حاول ابن الجوزي كشف انحرافات كثير من الناس بسبب بعدهم عن هدي الأنبياء و جهلهم بالدين ، و تتبع ما شاع في عصره ( وهو يشابه واقعنا الحالي ) من البدع المضلة و الأفكار الدخيلة و السلوك الجانح وذلك لتحذير الناس منها. الكتاب مهم للوصول للعلم الحقيقي و الإصلاح و الصراط السوي و العقائد التي لا يشوبها شبهة و لا تخيلات وهمية. وعزا ابن الجوزي جلَّ أسباب انتشار الضلال في الدنيا و أسباب تسرب هذه الجهالات لنفوس البشر إلى إبليس و لبسه و دسه و تدليسه. بيَّن الشبه التي لبّس إبليس بها على أصناف الناس و ذلك بالبحث و التنقيب و الانتقاد مع كشف صحيح المسائل و فاسدها مستنداً إلى الأدلة النقلية و العقلية و الأمثلة التي يشهد لها الحس و الوجدان .
تحقيق الكتاب:
هناك عدة اجتهادات لتحقيق هذا الكتاب وتنقيحه مما فيه من الأسانيد التي لا تثبت والقصص غير الصحيحة ومنها:
المنتقى النفيس من تلبيس إبليس ) لمؤلفه علي حسن عبدالحميد الحلبي، حيث قام بحذف الأسانيد كلها وحذف غير الصحيح من الأحاديث و حذف المكرر من الأحاديث أو الأخبار في نفس الموضع و خرَّج الأحاديث الصحيحة و حذف القصص و الحكايات غير المفيدة و علَّق على ما رآه لازماً وقام باختصارات و حذف من كلام المؤلف لربط الكلام و تتميمه و ضبط الكتاب .
هو أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن عُبَيْد الله بن عبد الله بن حُمَّادَى بن أحمد بن جعفر وينتهي إلى أبي بكر الصديق. عاش حياته في الطور الأخير من الدولة العباسية، حينما سيطر الأتراك السلاجقة على الدولة العباسية. وقد عرف بأبن الجوزي لشجرة جوز كانت في داره بواسط ولم تكن بالبلدة شجرة جوز سواها، وقيل: نسبة إلى فرضة الجوز وهي مرفأ نهر البصرة. حظي ابن الجوزي بشهرة واسعة، ومكانة كبيرة في الخطابة والوعظ والتصنيف، كما برز في كثير من العلوم والفنون، وبلغت مؤلفاته أوج الشهرة والذيوع في عصره، وفي العصور التالية له، ونسج على منوالها العديد من المصنفين على مر العصور.
وقد توفي أبوه وهو في الثالثة من عمره فتولت تربيته عمته، فرعته وأرسلته إلى مسجد محمد بن ناصر الحافظ ببغداد، فحفظ على يديه القرآن الكريم، وتعلم الحديث الشريف، وقد لازمه نحو ثلاثين عامًا أخذ عنه الكثير حتى قال عنه: لم أستفد من أحد استفادتي منه.
شيوخة وأساتذته تعلم ابن الجوزي على يد عدد كبير من الشيوخ، وقد ذكر لنفسه (87) شيخًا، منهم: أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر [ 467 ـ 550 هـ = 1074- 1155م ]: وهو خاله، كان حافظًا ضابطًا متقنًا ثقة، وفقيهًا ولغويًا بارعًا، وهو أول معلم له. أبو منصور موهوب بن أحمد بن الخضر الجواليقي [ 465- 540هـ = 1072م- 1145م ]: وهو اللغوي المحدث والأديب المعروف، وقد أخذ عنه اللغة والأدب . أبو القاسم هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري المعروف بابن الطبري [ 435-531هـ =1043-1136م] وقد أخذ عنه الحديث . أبو منصور محمد بن عبد الملك بن الحسين بن إبراهيم بن خيرون [ 454-539هـ = 1062-1144م ] وقد أخذ عنه القراءات .
منزلته ومكانته: كان ابن الجوزي علامة عصره في التاريخ والحديث والوعظ والجدل والكلام، وقد جلس للتدريس والوعظ وهو صغير، وقد أوقع الله له في القلوب القبول والهيبة، فكان يحضر مجالسه الخلفاء والوزراء والأمراء والعلماء والأعيان، وكان مع ذيوع صيته وعلو مكانته زاهدًا في الدنيا متقللا منها، وكان يختم القرآن في سبعة أيام، ولا يخرج من بيته إلا إلى المسجد أو المجلس، ويروى عنه أنه كان قليل المزاح . يقول عن نفسه: "إني رجل حُبّب إليّ العلم من زمن الطفولة فتشاغلت به، ثم لم يحبب إلي فن واحد بل فنونه كلها، ثم لا تقصر همتي في فن على بعضه، بل أروم استقصاءه، والزمان لا يتسع، والعمر ضيق، والشوق يقوى، والعجز يظهر، فيبقى بعض الحسرات".
مجالس وعظه: بدأ ابن الجوزي تجربة موهبته في الوعظ والخطابة في سن السابعة عشرة، وما لبث أن جذب انتباه الناس فأقبلوا على مجلسه لسماع مواعظه حتى بلغت شهرته في ذلك مبلغًا عظيمًا، فلم يعرف تاري.
"المنتقى النفيس" عبارة عن تحقيق للكتاب الأصلي (تلبيس ابليس) للإمام ابن الجوزي، حيث قام المحقق علي عبدالحسن بحذف الأسانيد كلها وحذف غير الصحيح من الأحاديث و حذف المكرر من الأحاديث أو الأخبار في نفس الموضع و خرَّج الأحاديث الصحيحة و حذف القصص و الحكايات غير المفيدة و علَّق على ما رآه لازماً وقام باختصارات و حذف من كلام المؤلف لربط الكلام و تتميمه و ضبط الكتاب. التقييم الشخصي: تحقيق الاستاذ علي حسن للكتاب الأصلي ساهم بشكل كبير في سهولة قرائته، والإطلاع على أهم مافيه،ورغم ذلك فإن من لم يتعود على كتب ابن الجوزي، قد يجد صعوبة في فهم بعض مصطلحات الكتاب، لذا لا ينصح به للمبتدئين، خصوصاً أن هناك كثير من الشبه والفرق المبتدعة الأفكار الضالة التي دحضها ابن الجوزي قد لا يكون للقارئ علمٌ بها من الأساس..وليست من اهتمامه، بل تخدم أولئك المختصين في الرد على المبتدعين..
ولعل من المفيد للمبتدئ أن يقرأ كتاب (إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان) لابن القيم..
الكتاب عبارة عن تحقيق لكتاب" تلبيس إبليس " وتعليق عليه وحذف لبعض الأسانيد والأحاديث الضعيفة منه.
بالمختصر إذا أردت أن ألخص فكرة ال 600 صفحة في هذا الكتاب فسأقول هي " ترتيب الأولويات ". وكيف أن الشيطان قد يزين لنا المهم لنغفل به عن الأهم. وكيف أنه يغير علينا المفاهيم ويوهمنا بأننا نتقرب من الله ونحن بالواقع نعصيه أو نضيع عمرنا بالمباحات وننشغل عما خلقنا لأجله. بالمجمل الكتاب مفيد ولطيف.
قام الحلبي بجهد محمود، إلا أنه لو أبقى الكتاب كما هو وقام بإضافة التعليق فقط على صحة الاحاديث او الاخبار، وذلك لسببين؛
أن الحذف اضطره إلى التعديل على الربط، مما أبهت أسلوب ابن الجوزي الذي لا يخلو من سحره ومجرد التعليق على الحديث قد يضيف فكرة للقارئ عن مدى صحته في حال مرّ عليه في موضع آخر، وبذلك يحسن الحكم فيه
ولا ننسى فضله في تكريس جهده على حفظ ما مضى عليه أئمتنا، لم يكن ذلك بالأمر الهيّن... جزاه الله وجزى المؤلف عن المسلمين خير جزاء