محمد طملية كاتب وصحفي أردني (1957 - 2008) من مواليد مدينة الكرك، جنوب الأردن.
يُعد من الكتاب الأردنيين الأكثر شهرة محلياً وعربياً لما يتميز به من سخرية لاذعة وفهم سياسي لما يدور محليا ودوليا.
بدأ مشواره الصحفي مع جريدة الدستور عام 1983، وكان كاتبا لعمود يومي في عدة صحف أردنية أخرى، كما كان عضواً في الهيئة الإدارية لرابطة الكتاب الأردنيين، وفي اتحاد الأدباء والكتاب العرب.
وهو أول من كتب مقالا ساخرا في الأردن. وقد استطاع أن يوجد لنفسه أسلوبا فريدا، فجمع بين الأسلوب الصحفي والأدبي في الكتابة
يبدأ الكتاب بنهج السيرة الذاتية ثم يتحول لخواطر مدونة بطريقة عشوائية في محطات مختلفة وأزمنة متباعدة عندما تنتهي منها تُظهر معني أقرب للرثاء ولكنه رثاء الكاتب نفسه: "يخطر لي أن أجلس في بيت العزاء حتى الصباح. أهنئ الناس جميعًا، مستقبلا أو مُودِّعًا، وأقول: البقية في حياتي هذه المرة."،
أحببت الجزء المتعلق بالسيرة الذاتية أكثر وتمنيت لو شمل الكتاب كله، لكن لعل ما وراء "أربع شفاه ولسان واحد" شخصين كل منهما يروي ما يريد لكنهما في النهاية لسان واحد: "هُما ضجران. لذلك، لم يحفلا بالأشعة الطازجة في الخارج. ولم أحفل أنا أيضًا: شربنا قهوة من فنجان واحد. ونظرنا في المرآة لنرى وجها واحدا فقط . هل أحلق لحيتي ؟ هو لم يفعل. وأنا لم أفعل..".
بلغة تحترم العربية يمر بنا الكاتب خلال تجربة ثقيلة مع المرض ، وساخرة مع الحياة، وبالغة الأصالة والنفاذ مع كلٍ من الأمومة والطفولة والموت: "امرأة من طحين، ووجها رغيف. ويا لها من مفارقة، فقد ماتت تعد «قلاية بندورة» لأخي «علي» الذي يعود من عمله في الرابعة: ماتت وهي على رأس عملها كأم."
"ويتساءل: أيــن يذهب الآخرون؟ من أين يأتي الآخرون؟ والجحيم هو الآخرون. ماذا يريد؟ لا يريد شيئًا. يريد كل شيء. يخطر له أحيانًا أن يمشي في طرق لا يعرفها. هكذا: يمشي فقط. ولكنه يبقى. إنَّهُ هارب. مِمَّ؟ من ثعابين وضباع وعقارب وأفكار ونساء وأشجار وتفاصيل شتى. ويهرب من نفسه أيضًا. أنا أشفق عليه. فهو صديقي. وشاءت الأقدار أن أسميه (محمد طمليه) ."
غوص من ذاكرة طمليه. ما عندي كلام لمراجعة كتاب حكى قلب وروح طمليه اللي أرهقها الفقر واليُتم، والكثير من الظلم. طمليه اللي -زي ما بيقتبس منّو جابر جابر في مقال رائع كتبه عنّه بموقع حبر-نسي أن يكون لديه بيت، ونسي أن يتزوج، ونسي أن تكون لديه وظيفة..
ما يصنعه العالم بروح تحاول أن تكون صادقة مع نفسها يرويه طمليه.
من الكتاب: "وحدي مسكون بالخوف، ومصفوع بالعتمة. أضاعف من سرعني لا لشيء.. ولكن لمجرد أن يتناغم خطوي مع اضطرابي، ما ضرورة ذلك؟ أزعم أن المشي الحثيث هو نوع من المواساة لرجل خائف. هل قلت رجلاً؟ أتراجع عن ذلك.. أنفي عن نفسي أي صفة تتناقض مع انهياري. قسماً أن الرجولة عبء.. إن الرجولة إجراء يعيق الانكسار عندما تنقضي اللياقة أن ينكسر المرء. إن الرجولة تنطوي على انحطاط وعلى امّحاء لطاقات الإنسان الموهوب. قولوا ما شئتم، ولكنني أبصم على بياض: أنا لستُ رجلاً"
" بصراحة أنا لا أستطيع أن أقوم بعملية انتحارية، والأصحّ: لا أجرؤ. أريد وطناً/ هذا كلام لا غبار عليه/ ولكنني أريد أن ينوب عني آخرون في المواجهات، أريد أن أمشي في جنازة شهيد، ولكنني لا أستزيغ فكرة أن أكون شهيداً، وللعلم، يعجبني سقوط المزيد من الشهداء، فهذا يحفّزني للكتابة، ويقال إنني أتألّق فنياً. أعترف: أنا جبان وصغير ومتفرّج. وأعترف أكثر: أنا فاسد، ما الذي أفسدني؟ التربية الهزيلة/ الرضوخ لقناعة رسميّة أن الوطن أخذ وعطا/ استمرار الهزيمة باعتبارها إنجازاً في الشتات/ الإهانة. مقولات (سلامات يا راسي) جنباً إلى جنب مع مقولة (الحيط الحيط) دم بالنيابة، ودموع بالنيابة، ومقابر بالنيابة: أنا أنتدب الشعب الفلسطيني كله لتمثيلي في صفعة مدوية على خدّي. وأنتدب الشهداء لتمثيلي في الجنة التي لن أدخلها. أنا جبان.. وليمُت الجميع سواي."
"سألتني: ما الذي جرى لك؟ وهل محمد الذي أحببته أيام الجامعة هو محمد الذي أراه الآن؟ ثم ذرفت دمعة، ومضت، فيما بقيت أنا مرمياً قرب المدفأة (كنت في الواقع برداناً) ..فكّرت بكلامها: إنها تتحدث عن مرحلة كانت فيها الجامعة عبارة عن ثكنة لأحزاب غير داجنة. وكانت الكتب الممنوعة هي الأكثر رواجاً، وكانت الاجتماعات في البيوت تمتدّ حتى الصباح لصياغة ردّ ساخن على موقف الحكومة من مسألة ما (يظهر الرد في اليوم الذي يلي، على شكل منشور سرّي) ..وكان عداؤنا لإسرائيل حقيقياً (لم نكن نعرف شيئاً عن الاتصالات السرية) وكان الفرز واضحاً: هذا وطني وهذا رجعي..وهذا خائن. وكان الشهداء يتوافدون إلى ضمائرنا، فينفجر بركان في الروح، وكان الوطن وطناً بكل ما في الكلمة من صهيل. ثم تغيّر كل شيء.. صار للأحزاب يافطات. وصار المناضلون وزراء.. أو مستزورين. وصار الحكوميّ معارضاً، والمعارض حكومياً. وتفتّقت قريحة الوطن عن أفواج جديدة من السماسرة. أيتها الحبيبة: أنا جزء من خراب وطنيّ كبير. واللعنة عليكِ."
"أيّتها الطرق التي لم يعبث بها مهندسو وزارة الأشغال، خذيني"
"هنالك فرق بين الحصان وبين الصهيل/ أريد من البحر الزرقة فقط/ أنا لا أريد الماء ولكنّني أسعى للخرير"
"أنتم تعرفون أن المدينة أرضعتني من اسفلت شوارعها، فصرت أخاً في (الوضاعة) لمظاهر التمدّن الجوفاء"
"حرّيّتي هي الأساس: أريدُ أن أداوم في الحياة دون جرس الصباح. وأريد أن أخرج من الحياة دون استئذان من مربي الصفّ. وأريد أن ألعب الرياضة في حصة التاريخ. وأن أعالج مسألة الحساب في حصة العربي. وأن أنصب أرجوحة في غرفة المدير. وأن أشرب الماء من حنفيّة في غرفة سكرتير المدرسة. وأن أتناول مصروفي اليومي من غيمة حانية. كم يلزمني من قطرات؟ ها إنني أحشو جيوبي بالماء، أحشو حذائي بالخطوات اليافعة.. أمشي.. أين؟ بعيداً عن هنا"
❞ فقراء جدًا، ولكنَّنا لا نطيق العمل/ مناضلون، ولكنَّنا مرهفون بحيث لا نحتمل السجن/ نحبُّ الحياة، ولكنَّنا الأكثر ضجرًا منها. ❝
❞ وكان الوطن وطنًا بكل ما في الكلمة من صهيل. ❝
❞ ثم تغيَّر كل شيء: صار للأحزاب يافطات. وصار المناضلون وزراء.. أو مستوزرين. وصار الحكومي مُعارضًا، والمُعارض حكوميًّا. وتفتَّقت قريحة الوطن عن أفواج جديدة من السماسرة. ❝
عودة مجيدة للقراءة، عودة للحياة بعد طول غياب مع القصص الحقيقية وصدق الشعور حين يزين رحلة الوجع من المهد الكارثي المرمي تحت الدالية في الحوش الفقير إلى نعش السرطان اللئيم، رحلة من خيمة اليتم إلى خيمة الموت.
سيرة متعبة حزينة ولكنها رقيقة جميلة تواسي الروح وإن لم تفهم ما يحدث، لقد اخذتني هذه الرحلة في دورب كنت قد افتقدتُها فأعادت لي شيئاً من السكينة والطمأنينة.
محمد الهش الرقيق الجبان على حد قوله والذي لا أراه كذلك ، نجح في رواية قصته بتفاصيلها المؤلمة واخترق قلبي وبنى حب إضافي فيه لصدقه وشفافيته وهشاشته❤️.
لم ينسى الرائع طمليه المتحمسون الاوغاد ورسم مشهدهم الحاضر المتدهور والوضيع الذي نراه كل يوم دون أن نستطيع تغييره بخلع السيراميك واستبداله بالمروج الخضراء التي تنعش الروح.. رسم ذلك المشهد ببشاعة بالغة وكان أبشع ما فيه أنه حقيقي. لروحك السلام يا مُتعب...
"ثمة حُبّ للزوجة، ولكنه حبٌ ((مفروش)) يُطاح به إذا انكسر أثناء القيلولة الغالية صحنٌ رخيصٌ. أو إذا انطعب، على غفلة من الزوجة، جهاز خفق البيض، أو إذا أخلت الزوجة بأحد بنود الاتفاق المقدسة المتعلقة بالقهوة ذات السكر القليل."
رواية "#أربع_شفاه_ولسان_واحد" من روائع السيّر الذاتية، تحكي قصة كاتبها «محمد طملية» الكاتب والصحفي الأردني بكل جرأة وشفافية بعيداً عن التصنع أو التكلف، هي رواية تمزج الفرح بالحزن، والألم بالحنين، والاستهزاء بالنقد، تقوم على نقد الكثير من العادات الاجتماعية "النفاقية" ونقد الحكومة والأحزاب المعارضة بأسلوب ساخر.
أثناء قراءتك للرواية القصيرة (141 صفحة) ستبكي، وقبل أن تجف دموعك ستضحك، وقبل أن تفتر الضحكة ستفكر... صوّر #طملية بسردية سلسة الطفولة بشكل واقعي وبلغة حنينية، وأعطى مكانة عالية جداً للأم، ونبّه إلى بعض العادات الروتينية في الحياة الزوجية وبيّن سبب عدم زواجه، إلى أن توفي بالسرطان.
وهذه المرة الأولى اقرأ فيها رواية مرتين.
ملاحظة: هذه ليست مراجعة، فأنا لا أحب كتابة المراجعات. وإنما لفت نظر.
لغتها سهلة بسيطة إلا أنها تحتوي على الكثير من التشبهات التي تحمل معانٍ كثيرة برأي الشخصي، وربما بسبب مرضه وربما لأنها سيرة حياته المختصرة، لم يستطع الكتابة بشكل أفضل