اليسير في اختصار تفسير ابن كثير، اختصره ثلاثة من مدرسي دار الحديث الخيرية، وهم ١- الأستاذ صلاح بن محمد عرفات ٢- الأستاذ محمد بن عبد الله الشنقيطي ٣- الأستاذ خالد بن فوزي عبد الحميد وتم هذا العمل العلمي بإشراف فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام، وعضو هيئة كبار العلماء.
هو الامام عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير القرشي الدمشقي الشافعي. ولد في سوريا سنة 700 هـ كما ذكر أكثر من مترجم له أو بعدها بقليل كما قال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة. وكان مولده بقرية "مجدل" من أعمال بصرى من منطقة سهل حوران وهي درعا حالياً في جنوب دمشق بسوريا, وكان أبوه من أهل بصرى وأمه من قرية مجدل. والأصح أنه من قرية مندثرة تسمى الشريك تقع بين قريتي الجيزة وغصم ويمر من جانبها وادي مشهور اسمه وادي الزيدي وهي في منطقة حوران أو درعا حالياً. انتقل إلى دمشق سنة 706 هـ في الخامسة من عمره وتفقه بالشيخ إبراهيم الفزازي الشهير بابن الفركاح وسمع بدمشق من عيسى بن المطعم ومن أحمد بن أبى طالب وبالحجار ومن القاسم بن عساكر وابن الشيرازى واسحاق بن الامدى ومحمد بن زراد ولازم الشيخ جمال يوسف بن الزكى المزى صاحب تهذيب الكمال وأطراف الكتب الستة وبه انتفع وتخرج وتزوج بابنته. قرأ على شيخ الإسلام ابن تيمية كثيراً ولازمه وأحبه وانتفع بعلومه وعلى الشيخ الحافظ بن قايماز وأجاز له من مصر أبو موسى القرافى والحسينى وأبو الفتح الدبوسى وعلى بن عمر الوانى ويوسف الختى وغير واحد.
تنازع الأشاعرة والسلفية في أمر معتقده. فأما الأشاعرة فزعموا أنه أشعري العقيدة حيث ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة, ص17 ج1 باب الهمزة ( وهو حرف الألف) قصة حدثت بين ابن القيم وابن كثير عندما قال ابن كثير لإبن القيم "أنت تكرهني لأنني أشعري فقال له لو كان من رأسك إلى قدمك شعر ما صدقك الناس في قولك إنك أشعري وشيخك ابن تيمية". كما أن ابن كثير تولى مشيخة دار الحديث الأشرفية وشرط واقفها أن يكون أشعري العقيدة - انظر طبقات السبكي.
ورأى السلفية أنه كان واضحاً وجلياً أن ابن كثير سلفي الأعتقاد في غالب بل كل مؤلفاته فكان يصرح بها ولعل المتتبع البسيط لتفسيره (تفسير القرآن العظيم) يرى بوضح وبدون أدنى لبس أنه على عقيدة شيخه أبن تيمية. وكذلك ما كتبه في أول كتابه الجليل "البداية والنهاية" عن علو الله على عرشه وإثبات صفة العلو والفوقية لله العلي القدير. أما ما أثير حول كونه أشعرياً لقبوله مشيخة دار الحديث الأشرفية التي شرط وقفها أن يكون المدرس فيها أشعرياً فهو شرط غير ملزم وقد ولي مشيخة دار الحديث الأشرفية علماء سلفيون من قبله: مثل الحافظ جمال الدين المزي والحافظ أبو عمرو بن الصلاح. أما ما رواه الحافظ ابن حجر فهي كما قال نادرة وقعت بينهما ولم تكن في مقام البيان والإقرار.
الحمدُ للهِِ الذي بنعمتهِ تتمُّ الصالحاتُ...،🌹 لله الحمد والمنة، أن منّ عليَّ بفضله الواسع، ويسر لي بمدده الذي لا ينفد، قراءة هذا التهذيب الرائق الجميل المختصر بعناية، تستحق الثناء، من التفسير المشهور؛ تفسير القرآن العظيم للإمام الحافظ والمفسر الجليل ابن كثير.
وتفسير القرآن العظيم لابن كثير يعد من أفضل التفاسير كونه : -من نوع التفسير بالمأثور؛ وهو من أحسن طرق التفسير، وهو تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالسنة وما جاء عن رسول الله ﷺ، وتفسير القرآن بآثار وأقوال الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين والسلف الصالح. فكان ابن كثير يأخذ الآية الكريمة فيفسرها ويوضح معنى ما وردت فيها من كلمات غريبة إن وجدت، ثم يذكر الآيات المناظرة والمشابهة لها، والفرق بين معانيه، كأي آية منهم أخف أو أثقل على النفس من الأخرى؛ وسواء كانت الآية المناظرة لها في الحال، كما في آية سورة البقرة وهي قوله تعالى : ﴾وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴿ وهي تناظر في الحال آية سورة المؤمنون وهي قوله تعالى : ﴾وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴿
قال ابن كثير : "فعن وهيب بن الورد : أنه قرأ : ﴾وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا﴿ ثم يبكي ويقول: يا خليل الرحمن، ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت مُشفق أن لا يتقبل منك. وهذا كما حكى الله تعالى عن حال المؤمنين المخلصين في قوله تعالى: ﴾وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَة﴿ٌ أي: يعطون ما أعطوا من الصدقات والنفقات والقربات ﴾وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴿ أي: خائفة ألا يتقبل منهم؛ كما جاء به الحديث الصحيح عن عائشة عن رسول الله ﷺ."
أو سواء كانت الآية المناظرة في المعنى؛ كما في آية سورة البقرة وهي قوله تعالى : ﴾وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴿
قال ابن كثير : "قلت هذا كقوله تعالى ﴾إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴿ وكقوله لموسى وهارون عليهما السلام ﴾إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴿ والمراد من هذا أنه تعالى لا يخيب دعاء داع ولا يشغله عنه شيء بل هو سميع الدعاء وفيه ترغيب في الدعاء وأنه لا يضيع لديه تعالى"
أو ذكر الآية المناظرة في المعنى مع توضيح الفرق؛ كما في آية سورة فصلت، وهي قوله تعالى : ﴾وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴿
قال ابن كثير : "هذا المقام لا نظير له في القرآن إلا في سورة الأعراف عند قوله: ﴾خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴿ ،وفي سورة المؤمنين عند قوله : ﴾ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ﴿ لكن الذي ذكر في الأعراف أخف على النفس مما ذكر في سورة السجدة؛ لأن الإعراض عن الجاهل وتركه أخف على النفس من الإحسان إلى المسيء فتتلذذ النفس من ذلك ولا انتقاد له إلا بمعالجة ويساعدها الشيطان في هذه الحال فتنفعل له وتستعصي على صاحبها، فتحتاج إلى مجاهدة وقوة إيمان."
كذلك بيّن الناسخ والمنسوخ من الآيات. كما وضح فقه الآيات، والمسائل والأحكام الفقهية المتعلقة بها، ومذاهب الفقهاء في الأحكام الواردة فيها، وما أكثر المسائل المتعلقة بآية سورة البقرة؛ سواء في أحكام الصيام والفطر أو أحكام أو مذاهب الفقهاء في مشروعية التكبير بعد إكمال العدة وهي قوله تعالى : ﴾شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴿
وبعد أن ينتهي من التفسير بالقرآن، يورد الأحاديث الشريفة التي وردت في الآية، أو في سياق معنى الآية أو السورة ككل، وجدير بالذكر أن المراجع كثيرًا والمتأمل في السيرة النبوية الشريفة وعلوم الحديث، يسهل عليه التفسير بالسنة كونه متمكنًا وملمًا بما ورد فيهما.
ثم يختم تفسير الآية بما ورد من أقوال الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين كونهم كانوا ملازمين ومصحابين لرسول الله ﷺ، شهودًا على التنزيل وأكثر الناس معرفة بأحواله ﷺ.
- ومن أهم أسباب أفضليته أيضًا أنه سهل وواضح بعبارة رشيقة جميلة يسيرة، فيناسب اطلاع الجميع عليه والاستفادة منه.
- حوى الكثير من الفوائد في أبواب الدين؛ كالعقيدة والتوحيد، والفقه، وعلوم الحديث، والسيرة النبوية. بالإضافة إلى القصص القرآني، قصص التاريخ واللغة والشعر.
-التزم بمنهج السلف الصالح في الأسماء والصفات، وهم أهل الكتاب والسنة؛ كما في تفسيره لآية سورة الأعراف : ﴾ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ﴿ فقال ابن كثير: "فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدًا ليس هذا موضع بسطها وإنما يسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح: مالك، والأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي، وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديمًا وحديثًا وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل."
-لا يخلو من اللطائف والفوائد التربوية النافعة؛ فتخللته عبارات ورقائق إيمانية وأخلاقية في التزكية، تطبع على قلب المتأمل فيها رقة وسواء كانت لابن كثير أو كانت واردة عن السلف الصالح؛ وبذلك يكون جمع في تفسيره بين الفائدة العلمية الفقهية، والفائدة التربوية.
والكتاب الطيب المبارك "اليسير في اختصار تفسير ابن كثير" ، وضعته لجنة من مدرسي دار الحديث الخيرية بمكة المكرمة؛ بغرض التيسير على طلبة العلم وغير المتخصصين ممَن لديهم الرغبة بالاطلاع والالمام بتفسير ابن كثير، وكان طول التفسير بما اشتمل على كثرة الأسانيد وغيرها، عائقًا أمام اطلاعهم والمامهم به، وهي غاية نبيلة ومقصد شريف عظيم عند رب العالمين؛ جزاهم الله عليه أوفى الجزاء وأتمه.
ويعد من أفضل مختصرات تفسير ابن كثير كونه : - التزمت اللجنة القائمة عليه بمنهج ممتاز لم يخل بأصل تفسير ابن كثير، ولم يخرج عنه؛ فحذفت الأسانيد، وحذفت الأحاديث الضعيفة وأبقت على الصحيحة والحسنة، والأحاديث التي لها فائدة مباشرة في التفسير، وأبقت على الآثار المنقولة عن السلف ولم تحذف منها إلا القليل، وأبقت على الأقوال والآراء الفقهية لابن كثير، كذلك أبقت على بعض ما فسره ابن كثير باللغة. - راعت اللجنة في اختصار تفسير ابن كثير ما يكفل أن تبقى عبارة التفسير هي نفسها التي في الأصل؛ عبارة ابن كثير؛ فكأنك تقرأ وتنهل من الأصل.
فاللَّهُمَّ ارض عن عبدك ابن كثير واجزه خيرًا عني وعن كل منتفع بعلمه وعمله النافع في تفسير القرآن العظيم. واجز القائمين على الكتاب الطيب المبارك، اليسير في اختصار تفسير ابن كثير، خيرًا على مقصدهم النبيل الشريف، ويسّر عليهم كما يسروا على طلبة العلم، وعلى كل مَن يرغب في الإلمام بتفسير القرآن العظيم لابن كثير.
اللَّهُمَّ اجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي، اللَّهُمَّ علّمني ما ينفعني، وانفعني بما علّمتني، وزدني علمًا، اللَّهُمَّ فقهني في الدين، وعلّمني التأويل، اللَّهُمَّ يا مُعلِّم آدم وإبراهيم علّمني، يا مُعلِّم إبراهيم فهمِّني، رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، آمين آمين يارب العالمين...،
وصلِّ اللَّهُمَّ أفضل صلاةٍ على أسعدِ مخلوقاتك سيدنا مُحَمَّدٍ وعلى آله وصحبه وسلّم عدد معلوماتك ومِداد كلماتك كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.