أسِنات هي ابنة الكاهن الفرعوني فوطي فارع يا سادة. هي المصرية التي تزوجت من يوسف ابن يعقوب وأنجبت له منسى وإفرايم، أي أنها صارت من أمهات الأسباط رغم انتمائها الأممي. كيف يرى اليهود ذلك يا ترى؟ تلك العلاقة المشتبكة بين المصاهرة والعداء والتعالي المتبادل، فاليهود يحتقرون الغُلُف عابدي الأوثان والمصريون يحتقرون رعاة الأغنام ساكني الخيام. ها هي ترى نفسها في زي فرعوني أبيض وعلى صدرها طوق ذهبي عريض، تبحث باسمةً عن يوسف:أين أنت؟ هى الرواية الأولى للكاتبة المصرية فيبى صبرى، وتدور احداثها فى فترة الأربعينيات من القرن العشرين، وترصد طرق التعايش بين المصريين؛مسلمون ومسيحيون وأرمن. كما تنسج حكاية حب بين هيلانة وبين يوسف الطبيب الأرمنى.
عند الغروب خرج نجيب حاملًا النقود مُيَمَّمًا شطر روض الفرج لتنفيذ طلب أبيه قبل التوجه لمقابلة أصدقائه، وفي الطريق شاهد أفيش فيلم "انتصار الشباب" من بطولة فريد الأطرش وأسمهان. نظرَ بعينٍ حاسدةٍ للصورة الملونة المثالية ذات الخدود الموردة والعيون الجذابة والشعر الطويل المصفف بأناقةٍ مستفزةٍ. ما الذي تشعر به الفتاة إذا ما تقدم لها خاطب؟ هل الفتيات مولعات بالتفكير في الجنس كالرجال وينتظرنه بشغف؟ أم أنهن لا يكترثن له؟ إن خبرات بعض أصحابه مع المأجورات لا يمكن الاعتداد بها في معرفة دواخل الفتيات الشريفات ربيبات البيوت. كم تبدو له المرأة الآن لغزًا يتوق إلى هتك ستره! وكم يبدو غريبًا على بداهته أن يكون الله هو من "صمم" الجنس في المقام الأول!
تريد فيبي أن تكتب رواية تنضم إلى كلاسيكيات السرد بتقاليده ورومانسيته وحداثته تريد فيبي أن توضع روايتها بجوار روايات محفوظ وديكنز وهيجو وبروست معا لأنها قرأت واستمتعت وفهمت ودرست وقررت أن تكون بين هؤلاء تريد رواية فيبي أن تتحدث عن مئة عام من التكوين وميراث الأجيال وذكريات الراحلين ومشاريع المحبطين وأحلام النابغين وخطوات الغرباء وآثار المقيمين تريد رواية فيبي أن تكون خالصة لمحبة الله وسبيلها إلى ذلك محبة البشر ومتابعة رحلاتهم وجمع مروياتهم تريد رواية فيبي أن تكون حلقة وصل مع دوائر تاريخية وأخلاقية وإبداعية تريد رواية فيبي أن تفتح ضفاف السرد لكشاكيل لم تنشر تركها أصحابها المتخيلون الذين يماثلون شخصيات تشبههم في الواقع، يكتبون وتضيع أوراقهم في أدراج مكاتبهم أو تلتقطها أنامل خبيرة بصنعة السرد تريد رواية فيبي أن تكتب عن شخصيات مختلفة المذاهب والسبل والمشاعر بأصوات أصحابها الدراميين نجحت فيبي في صياغة رواية ذات صبغة متسقة بدرجات متناسقة متقاربة، لكن بأسلوب واحد ولغة رصينة صافية، لكنها لا تعبر عن الحمولة الشعورية والذهنية للشخصيات وتوجهاتها بقدر ما تعبر عن شخصية المؤلف الضمني أي الذات الصانعة للرواية من داخل النص خبرات المؤلفة الإبداعية من المكتبة الإنسانية تفوق خبراتها الحيوية بالبشر الآن وبتجليات السلوك الإنساني في عالم حيوي صاخب أرادت الرواية أن تقول كل شئ وكأنها رؤيا ذات تستعيد زمنًا سقطت أوراقه في بحر الرمال أرهقت الكاتبة عملها بمحاولة التوفيق بين أربعينيات القرن العشرين وقت تكوين الأجداد والآن وقت البحث عن الذات المبدعة، فجاءت الرواية عبر خطوط متوازية يتدفق فوقها قطار السرد حينًا ويهتز قليلًا كي يحافظ على المعادلة الصعبة أشكر لبثينة منحي هذه النسخة، وأشكر لمن راجع اللغة جهده الواضح
لغة رصينة متقنة عدا بعض الهفوات القليلة، مستوى اللغة أقوى من أغلب ما ينشر مؤخرا.
ذكرتني شلة الأصدقاء وحواراتهم واجتماعات المقهى في تلك الفترة بأجواء محفوظ.
تطرح الرواية أفكار ونقاشات كثيرة عن الحب والفن والدين والخرافة والروحانيات. قد اختلف أو اتفق مع الكاتبة إلا أنني استمتعت بما قدمت. كما استمتعت بصوت عبد الوهاب في خلفية المشاهد وأشكرها على تعريفي بكارمينا بورانا التي سأبحث عنها واستمع لها بالتأكيد.
الرواية تقدم صورة أصدق لمصر الملكية التي دفع بؤس البديل البعض لتمجيدها، رؤية مختلفة لنظام متواطئ مع المحتل، ولحكومة الوفد والنحاس المحاطان بهالة احترام لأنهما مثّلا للشعب الجانب الوطني، بينما تحالفات السياسة لا تعرف معنى الشرف، والمناصب كانت دائما أهم من مصلحة البلد، وادعاء الوطنية كان دائما وسيلة لتعمية الشعب عن الغايات الحقيقية. نلقي نظرة على الهوة بين الطبقات، وحال فقراء الفلاحين البائس في فترة يصورها البعض كجنة، بلغ هذا ذروته في وصف تفشي وباء الملاريا الذي كان يفتك بالقرى بينما النحاس يكتب سجعا صفيقا عن القضاء عليه وعن تمتع الفلاحين بالصحة. جدير بالذكر أن الكاتبة قامت بدراسة تلك الفترة ونشرت مراجعها في نهاية الكتاب.
بطل الرواية تسيطر عليه فكرة خلق عالم أرحب بلا عنصريات، تذوب فيه فروق الدين والعرق والجنسية بين البشر، ولا يدان فيه المرء بأصوله أو انتماءات لم يخترها ولا يحمل وزر ما ارتكبه أسلافه، وطبعا يصطدم بعالم قبيح يعاقب المرء فيه على انتماء ما لجد لم يره. يطرح نقاش هل الفن هو المنقذ وهو اللغة العالمية التي توحدنا أم مجرد مخدر لا يُحدِث تغييرا حقيقيا في الواقع.
ربما لذائقتي الشخصية أصابني الملل من الإسهاب في وصف هيلانة الحالم الأسطوري ليوسف وأتفهم أن المبالغة الشديدة تليق بسن هيلانة ورؤيتها. كما أن لي مأخذ على المثالية والكمال في شخصية يوسف ما جعله أقرب لفكرة ورمز وأفقدنا تصوره كشخصية واقعية لابد لها من نقائص وتناقضات. الرواية عموما ركزت على الأفكار أكثر من التعمق في رسم سمات الشخصيات وتعقيد العلاقات الإنسانية.
إيقاع الرواية تباطأ أحيانا، وإن لم أفقد استمتاعي بها وانجذابي لها لكن أتمنى أن تراقب الكاتبة رتم الأحداث بالتوازي مع طرح الأفكار في أعمالها القادمة التي انتظرها.
كانت هذه الرواية مفاجأة حقيقية لي: تتناول رواية نذر لفيبي صبري عن إصدارات "هن" في الأساس قصة حب. ربما هذا ما جعلني أتأخر لفترة طويلة عن قراءة الرواية، لأني عندما عرفت هذا من العنوان وكان لديَّ انطباع إني سأقرأ قصة متكررة ليس بها جديد... ما حدث كان على العكس من ذلك تمامًا. تدور أغلب أحداث الرواية في فترة الحرب العالمية الثانية، حيث نجد مسحًا لبعض فئات المجتمع المصري في تلك الفترة من أرمن وأقباط وشخصيات من أصول أجنبية. في الجزء الأول من الرواية تمد فيبي صبري خطوط الرواية لتعريف القاريء بالشخصيات والمشاكل الرئيسة لها، ويمتد هذا ل200 صفحة تقريبًا. في الجزء الأخير من أول 200 صفحة شعرت بانخفاض تواتر الإيقاع قليلا، ثم بدأ الإيقاع يتسارع في النصف الثاني من الرواية حتى وصل إلى ذروته مع نهاية الرواية الضخمة التي وصلت صفحاتها إلى أكثر من 400 صفحة. مسح رائع لمصر، ويقدم صورة مختلفة تمامًا عن الصورة التقليدية التي تُعرض بها مصر الملكية وكأنها جنة الله على الأرض... لا فيبي تقدم صورة أكثر واقعية واتزانًا حيث تُرتكب أعمال عنف ويسود الفقر المجتمع وتحدث هوة عميقة بين فئات مختلفة من المجتمع، كما تذهب بنا إلى الريف وتقدم لنا صورة قاسية عن أحواله في تلك الفترة، وكذلك تقدم صورة واقعية عن انتشار الملاريا في الصعيد وكذب حكومة الوفد في تعاملها مع الزمة حد إنكارها؛ الأمر الذي يصل باأحد أبطال الرواية إلى توجيه سباب مرير للنحاس... الوفد في الرواية ليس حزبًا ملائكيًا، ولا الجاليات الأجنبية تبدو ملائكية مثلما تقدم لنا بعض الأعمال مصر الملكية حتى تبعث فينا نوستالوجيا زائفة تجاه عصر مرير. مساحة الرصد في الرواية ضخمة جدًا، بمعنى إنها تناولت مواضيع وشخصيات كثيرة، وفعلت فيبي ذلك باقتدار وحرفية بالغة، حيث نقرأ طوال هذا العدد من الصفحات لغة رائقة متماسكة، وحبكة متماسكة إلى حد كبير لم تفلت فيها الكاتبة خطوطها. مواطن القوة في الرواية كثيرة جدًا، وهي تتعلق في الأساس بمحاولة تقديم صورة حقيقية عن مصر الملكية من خلال قصة حب غير تقليدية فتحت لنا كمية ضخمة من الخطوط. أظن إن موطن الضعف الرئيس في الرواية هو إهمالها لخط الحاضر، حيث جاءت أغلب أحداث الرواية من خلال اكتشاف "أسنات" لأوراق قديمة بعدة طرق حاولت ربط أحداثها سويًا، لكن خط "أسنات" نفسها التي تعيش في الوقت الحاضر كان شديد الاختصار. المفاجأة الحقيقية لي هي إن هذه هي الرواية الأولى للكاتبة... أمر مشجع جدًا جدًا على قراءة أعمالها المستقبلية. عمل جميل يستحق كل التقدير.
لو ترى نفسك في مرآةٍ الآن! لماذا تأخذ على عاتقك مسئولية الدفاع عمن لا يمثلونك في شيءٍ؟ أنت تظن فقط أنك تؤمن بما يدعون إليه، لكن الأمر لا يستحق هذا التعصب. أنصحك ألا تعتنق اعتقادًا ما قبل سن الثلاثين. استرخِ قليلًا واستمع إلى عبد الوهاب، فهو أولى بحسن الانصات، وما يجب أن تحْفَل به الآن في عمرك هذا. عبد الوهاب عرض فيلمه الجديد "ممنوع الحب"، ماذا؟ ألم يره أحدكم بعد؟ تفوتون على أنفسكم متعًا لا سبيل لتعويضها. أشكر الله على عبد الوهاب في هذه الأيام الرديئة
وما أن بلغت الأغنية الشطر القائل: "كيف يشكو من الظما من له هذه العيون"، حتى أغمض يوسف عينيه وانبرى للغناء كأن حياته متوقفةً على ذلك، بكل رقةٍ ممكنةٍ آسرةٍ، حتى أن المحيطين بهم طفقوا يستمعون إليه، إلى هذا الخواجة ذي الوجه الملائكي الذي يغني لحن عبد الوهاب بهذا الإحساس المتدفق الطبيعي، لكن نجيب عجز عن الصمت تجاه ما يشعر به، وما أن أتى الفاصل الموسيقي حتى اقترب من صديقه عبر الطاولة وقال هامسًا: -يوسف... أنت تحب... أليس كذلك؟
"ما اغبي من يطمئن لمستقبله مستدلا بحاضره! وما أحقرها حياة تلك التي نتهافت على عسلها وهي للسم أقرب. عسى العالم السماوي يكون أرفق وأرحب"
حكاية درامية عن الحب والصداقة والوفاء والأمل وعن فقد كل هذا وكيف يعيش الانسان عندما يفقد ما يعيش من أجله. رواية رائعة تتأرجح احداثها ما بين النصف الأول من القرن العشرين اثناء الحرب العالمية الثانية وفي الوقت الحاضر. بلغة رقيقة عذبة احيانًا وقوية في أحيان أخرى تتحدث عن حياة المصريين الإجتماعية وخاصة المسيحيين والآرمن، تتنوع طرق السرد ما بين الراوي العليم وما بين اليوميات والرسائل، تتداخل الأحداث والمواقف والتواريخ بخفة وسلاسة لنكتشف أن الزمن هو الزمن والصداقة هي الصداقة والبراءة هي هي، والجمال لعنة فى كل وقت، ورحمة الإنسان لا متناهية، وغباء البشر ليس له حدود، والحب كما هو يصنع المعجزات ولكنها معجزات قد تقلب حياتنا رأسا على عقب. تطرح الرواية العديد من التساؤلات عن الوطن والهوية والإيمان وعن صراعات الإنسان الداخلية، وعن جدوى الفن والموسيقي والأدب وماذا الذي يستطيع أن يفعله فى عالم ملىء بالحرب والكراهية. رواية تُقرأ بتأني وهدوء، اعتقد انها أخذت الكثير من الوقت والجهد والبحث.