يكشف عن الإستراتيجية الاستعمارية الأوربية لاحتلال المغرب في القرن الماضي، وما نشأ عن ذلك من رد فعل من قبل العلماء متمثلاً في نظرية ذات طابع شمولي في الاستعداد لإحباط الغزو الاستعماري وتجاوز آثاره، وفي التصدي حضارياً له ارتكازاً على الأحياء الإسلامي لمواجهة الهجمة الأوروبية على الهوية الحضارية للأمة.
وهو دراسة متعمقة لمفهومي المواجهة والمراجعة كطرفي قانون تطور القوة، ومحاولة لتفسير حركة التاريخ، وتشخيص الخلفية الدينية الحضارية للأمة، واستنباط قواعد التجديد ولاجتهاد والإبداع والجهاد والتدافع. وقد ركزت الدراسة على المغرب كنموذج، إلا أنها تبقى قابلة للتعميم على خريطة العالم الإسلامي، في تفسير حركة الاستثمار، ورصد تطوراته، وسياساته، وتتبعها، بدءاً من بيان مرجعية الغزو اللاتيني ونظامه، ثم عروجاً على استعراض مفهوم الاستعداد، وأصوله التقنية والمالية والسياسية، وتطورها نحو فكرة النظام الحديث، وانتهاء بتحليل نظرية الاستعداد وبيان موقعها في جدلية التحديث والاستقلال. نسخة pdf: https://archive.org/details/msaleh83_...
هذا كتاب نفيس غزير المادة، نسقه متتابعٌ يأخذ بيد قارئه بتؤدة دون تعسُّف. وقد طرق باباً لم يطرق من قبل، رغم حاجتنا المسيسة لسبر ما ورائه سبراً عميقاً ومنهجياً لنخرج من التيه ثم الاستضعاف. يدرس أحمد العماري مذاهب العلماء في المغرب في الاستعداد لمواجهة الغزو اللاتيني ما بين ١٨٣٠-١٩١٢م، وكيف صوروا الواقع، واشتبكوا معه، وأصّلوا للمواجهة فقهياً، وقد لخّص المذاهب الثلاثة: السلفية (وهي هنا يعني بها أهل العلم الأمناء على التراث لا المذهب العقدي)، والتوفيقية، والتحديثية، أحسن تلخيص، وعرض تأصيلاتهم وناقشها وتتبَّع مصادرها (وجُلها مخطوط حتى اليوم)، ونقد ما حقه النقد بمنهجية حسنة إلا أنه يؤخذ عليه عدم تحريره للعبارات الشرعية. وقد أحسن في السرد التاريخي مختصراً دون خلل، وأبانَ عن الغزو اللاتيني وأدواته وطبيعته أحسن بيانٍ. وأعاد تعريف حقيقة التحديث الغربي وأنه نتيجةُ صراعٍ داخلي حول ظهور الجامعة الإسبانية على الجامعة اللاتينية. وحقق مفهوم العلماء في المنظومة الشرعية وافتراقها عن مفهوم الانتلجنسيا (المثقفين) وهو تحقيق وتحرير من الأهمية في غاية حتى نخرج من السيولة العلمية في مواجهتنا للغزو والسعي في تغيير الواقع، وأظهر تعريف القوة عند العلماء وأنه شاملٌ لكل قوة: فكرية وسياسية واقتصادية وعسكرية وعلمية، ولا تُحصَر بالعسكرة، وأعادَ تعريف المال في النظرية الإسلامية، ودرس هذا وغيره في كلام العلماء ومذاهبهم وطرائقهم في المواجهة. ونبه تنبيهاً لطيفاً أنَّ هذا يحتاج لممارسة الفكر والبُعد عن السكونية (وظاهرٌ مَن أكثر المشتبكين بالواقع اليوم في الحركة الإسلامية). وتغيبُ هكذا دراسة عن حال المشرق بدايات الغزو اللاتيني وتطويقهم لديار الإسلام في المشرق وبداية الاستعداد للمواجهة التي نتجَ عنها فيما بعد هيمنة النموذج الحضاري اللاتيني وريثاً للنموذج الإسلامي. والحق أنه عملٌ ضخم، دراسةُ هذا الأمر، ولكنَّا -كما ذُكر- في حاجةٍ له وإعادة دراسة واقعنا والنظر فيه، وفوق هذا نحن تحت غزو دائم لا يتوقف في كل مجال، والله المستعان. عسى الله أن يعين على كتابة مطولة عنه.
أطروحة في الفكر الحضاري والمواجهة الحضارية بإمتياز. يقول يوسف ندا: التاريخ مدرسة لكن أين التلامذة؟، وأقول ببعض الدراسات والرسائل دُرر لكن أين القراء والباحثين؟.إجمالًا؛ يعرض دكتور العماري تجربة الإستعمار الفرنسي للمغرب بداية من التمهيد والتوطئة والمقدمات ثم ختامًا بالإحتلال العسكري المباشر فيسرد المفاهيم المرجعية للغزو اللاتيني ودوافعه ثم ينتقل إلى جهود العلماء واستجاباتهم لهذا الظرف الحضاري والتاريخي وأصول نظرية الإستعداد خصوصًا خطاب التحديث لمكوناتها. فوائد لا تُحصى من الرسالة حضارية وسياسية وشرعية وتاريخية وفلسفية وجغرافية واستراتيجية وجيوسياسية بل ومنهجية ونقدية وهذا الأهم لتجربة هي قريبة لتجارب دول الجامعة الإسلامية على حد تعبيره.