غرضنا في هذا الكتاب أن نفحص من منظور التاريخ الإبستيملوجي للعلم، السبل التي قادت إلى سيادة التصور الميكانيكي في القرن التاسع عشر، كنموذج للتفسير، هيمن على العقول وفرض معاييره ومقاييسه على البحث العلمي في تلك الآونة، وسيقودنا ذلك إلى تتبع مراحل تكوين النظرة الآلية والتنقيب عن مراجل تحول التصور الميكانيكي في القرن السابع عشر، إلى نموذج للتفسير فرض نفسه على العقول، وهي في نظرنا: النظرية الديكارتية باعتبار أن (الآلة) كمفهوم فلسفي أساسي جزء من كل، هو الفلسفة الديكارتية، ونظرية ديكارت الطبيعية، دوره فيها هو تفسير حركات الأجسام والأجرام وحتى جسم الإنسان. والنظرية النيوتونية باعتبارها تتويجاً لمسيرة الآلية الفلسفية والعلمية والميكانيكا الطبية بمختلف أوجهها ومظاهرها. والميكانيكا التطبيقية للمهندسين والتي ظل أثرها حتى أواسط عصر الأنوار وفي ميتافيزيقا فلاسفة الموسوعة قائماً. فلليقظة التقنية في أوروبا، ارتباط بالتحول الذي أقبل عليه مجتمع العصر الوسيط من مجتمع اقطاعات إلى مجتمع مدن. لكن في أصل ذلك التحول، كما سنرى، انقلاباً في الرؤية، اصب المجتمع الأوروبي جعله يمر من زمن معرفي إلى آخر من أبرز سماته تعقب السحرة والمشعوذين ومحاكمتهم بتهمة تعاطي الشعوذة والسحر وهي حركة جندت لها كل الدوائر نفسها، بما في ذلك الكنيسة والدولة: أي السلطة الدينية والدنيوية. وقد رافق كل ذلك تعارض جديد بين (الخرافة) و(العقل) فاقترنت الآلية بالنظام كلحظة معرفة جديدة أو كتربة أنبتت تجارب نظرية مختلفة لكنتها ترتد إلى ذات الأفق. كما تحولت الآلية من إعجاب بفكرة الآلة كنموذج للتفسير في العلم الطبيعي إلى تصور أو رؤية للعالم ثم إلى إيديولوجيا فيما بعد.
ولد في 30 يونيو 1947 بالدار البيضاء، تابع دراسته العليا في الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط حيث حصل على الإجازة سنة 1968 وعلى دبلوم الدراسات العليا سنة 1978 ثم على دكتوراه الدولة سنة 1985. يشتغل أستاذا جامعيا بنفس الكلية. انضم سالم يفوت إلى اتحاد كتاب المغرب في دجنبر 1977 كما انتخب سنة 1992 نائبا لرئيس الجمعية العربية.