إن كل ما تراه من جمال و ألوان، و تستنشقه من عطور، وتسمعه من موسيقا، وتشعر به من راحة، وسعادة، وأمان، وتناغم في تلك الدنيا هو من ذاكرتك الأولى في الجنة قبل هبوطك إلى الأرض، فتلك الذاكرة هي التي تأنس روحك فتلتقي مع من تُحب لأنه كان رفيقك هناك، و قدر لك أن تكمل معه حديثك هنا، فكل من تعتقد أنك رأيته من قبل فبالفعل أنت قد رأيته وجالسته وسعدت به حتى حانت لحظة الهبوط التي افترق فيه كل خليل عن خليله، حينما ألقيت شجرة المعرفة على الأرض وتناثرت ثمارها، ولكن تستمر الأنصاف المتباعدة في اللقاء
مصر / دمياط مقيم بدولة الكويت مواليد 1/7/1977 حاصل على ليسانس في الآداب والتربية لغة عربية ودراسات إسلامية جامعة المنصورة كاتب قصة وباحث أدبي مستقل صدر له :
لوزات الجليد
2006 عن مركز الحضارة العربية /مجموعة قصصية
رائحة الخشب
/ 2008مؤسسة شمس للإعلام والنشر القاهرة/مجموعةقصصية
حصل على العديدمن الجوائز العربية والمحلية في مجال القصة القصيرة
عمل صحفياً بجريدة يوليو الإقليمية وشارك في تأسيس مجلة صوت الطلاب وموقع أدباء دوت كم www.odbaa.com
ينشر أعماله بالعديد من الصحف العربية والدولية القبس الكويتية / الراي الكويتية/ النهار الكويتية/ العالم الإماراتية/ الوفاق الدولية
فى رواية "الفارض" كل ماعليك : أن تتجرد من الأسماء وتكتسي بالحب!!
د.هبة سعد الدين
حين يعانق الموت الحياة تتجلى المعجزة فى الخلق؛ لنكتشف أنه لاتوالى للأشياء والأحداث ، وليس هناك تجاور كذلك أو توازى ؛ بل إنها وحدة الكون الواحدة التى تأتى بتلك الدائرة حيث لابداية أو نهاية. لذلك جاءت رواية "الفارض" لمحمد سامى البوهى لتختتم ثلاثيته "العارف - رأس الإمام" و "الحلاج" التى يخطو فيها بين السماء والأرض متجهاً نحو الزمان والمكان مازجاً الكون فى وحدته التى لم تخطر على قلب بشر.
*مابين السماء والأرض عادة ما نرى المسافة بين السماء والأرض ممتدة إلى حد الانفصال ، لكننا فى "الفارض" نجدهما يتحدان بصورة مبتكرة ؛ فتلك اليد اليمنى ستمتد نحو السماء بينما اليسرى نحو الأرض ليمكننا تجاوز ذلك القدر من الشر ، لتشعر فى تلك اللحظة بالوصل بينهما لا الانفصال !! ، لم تكن تيمة الوصل والوحدة فى تلك الحالة فحسب ؛ بل جاءت كمتواليات فى كافة اللحظات وحضور الشخصيات ؛ لتشعر فى لحظة أنها لحظة واحدة أو هى "لمح بالبصر" ، وذلك ماأراده "البوهى" سواء فى اختزاله لتوالى السفر من مكان لآخر أو اللقاءات التى تشك أنها تمت ، لكنك لن تمتلك القدرة على إنكار حدوثها ، أو ذلك الانتقال مابين العراق والشام وغيرها من الأماكن حتى تشعر أن "قونيه" التى أرادها "الفارض" تحت قدميه منذ البداية ولم تكن فى حاجة للسفر والسجن والقتل ؛ يكفى فقط أن تنطق باسمها لتظهر !!
*بلا اسم ودين ذلك "الفتى" ذى الوشم المسيحى الذى رباه اليهودى بعد مقتل والديه المسلمين ؛ هل كان يحمل اسماً أو ينتمى لدين؟ ، وماذا يعنى الاسم أو الدين فى تلك "الحالة" التى اجتمع فيها الكون ليختزل حالة من "الحب" !! ورغم كل ذلك وجدنا انتقالات بين كل ذلك لايمكن أن يجمعها سوى "الفتى" الذى كان طفلاً ترضعه الثعالب البيضاء وينتمى لاب مسيحى ويعلمه يهودى ، ورغم كل ذلك لم يته "الفتى" ؛ بل كان دوما على الطريق ، ورغم المهمة التى لاتشعر أنه يسير نحوها ؛ بل هى التى تأتيه ، فإنه لايشعر بالطمأنينة التى لايسعى إليها إلا فى تلك البدايات حيث المصير والسبيل نحو طريق مكتوب ، ومساحات من التلاحم مع الحياة وتطوراتها وكأنه ليس له يد فى كل شيء ولن يكون ، فهو رضيع ترضعه الثعالب البيضاء ومسلم لأب مسيحى يعلمه يهودى وينقذه الجميع ، فلاهو فاقد لوالديه ولامسجون بل تاجر حرير وفتى وفارض ليس له حاجه لاسم أو دين !!
*أرقام لوحى الموت والحياة منذ البداية والبحث عن لوحة الموت التى تثير كل هذا الدمار والموت ،والتى تحمل سرها على اللوح المطلوب ، بحث لايحتاج لمجهود أو انتقال فتوالى الأحداث وكمونها فى حد ذاته زمان ومكان ، لاتدرى من منهما يسبق الآخر أو يليه !! وكذلك الأشخاص فكل منهم يظهر ليختفى ويعود فلا تدرى هل كان حقيقة أم حلماً أم تأويل ، وعندما يجد الفتى ضالته الخاصة بالموت ؛ تدرك أن البحث عن الموت يعنى "الحياة" ، وعندما يتجاور لوحا الموت والحياة ، ترى بوضوح توالى الأرقام التى لاتعنى سوى التجاور والتلازم وأنه لا انفصال!! لقد صارت رواية "الفارض" على ذلك النهج منذ البداية ، ليلتحم كل جانب منها زمان ومكان وشخصيات فى دلالات لا تختلف وتأويلات لايخطئها القلب ، فلا منبع لها ولامصب سوى "الحب".
*رسائل ورسالة لم يكن "الموت" فى الرواية سوى مساحة من الحياة ، أتت بكل تلك القسوة والعنف الذى لاتشعر به ، فمع جثتي الاب والام تأتى الثعالب البيضاء ومع مقتل الاب المسيحى تأتى الأم التى ليست أماً والاخ الذى ليس أخاً واليهودى الذى يعلم وليس بمعلم ، والسارق الذى ليس بسارق ، فمن حققك أن تعيد النظر مرة أخرى فى كل ما حاولك فقط ، لو رأيته بعيون الحب!! لم تكن الراوية التى تختتم "الثلاثية" بعيدة عن عوالم الرموز والتأويلات والتحام الزمان بالمكان والسير نحو أنسنة كل شيء ؛ بل جاءت لتضع نقطة واحدة فوق كل حرف ، وتؤكد أن مايضفى معنى لكل شيء هو "الحب".
استمتعت مؤخرا بقراءة رواية (الفارض) للكاتب المبدع محمد سامي البوهي ، الرواية تنتمي لأدب الصوفية بإمتياز في إطار تخيلي تشويقي يرصد تاريخ طائفة الحشاشين و كيف أرست تلك الطائفة دعائم التطرف الفكري و كيف اتخذت من القتل مذهباً و من الاغتيال عقيدة ، تلك العقيدة التي آمنت بأن الحب ضعف و أن الله لا يحب الضعفاء و لا يشملهم برعايته ، عقيدة ترسخت في أذهان طائفة أرعبت العالم و أقضت مضاجع السلاطين و الملوك و الأمراء ، الرواية تقدم تلك الطائفة المتوحشة و تبرز معها طائفة أخري برزت معها بنفس التوقيت تقريبا و هي الصوفية بأنصارها الذين آمنوا بالحب مذهباً و بالتسامح عقيدة ترسخ للإيمان بأن دين الحب هو دين الله ، دين المعاملة الحسنة ، و كيف دارت رحي الصراع بين الطائفتين من خلال أحداث الرواية الشيقة ، ذلك الصراع الأزلي بين الخير و الشر بين الحق و الباطل ، بين الجمال و القبح بين العفاف و الرذيلة بين المحبة و البغض و مع حدوث المآسي و المذابح و الكروب يبرز دائماً سؤال معقد أين الله من كل ما يحدث ؟ و يليه سؤال أكثر تعقيداً ما نفع ما نحفظه من كلمات و أدعية ؟ و الذي تجيب عنه الرواية برؤية مميزة و منظور مختلف. جاءت نهايةالرواية لتؤكد علي حقيقة الآية الكريمة "و يحق الله الحق بكلماته و لو كره المجرمون " رواية دسمة زاخرة بأحداث و تفاصيل و مفاهيم فلسفية تثير حيرتك بقدر ما تثير إعجابك. 📌 الحبكة: الرواية تحدثت عن استخدام تجلي الأسماء و خاصة الاسم المميت و استخدام الجنود الحارسة للأسماء و لوح الممات و لوح الحياة و القتل عن بعد و استهداف القلوب و كأني بها روايتين متداخلتين ، كل رواية هي نقيض للأخري و إن تطابقت الأحداث حيث عمد الكاتب إلي توضيح التطابق من خلال إستخدام نفس العناصر في كل رواية بنفس الطريقة فنجد أن (الفارض) و (ابنة الحداد) قد تطابقت حوادثهما منذ أن كانا أجنة في بطون أمهاتهم ، فالرواية تؤكد أن الخير و الشر صنوان لا يفترقان شريطة ألا يطغي أحدهما علي الآخر ، و بالرغم من التطابق الشديد تشعر و كأن الرواية تدور حول محورين معكوسين فنجد درويش و حشاش ، زوجة درويش في رقة ووداعة الحملان و زوجة حشاش في قسوة و بربرية الوحوش الضارية ، رضيع تحرسه الثعالب و رضيعة تخشاها الذئاب ، رحمة و قسوة ، حب و قتل . 📌اعتمد الكاتب في الحبكة علي الأسلوب الرمزي في شرح فكرة الرواية و استخدام شيفرات لن يفهمها إلا من تعلقت أرواحهم بأبواب السماء و ابتعدوا عن الثري ليحلقوا نحو الذري ، كذلك أراد الكاتب أن يحرك الصراع المحموم بين الأبطال عن بعد و بشكل غير مباشر و لكن مع تصاعد وتيرة الأحداث يصبح اللقاء حتميا بل و يجعلنا نتلهف لحدوثه و كأنه لقاء حبيبين . 📌 طيلة أحداث الرواية و رغم اليقين بأن الغلبة ستكون للخير إلا أن شعور التوتر و القلق رافق قراءتي للفصول الأخيرة و التي قصد الكاتب أن تكون أحداثها سريعة و متلاحقة لأنه مهد لهذه الأحداث منذ البداية فالرواية ترسخ لفكرة (القدرية) فكل شيء مقدر له أن يحدث سوف يحدث و لا حيلة لنا في منع حدوثه أو تغيره أو حتي تأجيله ، فنحن أقدار تسير وفق قانون (كن فيكون) الإلهي . 📌الرواية ابتعدت عن سرد تاريخ طائفة الحشاشين بالشكل الاسترسالي المعتاد لكنها فسرت الجانب النفسي الذي يحكم وجدان تلك الطائفة من منظور مختلف بعيدا عن مجرد توجيه الاتهام أو إصدار الأحكام علي تلك الطائفة فحسب علي الرغم من أن الكاتب تفادي الحديث عن الفترة المعاصرة لزمن (حسن الصباح) و اكتفي بالتلميح التاريخي ربما ليتجنب الجدل الشهير حول دقة التأريخ لتلك الفترة الشائكة لكنه ذكر كل الحوادث التاريخية المعاصرة لتلك الطائفة دون إسهاب او إطالة . 📌الرواية تحدثت عن أهل الخفاء و التخفي (ظاهر براق و باطن بشع) من خلال فكرة الغواية و ارتباطها الوثيق بالفتنة فنجد زوجة الصياد و ابنة الحداد رموزا للغواية التي تخفي وجها بشعاً للقسوة و الوحشية . 📌رسم الشخصيات : قدم الكاتب شخوص الرواية بلا أسماء ، فغياب الأسماء عن الشخصيات الرئيسية ظهر جليا فتم تقديم الأبطال إما بصفاتهم أو بما يمتهنون به الدرويش ، الحداد ، التاجر ، العطار ، شيخ الجبل ، الفتي ، ابنة الحداد ، الكاهن ، اللص ، زوجة الصياد فلا أهمية للأسماء مقابل الهدف الأسمي و هو الحب بغض النظر عن الاسم أو الدين . 📌الشخصيات المحورية قدمت من منظور أحادي الجانب كالدرويش و الحداد و الفارض و ابنة الحداد و التاجر و شيخ الكتاب كل شخصية قدمت شعوراً واحداً و أظهرت جانبا واحداً كالحب و الكراهية و الإيثار و الحنان و الإيمان ، بينما تم تقديم شخصيات كالدرويش اليهودي و كاهن الكنيسة و اللص بأكثر من منظور و أظن أن تلك الشخصيات الثلاث ترمز للديانات السماوية فكان و لابد أن يرسمها الكاتب بأكثر من بعد و أن يظهرها علي أكثر من صورة و ظهرت فلسفة الرواية علي ألسنتهم وكأن زمام الأحداث بأيديهم فقط . 📌التسلسل الزمني : جاء التسلسل الزمني لأحداث الرواية متسقا و في اتجاه واحد من الماضي إلي الحاضر ، فالزمن لدي الكاتب و كأنه غادي مرتحل لا أول له و لا آخر و هي عادة صوفية أصيلة لديه فنري أطياف الماضي ظاهرة في الحاضر و نري أحداث الحاضر واضحة جلية في رؤي الماضي و كأن الزمن حالة من أبدية العشق لا بداية تحكمها و لا نهاية تختمها . 📌التوازن الزمني في تقديم كفتي الخير و الشر كان من العناصر الناجحة جدا في الرواية. 📌مشهدية الأماكن : رسم الأماكن تم بشكل رائع ، فالرواية تأخدك في رحلة طويلة بين اللاذقية و جبال الدليم و دمياط و حي الحسينية بالقاهرة و الأهوار و بغداد و قونية . تتبدل الأماكن بسلاسة لا تربك القاريء كذلك وصف الأماكن كان موفقا للغاية فلكل مكان عبقه و أجوائه التي نقلها الكاتب بإحساس شاعر و عيون رحالة جوال . اختيار بغداد لتكون مسرحا لأحداث القتل جاء موفقا جدا فبغداد أرض شهدت صراعات و نزاعات و حروب و سفك دماء علي مدار تاريخها و كأنها جرح كتب عليه ألا يندمل . قونية مدينة الحب التي شهدت أرق ما يكون من عاطفة بين الرومي و شمس الدين ، القاهرة حاضنة الإيمان و اليقين و ملعب طفولة بطل الرواية . 📌اللغة : اعتمدت علي السرد الروائي الوصفي مع النذر اليسير من الحوار بين الشخصيات ، اللغة صوفية بليغة ، لغة يفهمها كل قلب عشق و تعلق بأردية المولوية ، لغة يجيدها الكاتب بسهولة و يسر خاصة في وصف حالة العشق التي يحيا بها كل درويش في أول الرواية و علي الرغم من رقة و عذوبة لغة العشق الإلهي إلا أن الكاتب أبدع في وصف مشاهد القتل و سفك الدماء و الوحشية ال��ي كانت أيضا معبرة بدقة عن حالة البغض البشري . هناك بعض العبارات التي تكررت علي مدار الرواية و التي تبدو في ظاهرها تكرار لا يخلو من إملال و لكنها في باطنها رسائل مشفرة يبعثها الكاتب لتستقر في وجدان القراء . 📌 من أكثر الأشياء التي نالت إعجابي أن الرواية ألقت بظلالها علي قضية خطيرة ربما كانت هي الأصل في انطلاق سهم التطرف من قوسه و استلال سيف الإرهاب من غمده ألا و هي قضية الصراع الطائفي ، فالرواية أكدت أن الديانات السماوية تتكامل و لا تتصارع فهي تنبثق من مشكاة واحدة و هدفها الحب و إن اختلفت طقوسها فنجد الدرويش المسلم و التاجر القبطي و الدرويش اليهودي . 📌كذلك ورد ذكر طوائف دينية لم يتم ذكرها كثيرا في أعمال أدبية كالايزيدين و الكلدانيين و الصابئة . 📌أيضا من الأشياء التي جعلت الرواية من افضل ما قرأت عن طائفة الحشاشين هو وقوف الكاتب علي أهمية فكرة أن الظلم يولد من رحم الظلم و القسوة تصنعها قسوة أشد فقصة الحداد خير مثال علي ذلك و كأن الحداد هو الحجاج بن يوسف الثقفي أو أن أثر ندبة في وجه مظلوم صنعه سوط ظالم قد تصنع طاغية لا يرحم و لا يسلم الناس من شره . 📌اقتباسات من الرواية : الرواية زاخرة بالاقتباسات الرائعة و هذا غيض من فيض . اليقين مداد العارفين ، و أنا مازلت علي الطريق أحبو . من أراد من الله جبرا منحه حبا ، و من أراد حبا أعطاه حياة ، و طالب الحب لا يضام . اليد التي تتمسك بما يفوق قدرتها تفلت كل شيء دفعة واحدة . كل يوم يمر هو عرفات لشخصين قدر لهما اللقاء ، فكل لقاء أول ، هو لقاء ثان ، و كل لقاء ثان هو رحمة و كل رحمة هي حب و كل حب هو خير و الخير باق حتي قيام الساعة .
رواية تحمل اسم الفارض وغلافها مرسوم عليه درويش ..اقل ما يقال عنها انها صوفية تتكلم عن الاولياء والدروايش والعشق الالهي ، لكن يتفاجأ القارئ بانها لا تمت للادب الصوفي باي صلة وانما هي عبارة عن فنتازيا غريبة متوحشة حاول الكاتب الباسها صفة التاريخية بزج اسماء بعض الخلفاء و السلاطين والاماكن كما غلفها بقماش الصوفية البراق لتكون فخا يقع به من يبحث عن الادب الصوفي الراقي ..