لم يحاول الحاج صالح أن يقارب بين النظرية الغربية والنظرية العربية، ولا أن يتبين مدى صلاحية المدونة العربية لتطبيق النظريات الغربية، بل ذهب أبعد من هذا كله حين أعمل غالب جهده في إثبات تميز التراث اللساني العربي في نظرته للغة، وأنه سابق لعصره، وأن ما جاءت به الاتجاهات الغربية ليست إلا نظريات ممجوجة القواعد مقارنة بالنظرة العربية العميقة والمتفوقة، ويبدو ذلك الموقف صريحا في كتابه منطق العرب وكذا في الخطاب والتخاطب وقبل ذلك في رسالته للدكتوراه التي بزغت منها النظرية الخليلية الحديثة. ولعل ما جعلني أمعن النظر فيما لفتنا إليه الحاج صالح هو هذه العبارة التي ذيل بها ملاحظته إذ يقول: "فهذا كلام النحوي الذي لا يكتفي بذكر كيف يكون الإعراب بل يتجاوز ذلك إلى ما وراء الإعراب من الظواهر الخطابية" وهذا بالضبط ما أصبحت تنادي به حركات التجديد النحوي بعدما أصبح النحو مجرد ترديد للقواعد دونما اكتراث بأهمية ما توجده الظواهر الخطابية من معانٍ وما تضفيه من حياة إلى جسد النحو التعليمي البارد. يمضي الحاج صالح في كتابه، يذكر النظرية الغربية ويشرحها بذكر أفكار مؤسسيها ثم ما أخذه عنهم أتباعهم وطوروه ثم يذكر ما يقابله عند العرب ويشرحه كذلك ثم يختم بذكر أقرب نظرية غربية إلى النظرة العربية، وهنا شيء طريف إذ تبقى النظرية العربية أصلا والغربية فرعا فليس لها إلا أن تقترب منها أو تبتعد ولكنها لا تساويها.