بعد قراءة هذه القصص المُنتخَبة من تجربة خضيّر، لن تكون، أيّها القارئ، هو أنت الذي كان قبل قراءتها. ستكون شخصًا "إنسانًا" آخر مختلفًا. سوف تُغيّرُك هذه القصص ولن تعودَ أنت.. لأنك لن تخرج من عوالِمِها، وهي، من جِهَتها، سوف تسكنك.. بحبّ وعمق كبيرَين. هي شيء من الأدب العالميّ، لأنّها تمتلك شروط الأدب الإنسانيّ كما ينبغي أن يكون. نسير مع خضيّر منذ تجربته المذهلة في "المملكة السوداء 1972"، ونكمل معه في المدهش "في درجة 45 مئوي 1978"، وصولًا إلى أحدث كتاباته التي لم تضمّها الكتب بعد! ستغرقون مع خضيّر وصحيفة تساؤلاته ورؤيته لقضايا الكون والوجود، كما للحياة اليومية على حدٍّ سواء. في الميثولوجيا والأساطير والتاريخ والفنون والآداب والعلوم، كما في دمِ الرّاهن العراقيّ. لنغرق معه في عوالمه كلّها، حتّى لو لم نخرج سالِمِين! ................
محمد خضير كاتب قصة قصيرة عراقي من الطراز الأول. بقليل من النصوص استطاع لا أن يفرض اسمه كقاص فحسب، إنما أن يشكل ظاهرة في القصة العربية ويحدث اختراقاَ نوعياَ مازال يتواصل مع نتاجه الكثيف والمميز.
في مدينة البصرة، ولد محمد خضير عام 1942. وفيها عاش وأصرّ على البقاء، حتى في فترات القصف اليومي الذي تعرضت له المدينة خلال الحرب العراقية - الإيرانية، ورغم الهجرة شبه الجماعية لسكانها أثناء تلك الحرب.
ينتمي خضير إلى جيل الستينات الأدبي في العراق. وقد عرفه القراء من مواطنيه حين نشرت أولى قصصه: (النيساني) في مجلة (الأدب العراقي) قبل أكثر من ثلاثين عاما. ثم لفت اسمه أنظار القراء والنقاد العرب بعد نشر قصته (الأرجوحة) في مجلة (الآداب) البيروتية، التي ثنّت بنشر قصته (تقاسيم على وتر الربابة) عام 1968.
صدرت المجموعة القصصية الأولى لمحمد خضير: (المملكة السوداء) عام 1972، وعُدّت عملاً تجديدياً ومغايراً، يشير إلى (عالم متشابك معقد ومركب وبسيط في آن، ومتجذر ووهمي، وواقعي وسحري، محبط ومتفائل، تلعب فيه اللغة والذاكرة والمخيلة والتاريخ والأسطورة والتشوّف الإنساني النبيل أدواراً لافتة للنظر).
وفى عام 1978، صدرت مجموعة خضير القصصية الثانية: (فى درجة 45 مئوي)، وتلتها المجموعة الثالثة: (رؤيا خريف) 1995. وسجلت كل من المجموعتين مرحلة متقدمة عما سبقها في العالم القصصي للكاتب، الذي لم يكفّ عن محاولته الدؤوب لإقامة المتخيل الخارق للمدن، وخلق عوالم مدينية تضرب جذورها في عمق التاريخ الواقعي والخيالي.
وضمن سياق احتفاء محمد خضير بمدينته البصرة، أصدر عام 1993 كتابه": (بصرياثا - صورة مدينة)، الذي سجل فيه وتخيل حياة البصرة في تسعة مشاهد. وصاغ بهذا الكتاب (بياناً شخصياً) يؤكد فكرة (المواطن الأبدي) التي يعمق خضير ـ من خلالها ـ وجوده الإنساني والكتابي، وانتماءه لمدينته.