"وإبراهيم لا يعرف لنفسه حقًّا، ولا يرتبطُ بأرضٍ أو وطن، إنما هو طوعُ إشارةٍ ورهن أمر، يعتبر العالم بلده والسلالة البشرية أسرته".
"وهي بين اضطراب توحيه الطبيعة، وسكينة يوحيها الإيمان والثقة، وتعرفُ -وهي زوج نبيٍ وأم نبي- أن البحث عن الأسباب لا ينافي الإيمان والثقة، فهي مضطربة في غير يأس، ومؤمنةٌ في غير تعطُّلٍ وتواكل".
عظيم عظيم عمظيم، دفعة روحية قوية وتحليقة إيمانية عالية في أيام نحن أحوج ما نكون فيها إلى الدفعة ومستحثات المعنى.
قرأته قبيل موسم الحج الماضي وقد أثر في كثيرا وانتفعت به بفضل الله عبارات الندوي قوية مؤثرة جامعة وقد استعرض أمورا تبدو بديهية بطريقة جديدة ومتميزة بثت فيها الحياة وأعادت إلينا الاندهاش والانبهار أمام عظمة هذا الدين وحكمة تشريعاته ومدى اتصالها بحياة المؤمن وتأثيرها فيه لو فقه. بشكل مجمل يعتبر الندوي الحج استجابة لأشواق المسلم إلى معرفة الله عز وجل وتعظيمه والتقرب إليه وهو كذلك من أشد مظاهر التوحيد والتجريد في الإسلام، ويرى أن تجديد الصلة بإمام الملة الحنيفية إبراهيم عليه السلام من أهم مقاصد الحج وأن الحج كله إعادة تمثيل لقصة إبراهيم عليه السلام وتحقق توحيده وتسليمه وإمامته وأن الغاية الحقيقية أن ينسحب شرف الزمان والمكان في هذه الرحلة المباركة على حياتنا في كل مكان وزمان. اللهم ارزقنا حج بيتك الحرام وتقبله منا خالصا لوجهك الكريم آمين
مشاعر الحجّ مهما حُكيَ عنها، لا بُدَّ أن تعاش هذا ما حدَّثتني به نفسي وأنا أقرأ أوَّلِ سطرٍ في الكتاب. لقد تركَ بداخلي مشاعرَ لا توصف هي الأخرى بل تعاش؛ حين يحلِّق قلبكَ إلى مكَّة، يسترق النَّظر إلى هاجر حاملةً ابنها إسماعيل -عليه السلام- تطوف مرارا وتكرارًا باحثة عما يروي عطشَ صغيرها.. وتدور حتى إذا ما أتمَّت السبعَ نبعَ الماء فرَوت وارتوت. حين يحلِّق قلبكَ إلى مكَّة؛ وإبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- يرفعان القواعد من البيت، ويدعوان الله عزَّ وجلَّ أن يتقبَّل منهما. حينَ يحترق قلبك شوقًا، وتفرُّ منك روحك، فلا تجدُ لكلُّ هذا متنفَّسًا سوى انهمارِ دموعَك، وتزفر من الأعماق بدعوة أن "ربَّنا ارزقنا زيارة بيتك الحرام" متيقِّنا بأنك لن تردَّ خائبا. ثمَّ حينَ يفرغ منك الكلام يبقى بصرُك شاخِصًا متأملا هذا البيتَ العظيم.
قطعة من كتاب للإمام العلامة أبو الحسن الندوي، بعنوان "الأركان الأربعة في ضوء الكتاب والسنة، وبمقارنة مع الديانات الأخرى"، ويقصد بالأركان الأربعة: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج. ولما كان ركن الحج ذا أهمية خاصة، أفرد الإمام طباعته ونشره في هذا الكتاب البديع الرائق. يتناول الإمام الندوي ركن الحج في هذا الكتاب تناولا مقاصديا، فيوضح مقاصد الحج وأسراره وروحه وغايته ونُكَته ولطائفه، ويعرض ذلك في صورة مركبة مترابطة، وفي صورة انفعالية مؤثرة، وهو مع ذلك لا يتطرق إلى تفصيلات الحج الفقهية. ويعتمد في جُلّ ذلك على تقريرات وتأملات الإمام أبو حامد الغزالي في "الإحياء"، والإمام الدهلوي في كتابه "حجة الله البالغة". وجاء الكتاب مُفعمًا بمشاعر مُلتهبة هائجة، لا تلبث أن تتسرب إلى القارئ، وتثير شجونه و تفجر أشواقه إلى مكة والبيت الحرام ومناسك الحج.
ومما ذكر الشيخ من مقاصد الحج: تلبية نداء الفطرة البشرية، التي تحتاج الشعائر والنسك لكي تبث فيها الشوق والحنين والشعور الديني الجياش، مع الحفاظ على التوحيد والتجريد وصفاء العقيدة من شوائب الشرك والوساطات بين العباد وربهم. كما أن هذه الشعائر تربط الناس بمركزية واحدة، وتزرع فيهم قومية واحدة تتجاوز كل القوميات، وتساوي بينهم على اختلاف أجناسهم وأعراقهم ومناصبهم وحيثياتهم. ومما ذكر من مقاصد الحج: الانفصال الروحي عن هذا العالم المادي الصاخب، والارتحال بالنفس إلى مكان تجلت فيه آيات الله ومعجزاته على أيدي أنبيائه، والتبرك بهذا المكان، وشحن الإيمان وعرضه لكي يتصفى من شوائبه، فيعود الإنسان من حجه كيوم ولدته أمه؛ طاهر النفس، أبيض الصحيفة.
والأهم من ذلك كله، الذي هو روح الحج ومقصده الرئيسي = هو الامتثال والخضوع والتسليم لأمر الله، وتجاوز التفكير العقلاني المادي الضيق، إلى رحابة العبودية إلى الله، والتذلل والرق بين يديه سبحانه.
وبعد أن عرض الشيخ لبعض مقاصد الحج - التي تفوق الكثرة الكاثرة، وتنوء العقول عن حصرها، فالله تبارك وتعالى عندما ذكر منافع الحج، نكّرها، لكي تفيد العموم والشمول والكثرة، إذ يقول:"وليشهدوا منافع لهم"- وبعد أن تعرض لحجة الوداع، وذكر ما فيها من لطائف وفوائد ودلالات = عقد مقارنة بين الحج في الإسلام والحج إلى بيت المقدس وزيارة القبور عند اليهود والنصارى، ووضح ما في الأخيرة من عثرات وشطوط عن جادة التوحيد، وما في الأولى من مناقب وصور الإعجاز والكمال. ثم ختم الإمام كتابه بعرض بعض الآثار والبصمات الإصلاحية التي تركتها فريضة الحج في عقائد الناس وتصوراتهم، وكيف صحح الحج المفاهيم وأجلى الخرافات، وأعاد الناس إلى الملة الإبراهيمية الحنيفة.
“الحج قصة حدثت قبل آلاف السنين، أفاض الله عليها الخلود، وطلب من جميع المحبين والمخلصين إعادة تمثيلها”
هذا كتابُ تأملاتٍ في الحج كتب في السبعينات. يهدف فيه شيخ الهند أبو الحسن الندوي الى استحضار الأصل الأول للحج، القصة الأولى لخروج ابراهيم عليه السلام من الشام الخصبة ذات الثمار والماء العذب، إلى وادٍ جافٍ قاحل لم يُعرفُ باسمه بعد ولا أحد يقطنه. ومن هناك بدأت القصة ولمّا تنتهي فهي موصولة صلة وثيقة بالحياة فإذا انقضى الحجُ كان انقضاء الحياة المؤقتة قريبًا. الحج فريضةٌ غير معقولة المعنى، كل ما فيه من مناسك هو تعبديُّ محض ولا سبيل لاستبطان حكمة مرافقة فيه سوى تحقيق العبودية الكاملة دون مساءلة، ألا يتجلى ذلك في قول عمر بن الخطاب عن تقبيل الحجر الأسود؟
يمر الكاتبُ مرورًا خفيفًا دون تعمق، على مناسك الحج لكنه يؤكد على معنى جماعة المسلمين في الحج، الجماعة التي لا تفرقها القوميات والوطنيات أو المراكز والمناصب، الحج مظهر للوحدة الجامعة وقبل ذلك للتوحيد الخالص.
الكتاب جميلٌ ويقرأ في جلسة روحية واحدة.
"ومن باب الطهارة النفسانية، الحلول بموضعٍ لم يزل الصالحون يعظمونه ويحلون فيه ويعمرونه بذكر الله..، فإذا حلّ به غلّب ألوانهم على نفسه"
1-30 صفات الله في القران كثيرة ومتكرره وهي التي تقرب الانسان من ربه وتجعله يتعرف علية ويحبه ويشتاق اليه. ولما نسب الحج الي البيت الحرام الي الله(بيت الله الحرام) يتعلق الانسان به رغبتا في التقرب الي الله بما ينسب الية الي جانب الاجر العظيم المترتب علي هذه الطاعة والقرب من الله.الحج هو اتباع اوامر الله بعيدا عن حظ النفس او البحث عن حكمه . 3--60 الحج هو اعادة لقصة ابينا ابراهيم وارتباط باجيال الصالحين السابقة الذين ساروا علي خطي ابراهيم علية السلام.ويربط الحج بين افراد الامة ا لاسلامية من جميع انحاء العالم وهذا الاجتماع يدفعهم لطرد العنصرية و الفساد والانحرافات التي قد تشوب عقيدتهم و تساوي بينهم علي اختلاف السنتهم والوانهم ومراكزهم فاحرام واحد وتلبية بلغة واحدة. 61-112 توجد للحج نظائر في الاديان الاخري اليهودية الذين يحجون الي بيت المقدس ويتبركون بحائط سليمان والمسيحيون الذين يزورون قبور القساوسة والشهداء ولكلا منهم عظم الاشخاص ونسي الخالق فوقعوا في الشرك وكذلك فعلوا العب في الجاهلية فجاء النبي صلي الله علية وسلم واعادهم الحق .
وأذّن في الناس بالحجّ/ أبو الحسن علي الحسني النّدْوي ملتزم النشر والتوزيع – المجمع الإسلامي العلمي – الهند – الطبعة الثالثة – 1980م. الكتاب يقع في 112 صفحة • أبو الحسن النّدْوي: هو أبو الحسن علي الحسني الندوي، مفكر إسلامي وداعية هندي ولد بقرية تكية، مديرية رائي بريلي، الهند عام 1333هـ/1914م وتوفي في 31 ديسمبر 1999 الموافق 23 رمضان 1420هـ. • أشهر مؤلّفاته: كتاب (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين)، (مختارات في أدب العرب). • ينقسم كتاب ( وأذّن في الناس بالحجّ ) إلى مقدّمة، وعناوين تدور حول الحجّ، مثل: (شعائر الله وحكمتها)، ( الحاج طوع إشارة ورهين أمر)، ( قصة إبراهيم في القرآن، وصلتها بالبلد الأمين)، وغيرها من العناوين. • المقدّمة: إنّ أصل هذا الكُتيّب أنّه كان جزءًا من كتاب كبير لل(الندوي) عنوانه ( الأركان الأربعة في ضوء الكتاب والسنة، ويمقارنة مع الديانات الأخرى )، ثمّ جرّد المؤلّف من هذا الكتاب البحث الخاص بالحج لأهمية تلك الفريضة، ووجوبها مرة في العمر، ولأن تلك الفريضة لها قيمة سياسية واجتماعية، فقد نشر الكاتب هذا المبحث الخاص بالحج كرسالة منفردة، فكان هذا الكتاب الذي بين أيدينا. • الإسلام دين توحيد وتجريد لا وساطة فيه ولا تمثيل: " الاسلام دين توحيد خالص، ��ين لا يؤمن بالوساطة بين العبد وربّه "، عدا وساطة الرسل والأنبياء في تبليغ الرسالة والتعريف بالله وصفاته، والارشاد إلى الطريق المستقيم. • " الإسلام دين يطلب تجرّدًا في الخيال، وسموًا في الفكر، ونقاء في الإرادة والنية، واخلاصًا في العمل والتطبيق، وانقطاعًا عن الغير، لا يتصور فوقه و أكثر منه، ومستوى في الفكر والعقيدة؛ لم تبلغ الإنسانية ولا الأديان والفلسفات والنظم الدينية أو العقلية إلى مثله أو قريب منه ". • حاجة الإنسان إلى ((مُشاهد)) يوجه إليه أشواقه، ويحقق رغبته من التعظيم والدنو: الفطرة للإنسان تبحث عن شيء تراه بعينها لتوجّه إليه أشواقها وتُشبع رغبتها في التعظيم والدنوّ. • شعائر الله وحكمتها: اختار الله سبحانه أمورًا ظاهرة محسوسة نسبت إليه، بحيث إذا رئيت ذُكِر الله، وارتبط بها أفعال وأحوال تذكر بأيام الله ودينه وتوحيده، سمّاها ((شعائر الله ))، والتي تعظيمها من تعظيم الله جلّ في علاه. • عنصر الهيام والحنان في طبيعة الإنسان، أثرهما في الحياة ومنزلتهما من الدين: الإنسان ليس كائنًا جامدًا، بل له عقل وقلب، إيمان وعاطفة، وهذا سر عظمته وكرامته، وبه استطاع أن يتغلب على كل معضلة ومشكلة، واستحق حمل أمانة الله. • صلة الإنسان بربه ليست صلة قانونية عقلية فحسب، إنما صلة حب وعاطفة كذلك. • ((الصفات)) هي التي تثير الحب وتبعث الحنان، لذلك أطال وأكثر من ذكرها القرآن: الصفات تثير الحب وتبعث الحنان وتوجد الأشواق، وذلك سر تفصيل القرآن الذي يعبر عنه أئمة الإسلام ((بالنفي المجمل والاثبات المفصّل))، فالإثبات ينبع منه الحب والحنان، وبذا كان الإثبات رائدًا للقلب، كما النفي رائدًا للعقل. • ما قيمة كأس لا تطفح ولا تفيض: المسلم في حاجة إلى غذاء للقلب، وإلى أن يقضي شوقه، وأن تطفح كأسه، وإلا فلا قيمة لكأس لا تطفح ولا تفيض. • تسلية البيت والحج: تفطّن (الغزالي) لهذه النكتة، وعرف أن الشوق غريزة في الإنسان الحي السليم يحتاج أن يرويها، وكان البيت العتيق وشعائر الله ومناسك الحج خير ما يحقق رغبته ويسلّي حنانه، فيقول (الغزالي): ((فالشوق إلى لقاء الله عزّ وجلّ يشوقه إلى أسباب اللقاء لا محالة، هذا مع أن المحب مشتاق إلى كل ما له إلى محبوبه إضافة، والبيت مضاف إلى الله عز وجلّ، فبالحري أن يشتاق إليه لمجرد هذه الإضافة، فضلًا عن الطلب لنيل ما وُعد عليه من الثواب الجزيل)). • ويقول أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي: ((وربما يشتاق الإنسان إلى ربه أشد شوق، فيحتاج إلى شيء يقضي به شوقه فلا يجد إلّا الحج)). • طفرة أو قفزة واسعة من سجن ضيق إلى عالم فسيح: يغذي المسلم روحه في رمضان بتخلية معدته، ساعات محدودات، فاحتاج المسلم إلى طفرة يفك بها أغلاله لينسلخ بها من سجنه القديم وينتقل إلى عالم جديد فيه الناس يهتفون جميعهم: ((لبيك اللهمّ لبيك)). • احتاج المسلم بعد صلوات كل يوم، وبعد شهر رمضان من كل عام، وبعد الزكاة إذا تم النصاب وحال الحول؛ إلى أن يشهد موسم الحب والحنان وملتقى المحبين والمخلصين. • تحدٍّ لعبَّاد العقل والمادة، ودعوة إلى الإيمان بالغيب، واتّباع الأمر المجرد: ثورة المسلم على عقله المقلّد، يتخطّى بها دائرة العادات والقوانين، والحضارة والمجتمع، يفكّ فيها المسلم أغلاله ويأخذ الزمام من عقله ليعطيه لقلبه، فالحجّ بوضعه المنافي للمألوف لعبّاد العقل والمادة، هو دعوة إلى الإيمان بالغيب، واتّباع الأمر المجرد وعزل العقل عن وظيفته لمدة محدودة. • أبدع (الغزالي) في بيان روح الحجّ وحقيقته، وهي الإيمان بالغيب، والامتثال المطلق، وقد عبّر في كتابه إحياء علوم الدين عن تمام العبودية في مناسك الحج، ووصف ذلك وصفًا دقيقًا جميلًا، ومثل ذلك في الذبح. • ((الحاج)) طوع إشارة ورهين أمر: الحج تمثيل للطاعة المطلقة، وامتثال للأمر المجرد، وسعي وراء الأمر، وتلبية وإجابة للطلب، فالعبد فيه إنّما هو طوع إشارة ورهين أمر، ليست له إرادة ولا حكم، وذلك في جميع شعائر الحج. • فضل المكان والزمان وموسم الحب والحنان: في مكان قام فيه أكبر المحبين وإمام المخلصين، وأسرته الصغيرة الطيبة المباركة، الذين ضربوا مثالًا في الإيثار والفداء، وجاء من بعدهم الأنبياء والموحدون، فنسكوا مناسكهم وشهدوا مشاهدهم، فطافوا وسعوا ووقفوا ورموا ونسكوا. • أشار العلماء إلى ما في اجتماع المسلمين من تحريك للقلوب القاسية وغثارة للأشواق، يقول (الغزالي): ((فإذا اجتمعت هممهم، وتجردت للضراعة والابتهال قلوبهم، وارتفعت إلى الله سبحانه أيديهم، وامتدت إليه أعناقهم، وشخصت نحو السماء أبصارهم، مجتمعين بهمة واحدة على طلب الرحمة، فلا تظن أنه يخيب أملهم ويضيع سعيهم، ويدخر عنهم رحمة تغمرهم)). • تجديد الصلة بإمام الملة الحنيفية ((إبراهيم)) من أعظم مقاصد الحج: " من مقاصد الحج الرئيسية تجديد الصلة بإمام الملة الحنيفية ومؤسسها إبراهيم الخليل، والتشبع بروحه، والمحافظة على ارثه "، قال (الدهلوي): ((ومن مقاصد الحج موافقة ما توارث الناس عن سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فإنّهما إماما الملة الحنيفية، ومشرعاها للعرب)). • إعادة قصة إبراهيم وتمثيلها في الحج: مناسك الحج جميعها هي اقتداء لسنة إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام. • قصة إبراهيم في القرآن، وصلتها بالبلد الأمين: ولد إبراهيم عليه السلام لأبٍ ينحت الأصنام ويبيعها، لكن إبراهيم عليه السلام حمل قلبًا سليمًا مهيأً للنبوة، قلب ثائر على الوثنية ولاقى في سبيل ثورته العنت الكبير، ويغضب عليه مجتمعه فيطرده، وينجو إبراهيم الخليل بالإيمان فيهيم في أرض الله الواسعة، ثم يهبط مصرًا وينجو بصاحبته من اطماع الملك هناك، ثم من بعد مصر تكون الشام، فيقوم بدعوته إلى عبادة الله وحده، ثم يؤمر بالانتقال مع زوجته (هاجر) ورضيعها، ثم يؤمر بترك زوجته في مكان موحش، فيمتثل ويستسلم، لا جزع ولا فزع، بل إيمان بالغيب وثقة بالله وحده، فيشتد بالأم ورضيعها العطش، فتجيش عاطفة الأمومة فتخرج باحثة عن الماء، تعدو مسرعة مهرولة وكلها يقين، فهي زوجة نبي وأم نبي، " مضطربة في غير يأس، ومؤمنة في غير تعطيل وتواكل "، فتفجّر الماء بطريق معجز، ماءً خالدًا مباركًا، فيه غذاء وشفاء، وبركة وأجر. • " وخلّد الله هذه الحركة الاضطرارية التي ظهرت من امرأة مؤمنة مخلصة، فجعلها حركة اختيارية، يكلف بها أعظم العقلاء، وأعظم الفلسفة والنبغاء، وأعظم الملوك والعظماء في كل عصر، وفي كل جيل، فلا يتم نسكهم إلّا بالسعي بين هذين الجبلين اللذين هما ميقات كل محب، وغاية كل مطيع ". • يكبر الولد، (إسماعيل عليه السلام)، ويبلغ سنًا تقوى فيه عاطفة الأبوة، فيميل الأب بشدة إلى ابنه، ذلك القلب الذي خُصّ بالمحبّة الإلهية، فيتلقى (إبراهيم) إشارة بذبح الولد الحبيب، فكان الولد غاية في البرّ والتسليم للأمر، وذبح الحب الذي ينازع الحب الإلهي ويقاسمه، وعاش الولد، وفدى الله (إسماعيل) بكبشٍ من الجنّة، وجعلها سنّة باقية في عقبه وأتباعه. • كبر (إسماعيل) وأثمرت دعوة (إبراهيم) وتوسعت وانتشرت، وكان لا بد لها من مركز تأوي إليه، فيؤمر (إبراهيم) بعد ما قام الدين على قدمه وساقه، وظهرت نواة الأمة المسلمة الحنيفة لبناء بيت الله تعالى، ويتعاون الوالد والولد في بناء البيت، فينقلان الحجارة ويرفعان البناء، فقام البيت على اساس من إيمان وإخلاص، وتقبله الله بقبول حسن، وكساه الجمال والجلال، وجعله مأوى الأفئدة ومغناطيس القلوب. • الحجّ تخليد لخصائص إبراهيم ومآثره وتجديد لدعوته وتعاليمه: الحجّ ومناسكه وجميع تفاصيله، مرتبط بإبراهيم عليه السلام، وفيه دعوة للناس كي يسيروا على نهجه، ويتشبّعوا بروحه ويقوموا بدعوته في كل عصر وفي كل مكان. • عنوان جديد، وخط فاصل في كتاب الإنسانية: إن إبراهيم عليه السلام ودعوته وجهاده عنوان جديد مشرق في تاريخ الإنسانية، فقد جعل الله لإبراهيم الإمامة الخالدة والكلمة الباقية، وجعل في ذريته البوة والولايةوالوصاية الدينية على العالم. • عماد الإنسانية، وقيام للناس: شهود موسم الحج كاف لبقاء الصلة بين إبراهيم وأتباعه. • مركز دائم للهداية والإرشاد والإصلاح والجهاد: جاء عهد الإسلام والرسالة المحمدية الخالدة، ليصبح البيت الحرام مركزا للهداية والإرشاد، تقام حوله المناسك وتُشحن به بطارية الروح الفارغة. • إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلّم، ومسجده العظيم: يحن المسلم إذا قضى حجّه وأدّى مناسكه إلى مهجر خاتم المرسلين، إلى المسجد الذي انبثق منه النور، وإلى المدينة التي آوى إليها الإسلام وابتل ترابها بدموع الصحابة ودماءهم، فيصلي ويسلّم على هذا النبي الذي خرج بدعوته وجهاده من الظلمات إلى النور. • عرضة سنوية تحفظ على الأمة نقاءها وأصالتها وتعصم الدين عن التحريف والفساد الشامل: الحج عرضة سنوية للملّة، تحفظ الأصالة وتُبعد الدين عن الغموض والالتباس، وتصل الأمة بالمصدر والأساس، قد حُفظت من المغالطات التي وقعت فيها الأمم السابقة. • مركز الاشعاع العالمي الخالد: لا يخلو (الحج) في أحلك أيام الأمة من الربانيين المخلصين، ومن العلماء الراسخين والعباد الصالحين الذين يملأون الجو روحانية وخشوعًا، فتتنزل رحمات الله، وتغشى السكينة ويخزى الشيطان. • مظهر الجامعة الإنسانية الإسلامية: يقرر المؤلّف أن الحج انتصار للقومية الإسلامية على القوميات الوطنية والعنصرية التي قد تقع الشعوب الإسلامية فريسة لها، فتتجرّد جميع الشعوب من أزيائها الإقليمية التي تتميز بها، وتظهر كلها في مظهر واحد يسمى (الإحرام)، يهتف الجميع في لغة واحدة: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك)). • ليشهدوا منافع لهم: شُرِع الحج لفوائد كثيرة نعلم منها الكثير ونجهل منها الكثير، وقد نوّه حكماء الإسلام إلى ذلك وأشادوا به في مؤلفاتهم. • يجب أن يمثل البلد الأمين الحياة الإسلامية والمجتمع الإسلامي المثالي في كل زمان: العرضة السنوية التي يمثلها الحج؛ يستمد منها المسلم قوة وجديدة وروحا جديدة في جو ديني ربّاني، ويستقي الجميع الدين من منابعه الصافية الأصيلة، في بلد قضى الله أن تكون مركزًا للحج إلى آخر الزمان، ومثابة للمسلمين من جميع أنحاء العالم في كل سنة. • هذه المركزية نجدها ايضًا في مجال اللغة والآداب، والحضارة والفقه، فلغة قريش ثم لغة البادية العربية هي الحجة في اللغة العربية، وعمل أهل المدينة حجة في مذهب كبير من المذاهب الفقهية الإسلامية. • يجب أن يبقى ((البلد الأمين)) محتفظًا بطراز خاص، والحج بروح الجهاد والتقشف: يقصد المؤلّف هنا أهمية أن يبقى هذا البلد الأمين على مر العصور ورغم تطورات المدنية؛ محافظًا على شيء من البساطة والطبيعة، وشيء من التقشف، ليشعر الوافدون بشعور المسلمين الأوائل أو قريب من شعورهم. • التشريعات الحكيمة لزيادة فائدة الحج، وتقوية أثره في النفس والحياة: "هيأ الوحي الإلهي والتشريع السماوي للحج جوا يثير الجدّ والقصد، وينبه النفس والفكر"، فأضفى التشريع على الحج لونًا من الجديّة والقدسية، أبعده عن الغفلة والذهول، فكان بذلك ركنًا من أركان الإصلاح والتربية، ووسيلة للتقرّب إلى الله، من ذلك جعله ركنًا من أركان الإسلام، وفريضة على من استوفى شروطها، وأيضًا البيان النبوي لفضل الحج ومكانته وفضائله، ومن ذلك أيضًا مواقيت الحج وما ينجم عنها من تنبيه للحجيج وإيقاظهم روحيا وفكريًا، ومنها (الإحرام) الذي ينبه الحاج على كونه مقبلًا على أمر عظيم، فتجرده من كل مظهرية جوفاء وأبهة مصطنعة، ومنها أيضًا (التلبية) التي حث الشرع على الإكثار منها. • " جمع الله للحج حرمتين، حرمة الزمان والمكان، ليقوي الشعور بحرمة هذا الركن العظيم، وجلاله وروعته ". • حجة الوداع وقيمتها التربوية والبلاغية: يقول المؤلّف: " حجّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم سنة عشر من الهجرة، وشهد معه هذا الحج أكثر من مئة ألف من المسلمين، وهي حجة الوداع "، ويؤكد المؤلّف على أن دلالة كل القرائن أن هذه الحجة كانت مقصودة من الله بهذا التفصيل، وتأخيرها لهذا الوقت كان لحكمة بالغة ومصلحة راجحة، وقد سُجلت تفاصيل تلك الرحلة المباركة بكل تفاصيلها، لم يفت الصحابة رضوان الله عليهم شيء منها. • (الحج والزيارة) في الديانات القديمة، سماتها وفوارقها: كل الأمم والديانات عندها امكنة مقدسة تُشد إليها الرحال، ولها طرق وعادات وتقاليد، وهو مما يوائم النفس الإنسانية التي تسعى دائمًا إلىشيء تراه بعينها وتوجه إليه أشواقها، كما ذكر المؤلّف في أول كتابه، فكان ذلك دور المناسك الدينية والمناسك المشهورة والمشاهد المقدسة التي يجتمع فيه الناس ويذبحون الذبائح ويقربون القرابين لله تعالى، أو لآلهتهم ومعبوداتهم، إلّا أن تاريخ وتفاصيل تلك المناسك غير واضحة، حتى اليهودية والنصرانية، وذلك مقارنة بالحج الإسلامي الذي نملك مكتبة واسعة عامرة بتفاصيل مناسكه وأحكامه، ثم يذكر لنا المؤلّف الحج والزيارة عن اليهود والمسيحيين، وتجد تفصيل ذلك في (دائرة المعارف اليهودية)، وفي (دائرة الديانات والأخلاق)، ويصف أيضًا صورة مجملة لأساليب الحج والزيارة والرحلة الدينية في ديانات العالم الرئيسية. • دور الإسلام الإصلاحي في تشريع الحج: قام الإسلام بدوره الإصلاحي التجديدي في الحج، وذلك بعد التحريف الذي أحدثه أهل الجاهلية في الحج الذي شرعه الله على لسان إبراهيم، فجاء التشريع الإسلامي بإبطال وإزالة هذه التحريفات. • ملاحظات: 1. يتميّز هذا الكتاب بالتناول الفريد المختلف لفريضة الحج، بعيدًا عن المعتاد من وصف تفاصيل المناسك وفقهها، فأتى المؤلّف على ذكر روحانيات العبادة وأثرها على الفرد والمجتمع والأمة الإسلامية. 2. تميّزت كثير من عناوين هذا الكتاب بالطول النسبي، ورأيت أن بعض هذه العناوين كان أطول من اللازم وقد كان يمكن اختصاره دون إخلال، مع بيان التفصيل في جسم الفقرة نفسه، وربما تم تدارك هذا الأمر في طبعات اخرى للكتاب. 3. توجد بعض الأخطاء الإملائية في هذه النسخة وبعد التشويش في ترتيب وتنسيق فقرات الكتاب، والتي أرجو أيضًا أن يكون قد تم تداركها في طبعات أخرى. • اقتباسات من الكتاب: " ولكن الفطرة البشرية، هي الفطرة البشرية، فالإنسان ما زال – ولا يزال – باحثا عن شيء يراه بعينه، فيوجِّه إليه أشواقه، ويقضي به حنينه، ويشبع به رغبته الملحّة في التعظيم والدنوّ ". " ولولا هذه الصفات العليا وأسماء الله الحسنى، التي نطق بها القرآن، ووردت بها السنّة، وهام بها الهائمون، وتغنى بها العارفون، وسبّح بها المسبّحون، وسبح في بحارها ونزل في أعماقها الغواصون، لكان هذا الدين خشيبًا جامدًا، لا يملك على أتباعه قلبا، ولا يثير فيهم عاطفة، ولا يبعث فيهم حماسة، ولا يحدث في القلب رقة، ولا في الجهاد تفانيا، وكانت علاقة العبد بربه علاقة محدودة ميتة لا حياة فيها ولا روح، ولا مرونة ولا سعة، وكانت الحياة كلها حياة رتيبة خشيبة، لا عاطفة فيها ولا أشواق، ولا حنان ولا هيام، وإذا: أي فرق بين الحياة والموت، وبين الإنسان والجماد؟! ". " لا توحيد لمن أسرته العادات، والمألوفات والشهوات، ولا يعتبر مطيعًا منقادًا، مسلما مستسلما، من اعتمد دائمًا على عقله لا ينشط لعمل، ولا يسرع لامتثال أمر، حتى يزنه في ميزان عقله المخلوق، ويعرف فوائده المادية المحسوسة ". " وهكذا كانت حياة إبراهيم وحياة الأنبياء، وحياة العشاق المؤمنين والمحبّين والمتيّمين، نزول وارتحال، ومكث وانتقال، وعقد وحل، ونقض وإبرام، ووصل وهجر، ولا خضوع لعادة، ولا إجابة لشهوة ولا اندفاع للهوى ". " وفي هذا الضجيج من الدعاء، والذكر والتلبية والاستغفار، ما يعيد الحياة إلى القلوب المستة، ويحرك الهمم الفاترة، وينبه النفوس الخامدة، ويشعل شرارة الحب والطوح التي انطفأت، أو كادت تنطفيء، ويجلب رحمة الله ". " وخلّد الله تمثيل قصة الشيطان مع غبراهيم، وجعل رجمه بالحصى في الأمكنة التي اعتر فيها لإبراهيم ينهاه ويصرفه، عملًا يتكرر كل عام، وقصة تمثل في أفضل الأيام إثارة لبغض الشيطان، وإظهارًا للتمرد عليه والعصيان، وهي حركة يشعر فيها المؤمن بلذّة وحياة وعاطفة إذا صح فيها الإيمان، واستقام فيه الفهم، وكمل الانقياد للأوامر، ويعرف أنّه في صراع دائم مع قوى الشر، ومعركة مع ابليس وجنوده، وأنّه ليس له نصيب منه إلّا الرجم والهوان ". " وفي التلبية تأثير غريب في تنبيه النفس وإيقاظها لمقاصد الحج، وشحنها بالإيمان والحنان، والاطّراح على عتبة الرحمن ". " وذلك شأن المحب الوامق، والعاشق الصادق، الذي يرى كل شيء لمحبوبه حسنا، فيتلذذ بذكره، ويسترسل في حديثه، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا يحصيها، ولا دقيقة نادرة إلّا يستقصيها ".
رحلة إيمانية ودفعة روحية بأسلوب عاطفي بليغ، تحلق بك شوقًا للطير فوق جنبات البيت الحرام والمسجد النبوي. الكتاب من الرقائق الإيمانية اللطيفة عن الحج كتبها الإمام أبي الحسن الندوي - رحمه الله-، أخذت لبُّي، وأسرتني، وودتُ لو أني هناك أسعى بين الحجاج مُلبية: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك". كتابُ في وقته خاصةً في هذه الأيام المُباركة.