الزمن، مثل المحسوسات والجمادات، يتأثر بالسياق الذي يحتويه. ولذا يبدو الوقت في القرية أبطأ من ذي قبل، وكأنه يجر أحمالَ ترقّبٍ وعجز وحيرة ثقيلة، وتنحفر عجلته في أرواح الناس لتحدث تجويفا تسكنه الهواجس، مثل الرياح في الوديان العظيمة. ويتجسد مرور الوقت في بطئه عبر صور رثة. المقبرة بالقبور المبقورة في عتمة الليل. إحدى السكك التي تحفها البيوت النائمة في زرقة الفجر. دكان صقعوب وهو يتحرك داخله وهواء البكور يحرك أزهار الياسمين. مركز الشرطة وسرور يجلس بنتوئه المعتاد الخامل على كرسي أمامه في الضحى. المدرسة وعدة اطفال يخرجون منها في الظهيرة. والد ماجد الشايب وهو يقف خارج بيته بجمود مريب في طلعة العصر. ابن صالح وهو يلعب وحيدا في الغروب خارج البيت ووالده من عند عتبة الباب. جاسر بن مسعود وهو يجلس منهمكا تحت سراج في الليل ليركب أعوادا في بعضها وكأنه يصنع قاربا. ثم أخيرا الفتاة التي كانت تمشي عارية بثدييها الناهدين، وهي تجلس في زاوية مظلمة من الحوش قريبا من أهلها، لا يخرج منها سوى جزء من وجهها، وتتطلع أمامها بابتسامة لا تكاد ترى، وتلمع عيناه الزرقاوان. الوقت بطيء، بطيء جدا، وكل ما فيه متمنع وغامض، ينبسط صحراءً عذريةً تمتد متشابهة إلى مدى البصر بلا طرق أو علامات، ولا يمكن أن يُستدل على المسار فيها إلا بالنظر في السماء. ولكن السماء لم تجبهم، وتُركوا في مواجهة الوقت الذي يجوّف أرواحهم بأحمال الترقب والعجز والحيرة.
قرأت للحقيل (دوائر) وأحببتها، تلك الرحلة الرهيبة زمانياً ومكانياً بحثاً عن (المجمعة) الموعودة، وأدخر روايته الضخمة (طرق ومدن) لقراءة قريبة، يمكن اعتبار هذه الرواية (الخلق الجديد) آخر ما صدر له، رغم أن المؤلف تجنب الصدور والورود والرحلة الرهيبة مع دور النشر والتي تأخذ المؤلف لدوائر أخرى، ووضع روايته الصغيرة هذه في مدونته، كل ما يحتاجه القارئ ضغطة زر أو وخزة أصبع – لمن يقرأ من جواله – ليجد نفسه أمام مقابر مبقورة على حافة قرية ضائعة، حيث يبدو أن الموتى يعودون إلى منازلهم، يطرح المؤلف أسئلته عن الموت والحياة، ونرافق السلطة المحلية الممثلة بالرقيب حمدان وهو يحاول فهم ما يحدث؟ ماذا يعني عودة الموتى؟ هل توقف الموت في القرية؟ تأخذنا الرواية في رحلة محيرة وتنتهي بذات الحيرة التي بدأنا بها.
منذ طفولتي، لاحقتني لعنة تشبه البصيرة. سلسلة من الأحلام تتنبّأ بالموت قبل وقوعه، بدءً بعمّة أبي على فراش الاحتضار بالقرية، بعد ستة أشهر من السكون دون وفاة واحدة، ثم أقارب آخرين يسقطون واحدًا تلو الآخر، كأنني أراهم يُنتزعون من الحياة وأنا نائمة. لم أطلب هذه "القدرة"، ولم أفرح يومًا بتحقّقها. بل عشتها كعبء ثقيل، جعلني أنفر من الموت، أتحاشى النوم كمن يتحاشى كميناً على طريق لا عودة منه. في كل مرة أحاول إنكارها، تعود إليّ بوجه جديد: جنازات تُرى من نافذتنا المطلّة على المقبرة، كابوس متواصل لأربعين ليلة أرى فيه نفسي أُحشر في القبر أو أسقط من السراط، أو منام ينبئ بفاجعة تحدث بعد يومين. حتى صارت العائلة تسألني عن مصيرها، كأنني مرآة الغيب، وأنا ذاتي أتساءل: هل أنا شاهدة أم متواطئة في هذا الفقد؟ حدس أم لعنة؟ وهل سأبقى دومًا تلك التي تعرف قبل الجميع؟ وبعد ذلك امتدت اللعنة من الأحلام إلى القراءات. فصرت كلما قرأت رواية عن الموت، يتوفى أحد أقربائي، ما جعلني حريصة على فحص نبذات الكتب، خشية أن أستدعي موتًا جديدًا من بين السطور. وبعد كل موت، أتساءل، متى تزول هذه اللعنة؟ ما ضرورة هذا التمهيد؟ ربما لأوضح أني لم أقرأ هذه الرواية كأي قارئ آخر. صحيح أني قرأت نبذتها على جودريدز أكثر من مرة، وبمجرد ما ألمح كلمة المقبرة حتى أقفل التطبيق، لكن فضولي هذه المرة كان أقوى من خوفي، وليس خوفاً بقدر ما كان تجنبا لصداع لن يفارقني بسهولة وكأنني أُطرّز فواجع العائلة خلال أحلامي وقراءاتي، حلقةً إثر حلقة، دون قصدٍ مني ولا نجاة. ولعل ما سأقوله الآن يتحدى القدر، وقد أندم عليه بعد أيام، لكني أرهن قلبي فدا كتابات أحمد، كي أقرأ هذا الجمال الباذخ، وأحظى بلذة ودهشة عميقتين. هل يعلم أحمد أني كدت أفقد عقلي مرتين؟ حين عايشت هذه الأحداث قبل سنوات، وحين تتبعتها معه في الرواية؟ وقفت طويلا عند لائحة الأمور التي تعتبر غير معقولة في القرية. الشمس، المرأة، وما حدث، وربما حتى ما لم يحدث. لكن لعل المرء يخطئ إذ يحاول منطقة مسائل بهذا الغموض. فكيف لي أن أقنع أحمد الآن أني في كل تجمع عائلي كنت أتفحص الوجوه لأعرف من سيودّعنا عما قريب؟ كنوع من التسلية السوداء التي يتقنها الأطفال حين يجهلون عمق الفجيعة. والفرق البسيط بين سرديتي وسردية حمدان، أني رأيت أناساً يموتون مرتين، بينما هو رآهم أحياء مرة ومبعوثين مرة أخرى. وما أبعد هذه السرديات عن "المعقول"! يحصي الرقيب حمدان عدد القبور التي لم تُبقر، الموتى الذين لم يعودوا للحياة، ويتساءل عن احتمالية موتهم من عدمه إذ أن الخلود يظل فرضية قائمة بذاتها، واضعاً بذلك حدود المعقول عن غيره. لكنه لم يكن معنياً بتلك الوفيات بشكل شخصي، فلا أولاد له، وحتى زوجته المريضة لم تتحقق أمنيتها بالرحيل. عكس سالم الذي بُعِث والده، أو صالح الذي عاد طفله. بذلك ذكرني كيف كانت العائلة تتعجب من قدرتي على تمييز من اقترب موته حتى لو لم يكن قريباً مني، بينما يغيب أهل بيتي عن مثل هذه الأحلام. ولكن حمدان أوشك على الجنون إذ وحده الذي كان جسورا بما يكفي كي يراقب أولئك الموتى يغادرون قبورهم عراة، والتراب يملأ أجسادهم، بوجوه خالية من أي تعبير، ووحده المطالب بتقديم تفسير منطقي لما يحدث، رغم أن ما حدث لا يُصدق وقد يعجز أعقل الحكماء والفلاسفة على منطقته. هذا بمعزل عن تلقيه للصدمة مرتين، الأولى مرأى العين، والثانية حين يرويها له أهل القرية، فكلما عاد أحدهم إلى الحياة يأتي قريبه بالغد إلى بيت حمدان أو مركز الشرطة ليخبره. لعل كل من بالقرية كانوا بحاجة للحديث في الأمر، عله يرسخ في أسماعهم ومن ثم في عقولهم فيجدوا له تحليلاً. ولو كان صالح أو سالم محل حمدان لفقدا عقلهما عند لقاء أول ميت يُبعث، أبو ماجد. إلا أن الرقيب حاول محاورة صالح ويحيى وأبو ماجد وأبو سالم كي يصل لنتيجة معقولة، رغم عبثية الاستنتاجات التي توصل إليها. وحتى حين جاءه سعد بتأويله الخاص كرجل متعلم، لامه حمدان على اختلاق قصة لا تُصدق، ولعله كان بذلك يحاول صد كل السرديات التي صاغها أهل القرية بطابع ميتافيزيقي دون إدراكهم له، من أن تنتشر خارج القرية فيغزوها الغرباء بغية الخلود. ورغم كل ما واجهه حمدان من حيرة وتيه، فإن حاله ليست أسوأ من حال سالم. سالم الذي يريد استنطاق والده عن رحلتَي الموت والبعث، فإذا به يقع في فخاخ لطيفة التي تترنح بين البلادة والجرأة. مرة تبدو وقد فقدت جزءً من عقلها حين بُعِثت، وأخرى كفتاة تتوق لنشوة الحب كي تشعرها بلذة وطعم الحياة التي عادت إليها. في خضم كل هذا، يبدو سالم غير قادر على التركيز في شيء واحد ليفسره، أجوبة والده باردة ومقتضبة، ولطيفة ساذجة، والحر جهنم، والمقبرة تكاد تفرغ من الموتى، مع رقيب يحتاج لمساعده، لأن سرور، بهيئته الناتئة، لن يفي وحده بالغرض. بدا مركز الشرطة كمسرح عبثي، طاولات ملأى ببيالات الشاي، رجال بملابسهم الداخلية، مع أخبار تسوء بقدوم كل زائر جديد. على صعيد السرد، أحببت تسارع الأحداث في مواضع معينة، لأن البطء لم يكن ليخدم الرواية، وفي الوضع الطبيعي كل من به قلق جسيم كالذي حل بحمدان وسالم "يبغى يفتك منه". ولا أظنها أقصر مما ينبغي، لأن الكاتب غاص في دواخل كل شخصية على حدة، أطلعنا على أثر الذهول لديهم، دوافعهم في كل تصرف، بدءً من حمدان الرقيب حتى ظافر، عابر السبيل. أي أن حتى مهمشي هذه الحكاية قد سمعنا أصواتهم! وبقدر ما أعجبني البناء السردي، فقد فتنتني اللغة. قد ينفر البعض من تكرار بعض الأوصاف المتعلقة بالصحراء والدموع والصهد ونتوء سرور، لكنها لفتة براعة من أحمد حيث شخصن اللغة، فصرت كلما أوشك أحدهم على البكاء أستحضر البحيرات الصافيات، وحين ينوي أحدهم على مفاتحة حمدان في أمر استجد أحاول استباق ردوده التي عادة ما تأتي على شكل تكرار الأسئلة إما باستغراب أو سخرية. أما عن نتوء سرور فتلك قصة أخرى. لقد خصص أحمد لكل شخصية قاموسا أو أسلوبا معينا، إذ تكفيني جملة واحدة لأعرف الشخصية المتحدثة، كأن الأصوات تترك بصماتها على الورق. يعرف أحمد جيدا كيف يؤثث المكان في روايته، كما في باقي قصصه. وهذا يدل على ملاحظته المفرطة للتفاصيل، مجالسة الناس، والتأمل في الحياة اليومية العادية وما تحمله من بساطة وملل. لم أشاهد في حياتي صوراً لقرى السعودية، ولا أعرف إلى أي مدى تتشابه مع القرى التي عرفتها (بني معدن وتاسيفت)، لكنني تصوّرتها مختلفة ومميزة. بدءً من الرمل والحر، البيوت وعتباتها، مروراً بدكان صقعوب والتجمعات التي تحدث حوله، أثواب الرجال وعباءات كل من لطيفة وأم سالم، وصولاً لأجواء العرس ببيت أبو راضي. وتجدر الإشارة إلى أن الحمولة الثقافية بالرواية كانت ثقيلة نوعا ما، وقد تبدو عصيّة على الفهم لغير الخليجي لكن حتى لو اقتضى الأمر أن أعيد تعلّم العربية من ألفها إلى يائها، لفعلت فقط لأفهم أحمد على مهل وأتلذذ بجمال كتابته. إزاء ذلك، استمتعت باكتشاف جوانب جديدة من اللهجة والثقافة السعودية. ستظل هذه النوفيلا عالقة برأسي لزمن طويل. مرة أخرى، نتأت دهشتي يا أحمد.
"ولكن كل العوالم الجديدة، كل النشوء الجديد، يتشكل على أجداث ما سبق، ويجدد ما اقتُرف. إلا أن الناس بدأوا يرون لأمواتهم حق الولادة، وكأنهم خلق مختلف لا علاقة له بالماضي. وكأنهم يولدون. ولكن لا شيء يولد، حتى المولود، يخرج بجينات أمه وأبيه وطفرات تطوره. كل خلق يخرج محملا بثقل ما اقتُرف".
في سياق أشبه بأفلام الفنتازيا الهوليودية بصبغة محلية خالصه يأتي "الحقيل" هذة المرة من خلال حكايته هذة، من قرية معزولة عن الناس يستيقظ الأموات فيها عائدين من رحلة الموت ليتطفلوا على الأحياء ويعيثوا فساداً بموازين الحياة ومفاهيمهم الثابتة، فتبدأ تتكشف مع ذلك مصائر الأموات بتقاطعها مع مسار حياة الأحياء في تلك القرية البعيدة عن جغرافية المدن.
بين الرقيب "حمدان" ورفيقه "سالم" في مركز الشرطة الخاص بالقرية وبين سكانها الأحياء منهم والأموات تتقلب فصول الحكاية متتبعين الخط ومسار الأحداث فيها سعياً لإكتشاف لغز إبتعاث الأموات للحياة من قبورهم، وتنقلهم في تعرجات القرية كلاٌ عائداً الى منزله وكنف أسرته بينما يصرخ أفرادها الأحياء منهم متعجبين من هول المفاجأة ومن إختلال موازين الطبيعة.
الحكاية بطابعها وكل تفاصيلها مشوقة ومثيرة، رغم أن السياق ليس بجديد في فكرته العامة وأشبه بأفلام الرعب الغربية إلا أن صياغة "الحقيل" للحكاية بقالب محلي جعل منها حكاية جديدة وتدفعك للقراءة بين سطورها وتعرجاتها بسرعة متناهية بحثاً عن مبرر البعث للأموات وسعياً لإكتشاف العقدة وحل القضية دون تسرب للملل، فالنص بمجمله خفيف ومثير بشكل غريب.
في بودكاست إستمعت له كان ضيفه "الحقيل" تطرق إلى مسألة أنه أنجز كتابة هذة الحكاية أثناء فترة كورونا بعد أن خط أول عشر صفحات منها في زمن سابق وأهملها حتى تعثر بها أثناء مكوثه في منزله في أيام الحجر ليقوم بإتمامها ونشرها كنسخه إلكترونية ولتكون بإنغماسها بمفهوم الموت وجدوى الحياة مقاربة لشكل الصراع الذي كان يعيشه العالم أجمع مع حتمية الموت والحفاظ على صلاحية الحياة خلال فترة أزمة كورونا، وهي نقطة مثيرة للجدل وإن لم يكن الكاتب أقر وصرح بها بشكل واضح، إلا أنها تحضر لذهنك خلال القراءة فيه كونك تعرف خلفية وظروف الفترة الزمنية التي تم بها إتمام كتابة الحكاية ونشرها.
حتى أكون صادقاً مع نفسي أحببت الحكاية في مواضع ووجدتها محيرة في مواضع أخرى بعدما أنجزتها وإنتهيت منها، ففي المجمل الحكاية مثيرة وشيقة وذات أبعاد مشوقة لكن تبقى هناك الكثير من الأسئلة المعلقه حيال جملة من الأحداث والصور والتغيرات التي جرت خلال سياق النص، لكن تبقى الحكاية بكامل تفاصيلها ممتعة مع ذلك رغم أن الضبابية تخللت أجزاءاً منها مما جعلني أفتقد عنصر المتعة الكاملة في هذة الأجزاء من النص، وأعيد النظر في مسألة تقييم جودة النص من عدمه، وقد يعود ذلك ايضاً إلى أن النص مكتوب ومصدر بنسخه إلكترونية وعدم إستلطافي للقراءة في النسخ الإلكترونية قد كان ربما عائقاً في إستمتاعي وإندماجي مع النص بشكل كامل، على العموم النص خفيف والقراءة به ممتعه ولا يعتريك أي ملل أثنائها رغم العيوب التي تطرقت لها.
هي قصة قرية قام بها الأموات ولا يموت بها الأحياء، وهناك يصعد سؤالان..لماذا يحدث ذلك؟ وكيف نتعامل معه؟
"ويمكن لمبصر أن يرى في مدى السطوع المزغلل كيف ان الضوء قد يكون أكثر إبهاماً من الظلمة". الرواية جاءت لتجسد ردود الفعل على أهل القرية و تحكي عنهم من القرب.. داخل البيوت وخارج المقبرة، يمكن أن نلخص الشخصيات الرئيسية بالرقيب و الجندي فهما من علقت القرية عليهما مسؤولية الإجابة عن السؤالين لكننا نشهد مع بقاء الرهبه و الاستنكار ان عودة الأموات لم تكن فاجعه ومصيبة بالنسبة لهم بل فرصة ومعجزة -وهذا يحسب نوعاً ما على المؤلف فقد كان بإمكانه تجسيد الزاوية الآخرى من حميمية لقاء الميت- فتنقلب الآية ويصبح اهل القرية هم المحرك الرئيسي للقصة و الشخصيتان مجرد شهود وجمهور.
" تطلع فيه عدة لحظات، ثم طأطأ على أوراقه، الجمل المشطوبة تشغل نصف الصفحة ثم جملة واحدة لم يتضح بعد هل ستنجو من الشطب ام لا :( الله يخلق، والله يقبض، والله يبعث، ونحن ليس لنا قدرة ان نعلم أكثر مما يخبرنا به)" في الرواية طابع نفسي يتصاعد، خواء و شرود و خمول، يتنقل بين الشخصيات وكأن الموت حين حرر الجثث تحرر معاه فهجم على أرواح الأحياء، وحدها القرية بقت كما هي بينما أهلها لم يعودوا كما كانوا.
"يشارك الكثيرون في الضرب على الدفوف، البقية يصفقون، ويرقصون بالسيوف حتى سالم تقدم ورقص أمام إصرار أحدهم . ومثل ما يحدث في جمعات الطرب، تنصهر الفردانية في منظر الجمع، ويصير المشهد كتلة واحدة غير معرفة الأفراد تنجرف تيارا تصعب مقاومته، ويمنح كل تفصيل – مثل أثر الدخون المنطفئ، أو السواليف العابرة، أو النغمة الارتجالية – مكاناً مبرراً في نشوة لا تعترف بالأخطاء. فكل ما يحدث جزء من التجربة حتى الخطأ ،الطرب يصهر كل شيء." يمتلك المؤلف أسلوب كتابة انسيابي خفيف يصف به المواقف و المشاهد وصفاً يكشف أمام عينيك كأنك ترى لا تقرأ، لكني هنا قد اتوقف كثيراً لأن الرواية مغرقه بالمحلية فلا أدري هل التصور المتولد من الوصف في ذهن قارئ لا يعرف هذه البيئة تصور قريب؟ قد يصعب هذه المهمه أيضاً اللهجة في الحوارات.
وفي الواقع المحلية ليست مشكلة الرواية بل ضعفها في الثلاث نقاط السابقة ( الفكرة - الطابع - الأسلوب) : بدايةً الرواية كتبت في أسبوعين تقريباً - بتصريح المؤلف في لقاء على برودكاست فنجان الدقيقة 48- وقد نشرت إلكترونياً في مدونة المؤلف لأنه كما قال :"لا أريد الدخول في صداع عملية النشر". ، أي أنها لم تتخمر كفاية وهذا ما شعرت به في منتصف الرواية..بدت كأنها مسودة لأن : ١- الفكرة رائعه لكنها غير منتجه، فمالذي حدث فكرياً غير الانفعال النفسي و العاطفي؟ قلق الرقيب حمدان وتسائله عن المعقول والغير معقول والحلم و اليقظة لا يكفي..لا يكفي حمدان ولا تكفي تساؤلاته، الحدث أكبر منه وأكبر من القرية إلا أن صداه لا يتجاوز عواطف جياشه، ٢- طابع الرواية الرتيب و الجاف مناسب في مثل هذا الحدث لكنه لا يتغير، وهذا لا يناسب الخاتمة التي لم يعيد المؤلف فيها الحياة للقرية.. كان على الكتابة في المشهد الأخير ان تقلب جو استمر مئة صفحة في عشر صفحات فقط.. لكنها لم تستطع، ٣- ثم الأسلوب.. أحمد الحقيل كتابة عجيبة إلا ان السرعة هنا أفسدت كثيراً، تكرار وصف معين حتى يجد افضل منه فيكرره، كنت أعتقد في بادئ الأمر أنها لتوضيح المشهد وتعزيز النفس الصحراوي الكئيب لكنها حين أزعجتني انتبهت ان الوصف لا يخلو من "حفيف الريح" و صحراء " عذرية تمتد على مدى البصر" وفي حالة وصف الدموع فهي "بحيرات صافية".
نشر احمد الحقيل هذه النوڤيلا في مدونته الشخصية في خطوة لـ موت الناشر، لم أقرا لحقيل إلا بعض القصص القصيرة التي بدورها جعلتني أؤمن بقلمه. في الخلق الجديد يعود موتى قرية نائية في السعودية للحياة، هكذا ببساطة من قبورهم إلى منازلهم يعودون عراة يمسحون التراب من أجسادهم. ملحوظة: الحوار بالدارجة السعودية (مما زاد النص طعامة برأي)
اللغه العاميه اللي استخدمها ما اعجبتني حقيقةً الرواية فيها اسئله كثيره ومافيه ولا جواب ناهيك عن النهاية الغريبة والغير مفهومة ما فهمت شيء منها بوصفها بشكل عام غير مفهومه وسيئه