يوجه «محمد فريد وجدي» في هذا الكتاب النقد لكتاب الشعر الجاهلي للدكتور طه حسين، ذلك الكتابُ الذي أثارَ جدلًا واسع النطاقِ في الأوساط الفكرية والأدبية، واُتهم الدكتور طه حسين على إثره بالكفر، والإلحاد، وطمس معالم ثورةٍ اجتماعية أفصحت عن تفرُّدٍ عقلي وأدبي جسده الشعر الجاهلي، حيث تناول طه حسين في كتابه معالم الشخصية العربية أدبيًّا، وتاريخيًّا، وسياسيًّا، وعقديًّا مبينًا أن المرآة الحقيقية للحياة الجاهلية يجبُ أن تُلتمسَ في القرآن لا في الشعر الجاهلي، وقد عُنِيَ الكاتب بإيراد ملخصٍ لكل فصل بعباراتٍ قالها الدكتور طه حسين، ثم يُتْبِعُهَا برأيه الخاص فيها، منتهجًا نهج النقد البناء، فهو يتناول العبارة مبينًا أوجه اتفاقه واختلافه معها دون مغالاةٍ أو انحياز.
الأستاذ محمد فريد وجدي (1878 - 1954) كاتب إسلامي مصري الجنسية من أصول شركسية ولد في مدينة الإسكندرية بمصر سنة 1878م / 1295 هـ وتوفى بالقاهرة سنة 1954م / 1373 هـ. أصدر عدة مجلات منها :الحياة والواجدنيات وأسس مطبعة كانت تصدر جريدة الدستور . عمل على تحرير مجلة الأزهر لبضع وعشر سنوات، له العديد من المؤلفات ذات طابع ديني ووثائقي ومن أهم كتبه كتاب كنز العلوم واللغة وكتاب دائرة معارف القرن الرابع عشر الهجري والعشرين الميلادي وتقع في عشرة مجلدات, له كتاب مهم بعنوان صفوة العرفان في تفسير القرآن أعيد طبعه عدة مرات، وله كتاب رائع في السيرة اسمه السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة، وله كتاب في شرح مباديء الإسلام ورد الشبهات عنه اسمه الإسلام دين عام خالد.
من مؤلفاته المهمة أيضا: الإسلام في عصر العلم وهو كتاب جيد بين فيه التوافق بين العلم والدين، ومنها أيضا نقد كتاب الشعر الجاهلي للدكتور طه حسين وهو الذي قرضه زعيم الأمة سعد زغلول وشهد للعلامة محمد فريد وجدي بالنبوغ والتميز. قال عنه العقاد في كتابه رجال عرفتهم: "هو فريد عصره ، وما وجد اسم في هذا العصريوافق صفته إلا "فريد" ".
لم يقتصر نشاطه على الدين فحسب ولكن كان له نشاط سياسي واضح حيث عارض الزعيم الوطني مصطفى كامل في الذهاب إلى فرنسا بعد حادثة دنشواي 1906م وكان يرى أن السفر كان يجب ألا يقتصر على فرنسا فحسب ولكن للعديد من الدول الأوروبية. من أنبغ تلامذته د محمد رجب البيومي عميد كلية اللغة العربية الأسبق - جامعة الأزهر وهو الذي جمع له مجموعة كتب من كتبه حيث أن جزء كبير من كتبه كان يكتب على هيئة مقالات.
يذكر د عبد الحليم محمود شيخ الأزهر سابقا مدى انتفاعه بمجالس العلامة محمد فريد وجدى الذي كان يؤمها وزائريه في منزله بعد صلاة المغرب من كل يوم...حتى أفاد منها د. عبد الحليم في تعرف الاتجاهات المختلفة كما فتح له أبواب الموضوعات التي تشغل أنصار الفكرة الإسلامية ليلقى عليها مزيدا من الضوء والمناقشة ثم لتكون مادة للبحث العلمى حين تنقل من الندوات إلى المجلات والكتب.
حاول الكاتب أن يفند الدعاوى التي جاء بها طه حسين في كتابه عن الشعر الجاهلي ، فشاركه التساؤل في بعضها وعجز عن رد بعضها ونجح في الرد على كثير منها ورغم أن الكاتب يوافق طه حسين في ما رمى إليه من أن الشعر الجاهلي منحول ، إلا أنه لا يوافقه في الطريقة التي أثبت فيها تلك النتيجة ويشنع عليه في المنهج الذي سلكه في إثبات دعواه فالكاتب يتعجب من أن طه حسين يكرر اهميه منهج ديكارت في نقد النصوص في حين أنه خالف هذا المنهج تماما عندما أراد إثبات دعواه وأورد نصوصا غير مثبته تاريخيا وعول على كتب الادب كالاغاني والعقد الفريد التي تعج بالأكاذيب والروايات الضعيفة وبنى طه حسين اثباتاته وادلته على هذه النصوص الواهية ولم يعمل منهج ديكارت لنقدها عموما الكتاب هو محاولة جيدة للرد رغم أن الكاتب كان متلطفا جدا مع طه حسين
أنهيت قراءة كتاب نقد كتاب في الشعر الجاهلي لمحمد فريد وجدي اليوم ، وقد خرجت منه بعدد من الملاحظات التي وددت تسجيلها.
أولى ملاحظاتي تتعلّق باعتراضه على طه حسين لأنه أخذ بمنهج ديكارت في الشك، وترك منهج القرآن الكريم ـــ كما يرى هو ـــ في البحث والنظر. وهذا في رأيي اعتراض غير وجيه؛ فالقرآن الكريم وحيٌ من الله وكتاب هداية، وليس كتابًا في مناهج النقد الأدبي، وما قدّمه العلماء من بعده كان اجتهادًا لغويًا وتأويليًا، محكومًا بحدود عصرهم واهتماماتهم. أما اتباع طه حسين لمنهج فلسفي مثل منهج ديكارت فلا يُعدّ مأخذًا بحد ذاته، بل كان الأجدر بفريد وجدي أن يُحاسب طه على مدى التزامه بتطبيق هذا المنهج. وهو ما لم يتحقق بدقة؛ لأن طه حسين – كما أرى – جمع في بحثه بين المنهج الديكارتي الذي ينطلق من الشك، والمنهج الوضعي الذي يفترض مبدئيًا وجود معطيات علمية قابلة للتحقق. وهذان المنهجان لا يجتمعان من الناحية الفلسفية، إذ الأول يُشكّك في كل شيء ابتداءً، بينما الثاني يُسلّم بوجود وقائع يمكن قياسها أو التحقق منها.
ومن الملاحظ أن فريد وجدي في أغلب مباحثه كان يعرض آراء طه حسين بتوسّع وتكرار، وكثيرًا ما وافقه في جوهر القضايا، ثم اكتفى بالاعتراض على أسلوب العرض لا على مضمون القول.
ففي مسألة اختلاف لهجات العرب في الجاهلية، وكيف جاء الشعر بلغة واحدة لا تختلف، وافق طه حسين تمامًا ولم يُقدّم أي تعقيب أو اعتراض.
وفي الحديث عن الانتحال الديني، لم يُنكر الفكرة ذاتها، بل رأى فقط أن طريقة طه حسين في الطرح قد تُوهم القارئ بأن العلماء أو الأئمة كانوا موافقين على ذلك، فنبّه إلى أنهم لم يرضوا بهذا المسلك، بل أنكروه ونهوا عنه.
أما في قضية الانتحال لأسباب سياسية، فقد بدا لي أن فريد وجدي يحمل رؤية مثالية للمجتمع الإسلامي في القرون الثلاثة الأولى، فهو ينكر عنهم النزعات الحزبية أو القبلية أو حتى الأهواء السياسية، ويؤكّد في أكثر من موضع أن هذا المجتمع لم يكن فيه مثل هذه الدوافع. بل ويكرر هذا القول كثيرًا كما لو أنه يحاول ترسيخه في ذهن القارئ. وقد بدا ذلك لي مبالغًا فيه، بل مخالفًا للطبيعة البشرية. بينما كان طه حسين في هذا الباب أكثر اتزانًا وإنصافًا، إذ لم يُخرج ذلك المجتمع من بشرّيته، بل أقر بوجود مصالح سياسية ودوافع نفسية وأهواء، شأنه في ذلك شأن كل مجتمع.
وفي تناوله لمسألة الفتنة الكبرى، خالف طه حسين مخالفة شديدة، وكنت أراه متحاملًا في كثير من المواضع. وأدهشني قوله بأن العصبية الأموية كانت موجودة، لكنه ينكر تمامًا وجود عصبية قرشية أو عباسية! فسألت نفسي: ما المانع إذًا أن تظهر عصبية قرشية أو عباسية أو حتى فارسية؟ وكيف تُقر بعصبية وتُنكر الأخريات؟ لقد شعرت أن ميزان فريد وجدي في هذه النقطة مختل، وفيه نوع من الانتقائية. في حين أن طه حسين كان أكثر تماسكًا، وأقرب إلى الموضوعية، إذ عرض الفتنة الكبرى في سياقها البشري والسياسي، دون تمجيد أو تحامل.
ورغم كل هذه الملاحظات، فقد استمتعت بالكتاب كثيرًا، وشعرت أثناء قراءتي له كأني حاضر في مناظرة حية بين رجلين كبيرين، أستمع إلى آرائهما وتحليلاتهما، وأتأمل الفروق الدقيقة في الطرح والأسلوب. كان الكتاب مفيدًا وغنيًا، حتى وإن لم أتفق معه في كل شيء.
كتاب جيد ينقد فيه محمد فريد وجدي كتاب طه حسين بشكل موضوعي وهاديء ودون أن يتعرض لشخصه وواضح أنه يتفق معه في أن هناك شعر جاهلي منحول ولكنه يختلف معه في نقاط أخرى كما أنه يعيب على طه حسين استخدام منهج ديكارت في الشك وترك ما أسماه المنهج القرآني فيتساءل لماذا نتبع ديكارت ولا نتبع محمد كما أنه يعيب على طه حسين إغفاله لمنهج ديكارت في الشك عند قبوله روايات كتب السابقين التي يعتمد عليها ويستدل بها في بحثه .
تناول هذا الكتاب بالنقد ما كتبه طه حسين في كتابه "في الشعر الجاهلي" فأفاض وزاد وخرج عن الموضوع مرارا وتكرارا.
يتبع الكاتب أسلوبا شاع اتباعه قبله وبعده، ألا وهو إرجاع السبق في كل شيء حسن إلى الإسلام والقرآن، ولو كان منهج ديكارت الذي ابتدع الكاتب له منهجا موازيا سماه المنهج القرآني، ونفي كل المثالب عن الإسلام والقرآن دون تحليل تاريخي وبكلمات عامة واستشهادات فضفاضة من القرآن والسنة.
نصب الكاتب نفسه منافحا عن الدين في غير محل، فطه حسين إنما عبر عن رأيه فيما نسب إلى الشعر الجاهلي ولم يمس الدين إلا فيما مس موضوعه، وقد حرص على الإعلاء من قيمة القرآن وجعله أول وأقيم وأصح نص عربي. ولكن ذلك لم يرض الكاتب، فكتب كتابا طويلا عريضا أكبر من الكتاب الذي ينقده مدافعا عن الدين في مقام الأدب!
للكاتب تقسيم عجيب جدا للوثنية، حيث قسمها إلى عالية محمودة ذات علم وثقافة وفضل، وسافلة منحطة ليست من ذلك في شيء. ولم ينم إلى علمي قيام الدين أو الرسول بإحداث هذه التفرقة في الحكم.
نافح الكاتب طويلا عن قصة نسبة العرب إلى إسماعيل بكلام عام فضفاض لم يضف شيئا إلى ما يتداوله الناس كأساطير، وكان يكفيه الإيمان بها دينيا دون محاولة تبرير ذلك عقليا أو تاريخيا.
وزاد على ذلك اعتباره الإسلام أكبر دولة أسست في العالم، ولا أدري على ماذا اعتمد في قياسه.
الكتاب عموما يغلب عليه الجدل والإطالة والاستشهاد بالقرآن والحديث في غير موضع ودون وجود صلة واضحة بين ما يود إثباته وما يورده، وذلك معتاد فيمن يصل إلى النتيجة أولا ثم يلفق لها إثباتات وبراهين كما هو حال معظم الكتابات الدينية.