ليس من قبيل المبالغة إذا قلنا بأنه لا توجد دراسة عربية جمعت نصوص روّاد التجديد بهذا الشمول والتنوّع الذي نجده في هذا الكتاب المتفرّد. ثم إذا كانت نصوص روّاد الإصلاح والتجديد كعبده والأفغاني و رشيد رضا... موفورة في المكتبة العربية، فإن قيمة هذا الكتاب الموسوعي هي أنه توسَّع في تتبُّع حركة التجديد الإسلامي ورصدها في مختلف أقطار العالم، حيث نجد نصوصًا ثمينة لروّاد ربما لم يسمع بهم القارئ العربي من قبل، مثل: "عبد الله عبد الرحمن» من جنوب إفريقيا، و«أمين بن علي المزروعي» من كينيا، و«ناميك كمال» من تركيا، و«محمود طرزي» من أفغانستان، و«إسماعيل بك كاسبرنسكي» من القرم، و«عبد الله بوبي» و«رضا الدين بن فخر الدين» و«موسى جار الله بيكييف» من تتارستان، و«منوَّر قاري» و«عبد الحميد سليمان شولبان» من أوزبكستان، و«عبد الرؤوف فطرت» من بخارى، و«يعقوب وانغ جينغ تشاي» من الصين، و«أحمد دحلان» من إندونيسيا... هذا إضافة لمفكّرين كان لهم صيت في العالم العربي بفعل ترجمة بعض نصوصهم كـ«محمد إقبال» و«أحمد خان» ...وهذا الرصد الشامل يجعل هذا الكتاب بحقّ أهمّ مرجع جمع نتاج مفكِّري النهضة الإسلامية ورؤاهم، ممّا يوفّر للباحثين إمكانية توسيع النظر في نتاج العقل التجديدي المسلم إلى خارج المدار العربي . ومن فوائد هذا الجمع أيضًا، أننا نلحظ اشتراك مختلف روّاد النهضة الإسلامية في الأسئلة الإشكالية ذاتها، التي مدارها كيف نستعيد النهوض والتقدّم، وكيف نتفاعل مع مستجدّات العصر ومستحدثاته في الفكر والسياسة والاجتماع؟ وفي هذا السياق يتميّز الكتاب بانتقاء أهم المساهمات الإصلاحية لمفكّري الحضارة الإسلامية في العصر الحديث؛ حيث درس كيفيّة تناول روّاد الإصلاح والتجديد لأسئلة الحداثة وإشكالاتها؛ مستنتجًا أن حاصل إسهاماتهم كان بلورة لنموذج إسلامي تجديدي تفاعل مع شروط اجتماعية، مستلهمًا أصول ثقافته الدينية، لتأصيل رؤاه وأفكاره. ومما يمتاز به هذا الكتاب هو أنه توسّع في عملية الرصد؛ حيث تتبّع تفاعل العقل المسلم مع مشكلات النهضة والحداثة في إفريقيا وإيران وتركيا والهند وروسيا والصين... فكان بذلك أوسع مرجع يتضمّن خلاصة الفكر الإسلامي الحديث.
Charles Kurzman is a professor of sociology at the University of North Carolina at Chapel Hill and co-director of the Carolina Center for the Study of the Middle East and Muslim Civilizations.
الشخصيات التجديدية المختارة قد اختلفت مقارباتها للتجديد ورأيي يتفاوت بتفاوتها لكن يجمعهم الإحساس بوجود أزمة والرغبة بالإصلاح والانطلاق من الدين الإسلامي عموما على اختلاف مقارباتهم لهذا من متوسع ومضيق، ومن تمثلهم بالغرب مع تفاوت في الاقتراب والتباعد عنه...ه الكتاب لا يعالج المشاريع بعمق كل على حدة، ولكنه يختار نموذج كتابي لكل شخصية مع تقديم صغير لها ربما بدت كثير من المختارات خطبا عادية، لا تميز كبير فيها، وبعضها لم يرق لي، لكن ميزتها هي سياقها الزماني...ه أما الشخصيات النسائية فكن قلة للأسف إذ ليس إلا اثنتين: باحثة البادية، وخالدة أديب... وددت لو أضاف أكثر...ه بيد أن أفضل ما في الكتاب وأميزه هو شموله لشخصيات من مناطق العالم الإسلامي كله وتعريفنا بشخصيات جديدة تماما على القارئ العربي...ه وأتاح لواحدنا الإطلاع على مشاكلهم المحلية وهمومهم الإصلاحية ونموذج من كتاباتهم بلغاتهم...ه واستمتعت وأنا أبحث عن كل امرئ منهم في الشبكة أنظر كيف يبدو...ه كما أن مقدمة المحرر عبارة عن دراسة جيدة للطبقة برمتها...ه كتاب لطيف --- من اللطائف أن الدار الطابعة دار نهوض هذه الدار الجديدة التي تبدو واعدة بالكتب التي تطبعها، يمولها وقف لدراسات التنمية...ه
في البداية.. نشكر كل من أسهم في هذا العمل الموسوعي في مجهوده، وجمعه لكل أعمال التحديث في العالم الإسلامي في قرن..وبمعلوماتي لا أظن أن هناك عمل يجمع كل هؤلاء المجددين والمفكرين من كل أرجاء العالم الإسلامي من طنجة إلى إندونيسيا من شمال روسيا إلى جنوب أفريقيا حتى شمل كتاب ومفكرين لم نسمع عنهم ولا ندري كيف يصيغ الإسلام حياته، مشاكلهم، اطروحاتهم، نظرتهم العقلية والروحية للحداثة والتحديث. نشكر كاتبه تشارلز كورزمان، و مترجمه أسامة عباس، و مراجعه :عمرو بسيوني.
تنظيم الدراسة :
قسم الكتاب كالاتي: َمقدمة :التيار الإسلامي الحداثي، وستة أقسام، على أن كل قسم يحتوي علي ترجمة للكاتب ثم افكار موضوعاته التي دار عليها ودعا بها من خلال كتبه ومقالات مجلاته.
القسم الأول :أفريقيا(الطهطاوي، التونسي، عبده، رشيد رضا، قاسم أمين، باحثة البادية، المزروعي، ابن باديس، عبد الرحمن، محجوب )
القسم الثاني :إيران وأفغانستان (الأفغاني، مالكوم خان، النائيني، طرزي)
القسم الثالث :الإمبراطورية العثمانية (الجزائري، سعاوي، نامق ،فراشري ،الكواكبي، الالوسي، جودت، كاظم، القاسمي، زاده، كوك الب، تشاوشيفتش، المغربي، اديوار)
القسم الرابع :الإمبراطورية الروسية (كسبرينسكي، قاري، اغاييف، البوبي فخر الدين، فطرت، بيكييف، بهبودي ،شولبان)
القسم الخامس :ج شرق آسيا (حالي، شيراغ، أحمد خان، إقبال، مولوي، أمير على، ابو الكلام، أكرم خان)
القسم السادس :ج ش اسيا/ش آسيا (مجلة الإمام، دحلان، السوركتي، اغوس ،أحمد حسن، هاشم الأشعري، يعقوب وانغ)
قراءة في أفكار تحديث التيار الإسلامي : من السمات المميزة لهذا التيار هو التبني الواعي بالذات للقيم الحديثة مثل العقلانية والعلم والدستورية والمساواة حيث كان هذا التيار حداثيا والسمة الثانية استعمال خطاب إسلامي واع بذاته، ميزت هذه السمات بين التيار الإسلامي الحداثي وبين حركات الإصلاح الإسلامي السابقة كما ميزته عن التقليديين المعاصرين وميزته اخيرا عن العلمانيين الذين فضلوا القومية أو الاشتراكية،وأصحاب التجديد والاحياء الديني..
ربما كانت حدود التيار الإسلامي الحداثي غير دقيقة لكن جوهره واصله كان واضحا من خلال مجموعة جاذبة كالمغناطيس للمفكرين والمثقفين المسلمين وهم الثلاثة المشهورين (الافغاني، عبده، رشيد رضا) وبعض الرواد ( أحمد خان، نامق كمال، كسبرنسكي)
لماذا نتحدَّث الآن؟ : ليست الحداثة اول حركة في التاريخ الإسلامي تدعي الحاجة لاصلاح الدين والإيمان وتجديدهما، فيمكن سماع هذه الأصوات في القرن الثامن والتاسع كما تكرر في القرن الثامن عشر لكن الحداثيين واجهوا تحد لم يواجهه الاصلاحيون الأوائل؛ هجمة الحداثة ارتبطت معها التوسع الإمبريالي لأوروبا المسيحية التي هددت معاقل الإسلام من الناحية العسكرية غزت مناطق واسعة وفقدت الدولة العثمانية كثير من أراضيها ومن الناحية الاقتصادية بدت الحداثة وكأنها تولد من الثروة والسلع ما يفتقر إليه العالم الإسلامي ويرغب فيه ومن الناحية المعرفية تحدي العلم الحديث الرؤى الكونية الأخرى فأكد بعضهم الجذور الإسلامية القروسطية للعلم الحديث واقروا بتحدي العلم الحديث للافهام الإسلامية.. ومن الناحية السياسية بدت مؤسسات الحكم الحديثة تحافظ على السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية على نحو عجزت عنه الدول الإسلامية المعاصرة، فإن الوسائل التي ساسوا بها العباد إلى الغاية القصوى من عمران البلاد حيث كانت تعتمد في المقام الأول على احترام الحريات الشخصية والسياسية ومن الناحية الثقافية، أدخلت الحداثة أنماط جديدة من السلوك مثل شرب الخمر وارتداء الملابس وقص الشعر.. وجملة القول أن تحديات الحداثة بدت تهدد وجود الإسلام ذاته وفي سياق المنافسة الدارونية الاجتماعية، شعر العديد من المسلمين بالقلق من أن الإسلام لن يكون قادرا على المنافسة.. ومع ذلك يمكن للمجتمعات الإسلامية أن تزدهر وتستعيد القيم الأصلية لايمانها فليس كل المحدثات مذمومة كما قال الطهطاوي و قد ذهب م. إقبال أن الإمبراطورية البريطانية كانت فاعلا حضاريا فهي تقوم بأحد واجباتنا العظمى الذي لم تسمح ظروفنا الصعبة بالقيام بها، وهي روحها ماتجعلها أعظم إمبراطورية محمدية في العالم في حين رشيد رضا لم يكن بحماسته وقال إن مانحتاجه هو علوم اوربا وفنونها وصناعتها ولا يقتضي هذا التفرنج الذي نذمه...
من يمكنه أن يتكلم؟ قام الحداثيون بالدفاع عن حقهم في طرح الحجج من خلال تحدي مرجعية الماضي وسلطة الاعتماد وتبلورت الأولى في مدارس التقليد وهم العلماء المجتهدين أو الراسخين وكان رأي الجزائري ( إن بهيمة تنقاد أفضل من مقلد ينقاد) وقال عبد الله بوبي :(التقليد والإسلام لا يجتمعان) وذكر القاسمي :حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن، واستغله الحداثيون أولاً: الحق أن يختار المرء المذاهب الفقهية المتعددة وان يرجح بينهما ثانيا :الحق في تجاوز المذاهب الوصول مباشرة إلى المصادر المقدسة ثالثا :الاجتهاد في التوفيق بين المصادر المقدسة والعقل، وعليه أكد الحداثيون أمثال السوركتي: أن التقليد بهذا المعنى الذي نراه اليوم مخالف للعقل والإنسانية، مخالف للكتاب والسنة، مخالف لاجماع الصحابة بل هو مخالف لأوامر الأئمة المجتهدين الذي يدعي المقلدون تقليدهم. كما رأوا أن التقليد ليس أمرا مشروعا في الدين لكنه أداة للسلطة المؤسسية لقمع وجهات النظر المعارضة ورأوا انهم مؤهلين تماما كاسلافهم للعمل بالاجتهاد، وذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك وقال إن التعليم التقليدي أصبح عقيما مما جعل خريجيه غير مؤهلين للعمل الفكري الجاد..
كيف نتحدث؟ إن المقاربات الجديدة للإسلام الحداثي لم تجد تعبيرا عنها في أشكال الخطاب لهذا حددوا ثلاث طرق كانت الأشكال الخطابية غير ملائمة... اولا:رأوا الثيمات الأدبية القائمة غير ملائمة وسعوا إلى إحلال أخرى نبيلة ونافعة فتبنوا أشكال شعرية جديدة بمحتوى غير معهود، كما تبنوا الشكل الأدبي التقليدي للمناظرات وملؤوه بمحتوى حداثي. ثانيا :تطوير أشكال الكتابة الدينية فتضمنت جهود تجديد الإسلام مشروعا مكثفا للتوعية والارتقاء. ثالثاً :وهو أعظم ابتكارات الحداثيون، وهي الصحافة الدورية التي نشأت في كل مجتمع تقريبا حيث أتاحت الكلفة المنخفضة والتوزيع الواسع للصحف والمجلات إلى تدفق تيار منهمر من الكلمات مثل إشاعة السنة، الحقائق،.... إلخ...
عما يدور الحديث؟ يمكن تلخيص جوهر دعوات الإسلام الحداثي في أربعة مجالات. الاحياء الثقافي : ظهر جليا التراجع الثقافي الذي اجتاح العالم الإسلامي على الحداثيين ، فقد اشار المحافظون أيضا إلى تلك التغييرات، فقد وصفوا هذا الاحياء باستعارات:النور كما في التنوير الاوربى، والصحوة، مبدأ الحركة وظهرت في أفكار إقبال.. واختلفوا حول المدى الذي يجب أن يمتد إليه الاحياء منهم من فضل النحو التام والخضوع لأوروبا وثقافتها وعلى النقيض الحداثيون الإسلاميون برروا محو الثقافة باستعادة للثقافة الإسلامية القديمة.. وكان بعض الحداثيين الإسلاميين يشعر بالقلق من تبني الثقافة الغربية ودعوا إلى تعلم الموضوعات الحديثة فقط مع الحفاظ على أهم القيم الإسلامية.
كتاب ثمين جمع أقطاب الإصلاح في المجتمع الإسلامي، ما يميزه تنوعه الجغرافي فجلب من الهند وباكستان وروسيا وحتى الصين وبلدان الهلال الخصيب وكذلك المغرب الإسلامي