد المطول. رواية جيدة العرض والفكرة والأسلوب

[امرؤ القصص · Rating 4 out of 5]

هناك بعض الروايات التي٫ بعد ان تنهيها تجد نفسك غير قادر على كتابة مراجعة لها. هي واحدة من تلك الأعمال الأدبية التي تترك في نفسك آثارًا عميقة بمجرد انتهائك من قراءتها. ليس فقط لأنها صعبة أو مُحيرة، بل لأنها تكشف عن كمية هائلة من الصعاب والمعاناة التي يمر بها أشخاص حقيقيين يبحثون عن الأمان والحياة الأفضل، ويجدون أنفسهم عالقين في أحداث مروعة ومُروعة بدقة فائقة.
.هي قصة شاب مثل الكثير من شباب شمال افريقيا يحلم بالهجرة الى الديار الأوروبية ويحكي قصة رحلته إلى متاهة الطريق من تركيا ودول البلقان في اتجاه الحلم الأوروبي الذي سيكتشفه أبشع كابوس في حياته كلها وتمنيه الرجوع التي رتابته القديمة التي كان يظنها "قاتلة".
في النهاية، يدرك بيقين أن السياسة هي التي تتحكم فعليًا في مأساتهم، حيث تحدد من يبقى ومن يعود، مما يجعل معاناة النازحين ومأساتهم مجرد أرقام في حسابات السياسة.
الرواية تأتي بلغة بسيطة ولكن قوية، تعكس مشاعر وأفكار الشباب الذين يعانون في تلك الحياة المعقدة، ويتعاملون مع أحداث تتجاوز قدراتهم بكثير."