من أشهر تفاسير القرآن على الإطلاق، جمع فيه المصنف فأوعى، ونقل المذاهب والأخبار والآثار، بجودة منقطعة النظير، ودقة مشهود لها بين العلماء.
التزم ابنُ كثير بمنهج التفسير بالآثار، وحَشَد طائفة من الآيات، وأوردها شواهد على ما يذهب إليه.
وهو يذكر الحديث بسنده غالباً، ويحكم عليه، ويرجح ما يراه أنه الحق، مع تفسير ما يتعلق بالأسماء والصفات على طريقة السلف، وتفسير الآية بآية أخرى إن وُجدت، مع العناية بأقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم، والاهتمام بالأحكام الفقهية، والاعتماد على الشواهد اللغوية والشعرية.
إنه تفسير من خير كتب التفسير، فقد جمع فيه مؤلفه بين التفسير والتأويل والرواية والدراية، مع العناية التامة بذكر السند.
وهذه الطبعة محققة، متقنة، مخرَّجة الأحاديث، تتسم بالعناية والتصحيح، وتخريج الشواهد، والشعر الوارد، وشرح الكلمات، والتعليق بما يفيد، علاوةً على الضبط بما يزيل الإشكال.
هو الامام عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير القرشي الدمشقي الشافعي. ولد في سوريا سنة 700 هـ كما ذكر أكثر من مترجم له أو بعدها بقليل كما قال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة. وكان مولده بقرية "مجدل" من أعمال بصرى من منطقة سهل حوران وهي درعا حالياً في جنوب دمشق بسوريا, وكان أبوه من أهل بصرى وأمه من قرية مجدل. والأصح أنه من قرية مندثرة تسمى الشريك تقع بين قريتي الجيزة وغصم ويمر من جانبها وادي مشهور اسمه وادي الزيدي وهي في منطقة حوران أو درعا حالياً. انتقل إلى دمشق سنة 706 هـ في الخامسة من عمره وتفقه بالشيخ إبراهيم الفزازي الشهير بابن الفركاح وسمع بدمشق من عيسى بن المطعم ومن أحمد بن أبى طالب وبالحجار ومن القاسم بن عساكر وابن الشيرازى واسحاق بن الامدى ومحمد بن زراد ولازم الشيخ جمال يوسف بن الزكى المزى صاحب تهذيب الكمال وأطراف الكتب الستة وبه انتفع وتخرج وتزوج بابنته. قرأ على شيخ الإسلام ابن تيمية كثيراً ولازمه وأحبه وانتفع بعلومه وعلى الشيخ الحافظ بن قايماز وأجاز له من مصر أبو موسى القرافى والحسينى وأبو الفتح الدبوسى وعلى بن عمر الوانى ويوسف الختى وغير واحد.
تنازع الأشاعرة والسلفية في أمر معتقده. فأما الأشاعرة فزعموا أنه أشعري العقيدة حيث ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة, ص17 ج1 باب الهمزة ( وهو حرف الألف) قصة حدثت بين ابن القيم وابن كثير عندما قال ابن كثير لإبن القيم "أنت تكرهني لأنني أشعري فقال له لو كان من رأسك إلى قدمك شعر ما صدقك الناس في قولك إنك أشعري وشيخك ابن تيمية". كما أن ابن كثير تولى مشيخة دار الحديث الأشرفية وشرط واقفها أن يكون أشعري العقيدة - انظر طبقات السبكي.
ورأى السلفية أنه كان واضحاً وجلياً أن ابن كثير سلفي الأعتقاد في غالب بل كل مؤلفاته فكان يصرح بها ولعل المتتبع البسيط لتفسيره (تفسير القرآن العظيم) يرى بوضح وبدون أدنى لبس أنه على عقيدة شيخه أبن تيمية. وكذلك ما كتبه في أول كتابه الجليل "البداية والنهاية" عن علو الله على عرشه وإثبات صفة العلو والفوقية لله العلي القدير. أما ما أثير حول كونه أشعرياً لقبوله مشيخة دار الحديث الأشرفية التي شرط وقفها أن يكون المدرس فيها أشعرياً فهو شرط غير ملزم وقد ولي مشيخة دار الحديث الأشرفية علماء سلفيون من قبله: مثل الحافظ جمال الدين المزي والحافظ أبو عمرو بن الصلاح. أما ما رواه الحافظ ابن حجر فهي كما قال نادرة وقعت بينهما ولم تكن في مقام البيان والإقرار.
تحديث منذ يومين اقتنيت طبعة ورقية مميزة من كتاب تفسير القرآن العظيم في سبع مجلدات.
تدوين للذكرى ولتوثيق بهجتي الجميلة بصديق قريب ومحبب رافقني وأذهب عني وحشة أيام ظننت أنها لفرط ثقلها لن تمر...لكنها مرت بفضل ورحمة من الله، وهكذا يرسل الله لنا في كل محنة منحة وخير يؤنسنا.
لك الحمد يارب كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.
ها هي ذي مكافأتي ل يمنى :)💙
منذ يومين وأنا أراقب الكتاب و أبتسم، لا يتسع قلبي لكل تلك البهجة، ولا تتسع مكتبتي الصغيرة أيضا..
تلك المكتبة التي بدأت بقصص صغيرة ثم سكنها رفاق وأصدقاء جدد حتى صارت كبيت مزدحم وصار الأصدقاء فيه كعائلة يحب كل واحد فيهم الآخر ويتعلم منه وتحبهم يُمنى أيضا فهم صغاري وأحبائي...
ربما قريبا نأتي ببيت جديد لكل الأحباب يتسع لكتب أشمل نتعلم منها فنرى الحياة ببصيرة صادقة رحبة...
وددت لو أبدا بقراءة ثانية للكتاب الآن، لكن نؤجل ذلك حتى أنتهي من قراءتي لتفسير التحرير والتنوير، وتلك حكاية أخرى لتجربة ملهمة تتعلم يُمنى فيها، وبهجة التعلم هي الأقرب لقلبي والأغلى دائما.. ربما ندون تفاصيل حكايتنا مع ذلك الكتاب بعد نهاية القراءة الأولى له، من يدري ربما بعد عامين أو ثلاثة أقتني طبعة منه أيضا ونقرأه مجددا، ونتعلم أكثر، فكتاب الله لا تنقضي عجائبه. ")
الله المستعان. _________
تاريخ البدء 3/1/2021 تاريخ الانتهاء 22/3/2021. 6:10am
الكلمات هنا لتوثيق بعض المقتبسات من تفسير الحافظ بن كثير، و كذلك لتوثيق لحظة انتهائي من القراءة الأولى للكتاب. لا ريب أنني مازلت في أمس الحاجة لتدبر كلمات الله بحيث لا يستقر بقلبي إلا أثرها الطيب. حتى أعي جيدا أنه لن أجد طمأنينة في ذلك العالم إلا بسماع كلمات الله والعمل بها. لن يسعني الإحاطة بكل المقتبسات لذا سأضع ماقتبسته في قراءتي الآن. قوله تعالى" *﴿ يَسۡـَٔلُهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ ﴾ _(وهذا إخبار عن غناه عما سواه، وافتقار الخلائق إليه في جميع الآنات، وأنهم يسألونه بلسان حالهم وقالهم، وأنه كل يوم هو في شأن، قال الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ} قال: من شأنه أن يجيب داعياً، أو يعطي سائلاً، أو يفك عانياً، أو يشفي سقيماً. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: كل يوم هو يجيب داعياً، ويكشف كرباً، ويجيب مضطراً، ويغفر ذنباً، وقال قتادة: لا يستغني عنه أهل السموات والأرض، يحيي حياً، ويميت ميتاً، ويربي صغيراً، ويفك أسيراً، وهو منتهى حاجات الصالحين وصريخهم، ومنتهى شكواهم.) *﴿ ۞أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ. ٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحۡيِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ } _(فيه إشارة إلى أن الله تعالى يلين القلوب بعد قسوتها، ويهدي الحيارى بعد ضلتها، ويفرج الكروب بعد شدتها، فكما يحيي الأرض الميتة المجدبة الهامدة بالغيث الهتان الوابل، كذلك يهدي القلوب القاسية ببراهين القرآن والدلائل، ويولج إليها النور بعد أن كانت مقفلة لا يصل إليها الواصل، فسبحان الهادي لمن يشاء بعد الضلال، والمضل لمن أراد بعد الكمال، الذي هو لما يشاء فعال، وهو الحكيم العدل في جميع الفعال، اللطيف الخبير الكبير المتعال.) لطالما استوقفني الرابط بين الآيتين، ولطالما كان عونا لي على تدارك إساءتي ونبذ اليأس، لا أود شيئا سوى أن يبقى ذلك الأثر، وربما إذا طال بي العمر سأتذكر دائما رحمة الله بي أن هداني لتدبر ذلك المعنى، بحيث أنني شعرت بأن للكلمات يدا حانيا تربت على قلبي وتهون عليه الضر. *وقوله تعالى: {وَما ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ} أي: هي متاع فانٍ غارٌّ لمن ركن إليه؛ فإنه يغتر بها، وتعجبه حتى يعتقد أنه لا دار سواها، ولا معاد وراءها، وهي حقيرة قليلة بالنسبة إلى دار الآخرة. مما من الله به علي أن جعلني أرى أثر الموت عن قرب، وأن الموت يأتي في لحظة وحينها تفنى كل القوى وتزول، لا مغيث حينها سوى ماقدم المرء من عمل، لاناصر له، لا الأهل ولا الصحب، فقط يستقر في لحده وحيدا، إلا من خير قدمه في دنياه، لذا بطريقة ما ربما أحب دائما تذكر ذلك حين أتأمل في الحياة التي تسري في كل خلق جميل، بأن تلك الدنيا ليست الصورة الكاملة لذلك الجمال، وبأن النقص والفناء محيط بذلك الخلق من كل ركن، لذا أرغب حينها في أن تتعظ نفسي وأن لا تبذل كثيرا من الحب بحيث إذا ما فنى مألوفها حزنت، وليس ذلك إلا لأن الإنسان ينسى، وأستعين بالله على ذلك الضعف بي وعلى ذلك النسيان، أستعين بالله لكي يجعلني على خير مايحب.
*﴿ وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَىٰهُمۡ أَنفُسَهُمۡۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ﴾ (أين من تعرفون من إخوانكم؟ قدموا على ما قدموا في أيام سلفهم، وخلوا بالشقوة والسعادة، وأين الجبارون الأولون الذي بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط؟ قد صاروا تحت الصخر والآبار، هذا كتاب الله، لا تفنى عجائبه، فاستضيئوا منه ليوم ظلمة، واستضيئوا بسنائه وبيانه، إن الله تعالى أثنى على زكريا وأهل بيته فقال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خـٰشِعِينَ} تفسير : [الأنبياء: 90] لا خير في قول لا يراد به وجه الله، ولا خير في مال لا ينفق في سبيل الله، ولا خير فيمن يغلب جهله حلمه، ولا خير فيمن يخاف في الله لومة لائم. هذا إسناد جيد.) *﴿ لَوۡ أَنزَلۡنَا هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ عَلَىٰ جَبَلٖ لَّرَأَيۡتَهُۥ خَٰشِعٗا مُّتَصَدِّعٗا مِّنۡ خَشۡيَةِ ٱللَّهِۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (يقول تعالى معظماً لأمر القرآن، ومبيناً علو قدره، وأنه ينبغي أن تخشع له القلوب وتتصدع عند سماعه؛ لما فيه من الوعد الحق، والوعيد الأكيد: {لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَـٰشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ} أي: فإذا كان الجبل في غلظته وقساوته، لو فهم هذا القرآن فتدبر ما فيه، لخشع وتصدع من خوف الله عز وجل، فكيف يليق بكم يا أيها البشر أن لا تلين قلوبكم، وتخشع وتتصدع من خشية الله، وقد فهمتم عن الله أمره، وتدبرتم كتابه، ولهذا قال تعالى: {وَتِلْكَ ٱلأَمْثَـٰلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}. قال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَـٰشِعاً مُّتَصَدِّعاً} إلى آخرها، يقول: لو أني أنزلت هذا القرآن على جبل حملته إياه، لتصدع وخشع من ثقله، ومن خشية الله، فأمر الله الناس إذا نزل عليهم القرآن أن يأخذوه بالخشية الشديدة والتخشع، ثم قال تعالى: {وَتِلْكَ ٱلأَمْثَـٰلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} وكذا قال قتادة وابن جرير. وقد ثبت في الحديث المتواتر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عمل له المنبر، وقد كان يوم الخطبة يقف إلى جانب جذع من جذوع المسجد، فلما وضع المنبر أول ما وضع، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليخطب، فجاوز الجذع إلى نحو المنبر، فعند ذلك حن الجذع، وجعل يئن كما يئن الصبي الذي يسكت؛ لما كان يسمع من الذكر والوحي عنده، ففي بعض روايات هذا الحديث قال الحسن البصري بعد إيراده: فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجذع. وهكذا هذه الآية الكريمة، إذا كانت الجبال الصم لو سمعت كلام الله وفهمته لخشعت وتصدعت من خشيته، فكيف بكم وقد سمعتم وفهمتم؟) *﴿ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ ﴾ (يقول تعالى مخبراً بما أخبر به في سورة الحديد: { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَـٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ} تفسير : [الحديد: 22]. وهكذا قال ههنا: {مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ} قال ابن عباس: بأمر الله، يعني: عن قدره ومشيئته {وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أي ومن أصابته مصيبة، فعلم أنها بقضاء الله وقدره، فصبر واحتسب، واستسلم لقضاء الله، هدى الله قلبه. وعوضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه ويقيناً صادقاً، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيراً منه. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} يعني: يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. وقال الأعمش عن أبي ظبيان قال: كنا عند علقمة، فقرىء عنده هذه الآية: {وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} فسئل عن ذلك، فقال: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما، وقال سعيد بن جبير ومقاتل بن حيان: {وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} يعني: يسترجع يقول: {أية : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَٰجِعونَ} تفسير : [البقرة: 156]. وفي الحديث المتفق عليه: «حديث : عجباً للمؤمن، لا يقضي الله له قضاء، إلا كان خيراً له، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحدإلا للمؤمن») كنت قد عرفت تفسير الآية من قبل في مقطع لأحد الشيوخ عن التزكية، ومن حينهاولذلك المعنى أثر طيب في قلبي، فحين أتذكر ما قدره الله علي في السنوات الأخيرة، وتتزاحم الأسئلة في رأسي، ماذا لو أنك في تلك اللحظة من الماضي قد سلكت دربا آخر أما كان لحياتك أن تكون على خير مما هي عليه، لطالما أعياني ذلك التفكير، لكن بوسع المعاني اللطيفة أن تهون علي دائما، لذا أستعين بالله، وأسأله أن يخرجني من حولي وقوتي، إلى حوله وقوته، وأسأله أن يثبت إيماني حتى أصبر دائما وأهتدي. *﴿ وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ﴾ (أي: خاف القيام بين يدي الله عز وجل، وخاف حكم الله فيه، ونهى نفسه عن هواها، وردها إلى طاعة مولاها، { فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِىَ ٱلْمَأْوَىٰ} أي: منقلبه ومصيره ومرجعه) *﴿ إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرٗا ﴾ (لن يغلب عسر يسرين» تفسير : ومعنى هذا: أن ال��سر معرّف في الحالين، فهو مفرد، واليسر منكر، فتعدد. ومما يروى عن الشافعي أنه قال:شعر : صَبْراً جَميلاً ما أقربَ الفَرَجا مَنْ راقبَ اللّهَ في الأُمور نَجا مَنْ صَدَّقَ اللّهَ لَمْ يَنَلْه أَذى ومَنْ رَجاه يَكونُ حَيْثُ رَجا وقال ابن دريد: أنشدني أبو حاتم السجستاني: شعر : إذا اشْتَمَلَتْ على اليَأْسِ القُلوبُ وضاقَ لِما بهِ الصَّدْرُ الرَّحيبُ وأوطَأَتِ المَكارِهُ واطمَأَنَّتْ وأرسَتْ في أماكنِها الخُطوبُ ولمْ تَرَ لانْكِشافِ الضُّرِّ وَجْهاً ولا أغنى بِحِيْلَتِهِ الأريبُ أتاكَ على قُنوطٍ منكَ غَوْثٌ يَمُنُّ بهِ اللطيفُ المُسْتَجيبُ وكُلُّ الحادثاتِ إذا تَناهَتْ فَمَوْصولٌ بها الفَرَجُ القريب.) أتاك على قنوط من غوث يمن به اللطيف المستجيب :) لعل تلك الكلمات تكون ذكرى لحالي قبل قراءتي الليلة من تفسير الحافظ بن كثير، وحالي الآن، يأتي لطف الله ويهون علي دائما لأن الله رحيم ودود بعباده. لذا فلايسعني الآن سوى ترديد ذلك الدعاء: "اللهمّ إني أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك أو أنزلتَه في كتابِك أو علمته أحدًا من خلقِك أو استأثرت به في علمِ الغيبِ عندك ، أن تجعلَ القرآنَ العظيمَ ربيعَ قلبي ونورَ صدري وجلاءَ حزني وذهابَ همّي وغمّي "
لعل تلك القراءة تكون فاتحة خير لقراءة موسعة في تفاسير أخرى كتفسير القرطبي أو ربما تفسير الطاهر بن عاشور وبالطبع تفسير الطبري. هذا ما أتمناه وأسأل الله أن ييسر لي ذلك ويجعل قراءتي لمعاني القرآن وتدبرها خالصة لوجهه الكريم.
تفسير ابن كثير هو أحد أشهر التفاسير للقرآن الكريم، وهو كتاب كتبه الإمام الحافظ ابن كثير (إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي) في القرن الرابع عشر الميلادي. اسمه الكامل هو "تفسير القرآن العظيم". يُعَدُّ هذا التفسير من أهم التفاسير عند أهل السنة والجماعة، ويتميز بعدة خصائص:
1.الاستناد إلى الأحاديث النبوية: يعتمد ابن كثير في تفسيره على الأحاديث النبوية الصحيحة في شرح الآيات القرآنية، مما يجعله تفسيرًا معتمدًا وموثوقًا.
2.الروايات عن السلف: يستشهد ابن كثير بروايات عن الصحابة والتابعين في تفسير الآيات، ويعرض آراءهم واجتهاداتهم.
3.التحليل اللغوي: يقوم ابن كثير بشرح المعاني اللغوية للكلمات القرآنية، ويبين الاشتقاقات والتراكيب اللغوية.
4. النقد والتحليل: يُعَرِّض ابن كثير الروايات والأقوال للنقد والتحليل، ويُبَيِّن الصحيح منها من الضعيف.
لا يخفى على أحد فضل هذا الكتاب الثريّ النجيع على علم التفسير بشكل عام، فقد أجاد فيه الإمام الحافظ ابن كثير وأفاد. ولعل تميُّز هذا التفسير تحديداً عن غيره يرجع لأمور عِدَّة، وددت لو استطعت أن أسرد بعضاً منها بمناسبة قُرب حلول شهر رمضان المُعظَّم، لعل الله أن ينفع أحد القراء بهِ.
بداية يجب على كل مُسلم أن يعلم أن هذا الكتاب العمدة في بابه هو أحد أهم المصنفات التي صُنِّفت في هذا العلم العظيم -علم تفسير وبيان القرآن الكريم- وربما لا يُنازِع الإمام الحافظ بن كثير في كتابه كأحسن تفسيراً للقرآن بالمأثور إلا كِتاب جامع البيان لابن جرير الطبري رحمة الله عليه، وهذا ما ذكره شمس الأئمة العلامة أحمد محمد شاكر تغمده الله برحمته، وهذا ما أجمع عليه العديد من المشتغلين بعلوم القرآن والتفسير.
فهذا الكتاب لا شك أنه يُعد مرجعاً أساسياً في هذا العلم، وفي غيره من العلوم الأخرى، ومنزلته العلمية عند أهل العلم أعلى وأرفع من أن يُنوَّه بها، فقد وصفه السيوطي فقال: «له في التفسير الذي لم يؤلف على نمطه» وقال الشوكاني في وصفه: «وهو من أحسن التفاسير إن لم يكن أحسنها».
لقد اطلع ابن كثير على الكثير من تفاسير المُتقدمين، فانتقى منها اللباب، وجمع ما لذَّ وطاب، وقدّم إلينا زُبدة هذا العلم وخلاصته، وأكبر دليل على ذلك قبول الأمة لكتبه عامة، وتفسيره خاصة، هذا التفسير الذي طار في كل مطار، وكثر قُصاده في الأقطار، وارتشف رحيقه طلاب العلم الكبار قبل الصغار. فهذا الكتاب تحديداً لا أعلم كتاب تفسير طُبع أكثر منه، واعتنى به العلماء والمحققين حتى صار كتاب التفسير الأشهر، والأكثر مبيعاً، وإقتناءً.
والإقبال والقبول على هذا الكتاب هما دليلان على قيمة الكتاب العلمية، ومنهج مؤلفه الفريد.
وأجمل ما في هذا الكِتاب النافع أنه عُمدة في التفسير بالمأثور، وأنه لغته وأسلوبه أعذب من أسلوب ابن جرير الطبري في تفسيره، وأكثر ليناً في الوصف، وأيسر على طالب العلم المُبتديء.
فنجد ابن كثير رحمة الله عليه يذكر الآية، ثم يُخبر عن معناها العام، ثم يوُرِود تفسيرها من القرآن أو من السنة أو من أقوال الصحابة والتابعين، أو من جميعهم قبل الجمع بينهم. وأحياناً يذكر بعض ما يتعلق بالآية من قضايا وأحكام، ويحشد لذلك من أدلة الكتاب والسنة، ويضع أمام القاريء أقوال المذاهب الفقهية، وأدلتهم، والترجيح بينهم.
وقد سلك ابن كثير في كتابه عامة مسلكاً علمياً أصيلاً ومترابطاً، وأخرجه بسلاسة وفصاحة. فكان رحمة الله عليه يذكر الحديث بسنده مع إستبانة حكمه في الغالب، ويرجِّح ما يرى أنه الحق دون تعصبٍ، أو تقليد بغير دليل. واستغنى عن الإسرائيليات التي ما علم ثبوتها في القرآن والسنة، إلا في آيات معدودة، ومواطن محدودة.
والساطع اللامع في هذا التفسير الماتع أن كل ما تعلَّق بأسماء الله ﷻ وصفاته فسَّره على طريقة سلف الأمة رحمهم الله، من غير تحريف، ولا تأويل، ولا تشبيه، ولا تعطيل.
والمُمَيَّز في ابن كثير أن قلمه دائماً له شكلاً موسوعياً، فكان تفسيره على نفس المنوال؛ حيث احتوى على الكثير من الأحاديث، والآثار من مصادر شتَّى، حتى قيل أنه كاد أن يستوعب مُسند الإمام أحمد.
ولعل أيضاً أهم ما يُبرز هذا العمل، والذي ربما لا يراهُ مُعظم القراء، هو استحواذه على قدر لا بأس به من النقول التي يتعذر علينا الآن الوصول إليها، أو الحصول على مخطوطاتها، مثل تفسير الإمام أبي بكر بن مردويه، وتفسير الإمام بن عبد الحميد، وتفسير الإمام بن المُنذر، وغير ذلك كثير.
وقيمة هذا التفسير لا تنحصر في كونه تفسيراً أثرياً أصيلاً، ولكنه امتاز عن غيره في جمع آثار التفسير بلغة ميسورة، ورتبها بعناية بعد أن جمع الآيات المتماثلة، وأحصاها عداً، وكشف عن أسرارها الدقيقة، وأجلى تناسقها وانسجام ألفاظها، وتساوق أساليبها، وعظمة معانيها.
يكفيك أن تعلم قبل إختيار كتاباً لتفسير القرآن أن ابن كثير استخدم في تفسيره ما يوازي ثُلث مصادر السنة كلها، وأن الأحاديث التي ذكرها عن الكتب الستة ومسند أحمد بلغت عدداً عظيماً.
فكان الإمام ابن كثير رحمة الله عليه يحشد الأحاديث والأخبار والروايات وأقوال الصحابة والتابعين مُبيناً في غالبية عرضه درجة الحديث أو الرواية من الصحة والضعف، وكاشفاً عن أسانيدها وطرقها ومتونها على أساس علمي قائم على الجرح والتعديل.
ومن مناقب ابن كثير أيضاً أنه كانت لديه ملكة نقدية فاحصة أفرغها على على حشده الكبير من الروايات المأثورة، والأخبار، فأقر منها ما يتفق مع النقل الصحيح بمنهجية يُحسد عليها. بالإضافة إلى ذم الروايات المنكرة، والأخبار الغريبة، والإسرائيليات الكثيرة التي أظهر زيفها، وأفحم إفكها. وجانب الإسرائيليات تحديدًا هو أحد أهم الجوانب التي برع فيها ابن كثير على نظرائه من المُفسرين.
إذا عمدنا إلى استخلاص ميزات تفسير القرآن العظيم لابن كثير، وجمعناهم في نقاط سنجد أنه يستحق عن جدارة كونه أكثر الكُتب المطبوعة، والمُعتنى بها في عموم كُتب التفسير.
وبالطبع هو لم يستحوذ على جميع أشكال التفسير، وانحصرت منهجيته في المأثور، وبرع غيره في التفاسير الفقهية، والعلمية، والعقلية، والاجتماعية، والبيانية، والأدبية البلاغية. ولكن ابن كثير رحمة الله عليه آثر السلامة وسلك منهجاً مضبوطاً يتسق مع مذهبه وأشياخه، فقسم تفسيره بين: ا- تفسير القرآن بالقران. ب- تفسير القرآن بالسنة. ج- تفسير القرآن بأقوال الصحابة. د- تفسير القرآن بأقوال التابعين على شروطٍ معينة.
وهذا المنهج لمن لا يعلم هو أحد أعظم وأصوب مناهج التفسير قاطبة، وقد أقر بذلك شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية، وزمرة هائلة من المُشتغلين بهذا العلم العظيم وعلى رأسهم جميعاً إمام المفسرين ابن جرير الطبري.
ومن منظورٍ آخر للتفسير المُعاصِر أستطيع القول بأن تفسير القرآن العظيم لابن كثير قد جمع في طياته منهجاً وسطاً ما بين أساليب التفسير الأربعة: (التفسير التحليلي - التفسير الموضوعي - التفسير المقارن - التفسير الإجمالي) على سبيل المثال يبدأ ابن كثير تفسير مُعظم الآيات موضحاً معناها المُجمل (تفسير إجمالي)، ثم ينتقل للتفكيك والتعميق، فيفصل في الألفاظ أحياناً، ويعرِّج على أسباب النزول، ثم في يتناول جانباً لغوياً، وبعد ذلك يتحول إلى الإعراب والقراءات، وبالطبع لا يترك الآية بدون أن يُحصي فيها الأحاديث والمرويات والأخبار، وهذا من باب الـ(تفسير تحليلي)، وأثناء إيراده لمرويات الآية وصحيح ماقيل عنها في الحديث والآثار، نجده ينتهج في ترجيحه منهجاً ربطياً يُفصل فيهِ الأقوال، ويجمع بينها، وينتقي منها، ويرجّح أقواها، وهذا بلا شك عين الـ(تفسير المقارن)، ويبقى الـ(تفسير الموضوعي) الذي يتجلى دائماً عندما يربط ابن كثير الألفاظ القرآنية مع بعضها ويعدد مواضعها في السور؛ كاشفاً عن سياقات مُختلفة؛ وموضحاً للفروقات.
وقد طالعت في دراستي ما يقرب من عشرين كتاباً للتفسير أو يزيد، ولازلت لا أعلم أفضل من تفسير القرآن العظيم لابن كثير لطالب العلم المبتديء، والمتوسط، والمتقدم. ولا أُحبِّذ لأي شخص أن يقرأ تفسيراً معتبراً قبل هذا الكتاب الرفيع.