التدبر هو المقصود الأعظم من تنزيل القرآن العظيم؛ قال تعالى : ﴾كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴿
بحث هام ونافع كونه يعد من البحوث التأصيلية في باب تدبُّر وفهم القرآن الكريم، وجاء بأسلوب جامع، جميل، ميسر، ومنظم، تليه منظومة جميلة في تدبُّر القرآن الكريم. ومن منطلق أن مبادئ العلوم جُمعت في قول الشيخ محمد علي الصبّان : "إن مبادئ كلَّ فنٍّ عشرة الحدُّ والموضوعُ ثم الثمرة ونسبةٌ وفضله ُ والواضع والإسمُ الإستمدادُ حكمُ الشارع مسائلٌ والبعضُ بالبعضِ إكتفى ومَن درىَ الجميعَ حازَ الشرفا"
قسّم الدكتور المطيري البحث على هذه المبادئ العشرة. وبيّن مبادئ التدبر، معناه، فضله، ثمرته، و الأسباب المعينة على التدبر، وكذلك موانع التدبر. ومن أول وأهم الأسباب المعينة على التدبر : تعظيم كلام الله تعالى وحبه. "وخير الأسباب وأنفعها لحب القرآن هو القراءة عن عظمة القرآن مما ورد في القرآن والسُنة وأقوال السلف في تعظيمهم للقرآن وحبهم له."
وبعده الإخلاص، ومداومة سؤال الله، والدعاء بالفتح والفهم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ربما طالعتُ على الآية الواحدة نحو مائة تفسير، ثم أسأل الله الفهم وأقول: يا معلم آدم وإبراهيم علمني، وكنت أذهب إلى المساجد المهجورة ونحوها، وأمرغ وجهي في التراب، وأسأل الله تعالى وأقول: يا معلم إبراهيم فهمني."
وقيام الليل وقراءة القرآن فيه، والقراءة الصحيحة المفسرة المرتلة للقرآن الكريم والتغني بها، والاستماع للصوت الحسن في قراءة القرآن، ومدارسة القرآن، ومداومة النظر في المصحف، الإكثار من قراءة القرآن، أيضًا من الأسباب المعينة على التدبُّر.
وقراءة كتب التفسير هامة جدًا في مسألة التدبُّر، قال إياس بن معاوية : "مَثَلُ الذين يقرؤون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره كمَثل قوم جاءهم كتابٌ من ملكهم ليلًا، وليس عندهم مصباح، فتداخلتهم رَوعةٌ، ولا يدرون ما في الكتاب، ومَثَلُ الذي يعرف التفسير كمَثل رجل جاءهم بمصباح فقرؤوا ما في الكتاب."
وأيضًا اللغة العربية أساسية، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : "فإن فهم الكتاب والسُنة فرض، ولا يُفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب."
ودراسة سيرة رسول الله ﷺ، وسُنته، تعد من أهم الأسباب المعينة على التدبُّر، "تحيّن الأوقات والأماكنا وكن لسيرة الرسول حاضنا فهي المثال والمنار والهدى بها تنال في التدبُّر المدى"
قال الشيخ السعدي : "فمن سلك هذا الطريق الذي سلكوه، وجَدّ واجتهد في تدبر كلام الله، انفتح له الباب الأعظم في علم التفسير، وقويت معرفته واستنارت بصيرته، واستغنى بهذه الطريقة عن كثرة التكلفات، وعن البحوث الخارجية، وخصوصًا إذا كان قد أخذ من علوم العربية جانبًا قويًا، وكان له إلمام واهتمام بسيرة النبي ﷺ، وأحواله مع أوليائه وأعدائه، فإن ذلك أكبر عون على هذا المطلب.""
وبعد تحري كل الأسباب المعينة على التدبُّر وإخلاص العمل لوجه الله، تأتي ثمرات التدبُّر، وأكبر ثمراته وأعظمها هي العمل بما في كتاب الله، واتباعه، فهذا هو الفلاح، قال تعالى : ﴾فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴿
قال الحسن البصري : "إن هذا القرآن قد قرأه عبيدٌ وصبيانٌ لا علم لهم بتأويله، وما تدبُّر آياته إلا باتباعه، وما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول :لقد قرأت القرآن فما أسقطت منه حرفًا وقد والله أسقطه كله، ما يُرى القرآن له في خلق ولا عمل."
اللَّهُمَّ اجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي. اللَّهُمَّ ارزقني التفكر والتدبر لما يتلوه لساني من كتابك، والفهم له، والمعرفة بمعانيه، والنظر في عجائبه، والعمل بذلك، إنك على كل شيء قدير. يا معلم آدم وإبراهيم علّمني، يا معلم إبراهيم فهمني. وللمسلمين أجمعين، آمين آمين يارب العالمين.
قال ابن مسعود:"إذا أردتم العلم فانثروا هذا القرآن،فإن فيه علم الأولين والآخرين" وعن ابن عمر قال:" تعلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه البقرة في اثنتي عشرة سنة،فلما أتمها نحر جزورا"
"كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته فقد نزل لأجل التدبر،ونزل لنتفكر فيه،ونعمل به،فاتخذنا تلاوته عملا،فما أبعدنا عن حقيقة ما نزل القرآن لأجله" وصدق الكاتب في العنوان،فجاء الكتاب في مبادئ التدبر حقا دون تطويل وتشعيب بعبارة دقيقة مختصرة،وتجميع جيد وحشد لعشرات النصوص قسم الكتاب على المبادئ العشرة للعلوم (إن مبادي كل فن عشرة الحد والموضوع ثم الثمرة ،ونسبة وفضله والواضع والحكم والاستمداد حكم الشارع،مسائل والبعض بالبعض اكتفى..) فالكتاب ليس في التدبر وإنما كان الحديث عن التدبر وكانت مباحثه كالتالي تعريف التدبر .تعريف علم التدبر تحرير الفرق بين التدبر والتفسير ٢-نسبة علم التدبر إلى العلوم وموضوعه ٣-واضع علم التدبر ٤-حكمه. ٥-فضله ٦-ثمرته ٧-مسائله ومم استمد وأصوله ٨-أسباب التدبر وموانعه ٦٣
على العموم الكتاب جيد ومختصر جدا ويصلح لأي مبتدئ وقد تناول بالسرد جل المؤلفات التي كتبت عن التدبر وحاول استقصائها جميعا
أما الملاحظات فالأولى هو أن كل من كتب عن التدبر غلب عليه ترتيب الأبواب وجمع عشرات النصوص فقط،دون إضافة تذكر ولو حذفت النصوص لما بقي لنا ربع الكتاب،بحيث لو قرأت عشرات الكتب في التدبر لوجدت التكرار جلي جدا فالكاتب جامع أكثر منه مؤلف والثانية أنه أهمل مباحث مهمة جدا ك علم الوحدة القرآنية،أو علم مناسبة الآيات وأثرها في التدبر ولكن يعذر الكاتب في هذا،فله عدة مشاريع في باب التدبر ،وقد أفاض وشرح تلك المسائل في كتب أخرى