كتاب يوميات التلصص كان بالنسبة لي بابا لتعرف على التاريخ اكثر من كونه يوميات للكاتب حسن مدن جعلني أسافر و أرى عدة دول و لكن بعيني الكاتب لا أنكر أن هذا الكتاب قد يكون من اكثر الكتب التي تلاعب بين سطوره قلمي سواء لتعليق على شيء او بسبب الهام قد جاءني وأنا أقرأ هذه السطور كتاب دمج بين المعرفة و المواقف الجميلة و المعلومات التي ستدخل رأسك لا إراديا مخلدة بين ثنايا ذاكرتك مواقف خظتها مع ابطال المواقف في هذا الكتاب
"في الرسائل لا يقال كل شيء" كما تقول أغنية روسية قديمة، كما لا يقال كل شيء فيما نكتب، تخبرنا عن الأمر "يوميات التلصص" المغزولة بعناية ذاكرة كاتبها الدكتور حسن مدن، وهو إذ يمارس استنطاق عشرات المشاهد والشواهد على مدار سنوات، يقدم لنا خلاصة موقفه من الحياة، ويروي لنا القصة التي يمر عليها ملايين البشر دون أن يلتفتوا، لأنهم ببساطة مشغولون بالتحديق في أماكن أخرى بعيدة.
يقول الأستاذ حسن مدن عن كتابه: " الوارد في هذا الكتاب، هو سرد ليوميات حدثت فعلا، ففيه رصد لمشاهدات وانطباعات وأفكار وأقوال وتناول لأشخاص ووجوه.
وفي ترتيبها عند النشر لم أعتمد تسلسلها الزمني في الغالب الأعم، فقد كتبتها بشكل متفرق، على مدار سنوات، في البحرين ودولة الإمارات وأثناء سفرات لبلدان مختلفة". بتصرُف
أميل دائما لقراءة أدب الرحلات والسير الذاتية، ففي قراءة، من وجهة نظري، فرصة لمعرفة العوامل التي ساهمت في تكوين شخصية صاحب المذكرّات، وكيف حقّق ما حقّق، إن كان أديبا على سبيل المثال.
وبقراءة أدب الرحلات، وخاصة القديم منه، نتعرّف على شكل القاهرة القديمة مثلا؛ شوارعها، أناسها، مأكلهم وملبسهم وحياتهم اليومية.
قرأت قبل هذا الكتاب " الكتابة بحبر أسود " لصاحب يوميات التلصص وكنت أرفع سقف توقعاتي لمستوى ذلك الكتاب ، لكنه كان أقل منه بشكل ملحوظ !
ما أريد قوله من يريد قراءة حسن مدن ليجعل آخر كتاب يقرأه له هو الكتابة بحبر أسود ، حتى يكون تدرجه في القراءة في تصاعد لا ان يصل القمة أولاً ويبدأ في النزول ولا يليق بحسن مدن أن نقول الهبوط!
الكتاب كان فيه الكثير من المقالات الجميلة وفيه بعض المقالات التي كان بالإمكان الإستغناء عنها لأنها لا تضيف أي إضافة تذكر .
ولكن " وفي حديثي دائماً لكن " .. أسلوب حسن مدن وقلمه الرشيق ولغته الساحره وذاكرته المتخمه بكل هذه الذكريات والكتب والمدن والشعر والأغاني والقصص والوجوه والشخوص والحنين يدفعك حتماً لقراءة أي كتاب يحمل أسمه فقط! وهذا ما سأفعله شخصياً سأجد لنفسي وقتاً إضافياً لقراءة ما تبقى من أعماله ، لأنه يقدم أدباً يستحق القراءة ، ويدفعك لتفكر وتتأمل ويجعلك ترغب بالكتابة حقاً .
توقعت الكتاب سيرة ذاتية، فكلمة يوميات تشير إلى ذلك، لكنها يومياتُ التلصصِ لا يوميات الكاتب، الكاتب يتلصص على معايشات وأشياء ووجوه وأماكن، يخرج منها بأفكار أو فلسفات عميقة.
نحن نعرف حسن مدن، إذا أراد أن يتحدث عن شيء تعمق فيه، بل حوله كذلك، أنت لا تعرف كيف يتعمق المرء حول الشيء، لكن مدن يبهرك أنه يتعمق حول الأشياء فعلاً، يكفي أن تسقط عليه ثمرة من شجرة التفاح ليكتب عنها مقالاً هي الجاذبية ذاتها، إنه من الكُتاب الذين يمتازون بالتأمل في كتاباتهم، فإذا تأمل صبغ تأملاته بثقافته وخبراته، فتجد نفسك تقرأ مستمتعاً كأنك شاركت الكاتب رحلاته، ومتأملاً كأنك تجلس معه، ومتثقفاً كأنك تنبش عقله، لكننا نعلم ونحن نقرأ لحسن مدن أننا لا ننبش عقله، بل هو من يغذينا من سحائب عقله مختاراتٍ تليق بالموضوع الذي يكتب عنه.
"الكاتب بالذات هو مراقب بامتياز أو متلصص، إن شئنا، فهو لكي يكتب عليه أن يلتقط أفكار كتابته من مراقبة ما يراه وما يدور حوله، ومما يسمعه أو يقرأه" . تلك هي جملة حسن مدن في مقدمة كتابه وهي توضح لنا فحوى الكتاب والذي هو عبارة عن مقالات في ما يعايشه في يومياته من مواقف وما تعترضه من أفكار مع الوجوه التي يلتقيها وفي الأمكنة التي يزورها.. كتاب لطيف أحببته وأحببت مؤانسته لي في ليلي.
كعادته حسن مدن يبهرنا بسعة اطلاعه وحساسيته في وصف الذكريات والأماكن والوجوه. بعض الفصول كانت أقل درجةً من فصولٍ أخرى لكن بالمجمل يحتوي الكتاب على مقالات ملفتة متنوعة بين المشاعر والذكريات وحتى المعلومات التاريخية القيّمة خاصةً في الفصل الأخير..
✍🏼 📚 📚 📚 يوميّات التّلصُّص المؤلف : حسن مدن 🇧🇭 الناشر /مسعى مقالات ٢٧٦ صفحة . . . . هذا الكتاب سرد ليوميات حدثت فعلاً ، و على ما يحتويه في فصوله الأربعة ( معايشات - أشياء - وجوه - أماكن ) تصحّ ، في صورة من الصور ، الثلاثية الشهيرة : ( رأيتِ - سمعتُ - قرأتُ ) و فيه رصد مشاهدات و انطباعات و أفكار و أقوال و تناول لأشخاص و وجوه .
هذه اليوميات ليست تدويناً لتاريخ أو سيرة ، بمقدار ما هي تسجيل مشاهدات الكاتب و استدعاء أفكاره و استعادة ذكريات . . . . مقالات خفيفة كـ حفيف البوم في عدم توّلد صوت أجنحتها عند الطيران و هنا يسافر بنا الكاتب البحريني مع يومياته هنا و هناك و مواقف حصلت و مواقف قرأها في صفحات الكتب و مواقف سيقت إلى أُذنيه إما حواراً أو تسلّلت إلى أُذنيه و هو قابعاً في كرسيه بالمقهى أو ندوات شعر ، مقالات تستّحق القراءة و وجبة خفيفه مرهفة الأحساس و تلطيف بين الكتب الدّسمة و فاصلةً بين الروايات الثقيلة كـ روايات دوستويفسكي .
و كتب حسن مدن في مقدمة الكتاب :
أن كاتب اليوميات لا يتحدث عن نفسه ، بل عن الأحداث التي عاشها كشاهدٍ و ليس كفاعل .
فالراوي أو القاص حكّاء يسرد حصيلة مراقباته التي تبدو في بعض مظاهرها تلصصاً على عوالم الشخوص و نفاذاً إلى دواخلهم ، فحتى لو جاء هذا السرد في قالب روائي أو قصصي يكسر مباشرة أو تقريرية الحدث ، فإن التفاصيل التي ينطوي عليها إنما هي مستقاة من الحياة اليوميّة ، من مشاهدات الكاتب و معايناته ، من ذكرياته و بالنتيجة من يومياته .
كتاب مقالات لطيف للأستاذ حسن مدن ،بأقسامه الأربعة: معايشات، أشياء،وجوه ، أماكن . تتلون بإحدى ثلاث :رأيت ،سمعت ، قرأت . مقدمة الكتاب لهذه اليوميات كانت من أجمل المقدمات التي قرأت مماجاء فيها : كل منا يرى ويُرى في الآن ذاته ،فخبرات الإنسان وتجاربه في الحياة تتشكل ،في جانب رئيسي منها على الأقل ،عبر المعاينة النابهة لأحداث الحياة وشخوصها . ويقول بأن المادة الخام للإبداع على أنواعه ،خاصة الكتابة ،هي تلك المستقاة من المراقبة . *اليوميات هي إحدى وسائل القبض على الأفكار . الكاتب الذي يرى ما حوله ،يرى في الآن نفسه ذاته ،أكان واعياً بذلك أم لا ، فتلصصنا على ما يحيط بنا ،هو في صورة من الصور تلصص على الذات أيضاً . كاتب اليوميات لا يتحدث عن نفسه ،بل عن الأحداث التي عاشها كشاهد وليس كفاعل . يذكرنا الكاتب في كتابه بأن الحل المؤقت يصبح دائماً في حالات كثيرة. .ولا يتردد في اقتباس أقوال للأستاذ سلامة موسى في مواضع عدة كقوله " تعلموا أو مارسوا هواية قبل أن تبلغوا سن التقاعد .سن الأربعين مناسبة للبدء في ذلك إن لم تبدؤوا بعد أو لا تملكون تصوراً أو مشروعاً للطريقة التي ستقضون بها مرحلة ما بعد التقاعد ." حتى في اللفظ ،فإن مرحلة التقاعد تسمى بالمعاش ،أي أنها مشتقة من العيش لا المما�� . ويستشهد بكتاب آخرين حيث تقول مؤلفة كتاب أزمة منتصف العمر ايدا لوشان أن الجزء الأول من حياتنا حتى سن الأربعين هو للتعليم والتجريب ،أما الجزء الثاني فهو الذي يأخذنا نحو النضج الأعمق حيث نكون قد قمن�� باختيارات شخصية عديدة في الدراسة والعمل والزواج ونمط الحياة ،وتطورت ملكاتنا في التقييم والتأمل . ثم يقول بأن الإنسان لا يشيخ طالما ظل عقله يضفي على وجوده معنى . تحدث عن كيف يمد الفن والثقافة الجسور بين أرواح البشر وعقولهم . المسودة الأولى لأي كتاب تكون غالبا غير مقبولة . نوعية القراءة تفضح شخصية قارئها . الكتب التي نقرأها هي تجارب بحد ذاتها . الحنان عطية ربانية . من الناس من يحسنون اختيار اللحظة المناسبة لمغادرة مواقعهم ،وهم في ذروة تألقهم متحاشين الانسحاب بعد أن يصبح تراجعهم مكشوفاً . ختم مقالاته بذكر المقاهي والبلدان والأزقة والشعوب التي عايشة في حقب زمنية مختلفة " بعض أساطير الشعوب ترتقي إلى مقام الشعر لفرط جمالها " وكيف أنه قد قابل ناس يدهشونه من حيث لا يريدون . عن بيروت ومدينة الشعر زحلة وعمان تلك المدينة التي تنشأ علاقتنا بها قبل أن نراها واسطنبول ، والاسكندرية التي من لم يزرها لم يزر مصر
هي يوميات، بسيطة وعفوية، وليست مقالات كتلك التي أعتدناها من د. حسن مدن، الكتابات العميقة والمدروسة من خبير. هي ملاحظات ومعايشات ووجوه وأماكن ينقلها لنا الكاتب مختزلة.
هذه المرة الأولى التي اقرأ فيها لِـ حسن مدن، ولن تكون الاأخيرة، ويعتبر الكتاب خطاب أدبي يقوم على المراقبة الواعية للعالم، تلك التي تتجاوز معنى التلصص السطحي إلى تأمل التفاصيل الصغيرة التي تشكّل حياة الإنسان اليومية؛ ما يُكسب الكتاب طابعًا أقرب إلى اليوميات الفكرية منه إلى السرد التقليدي.
ويتناول الكتاب التلصّص على الذات؛ كيف تتغير مشاعر الإنسان ورؤيته حين يتأمل نفسه من الخارج، التلصّص على الآخرين؛ ليس بنية الفضول، بل من باب محاولة فهم دوافع البشر وكيف تتشكل قصصهم من منظور بعيد، التلصّص على الحياة؛ التقاط ما يُهمل عادةً والنظر إليه بعين جديدة، هذه الموضوعات تمنح الكتاب عمقًا فلسفيًا خفيفًا، لا يُغرق القارئ بالتجريد، بل يبقى قريبًا من الحس الواقعي.
يتألف من مقاطع قصيرة تشبه الشذرات، كل واحدة منها تمثّل لحظة مراقبة أو تداعيًا ذهنيًا، مما يتيح وتيرة هادئة تسمح بالتوقف عند كل فكرة، مرونة في القراءة؛ يمكن الدخول إليه من أي صفحة دون أن يفقد القارئ خيط المعنى.
ويتميز الكتاب والكاتب بقدرته على تحويل العادي الى إستثنائي، وذلك بلغة بسيطة وعميقة في الوقت ذاته، كما يعكس الخبرة الصحافية والثقافية للكاتب في تركيزه على التفاصيل والتقاط المفارقات.
ويناسب الكتاب محبي اليوميات والتأملات الذاتية، القرّاء الذين يبحثون عن نصوص قصيرة لكنها مشبعة بالمعنى، كل من يميل إلى الأدب الذي ينطلق من الواقع ليصل إلى أسئلة الوجود والهوية والذاكرة.
إنه عمل يذكّر القارئ بأن العالم ليس مجرد مشاهد تمر، بل حكايات تنتظر من يلتقطها ويعيد روايتها.